أهميّة الوعي في مواجهة الحرب الخاصّة ضدّ المرأة – حميدة خضرو
أهميّة الوعي في مواجهة الحرب الخاصّة ضدّ المرأة
“الابتزاز الإلكتروني للمرأة ليس مجرّد
أفعال فرديّة أو عشوائيّة،
بل هو استراتيجيّة منظّمة ضمن ما يُعرف بـ الحرب الخاصّة
التي تستهدف النساء لإضعاف المجتمع ككل،
لأنّ المرأة تلعب دوراً محوريّاً في التوازن الاجتماعي،
والاقتصادي، والسياسي”
حميدة خضرو
كثيراً ما يُذكر أنّنا في عصر التكنولوجيا, وهو عصر التطوّر والسّرعة. في الوقت الراهن لا تستطيع الأجيال العيش دون تكنولوجيا. الأغلبية تغافلت عن دراسة أو طرح مساوئ التكنولوجيا، لذلك علينا فهم ودراسة هذا العصر بتفاصيله لنستطيع أن نرى الإيجابيات والسلبيات التي تأتي معها. بدايةً نستذكر بعض الشهيدات اللواتي كنّ قياديات ضمن ثورة روج آفا المعروفة بثورة المرأة، وسطّرن ملاحم بطولية في صفحات التاريخ كـالمقاتلة بارين كوباني، وياسمينة السلام هفرين خلف، والناشطات هبون ملا خليل، زهرة بركل، وأمينة ويسي، والقائدة العامة لقوات مكافحة الإرهاب جيان تولهلدان ورفيقتيها، والرئيسة المشتركة لمجلس مدينة قامشلو يسرى درويش ونائبتها ليمان شويش، والإدارية في تجمع نساء زنوبيا كرم شهاب.
الذهنية السلطوية والذكورية تخشى المرأة المنظّمَة والمناضلة، لذلك تعمل على استهدافها بشكل مستمر، فخلال سنوات الثورة استشهدت العديد من المناضلات في شمال وشرق سوريا على يد قوات الاحتلال التركي, وغالباً ما كان للتكنولوجيا دور في عمليات الاغتيال المذكورة، ذلك من خلال وضع شرائح للتتبّع، أو المراقبة عن طريق الجوّال الشّخصي، أو وضع مادة الفسفور لتتعقبها الطائرات المُسيّرة. إذاً للتطور التكنولوجي مساوئ جمّة لكنها مخفية وغير مذكورة.
عند الحديث عن دور المرأة ضمن الثورات، ودورها الفعّال تاريخياً لسيرورة الحياة منذ بدء البشرية حتى الوقت الحالي، يمكننا القول بأنّ المرأة الكردية لعبت دوراً رئيسياً في المجتمع الكردي، حيث كانت شريكة في النضال، وصانعة للتاريخ، وقائدة في مختلف المجالات. منذ العصور القديمة وحتى اليوم أثبتت النساء الكرديات قوتهنّ وإرادتهنّ في مواجهة الظلم، سواء كان ذلك في إطار الحركات السياسية، أو الاجتماعية، أو الثقافية.
كانت المرأة الكردية في العصور القديمة تتمتع بمكانة مرموقة داخل المجتمع، حيث وجِدَتْ العديد من الأساطير والحكايات التي تروي قصص نساء قياديات ومحاربات ومربيات للأجيال. على سبيل المثال؛ تُشير بعض المصادر إلى دور النساء في القبائل الكردية كحاكمات ومستشارات في شؤون الحكم، وهي العالمة والطبيبة الأولى للمجتمعات البدائية، وهي التي ضحّت بنفسها لأجل سلامة من حولها ومجتمعها.
خلال العصور الوسطى ومع سيطرة الأنظمة الإقطاعية عانت المرأة الكردية من بعض القيود الاجتماعية، لكنّها لم تفقد دورها في المقاومة، فكانت تشارك في الثورات والتمرّدات التي قادتها القبائل الكردية ضد الإمبراطوريات الحاكمة مثل العثمانيين والصفويين، ومع ظهور الحركة الكردية في القرن العشرين برزت المرأة الكردية كمقاتلة وناشطة سياسية.
المفكر الأممي عبد الله أوجلان يؤكّد” إنّ اضطهاد المرأة هو أساس جميع أنظمة القمع في التاريخ”، كما يقول: “المرأة هي أوّل أمّة مستعمرة، وأوّل طبقة مضطهدة، ومن دون تحرير المرأة، لا يمكن الحديث عن تحرّر المجتمع”.
مع تصاعد وتيرة الحروب والصراعات في الشرق الأوسط، لعبت المرأة الكرديّة دوراً بارزاً في القتال ضد تنظيم داعش، حيث لم تكن مجرّد عنصرٍ داعم، بل كانت في الخطوط الأمامية للنضال، وقادت معارك حاسمة ضدّ الإرهاب. أصبحت مشاركتها رمزاً عالمياً للصمود، ممّا لفت أنظار العالم إلى قوّتها وعزيمتها في مواجهة واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في العصر الحديث.
شكّلتْ النساء قواتٍ عسكرية كـ وحدات حماية المرأة (YPJ) في شمال وشرق سوريا عام 2013، حيث كانت هذه القوات النسائية في طليعة المعارك ضد داعش، ولعبتْ دوراً بارزاً في تحرير مدن رئيسية مثل كوباني والرقة. مشاركة المرأة الكردية في القتال ضدّ داعش لم تكن مجرّد معركة عسكرية، بل كانت معركة وجود من أجل الحريّة والمساواة. لقد غيّرت وحدات حماية المرأة نظرة العالم إلى دور المرأة في الثورات، وأثبتت أنّ النساء قادرات على حمل السّلاح بقدر ما هنّ قادرات على بناء السّلام. لم تكن مشاركتهنّ عسكريّة فقط، بل حملت بُعداً أيديولوجياً، حيث مثّلت معركتهنّ نضالاً ضدّ العبوديّة التي فرضها داعش، وخاصةً على النساء، مثلما حدث مع الأيزيديات اللواتي تعرّضنَ للاختطاف والسبي.
الفيلسوف عبد الله أوجلان يَعتبِرُ أنّ تحرير المرأة هو مفتاح نجاح أي ثورة حقيقية، وهذا ما انعكس في فكر الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا حيث كان للنساء دورٌ قيادي في السياسة، والحماية، والمجتمع، لذا يقول المفكر عبد الله أوجلان: “ المرأة التي تناضل من أجل الحرية لا تحرر نفسها فقط بل تحرر المجتمع كله.”
إلى جانب دورها العسكري لعبت المرأة الكردية دوراً أساسياً في السياسة، حيث برزت شخصيات نسائية مثل الباحثة في علم المرأة (جنولوجي) الشهيدة ناكيهان أكارسال، التي ناضلت من أجل الحقوق الإنسانية بشكلٍ عام والمرأة بشكلٍ خاص، وعملت على نشر فكر السلام والمساواة، بالإضافة إلى الشهيدة هفرين خلف التي اغتيلت بسبب نشاطها في الساحة السياسية في سوريا، وشاركت المرأة في برلمانات العراق وسوريا وتركيا وإيران مطالبةً بحقوقها وحقوق مجتمعها. لم يكن النضال العسكري والسياسي وحده محور اهتمام المرأة الكردية، بل خاضت معارك اجتماعية من أجل تحقيق المساواة والمشاركة في الحياة العامة. بفضل جهود الناشطات والمنظمات النسائية تمّ التقدّم في العديد من المجالات، مثل سن قوانين تحمي المرأة من العنف، وتعزيز دورها في القيادة والمجتمع المدني, وصياغة العقد الاجتماعي للمرأة في شمال وشرق سوريا.
على الرغم من الإنجازات العديدة لا تزال المرأة الكردية تواجه تحدّيات كبيرة، منها العنف السياسي والاجتماعي، والتمييز القائم على النوع، والضغوطات الثقافية التي تسعى إلى تقليل دورها في المجتمع. لكن بالرّغم من هذه الصعوبات إلا أنّها أصبحت نموذجاً للصّمود والإصرار في العالم.
في كردستان؛ تواجه المرأة الكردية سياسات ممنهجة تُعرف بـ “الحرب الخاصة”، وهي أدوات تُستَخدم لتقويض نضالها وإضعاف دورها القيادي في المجتمع. هذه السياسات لا تستهدف فقط الحركة النسوية الكردية بل تستهدف جميع النساء، ممّا يُفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، ويشمل ذلك الابتزاز الإلكتروني، العنف النفسي والجسدي، والتضييق الاجتماعي، مما يخلق بيئة قمعية تؤثر بشكل مباشر على حياة النساء ومستقبلهن.
بعد سقوط النظام البعثي لم يكن وضع النساء موحّدًا، بل تأثّر بشكل كبير بالقوى المسيطرة على كل منطقة، ففي بعض المناطق تعرّضت النساء لتضييق أكبر بسبب تصاعد نفوذ الجماعات الدينية، بينما شهدت مناطق أخرى مثل شمال وشرق سوريا تحسّناً في حقوق المرأة مع تعزيز القوانين الخاصة بها. المستقبل سيعتمد بشكل كبير على طبيعة الحل السياسي في سوريا، ومدى قدرة النساء على الاستمرار في النضال من أجل حقوقهن في المجتمع ما بعد الحل. يقول المفكر عبد الله أوجلان “ الحرب الخاصة ضدّ المرأة لا تُشنُّ فقط بالسلاح، بل بالإعلام، والثقافة، والعادات، وحتى الاقتصاد”. تُشير الحرب الخاصّة إلى استخدام أساليب غير عسكرية لكنّها فعّالة في قمع المرأة وإضعاف إرادتها، مثل الحرب الإعلامية، التلاعب النفسي، الهجمات الرقمية، والضغوطات الاجتماعية والاقتصادية. هذه الأساليب تهدف إلى خلق الانقسامات داخل المجتمع، وإضعاف ثقة النساء بأنفسهن، وجعلهن أكثر عرضة للابتزاز والاستغلال.
الابتزاز الإلكتروني للمرأة ليس مجرد أفعال فردية أو عشوائية، بل في كثير من الأحيان يكون استراتيجية منظمة ضمن ما يعرف ب ” الحرب الخاصة “. هذه الحرب تعتمد على استهداف النساء لإضعاف المجتمع ككل، لأنّها تدرك أنّ المرأة تلعب دوراً محورياً في التوازن الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، ويستخدم المهاجمون أساليب نفسيّة، اجتماعية، وإعلامية، بهدف كسر إرادة المرأة وتقويض حريتها.
مع انتشار التكنولوجيا، وتوسّع استخدام الإنترنت، وقلّة الوعي الرقمي، أصبحت النساء بمختلف أعمارهن عرضة لظاهرة خطيرة تُعرف بالابتزاز الإلكتروني. هذه الظاهرة تستغل البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة، والصور، والمعلومات الخاصة للضغط على الضحايا وتهديدهن، مما يسبب لهنّ أضراراً نفسيّة واجتماعية كبيرة.
تفتقر العديد من النساء إلى المعرفة الكافية بحماية بياناتهنّ على الإنترنت، ما يجعلهنّ هدفاً سهلًا للمبتزين، ففي بعض المجتمعات المرأة أكثر عرضة للابتزاز مقارنة بالرجال. إنّ غياب القوانين الرادعة في الأنظمة الحاكمة يُشجّع أيضاً على استمرار هذه الجرائم.
التداعيات التي أدّت لزيادة الابتزاز الإلكتروني للمرأة هي أنّها الركيزة الأساسية في العائلة والمجتمع، واستهدافها يخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، كما يتمّ استغلال العادات والتقاليد البالية ضدّ النساء لخلق صراعات داخل الأسرة والمجتمع، ويتمّ ترسيخ مفاهيم تضع المرأة بين أدوار محصورة في المنزل وذلك لمنعهنّ من لعب أدوار قيادية، بالإضافة إلى استخدام العنف الجنسي لترهيب النساء ومنعهنّ من المشاركة في الشّأن العام.
كلّ ذلك؛ يسبب للمرأة مشاكل نفسية كـ التوتر، والاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، وفي بعض الحالات قد يصل إلى الانتحار. تخشى العديد من النساء الإبلاغ عن الابتزاز الإلكتروني خوفاً من النظرة الرجعيّة الضيقة، مما يدفعهنّ إلى الانعزال عن المجتمع، وقد صادفنا أيضاً قيوداً تُفرض على حرية المرأة من قبل عائلتها، ما يجعلها تلجأ إلى استخدام التكنولوجيا في سبيل الهروب من الواقع. يؤثر الابتزاز الإلكتروني على مشاركة النساء في الحياة العامة، وخاصة في السياسة، والعمل، والنشاط الاجتماعي.
في إطار جهودنا المستمرّة -كأكاديمية أبحاث الجنولوجيا- لنشر الوعي عبر تدريباتنا وحماية حقوق الإنسانية، تبيّن لنا مدى خطورة الإنترنت على النساء وأيضاً على الفئة الشّابة بشكل عام، كما تبيّن لنا أنّ أغلب النساء لا يعرفنَ مدى خطورة الإنترنت، لذلك سعينا نحن أكاديمية الجنولوجيا في شمال وشرق سوريا خاصةً بيوم 25 تشرين الثاني اليوم العالمي لمناهضة العنف ضدّ المرأة ، لإجراء بحثٍ معمّق حول العنف الإلكتروني يهدف الى دراسة أشكاله المختلفة، وتأثيراته النفسية والاجتماعية، والآليات المتاحة لمواجهته. أيضاً تناول البحث أنواع العنف الإلكتروني، مثل التحرّش الإلكتروني، التنمر، الابتزاز، وانتهاك الخصوصية، مع تسليط الضوء على تأثير هذه الظواهر على النساء خاصة من الناحية النفسية والاجتماعية، وتسليط الضوء على المخاطر التي تواجهها النساء، وكيفية التعامل معها باستخدام أساليب وطرق آمنة وفعّالة، وأيضاً أجرينا حملة مكثّفة لتعريف العنف التكنولوجي بمناطق شمال وشرق سوريا, وأيضاً عقدنا محاضرات عبر تطبيق زووم مع نساء الشرق الأوسط ونساء أوروبا لتعريف هذه الظاهرة ومدى مخاطرها على المجتمع.
تلك الندوات والمحاضرات والحملات التي قمنا بها كان الهدف منها توعية المرأة بمخاطر الإنترنت، لأنّ أغلب الفتيات الصغيرات في السن يقمنَ بمشاركة صورهنّ وأفكارهنّ مع أصدقائهن، هذا الشي أحياناً يصل بهنّ إلى التهديد من قبل الشباب بنشر صورهن التي تكون في أغلب الأحيان متلاعب بها وغير حقيقية، ذلك إن لم ترضخ الفتاة لمطالبه الخاصة. هنا تشعر الفتاة بالخوف الشديد وهذا رد فعل طبيعي لأيّ شخصٍ يتعرض للابتزاز.
هنا نستنتج أنّ علينا نحن كنساء البحث عن الحل والتوعية بدلاً من الاستسلام والشعور بالخوف، فقد أصبحت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني من أخطر الجرائم التي تهدد خصوصية الأفراد وخاصّة الفتيات. أيضاً نرى ما تقوم به الذهنية السلطوية الأبوية بحق النساء بشكلٍ عام والنساء الكرديات بشكلٍ خاص، حيث تتعرض المرأة للابتزاز والتهديد، ويتمّ تشويه صورتهن وسمعتهن كما حصل بحق الشهيدة بارين كوباني، التي قام مرتزقة تركيا بالتّمثيل بجثّتها بشكلٍ وحشي ونشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي.
يرى المفكر عبد الله أوجلان أنّ الدولة القومية التي تستند إلى الفكر الذكوري تعمل بشكلٍ مباشر على ترسيخ اضطهاد النساء عبر القوانين والسياسات، حيث يقول: “كل دولة قومية تعتمد على عبودية المرأة، فإذا أرادت المرأة أن تتحرر فعليها أن تحارب الدولة الذكورية بكل أشكالها”. لذلك علينا العمل بنظرة علم المرأة لتعزيز الوعي الرقمي وتعليم النساء كيفية حماية حساباتهن الإلكترونية، وتفعيل خاصية المصادقة الثنائية، وتفعيل الأمن السيبراني الذي يعمل على حماية المعلومات الشخصية، والحد من الهجمات الإلكترونية، ويقوم بفرض العقوبات على الأشخاص المبتزين ومحاسبتهم. كما يجب علينا أن نكون قادرات على مواجهة هذه المخاطر التي تهدد مصيرنا، فإذا لم نتمكن من مواجهتها فعلينا اللجوء إلى القانون الذي سيحاسب المبتزين ويُسهّل الإجراءات دون الخوف من التبعات الاجتماعية.
يجب توفير مراكز دعم نفسي لحماية الفتيات والنساء من العنف الرقمي والابتزاز الإلكتروني، والذي يُعدّ من أخطر أنواع العنف الذي يواجه الفتيات والنساء مؤخراً، والذي تقع ضحيته الفتيات والنساء المستخدمات لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح هذا النوع من العنف يمثل تهديداً للاستقرار المجتمعي بشكل عام، كما يجب تعليم الفتيات منذ الصغر كيفية التعامل مع الإنترنت بشكل آمن، وتشجيع النساء على الإبلاغ وعدم الاستسلام لضغوط المبتزين.
يُعد الابتزاز الإلكتروني من أخطر التهديدات التي تواجه المرأة في العصر الرقمي، إذ لا يقتصر تأثيره على الجانب الشخصي فقط، بل يمتدُّ ليؤثّر على حرية المرأة ودورها في المجتمع. لذلك فإنّ مواجهة هذه الآفة يتطلب تعزيز التوعية حول أمان الإنترنت وتقديم إرشادات عمليّة للنساء لحماية أنفسهن من التهديدات الإلكترونية، وينبغي أن تشمل هذه الإرشادات كيفية التعرّف على الاحتيال عبر الإنترنت وتجنب الوقوع في فخاخه، بالإضافة إلى توعية النساء بأهمية عدم مشاركة المعلومات الشخصية أو الصور عبر الإنترنت، كما يتطلب جهداً مشتركاً بين الأفراد، والمجتمعات، والمنظمات، ذلك لضمان بيئة رقمية أكثر أماناً للمرأة، وتعزيز حقوقها في الفضاء الإلكتروني كما في الواقع.
رغم حدّة السياسات الرامية لتقليص دور المرأة، فإنّ المرأة الكردية لم تتوقف عن النضال، لكنّ الحماية الفعّالة تتطلب استراتيجيات متعددة منها التوعية والتثقيف, نشر الوعي حول مخاطر الحرب الخاصة وأساليبها، وتعليم النساء كيفية التعامل مع الابتزاز الإلكتروني وحماية أنفسهن رقميًا، تعزيز الأمان الرقمي, نشر ثقافة الأمان الرقمي بين النساء، تعليمهن كيفية تأمين حساباتهن على الإنترنت، والوقاية من الاختراقات الإلكترونية، دعم التنظيمات النسوية لتكون أكثر قدرة على التصدي للحرب الخاصة، تعزيز التضامن بين النساء في مختلف مناطق كردستان، ومواجهة الدعاية الإعلامية, إنشاء منصات إعلامية بديلة تقودها النساء لنشر الحقائق ومواجهة التشويه الذي يستهدفهن كإعلام جنولوجي الذي يصرّ على تنوير حقيقة المرأة التي ضاعت لآلاف السنين.
يُمثّل تاريخ المرأة الكردية مسيرة نضالٍ مستمر، حيث لم تكن مجرّد تابع، بل كانت دوماً في طليعة المقاومة والقيادة، من المحاربات في العصور القديمة، إلى المقاتلات ضد داعش، وصولاً إلى السياسيات والناشطات في يومنا هذا. تظلّ المرأة الكردية رمزاً للصّمود والإرادة القوية في وجه التحديات، كما أنّ النضال النسوي الكردي جزءٌ لا يتجزأ من الحركة الكردية الأوسع للحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية، فالنساء لم يكنَّ فقط حافظاتٍ للتراث التقليدي، بل مدافعاتٍ عن الحقوق السياسية والثقافية، حيث أسهمن في تعزيز الوعي الجماعي حول أهمية الهوية الثقافية والحفاظ عليها.
يرى المفكر عبد الله أوجلان أنّ الحرب الخاصة ضدّ المرأة ليست مجرّد ظاهرة حديثة، بل استمرار لنظام قمعي يمتدّ لآلاف السنين، كما أنّه يؤكد أنّ وعي المرأة وتنظيمها الذاتي بالجنولوجي هو السلاح الأقوى لمواجهة هذه الحرب. إنّ الحرب الخاصة ضدّ المرأة الكردية ليست مجرد تهديد لحريتها، بل هي محاولة لإضعاف المجتمع بأكمله عبر استهداف نصفه الفاعل، لذلك فإنّ التصدّي لهذه السياسات يتطلب وعياً جماعياً، وإجراءات قانونية وتنظيمية مجتمعية قوية.
إنّ جذور قدرة المرأة الكردية وروحها الثورية مستمَدّة من إرث تاريخ ميزوبوتاميا التي تشتهر بالكثير من الرسوم بحسب عمليات الرصد الأثرية والتي تشير إلى ريادة المرأة ضمن المجتمع، والدليل وجود فترات تاريخية كانت فيها المرأة تقوم مقام الآلهة، ويُعرف ذلك العصر بالعصر الأمومي.
المرأة الكردية أثبتت قدرتها على المقاومة، وأصبح كفاحها إرثاً للنساء الساعيات لنيل الحرية، ودافعاً لهنّ لتنظيم أنفسهن وبناء مجتمع كونفدرالي وديمقراطي في المستقبل. علينا أن نعلم أنّ لا شيء يتحقّق من تلقاء نفسه، والمستقبل الحر الذي تسوده المساواة يتطلّب الكفاح والتضحية، ويمكن للمرأة من الآن فصاعداً العيش بكل فخر وثقة، ولكن من الضروري توفير الأدوات والاستراتيجيات التي تُمكّنها من مواصلة نضالها دون خوف أو تردد. رغم الانتصارات التي حققتها لا تزال المرأة الكردية تواجه تحديات مثل الإقصاء السياسي، ومحاولات تقويض دورها من قبل الدول المهيمنة والسلطة الذكورية التي تسعى لإعادتها إلى الأدوار التقليدية.