المرأة والمسافة ما بين مفهومي العبودية والحرية
المرأة والمسافة ما بين مفهومي العبودية والحرية
“دور المرأة في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية؛
فهي تشارك بشكل فعال ومساوي في صنع القرارات المصيرية”
همرين علي
لا يمكن أن نتحدث عن التاريخ إلا بذكر دور المرأة عبر مراحله، لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض. فالتاريخ الذي حمل بين طياته أو دور الريادي للمرأة والانكسارات التي تعرضت لها وأثارها الممتدة إلى يومنا الراهن، أنتج مساران؛ الأول الاستبداد والظلم والعبودية من قبل الدول القومية، والثاني النضال لرفع الاستبداد والظلم عنها وعن طبيعتها.
فكلنا نعلم إن المرأة في المجتمع الطبيعي كانت تسمو أو ترتقي إلى منزلة (الإلهة)، فكانت إلى جانب كونها الأم، كانت تقوم أيضاً بأداء أدوار أخرى في غاية الأهمية. فمثلاً كانت تلد وتربي الأطفال وتبني البيوت وتصنع الأقمشة والنسيج، وفي ظل انشغال الرجال بالصيد وغيره، كان عليها القيام بكافة الأمور الحياتية، حيث لا يخلو الأمر من الاكتشافات التي حصلت عليها من خلال التجارب التي كانت تقوم بها حتى ولو على حساب شخصها، حيث قامت بتناول واستخدام الأعشاب الطبية لشخصها قبل استطباب أطفالها، وذلك تضحية منها وتجنباً للخطر الذي كان من الممكن أن يحدق بهم, وهذا أسمى أنواع التضحية التي عرفتها البشرية, لكن ألوهيتيها وقيادتها للمجتمع لم يدم طويلاً، فقط بدأ الحسد يتولد لدى الرجل ويتنامى تدريجياً، بالإضافة إلى قنص فئة الشبيبة من قبله (الرجل)، الأمر الذي أدى إلى تشكل وظهور السلطة الأبوية، ومهد بدوره إلى ظهور السلطوية ومن ثم الوصول إلى تشكيل الدولة القومية وسيطرتها على كافة مجالات الحياة بما فيها دور المرأة, حيث إن الدولة تعتمد على ذهنية طبقية وهرمية ومركزية:
- الطبقة الحاكمة (السياسية).
- الطبقة العسكرتارية ( حكم الجيش).
- الطبقة الغنية (التجار).
الكل يعتمد على الآخر؛ فإذا انهارت إحدى تلك الطبقات، انهارت الدولة، مما كان يستدعي منهم حماية بعضهم البعض، للحفاظ على نظامهم الشمولي الذي أدى إلى إجحاف دور المرأة في المجتمع، وتحويلها شيئاً فشيئاً إلى ما يشبه السلعة، لكسب المال وتمرير سياسات الطبقات الحاكمة إلى درجة المتاجرة بها، والتقليل من شأنها وحرمانها من حقوقها كفرد في المجتمع، وتحويلها إلى آلة لإنجاب الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية فقط، واستمرت هذه الوضعية إلى عصرنا الحالي.
يمكننا ذكر بعض الأمثلة من نظام الدولة القومية التي حجبت دور المرأة في التاريخ:
فرنسا:
تعرضت المرأة للتمييز والاستبداد خلال الثورة الفرنسية ( 1789 – 1799 )، التي ادعت أنها تنادي بحقوق الإنسان والمواطن. فبينما كانت المرأة تشارك في الاحتجاجات والمطالبات بالحرية والمساواة، فإن الدولة القومية أصدرت قوانين تحرمها من حق التصويت والترشح والتعليم والعمل. كما قامت بإعدام عدد من النساء اللاتي اشتهرن بدورهن السياسي والثوري، مثل أوليمب دو جوج ( 1748 – 1793 )، التي كانت كاتبة وصحفية وناشطة نسوية، وشارلوت كورديه ( 1768 – 1793 )، التي اغتالت جان بول مارات ( 1743 – 1793 )، أحد قادة الثورة.
تركيا:
تعرضت المرأة للقهر والإبادة خلال حكم الدولة العثمانية ( 1299 – 1922 )، التي كانت تسعى إلى بناء إمبراطورية إسلامية قوية. فيما كانت المرأة تحظى ببعض الحقوق والامتيازات في الإسلام، فإن الدولة العثمانية فرضت عليها نظام الحريم، الذي يقتصر على حبسها في قصور وبيوت خاصة، وإخضاعها للزواج المبكر والقسري والتعددي.
كما شاركت في إبادة الأرمن ( 1915 – 1917 )، التي راح ضحيتها ملايين من المسيحيين في أناتوليا، بما في ذلك نساء وأطفال.
إيران:
تعرضت المرأة للقمع والانتهاك خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي ( 1941 – 1979 )، الذي كان يطبق سياسة التغريب والتحديث. فبينما كان يدعم حق المرأة في التعليم والعمل والانخراط في الحياة العامة، إلا أنه أجبرها على ارتداء الملابس الغربية والتخلي عن الحجاب والعادات الإسلامية. كما قمع أي مظاهرة أو احتجاج من قبل النساء اللاتي كن يرفضن سياسته.
هذه بعض الأسئلة التي تبين كيف شوهت الدولة القومية دور المرأة في التاريخ، وكيف حرمتها من حقوقها وكرامتها وهويتها. لكن هذا لا يمنع أن تكون المرأة عاملاً فعالاً في التغيير والتقدم، فهي تستطيع أن تثبت قدراتها ومواهبها في كافة المجالات، وأن تساهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وديمقراطية وتنوعاً. إن الدولة القومية وأنظمتها الشمولية هي أنظمة تسعى إلى فرض هوية واحدة وثقافة واحدة على كل مواطنيها، وتقمع كل مظاهر التنوع والتعددية في المجتمع.
هذه الأنظمة تستخدم القوة والعنف والتضليل للحفاظ على سلطتها وسيطرتها على الموارد والثروات. في هذه الأنظمة، تعاني المرأة من التهميش والإقصاء والتمييز في كل مجالات الحياة، سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، تحرم المرأة من حقوقها الأساسية، مثل الحماية والتعليم والصحة والعمل والمشاركة في اتخاذ القرارات. تتعرض المرأة للعنف والإساءة والإهانة بسبب نوعها الاجتماعي . تفقد المرأة دورها التاريخي في بناء المجتمع والحضارة، وتصبح جسداً بلا روح.
فلسفة الحضارة الديمقراطية
الأمة الديمقراطية هو مشروع يسعى إلى بناء مجتمع ديمقراطي يحترم التنوع والتعددية في المجتمع، ويضمن المساواة في الحقوق والفرص بين جميع مكوناته. هذا المشروع يستند إلى فلسفة الحضارة الديمقراطية، التي تؤكد على قيم الصداقة والجيرة والتعاون والحياة التشاركية الاجتماعية، والانسجام مع الطبيعة. هذه الفلسفة تستلهم من تاريخ المجتمعات الطبيعية التي قادت الثورات الزراعية والصناعية في الماضي، والتي كان للمرأة دور رائد فيها. هذه الفلسفة ترفض فكرة الدولة القومية، التي تستخدم المؤسسات للسيطرة على المجتمع، وتحوله إلى جسد بلا روح.
في مشروع الأمة الديمقراطية، تأخذ المرأة دورها في بناء المجتمع عن طريق المنظمات والاتحادات الديمقراطية، التي تستند إلى مبدأ “الإدارة الذاتية“، أو “إدارة المجتمع نفسه بنفسه“. هذا يعني أن المرأة تشارك بشكل فعال في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتها، سواءً على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الوطني. كما تشارك المرأة في كافة مجالات التنمية، سواءً السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو التربوية أو الصحية والعسكرية. كذلك، تشارك المرأة في الدفاع عن حقوقها وحريتها وكرامتها، سواءً بالطرق السلمية أو الطرق غير السلمية، إذا اقتضى الأمر ذلك. إذا تم تطبيق هذا المشروع على كافة الصعد الحياتية الثقافية والاجتماعية في المجتمع، فإنه يمكن أن يحقق حياة كريمة ومستقرة ومزدهرة للمرأة وللمجتمع بأسره.
فالمرأة نصف المجتمع بل المجتمع بأكمله، ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع ديمقراطي بدون مشاركة المرأة. كما أن المرأة هي مصدر الحياة، ولا يمكن أن يكون هناك حياة بدون حرية المرأة. لذلك، فإن دور المرأة في بناء الأمة الديمقراطية هو دور حاسم وحيوي، لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه.
دور المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية
إن دور المرأة في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية هو دور متميز ومتقدم عن دورها في الإدارات الأخرى، فهي تشارك بشكل فعال ومساوي في صنع القرارات، وتولي المسؤوليات في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. المرأة في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية تعتبر شريكة أساسية في بناء مجتمع ديمقراطي ومتنوع ومسالم، يحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما أنها تحافظ على هويتها وثقافتها، وتحترم التعددية الإثنية والدينية.
بالإضافة إلى قيامها بتطوير مهاراتها وقدراتها، وتحصل على التعليم والتدريب المناسب. وتخدم المجتمع، وتشارك في التطوع والعمل الخيري، وتحافظ على البيئة، وتستخدم الموارد بشكل معقول، وتنمي الزراعة. إذا ما تم مقارنة دور المرأة في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية في مناطقنا الآن مع دورها في الإدارات أو بالأحرى الدول الأخرى، فإننا نجد أن هناك فروقات كبيرة في مستوى التمكين والحقوق والفرص. ففي بعض الدول، تعاني المرأة من التهميش والظلم والقمع من قبل الدولة القومية، التي تحاول فرض رؤيتها السياسية والثقافية على الجميع دون احترام التنوع والحقوق. من هنا نصل إلى تلك النتيجة بأنه؛ وجود المرأة في مشروع الأمة الديمقراطية ونظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، تعني استنادها على فلسفة الحضارة الديمقراطية، والتي تختلف جذرياً عن مفهوم الدولة القومية، التي تستند على الطبقية والدولتية.