نظام الرئاسة المشتركة آلية إدارية وسياسية وثورة اجتماعية شاملة – فاطمة العلي

نظام الرئاسة المشتركة آلية إدارية وسياسية وثورة اجتماعية شاملة

“ساهمَ نظامُ الرّئاسة المشتركة في تعزيز روحِ التّضامن والتّعاون

 بين مختلف فئات المجتمع،

 فعندما يتمّ الاعترافُ بدورِ المرأة كشريكٍ أساسي في بناء المجتمع،

 يتعزّز الشّعور بالانتماء والمسؤوليّة الجماعيّة،

 ويُمَهّدُ لبناءِ مجتمعٍ ديمقراطي يقوم على مبدأ الشّراكة المتساوية”

 

 

فاطمة العلي

يُعتبر نظام الرئاسة المشتركة من أهم الابتكارات السياسية والاجتماعية التي شهدتها منطقة شمال وشرق سوريا في سياق ثورة المرأة التي انطلقت بهدف التحرر من الأنظمة السلطوية والذكورية والعادات والتقاليد البالية التي كانت تقيد حرية المرأة، وتحدّ من قدرتها على التفاعل بشكل إيجابي مع قضايا المجتمع ووضعها السياسي والاجتماعي. جاء هذا النظام كنقلة نوعية تسعى لتحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في عملية اتخاذ القرار السياسي والإداري، مما يمهد لبناء مجتمع ديمقراطي يقوم على مبدأ الشراكة المتساوية.

من خلال نظام الرئاسة المشتركة، تمّ منح النساء الفرصة لإثبات قدراتهن في مختلف المجالات، ما أدى إلى تحوّلات عميقة وجذريّة في بنية المجتمع على كافة الأصعدة. إنّ نظام الرئاسة المشتركة لا يقتصر على تمثيل المرأة في عدّة مراكز فقط، إنّما يسعى لتوسيع دائرة المشاركة والتفاعل السياسي لجميع الفئات الاجتماعية، بما فيها المرأة التي تمّ تهميشها وإقصاؤها عن دائرة التأثير السياسي، وحُرِمَتْ من حقها في صنع القرارات التي تخصّ حياتها ومجتمعها.

يُعدُّ نظام الرئاسة المشتركة بمثابة آلية مؤسساتية تهدف إلى تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، من خلال توفير تمثيلٍ عادل ومتكافئ للنساء في مراكز القيادة وصنع القرار. يتمثّل هذا النظام في تولي شخصين، أحدهما رجل والآخر امرأة، لأيّ منصبٍ إداري أو قيادي بحيث يتقاسمان المسؤوليات والصلاحيات بشكل متساوٍ، وقد تمّ تطبيق هذا النظام على مستويات مختلفة بدءاً من المجالس المحلية والبلديات وصولاً إلى المجالس التشريعية والإدارية العليا.

لم يكن نظام الرئاسة المشتركة مجرّد خطوة إصلاحية على مستوى الهيكل الإداري، بل كان تجسيداً لإرادة النساء اللواتي كسرنَ العديد من القيود التي فُرِضت عليهنّ على مدار عقود طويلة، وقررنَ أن يكنّ جزءاً فعّالاً من الثورة ضدّ الظلم الاجتماعي والسياسي. من خلال هذا النظام، استطاعت المرأة أن تتجاوز الأدوار التقليدية التي كانت تُفرض عليها، وأن تصبح شريكاً حقيقياً في عملية اتخاذ القرارات التي تؤثّر على حياتها وحياة مجتمعها.

إنّ هذا النظام الذي يتبع مبدأ التوازن بين الجنسين، يضمن أن تكون القرارات المتّخذة في مختلف المجالات مثل الأمن والاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية والسياسات الاجتماعية أكثر شمولاً وتلبية لاحتياجات جميع فئات المجتمع بما فيها النساء والأطفال.

لقد أسهم هذا التوازن في تحسين نوعية الحياة للعديد من النساء في المنطقة، حيث تمّ فتح الفرص أمامهن لتولي المناصب القيادية سواء في الإدارات المحلية أو في المجالس السياسية والتشريعية التي تساهم في وضع السياسات العامة. يجب أن نلاحظ أنّ هذه الخطوة لم تكن سهلة، بل كانت مواجهة للعديد من التحديات التي ارتبطت بالمجتمع التقليدي الذي كان يرى أنّ السياسة هي مجالٌ خاصٌ بالرجال فقط.

في البداية؛ كان هناك شكوك وتحفّظات كثيرة حول قدرة المرأة على تحمّل المسؤوليات السياسية، ولكن بمرور الوقت أثبتت المرأة في شمال وشرق سوريا قدرتها الفائقة على القيادة واتخاذ القرارات الصحيحة، وكانت تجربتها مصدر إلهامٍ لكثيرٍ من نساء الشرق الأوسط والعالم.

في هذا السياق؛ يمكننا أن نتحدث عن كيفية تعميم هذا النموذج في جميع أنحاء المنطقة من أجل تعزيز المساواة والعدالة السياسية. نجاح نظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى به في مناطق أخرى من العالم، حيث ما زالت المرأة تعاني من التهميش وعدم الاعتراف بحقوقها كاملة. إنّ نظام الرئاسة المشتركة يُعبّر عن روحٍ جديدة من القيادة المشتركة التي ترفض تفرّد الجنس الواحد، وتسعى إلى إشراك الجميع في عملية اتخاذ القرارات.

التحديات التي واجهتها النساء في نظام الرئاسة المشتركة

 

على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها نظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا، إلاّ أنّ الطريق لم يكن سهلاً أمام النساء اللواتي قررنَ خوض غمار هذا النظام والمساهمة في بنائه. لقد واجهت النساء تحديات عديدة، يمكن تصنيفها إلى تحديات اجتماعية وثقافية، سياسية وإدارية، واقتصادية أيضاً. يُعدّ المجتمع في شمال وشرق سوريا مجتمعاً متنوعاً يتألّف من عدّة مكونات عرقية ودينية، كما أنّه مجتمع تأثر لسنوات طويلة بالعادات والتقاليد البالية التي تحدّ من دور المرأة وتفرض عليها قيوداً صارمة فيما يتعلق بمشاركتها في الحياة العامّة.

كما كان على النساء التعامل مع رفض بعض فئات المجتمع لفكرة المساواة الكاملة بين الجنسين، خاصة في الأرياف والمناطق التي تسود فيها الذهنية الذكورية السلطوية بقوة، وقد تعرّضت العديد من النساء اللواتي شاركنَ في نظام الرئاسة المشتركة إلى الانتقادات والتشكيك بقدراتهن، بل وحتى إلى محاولات متعمدة لإقصائهن من مواقع التأثير. لم يكن الطريق ممهداً أمام النساء في نظام الرئاسة المشتركة على المستوى السياسي والإداري أيضاً.

كذلك؛ واجهت النساء تحديات متعلّقة بالتدريب وبناء القدرات. فبسبب سنوات طويلة من التهميش والإقصاء، كانت بعض النساء يفتقرن إلى الخبرات اللازمة للمشاركة بفعالية في عملية صنع القرار السياسي والإداري، وقد تطلّب الأمر جهوداً كبيرة لبناء كوادر نسائيّة قادرة على تحمل المسؤوليات القيادية والإدارية بكفاءة. كما أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها المنطقة كان لها تأثير مباشر على المرأة، خاصةً فيما يتعلّق بتوفير فرص العمل المناسبة وتمكينها من لعب دور فعّال في بناء الاقتصاد المحلي.

التأثير الإيجابي لنظام الرئاسة المشتركة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية

 

رغم التحديات العديدة التي واجهتها النساء في نظام الرئاسة المشتركة، إلا أنّ النتائج الإيجابية التي تحققت من خلال هذا النظام كانت كبيرة وملموسة على مستوى المجتمع بأكمله. لقد ساهم هذا النظام في تغيير ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشكل جذري، بما يحقق العدالة والمساواة بين الجنسين ويعزز من دور المرأة في مختلف المجالات.

أحد أبرز التأثيرات الإيجابية لنظام الرئاسة المشتركة هو تعزيز دور المرأة في الحياة الاجتماعية، وتحقيق قدر أكبر من العدالة والمساواة. من خلال هذا النظام، تمّ كسر الصورة النمطية التي كانت تحصر المرأة في أدوار تقليدية محددة مثل تربية الأطفال أو الأعمال المنزلية فقط. من خلال تمكين النساء ودعمهنّ للمشاركة في المجالس المحليّة والمؤسسات الإداريّة، تمّ توفير منصات للتعبير عن قضاياهن ومطالبهن ومشاكلهن بشكل مباشر وفعّال.

هذا التحوّل في دور المرأة لم يؤثّر فقط على حياتها الخاصة، بل ساهم أيضاً في تحسين حياة المجتمع بأسره. فعندما تشارك المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بقضايا مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، تصبح هذه القرارات أكثر شمولاً وتلبيةً لاحتياجات الجميع، خاصة الفئات المهمّشة مثل الأطفال وكبار السن والنساء المعيلات.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم نظام الرئاسة المشتركة في تعزيز روح التضامن والتعاون بين مختلف فئات المجتمع. فعندما يتم الاعتراف بدور المرأة كشريك أساسي في بناء المجتمع، يتعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية الجماعية، وقد أدى هذا إلى زيادة الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين وتعزيز ثقافة الحوار والتفاهم المتبادل.

من خلال نظام الرئاسة المشتركة، تمّ تشجيع النساء على تأسيس مشاريعهنّ الخاصة والمشاركة في المبادرات الاقتصادية التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للمجتمع، وقد تم دعم النساء في هذا المجال من خلال توفير التدريب والتأهيل اللازمين، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى الموارد المالية والتقنيّة.

لم يتوقف تأثير نظام الرئاسة المشتركة عند الجوانب الاجتماعية والاقتصادية فقط، بل امتدّ ليشمل الجانب السياسي والإداري أيضاً. لقد أتاح هذا النظام للمرأة فرصة غير مسبوقة للمشاركة في صنع القرار السياسي على مختلف المستويات، من المجالس المحلية إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية. أصبحت المرأة جزءاً أساسياً من الهيئات السياسية التي تتولى صياغة السياسات العامة وتوجيهها، وقد ساعد هذا في تعزيز دور المرأة في حل المشكلات والتفاوض وبناء السلام.

التأثير الإيجابي لهذا النظام على الحياة الاجتماعية كان واضحاً من خلال زيادة نسبة مشاركة النساء في المؤسسات التعليمية والصحية والثقافية أيضاً. لقد أصبح للمرأة دور أساسي في توجيه السياسات التعليمية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع ويُعزّز من قيم المساواة والعدالة، كما ساهمت المرأة في تطوير برامج صحية تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية وتوفير الخدمات اللازمة لجميع فئات المجتمع.

إلى جانب ذلك ساهم نظام الرئاسة المشتركة في تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم المتبادل بين مختلف فئات المجتمع. لقد أصبح من الممكن للنساء والرجال العمل معاً بشكل متساوٍ من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وتجاوز الخلافات التي كانت تعيق عملية التنمية. هذا التعاون شكّل انطلاقة جديدة في إعادة صياغة العلاقة بين الجنسين بشكل متكافئ.

نظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا أصبح نموذجاً يُحتذى به في مناطق أخرى من العالم، حيث ما زالت المرأة تعاني من التهميش وعدم الاعتراف بحقوقها الكاملة. لقد أثبتت التجربة في شمال وشرق سوريا أنّ المرأة قادرة على القيادة واتخاذ القرارات المهمة إذا ما توفرت لها الفرص المناسبة والدّعم اللازم، كما أنّ تعميم هذا النموذج في مناطق أخرى يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ليس فقط من أجل النساء بل من أجل المجتمع ككل، لأنّ المجتمع الذي يقوم على مبدأ الشّراكة المتساوية هو مجتمع أكثر استقراراً وتماسكاً.

يمكننا القول: إنّ نجاح نظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا لم يكن مجرّد نجاح إداري أو سياسي، بل كان نجاحاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً أيضاً. لقد تمكن هذا النظام من تغيير واقع المرأة ومنحها الفرصة لتكون جزءاً حقيقياً من عملية البناء والتغيير. تجربة نظام الرئاسة المشتركة تقدّم درساً مهمّاً لجميع المجتمعات التي تسعى لتحقيق المساواة والعدالة، كما أنّه نموذج يُثبت أنّ التغيير ممكن وأنّ المرأة قادرة على لعب دور فعّال في بناء مستقبل أفضل.

لقد أثبت نظام الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا أنّه نموذجٌ رائدٌ يسعى لتحقيق التغيير الجذري في بنية المجتمع، ليس فقط من خلال تمكين المرأة سياسياً وإدارياً، بل أيضاً من خلال تعزيز دورها الاجتماعي والاقتصادي. رغم التحديات العديدة التي واجهتها النساء في تطبيق هذا النظام، سواء كانت تحديات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية، إلا أنّ الإرادة القوية والرؤية الواضحة للنساء في هذه المنطقة كانت عوامل حاسمة في تحقيق هذا النجاح.

لم يكن نظام الرئاسة المشتركة مجرّد تجربة عابرة، بل كان نقطة تحوّل مهمّة في مسيرة النضال من أجل المساواة والعدالة. من خلال هذا النظام، استطاعت النساء أن يثبتن قدراتهن على القيادة والإدارة والمساهمة الفعّالة في بناء مجتمع أكثر تماسكاً وديمقراطياً.