العنف ضدّ المرأة أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً وانتشاراً في العالم – سوسن خلف
العنف ضدّ المرأة أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً وانتشاراً في العالم
“قضيّة العنف ضدّ المرأة، قضيّة جوهريّة تمسّ كرامة الإنسان
وحقوقه الأساسية،
كما أنّها مشكلةٌ جسيمةٌ ومعقّدة تشمل أسباباً متعددة ومتشابكة،
لذلك يجبُ على النّساء أن يتكاتفن في وجهِ الأنظمة الذكوريّة
لبناء مـجتمعٍ خالٍ من العنف”
سوسن خلف
يُعدّ العنف ضدّ النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً وانتشاراً في العالم، وهو سلوك يؤدّي في كثير من الأحيان إلى إحداث ضررٍ نفسي وجسدي في كيان المرأة مع فُقدانها لثقتها بنفسها. هذه الظاهرة لم تكن وليدة اللحظة لأنّها تواجدت مع بداية تشكّل المجتمعات البشرية.
اعتُبر العنف ضدّ المرأة شكلاً من أشكال السّادية التي مارسها الرجال على النساء، وذلك لفرض سلطةٍ ذكوريةٍ نابعةٍ من عادات وتقاليد بالية ظلّت مسيطرةً على المجتمع لعقودٍ من الزّمن دون وجود رادع لهذه الظاهرة، لأنّ المجتمعات بما تحويه من أعراف ومعتقدات وأديان زرعت هذه المفاهيم في ذهنيتهم، لتتحول إلى عُرف سائد انتشر كالنار في الهشيم وخاصة في البلدان النائية البعيدة كل البعد عن الحداثة والتطور.
مورس بحق النساء الكثير من أشكال العنف، إلى جانب عددٍ لا حصر له من المصطلحات التي شاع استخدامها لدى النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان الذين سعوا إلى تحقيق المساواة، وبناء مجتمعات خالية من أي شوائب تعيقُ عجلة التطور وتعيد التوازن لديها بحسب فكر وثقافة كل مجتمع على حدى. أشكال العنف كثيرة منها:
– العنف النفسي والعاطفي: هو نمط من السلوك يُستخدم للحفاظ على سيطرة السلطة الذكورية وهيمنتها على المرأة ويُعتبر أحد أكثر أشكال العنف شيوعاً في العالم.
– العنف الجسدي والجنسي: وهو عنف يُعرّف عن نفسه لأنّه يُعتبَر محاولةً لإيذاء الشريك بالضرب أو الحرق أو إجباره على ممارسة عمل لا يريد القيام به كالاغتصاب أو التحرش، وهذا الشّكل نابع من ثقافة المجتمع والبيئة التي خُلق ضمنها الرجل، وتُعتبر ثقافة عدم المساواة بين الجنسين والتحيّز لجنس على حساب آخر؛ بيئة مغذّية لارتكاب مثل هذه الأفعال الخارجة عن الطبيعة البشرية.
– قتل النساء تحت مسمّيات وحجج واهية: يُعتبر من أقسى أشكال العنف الجسدي المطبّق على الإناث، لأنّه طُبق نتيجة أعراف وتقاليد قديمة. كما أنّ تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) يُعتبر واحداً من أبرز أشكال العنف الجسدي المطبّق على المرأة.
– العنف الإلكتروني: استخدم هذا العنف بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصة مع التطور التكنولوجي و انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدامه بشكل سلبي لاستغلال النساء والفتيات، وذلك بإرسال رسائل نصيّة تحوي إيحاءات وصور جنسية وكلام بذيء يهدف إلى تهديد وابتزاز الطرف المقابل، وغالباً ما تودي مثل هذه الأفعال إلى حالات نفسية حادّة غالباً تؤدي إلى الانتحار.
زواج القاصرات: يُعتبر من انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات الضارّة التي تؤثر بشكل سلبي على النساء والفتيات على المستوى العالمي، ويهدد زواج القاصرات حياة ومستقبل الفتيات والنساء في جميع أنحاء العالم، ويسلبهن قدرتهنّ على اتخاذ القرارات بشأن حياتهن ويعرقل تعليمهن ويجعلهن أكثر عرضة للعنف والتمييز وسوء المعاملة. غالباً ما يترافق مع زواج القاصرات حمل وولادة مبكرة ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض والوفيات لدى الأمّهات، بالإضافة إلى محاولة الفرار من مجتمعاتهن المحليّة أو الانتحار من أجل تجنّب الزواج أو الهروب منه.
تأتي الذهنية الأبوية الذكورية المسيطرة معززة لاستشراء هذه الظاهرة بكل أشكالها، مفاقمةً بذلك تلك الآفة الاجتماعية، التي تؤثر بشكل مباشر على نفسية النساء عامة والنساء في المناطق النائية التي لم تدخلها الحداثة بشكل خاص، خاصةً وأنّ قتل النساء أصبح وباءً عالمياً يصعب التخلص منه بسهولة، ما يُظهر مدى ضعف العالم تجاه مكافحة هذه الظاهرة.
كشفت تقارير حقوقية صدرت حديثاً عن تزايد أعمال العنف ضدّ المرأة في العديد من دول العالم كالهند وباكستان ومنطقة الشرق الأوسط، كما كشفت دراسات أجرتها منظمة حقوق الإنسان ومنظمات أخرى معنية بحقوق المرأة، مقتل امرأة كل 11 دقيقة على مستوى العالم، وسط تساؤلات عن جدوى القوانين التي سنّتها الحكومات مؤخراً لحمايتها، بينما يعلّق المراقبون الأمل على الإعلام للحدّ من هذه الجرائم، فهل للجهل والتخلّف والتعتيم الإعلامي دور في استشراء هذه الظاهرة واستمرارها لحدّ الآن؟
– للأسف الإجابة هنا وفي هذه الحالة هي نعم، لأنّ ضعف التعليم وانتشار الأميّة يؤدي الى قلة الوعي وانعدامها في الكثير من الدول وخاصة الفقيرة والنامية، ما يؤدي بالتالي الى زيادة هيمنة الأعراف القبلية والعشائرية على تلك المناطق كما هو الحال في دول الجنوب الأفريقي كتشاد ونيجيريا والصومال، وتكون المعتقدات المفروضة من قبل السلطة الذكورية الحاكمة على القبيلة (قائد القبيلة أو كبيرها) هي المسيطرة على القوانين والمشرفة على إجراء المحاكمات في كثير من حالات العنف التي ذكرناها سابقاً، وغالباً ما يكون الحكم بالقتل وبإجماع القبيلة كلها.
للإعلام الدور الأكبر في انتشار هذه الظاهرة، لأنّ المجتمعات المعروفة بقوة الإعلام و الصحافة تتميز بقلة جرائم القتل والاغتصاب ضمنها، بعكس المجتمعات النائية التي تفتقر للوعي أو تكون مكبوتة إعلامياً كما هو الحال في بعض الدول العربية أو دول شرق آسيا وأفريقيا، حيث يكون فيها الإعلام موضوع تحت الرقابة وضمن قوالب لا يستطيع الخروج منها أو التعدي عليها.
لذا نجد أنّ الكثير من المحافل الدولية مستمرّة بعملها الدؤوب للحدّ من هذه الظاهرة والقضاء عليها، من خلال الاعتراف باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة والمصادف 25 نوفمبر من كل عام، يليها حملة 16 يوم من النشاطات التوعوية والتثقيفية للتعريف بما تملكه المرأة من حقوق وواجبات.
الهدف من ذلك اليوم هو رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الاغتصاب والعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف المتعددة، علاوة على ذلك فإنّ إحدى الأهداف المُسلط الضوء عليها هو إظهار أنّ الطبيعة الحقيقية للمشكلة لا تزال مختفية. يعود تاريخ 25 نوفمبر إلى عملية الاغتيال الوحشية عام 1960 التي تعرضت لها الأخوات ميرابال عندما طالبن بأبسط حقوقهن كـ حق الحياة وحق العمل وحق تقرير المصير، إلا أنّ هذه المطالب قوبلت بالرفض والتعنيف والقتل.
ما هي أسباب جرائم قتل النساء؟
جرائم قتل النساء هي مشكلة جسيمة ومعقّدة لها أسباب متعددة ومتشابكة، ومن بين الأسباب الشائعة التي قد تؤدي إلى قتل النساء : العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يُعدّ العنف الأسري والعنف القائم على النوع الاجتماعي واحداً من أكثر الأسباب شيوعاً لقتل النساء، يمكن أن يكون ذلك نتيجة للعلاقات العنيفة داخل الأسرة، وسوء المعاملة، والسيطرة المفرطة، والتمييز الجنسي.
أما السبب الثاني فهو ما يسمى بـ جرائم الشرف، والسبب الثالث فهو الزواج القسري، إذ يتمّ قتل النساء بسبب رفضهن للزواج القسري أو بسبب اتهامهن بارتكاب جرائم شرف، بالإضافة إلى أنّ الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة يمكن أن يكونا عاملًا يزيد من خطر العنف والقتل، كما أنّ المرأة تتعرض للاستغلال الجنسي والاعتداءات الجسدية والنفسية في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، وبعض النساء فقدن حياتهن فقط لأنهن طالبن بحقهن في التعليم.
الدراسات الحديثة أثبتت أنّ مخ المرأة بالرغم من أنّه أصغر حجماً، ولكنّه أسرع وأفضل فيما يتعلق بالأداء والتنظيم مقارنة بمخ الرجل، وذلك لأنّ مخ المرأة يتكون من عدة صناديق قادرة على القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت، بعكس مخ الرجل الذي يتكون من صندوق واحد أو اثنين، لذلك نجده لا يستطيع القيام إلا بعمل واحد أو عملين في الوقت نفسه.
الرجل يُصاب بحالة من الهلع والتوتر والقلق في حال طُلب منه القيام بأكثر من عمل في نفس اللحظة، فهو لا يستطيع أن يقوم بترتيب أفكاره وتنظيم فوضى مكتبه في آن معاً، بعكس المرأة التي تقوم بالعمل خارج المنزل ثم تعود لترتيب منزلها وتعتني بأطفالها وتُجهز الطعام وتستقبل الضيوف في نفس الفترة الزمنية التي يستغرقها الرجال لإنجاز عملين فقط. من هنا نجد أنّ الكثير من الدول المتقدّمة تعتمد على النساء في المناصب الإدارية ومراكز صنع القرار أكثر بكثير من الرجال.
إذا تعمقنا أكثر في انتشار ظاهرة العنف والقتل على مستوى سوريا، فإنّنا نجد أنّ هنالك الكثير من المقومات التي ساهمت في انتشار هذه الآفة بشكل عام، فالعنف المطبق بحق المرأة منعها من التمتّع بحقوقها كاملةً. عواقب هذه الظاهرة لم تكن على المرأة فحسب، بل امتد تأثيرها ليشمل الأسرة والمجتمع بأكمله، وذلك لما ترتّب عليه من آثار سلبية واجتماعية، واقتصاديّة، وصحيّة وغيرها، فالعنف ضدّ المرأة لا يرتبط بثقافة، أو عرف، أو طبقة اجتماعيّة، بل هو ظاهرة عمّت كافة البلاد دون استثناء مكون أو طائفة.
العنف ضدّ المرأة في سوريا لم يقتصر على تعنيف المجتمع والأزواج فقط، بل تخطى ذلك حيث تعرّضت النساء السوريات خلال سنوات الأزمة السورية المستمرة لانتهاكات جمّة على يد التنظيمات الإرهابية المسلحة، وشملت تلك الانتهاكات قتل واغتصاب وخطف وتهجير وحرمان من التعليم، ما دفع الكثير من المنظمات الحقوقية والنسائية لمعالجة هذه الظاهرة التي باتت تفتك بالمجتمع وتنهش في أوصاله وذلك من خلال إقامة حملات توعوية وندوات ومحاضرات فكرية، بغية إعادة التوازن المجتمعي الذي افتقده المجتمع مع اندلاع الثورة عام 2011.
في تلك الفترة التي كانت تمرّ بها سوريا، غدت عملية التغيير الديمقراطي في شمال وشرق سوريا تفرض نفسها بصورة حتمية ودخلت في طريق اللا عودة، وذلك عن طريق إعلان تشكيل الإدارة الذاتية الديمقراطية عام 2014، هذا المشروع الذي يمثل أفضل نموذج لخروج سوريا من أزمتها الراهنة، وإيجاد حلول جذرية ودائمة، ومعالجة قضايا المجتمع السوري بشكل عام والمجتمع الكردي بشكل خاص.
حظيت المرأة في شمال وشرق سوريا بمكانة مرموقة حيث فُتِحَت أمامها آفاق للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وتقلدت مكانة متقدمة في هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية في كافة المجالات بفكر وفلسفة الأمة الديمقراطية كنموذج لتجاوز الذهنية الذكورية وتوسيع الآفاق لممارسة المرأة دورها في إطار الحياة النِدّية، بالإضافة إلى أنّها حصلت على تمثيل متساوٍ مع الرجل في الرئاسات المشتركة في كافة المناصب، والتساوي بنسبة ٥٠ % في كل الإدارات والمؤسسات وحرية التعبير عن رأيها في منزلها وعملها ومجتمعها، كما أنّها شاركت من خلال وحدات حماية المرأة في القضاء على أعتى التنظيمات الإرهابية وساهمت في تحرير المدن من داعش.
لعبت مؤسسات المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية منذ تأسيسها الدور الأهم والأبرز في الحدّ من ظاهرة العنف ضدّ المرأة وإيجاد الحلول لها بهدف عدم تفاقمها، وذلك من خلال إنشاء مكاتب وأكاديميات ومنظمات معنية بشؤون المرأة لمناصرة قضاياها وما تتعرض له من انتهاكات، إضافة إلى تشكيل (دور للمرأة) ضمن الأحياء السكنية للجوء النساء المعنّفات إليها، كما تمّ بناء قرية المرأة (جينوار) حيث تعيد مجموعة من النازحات بسبب الحرب والعنف المنزلي بناء حياتهن من جديد.
عندما شعر الشعب السوري بالطمأنينة بعد سقوط النظام البائد في سوريا عام 2024، شهدت المدن والمحافظات السورية تصاعداً لأعمال العنف والإجرام والنزاعات والقتل الطائفي، ما أدى إلى مقتل الآلاف أغلبهم من النساء والأطفال بشكل وحشي على يد التنظيمات الإرهابية التي باتت متوغلة في الداخل بشكل كبير دون رادع يكبح تصرفاتهم اللاأخلاقية.
ما حققته النساء خلال ثورة المرأة في روج آفا أصبح نموذجاً عالمياً يُحتذى به، لأنّ ثورتهن هي ثورة إنسانية تحقق العدالة المجتمعية، كما أنّها ثورة للحياة النِديّة التشاركيّة التي منحت الجنسين الفرصة للعيش بحريّة. لقد أثبتت تجربة المرأة في شمال وشرق سوريا يوماً بعد يوم نجاحها، وهي التجربة الديمقراطية الوحيدة التي تضمن حقوق النساء بشكل حقيقي وتحقق التغيير والتحوّل الاجتماعي الإيجابي في المنطقة. بذلك أصبحت ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا نبراساً ينير طريق الحرية في الداخل السوري والشرق الأوسط والعالم، حيث بدأت الأخيرة بإرسال بعثات نسائية لتلقي التدريب والاستفادة من تجاربهن التنظيمية والسياسية.
تُعتَبر قضية العنف ضدّ المرأة، قضية جوهرية تمسّ كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية وتشكل تحدّياً كبيراً أمام العدالة والمساواة في مجتمعاتنا. هذه القضية تتطلب التعاضد والتّكاتف النسائي في وجه الأنظمة الذكورية المُستبِدة لبناء مسارات فعّالة لمكافحتها بمختلف أشكالها، والعمل على التوعية بأهمية ومكانة المرأة في المجتمع، والتشديد على أنّ الأسرة ھـي النواة الحقیقیة للمجتمع ومـن غـیر بـناء الأسـرة والاهتمام بھا لا یـمكن أن نبني مـجتمعاً صحيّاً وسليماً, وتفعيل القوانين الحامية لحقوق المرأة، التبرع للمنظمات النسائية التي تعمل على تمكين المرأة، ورفع أصواتهن عالياً، ودعم الناجيات، وتعزيز قبول جميع الهويات.
إنّ ما تعانيه النساء في زمننا الحاضر ضمن بعض المجتمعات من عنف وتهميش متصاعد ما هو إلا عادات وتصرفات نابعة من معتقدات بشرية تعود لعصور الهمجية الغابرة، وبقي أثرها عالقاً في النفوس حتى يومنا هذا. النّضال التاريخي ضدّ العنف بحق المرأة مازال مستمراً، ووصل إلى ذروته، والتاريخ كان ومازال شاهداً على قوّة وعظمة المرأة وقدرتها على خلق الحياة من رحم المعاناة، وشاهدٌ على تملُّكِها لكافة صفات الحب والعدالة والإنسانية، فالمرأة اليوم تتمتع بخبرة بناء مجتمع جديد من خلال مقاومتها العظيمة، والدليل على ذلك نضال المرأة في كردستان والخارج، والحقيقة هي أنّ نضال المرأة الكردية يمتلك تأثيراً كبيراً، لأنّه أصبح نموذجاً تحتذي به نساء الشّرق الأوسط والعالم.