الدولة القومية وقضية حرية المرأة
الدولة القومية وقضية حرية المرأة
“يجب أن نحقق في أنفسنا تغيير جذري
وهو أن نتخذ سلوكيات جديدة في التفكير
وفي تحقيق الذات الحرة البعيدة عن ما تعودّْنا عليه”
فوزة يوسف
إن الأنظمة السياسية منذ نشأتها وحتى الوقت الراهن ذو خاصية أساسية؛ وهو تأثيرها الكبير على الحياة الاجتماعية وحياة الأفراد بشكل مفرط. فعندما يكون النظام السياسي داعياً للحرية والديمقراطية والمساواة يخلق أرضية كبيرة للإبداع، والاستقرار، ولشخصيات قوية، في حين عندما يكون النظام السياسي داعياً للسلطة، للعبودية، لخدمة جزء من المجتمع، فإنه يخلق الطبقية، اللامساواة ويؤدي إلى الحروب من أجل حكم – سلطة ومال أكثر. لذلك لا يمكن القول؛ بأن الدولة القومية فقط هي التي أثرت على المرأة بشكل سلبي، بل الدولة كنظام حكم ومنذ البداية كانت نقطة تحول سلبية وخطيرة في تاريخ البشرية.
في حين الذي أضيف للدولة من قبل الحداثة الرأسمالية هو تحول الدولة إلى وحش كاسر بسبب تبنيه فكرة التعصب القومي والديني والجنسوي. من المهم جداً التركيز على هذه النقطة، وهو أن لا نقع في خطأ وكأن الانظمة الأخرى لبعض الدول إيجابية، في حين أن الدولة القومية فقط سيئة. الحقيقة هي؛ أن الدولة القومية هو أسوء نموذج للدولة، وهذا ما يمكن أن نراه بشكل واضح إذا ما بحثنا في تاريخ نشؤ الدولة وتداعياته على المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص.
المجتمع الطبيعي
عندما نعود إلى فترة المجتمع الطبيعي، نرى بأن للمرأة بصمات واضحة على النظام السياسي والاجتماعي والقيم الأخلاقية. فالمرأة هنا تلعب الدور الفعّال والريادي في قيادة المجتمع، وهذا ما يمكن أن نستنتجه من التماثيل واللوحات والكتابات والأساطير التي بقيت وقاومت كل أنواع الإبادة التاريخية التي تعرضت لها من قبل النظام الذكوري.
جميع الأبحاث والدراسات التاريخية تؤكد؛ أن الفترة التي كانت فيها النظام الأمومي سائداً، كانت هناك حياة تسودها قدراً كبيراً من الحرية والمساواة، وحتى أن مفهوم الجنة يعود إلى تلك الحقبة الزمنية، وبقيت عالقة فيما تحت الشعور لدى الإنسان إلى يومنا هذا.
لكن بعد ظهور (النظام الأبوي)، نرى أن البنية الهرمية والسلطوية شكلت أساس المجتمع في ذلك الحين. ومصطلح الهرمية يدل في معناه على أول مثال بارز لمفهوم الإدارة السلطوية المتحدة مع السلطة المقدسة للرهبان، ولدى ازدياد تكاثُف و تقدُّم هذه المؤسسة السلطوية المتعالية على المجتمع، وتَوَجُّهِها مع الوقت نحو التمايز الطبقي؛ تحولت إلى سلطة الدولة. لن يكون من المبالغة القول أن العلاقة بين الدولة والنظام الذكوري مثل جدلية (البيضة والدجاجة)، أي منهما خلق الآخر.
إن المعابد التي ظهرت فيها الهرمية والطبقية، مع الزمن تحولت إلى مؤسسة، وهذه المؤسسة سُميت بـ (الدولة)، فيما بعد. هذه الدولة تحولت فيما بعد إلى مصنع تنتج الهرمية والطبقية، وذلك لأنها لم تعتمد الحرية والمساواة بل اعتمدت على سرقة القيمة الزائدة التي ينتجها جهد المجتمع. بالطبع يقاوم المجتمع الطبيعي تجاه هذه المرحلة حقبة طويلة من الزمن. لأن من كان يتراكم لديه الإنتاج الفائض في النظام الأمومي، لم يكن بمقدوره فرض الطاعة تجاه سلطته والامتثال لها، إلا عندما يشاطر ما يدّخره مع أفراد جماعته. وكان حينها يُنظَر إلى الادخار والتكديس بعين الجُرم الأكبر.
والشخص الأفضل كان هو ذاك الذي يوزع ما يدخره من إنتاج. ويرجع مفهوم “الكرم والسخاء”، الذي ما يزال سائداً في المجتمعات القبائلية، في أصله إلى هذه التقاليد التاريخية الراسخة. وحتى الأعياد ابتدأت بالظهور كمراسيم لتوزيع الفائض. فالجماعة في بداياتها ترى في الادخار والتكديس أفدح خطر يهدد وجودها، فتجعل من المقاومة تجاهه أساساً للمفاهيم الأخلاقية والدينية لديها. وليس من الصعوبة ملاحظة آثار هذه التقاليد في كافة التعاليم الدينية والأخلاقية.
يؤكد القائد والمفكر أوجلان في مرافعاته عن تلك الفترة بهذا الشكل:
“لقد كانت الأم هي العضو الرئيسي، المنجب الخصيب، والمنشئ المعيل في أحلك الظروف وأقساها. وتشكيلها لأساس الوجود المجتمعي هو إشارة حقيقية لقوة مصطلح “الأم”، الذي لا يزال يحافظ على منزلته في راهننا أيضاً. وهو لا يتأتى من خاصية الإنجاب البيولوجية المجردة، مثلما يُظَن. بل يجب رؤية “الأم، الأم – الإلهة” على أنها الظاهرة والمصطلح الاجتماعي الأهم على الإطلاق. حيث تكون منغلقة كلياً تجاه ظاهرة الدولة، ومتسمة بكل المزايا التي لا تولّد تلك الظاهرة.”
النظام الأبوي
لكن بعد أن نجح النظام الذكوري من فرض سلطته قام ببناء معابد، تكون فيه المرأة العبدة، الموسمة والجارية. بالطبع بسقوط المرأة سقطت كل القيم الاجتماعية، حيث أصبح الرهبان في اعلى ألهرم في المعبد ومن بعدها يأتي الحرفيون وفي أسفل الهرم تسكن النساء. ليتم بعدها مرحلة الرهبان الذين يُعتبرون المؤسسون الأوائل للدولة في تاريخ البشرية. عند زيارة المتاحف الأثرية يمكن رؤية هذه المرحلة بشكل واضح حيث إن كل التماثيل هي عائدة للرهبان، ويتم نفي المرأة بشكل كامل وكأن المجتمع في ذاك الوقت يتشكل من الرجال فقط.
ففي المكان الذي يكون فيه السلطة، يسوده الظلم، التعذيب، الجوع، الألم ، الحرب، القتل واستغلال الجهد. فمفهوم (الجهنم)، أيضاً هو مصطلح اجتماعي أوجده الناس في ظل ما عاشوه من معاناة، وما يحكى عن الجهنم كلها تصويرات وتشبيهات ناتجة عن خيال الإنسان. فالجنة تعبر عن ما يطمح به الإنسان من حرية ومساواة ورفاهية وحب وجماليات. في حين الجهنم يعبر عن ما يواجهه الإنسان من حزن ووجع وازدراء.
نظام الدولة القومية
بالطبع أخذت الدولة أشكالاً كثيرة خلال آلاف السنين، إلا أنه نموذج الدولة القومية يعتبر من أكثر أشكال الدولة فاشية نظراً إلى الذهنية التي يعتمد عليها وما مارسه من ظلم على الشعوب والنساء منذ أن تبلور كنظام حكم. الدولة القومية التي ظهرت في أوروبا في أواخر القرن السابع عشر تم تصديره من قبل الغرب، وخاصة بريطانيا إلى الشرق الأوسط، حيث كان الهدف منه هو تقسيم المنطقة إلى دول من أجل أن يحقق سيطرته على منابع النفط، وأيضاً منع الشرق الأوسط من تحوله إلى قوة تهديد للغرب كما كان سابقاً.
فسياسة (فرق تسد) كانت الاستراتيجية التي اعتمدت عليها بريطانيا منذ قرنين تجاه هذه المنطقة. بالطبع التشتت الذي ساد في المنطقة أدى إلى حالة تشرذم، وإلى حروب بحيث لم تسلم أي دولة من الحرب والفوضى خلال أكثر من قرن. فالحرب الفلسطينية الإسرائيلية، اتفاقية لوزان الذي خلق الصراع الكردي مع الأربع الدول التي احتلت كردستان، الحرب العراقية الإيرانية، الحرب الأهلية في لبنان، والانهيار الأخير لدول المنطقة بعد ما سمي بـ “الربيع العربي”، ومشروع الشرق الأوسط الجديد كلها حلقات من نفس السلسلة، وهي وضع المنطقة في حالة فوضى وصراع دائمين. بحيث تعجز عن أن تشكل طرحاً بديلاً للنظام العالمي الذي يحكمه الغرب في القرون الاخيرة.
الدولة القومية المستوردة من الغرب وحالة الحرب الدائمة هذه دمرت المنطقة من كل النواحي. فالتعصب الفكري والديني والقومي والجنسوي والعشائري، جعلت المنطقة في حالة صراع داخلي أي “حرب الكل ضد الكل”، بالرغم من كل التقدم العلمي والفكري في العالم، إلا جرائم الشرف، جرائم الثأر ما زالت مستمرة على قدم وساق في منطقتنا. وهذا يثقل من وطأة القضايا بشكل أكثر. إن تبني الدولة القومية أيديولوجية كل أنواع التعصب والتزمت الفكري أدى إلى تداعيات خطيرة، إن نهج القوموية أدت إلى إبادة الشعوب منذ بداية القرن العشرين، إبادة الكرد، الأرمن والسريان والشعب الفلسطيني والشعب اليهودي، و تعرضت اللغات إلى الانقراض أو إلى الضمور، التعصب الديني والذهني أيضاً؛ أدى إلى حروب عقيمة مثل حرب إيران والعراق والذي أدى إلى آثار لا يمكن أن تمحى لعصور، والتعصب الجنسوي عرض النساء في المنطقة إلى إبادة صامتة حيث يقتل النساء تحت مسميات كثيرة إما الشرف أو الانتحار. الرجل الذي فشل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلمياً واجتماعياً في منطقتنا حاول دائما أن ينتصر على المرأة، فأصبحت العائلة مكاناً لكي يطمئن الرجل نفسه عن طريق تسلطه على زوجته وأولاده، ليكون النسخة الأصلية لـ كاريكتور الدولة القومية.
التزام المفهوم العقائدي والديني في الدولة القومية جعلت من البيت والدولة سجناً للنساء، فالمرأة بالنسبة للدولة والمؤسسات الدينية هي الأم المضحية، الصامتة، الخادمة لأولادها، والزوجة المطيعة العبدة لزوجها، والمصنع الذي ينتج الأولاد، فهي مجرد شيء تخدم الرجل لا تملك إرادة الاختيار، فهي مركز السوء والشهوة لذلك يجب أن يتم إخفاء كل جماليتها عن طريق النقاب، فهي الحقل الذي يحق للرجل أن يزرع فيه ما يشاء، لذلك تم تشريع ختان النساء، جرائم الشرف، تعدد الزوجات، زواج القاصرات، حرمان المرأة من التعليم، منع النساء من قيادة السيارات وقيادة الأوطان، تحريمها من التصويت والترشيح في دساتير الكثير من الدول في المنطقة.
السعودية
من خلال دراسة ميدانية لإحدى المستشفيات في الرياض تؤكد؛ على أن مستشفى واحد يستقبل حالة عنف ضد المرأة كل ٥ أيام و%25 منهم حوامل، ونسبة الطلاق تسجل المحاكم السعودية ٢٥- ٣٥ حالة يومياً، أي معدل ١٦ ألف حالة طلاق خلال السنة، حسب الدراسات وبعض الإحصائيات في ٢٠١٢، أكدت على ارتفاع في عدد النساء القاتلات حيث يشكل عدد الجرائم التي ارتكبت من قبل النساء إلى %5 من الجرائم المرتكبة في السعودية. والسبب في الدفع لارتكاب الجريمة لدى النساء للذكور، هو التعامل بقسوة وعنف، والدفاع عن النفس، أو الشرف.
هذا وحسب الدراسات عن المجلس الأوروبي بأن ٥٠٠٠ امرأة وفتاة تقتل كل عام في العالم باسم الشرف، و يترواح معدل جرائم الشرف في الاْردن بين ١٢و ١٤ جريمة أما في سوريا فهي الخامسة عالمياً وفي إقليم كردستان ٢٧ امرأة خلال اربعة أشهر.
إيران
فإيران مثل الكثير من دول المنطقة، يعتبر سجن مفتوح بالنسبة للنساء، وبسبب التعتيم الإعلامي لا يمكن الحصول على احصائيات دقيقة. ففي إقليم خوزستان حسب التقارير جرائم القتل بين ٢٠١٣-٢٠١٤ شكلت %39 . بموجب القانون الإيراني، إذا طلبت أسرة الضحية المقتولة القصاص أي عقوبة الإعدام؛ فإن مدة الحكم على القاتل تكون ١٠ سنوات وغالباً ما يتم الإفراج عن القتلى بعدة سنوات من قبل القضاة كونهم يحملون نفس العقلية.
تركيا
أما في تركيا؛ فإن جرائم قتل النساء مازالت تسجل أرقاماً صادمة، مع اقتراب عدد ضحايا العنف ضدهن إلى قرابة (334)سنوياً. وكشفت منصة “سنوقف جرائم قتل النساء” التركية، في تقرير لها تناقلته وكالات أنباء محلية، أنّ (334) امرأة قتلن على أيدي الرجال خلال عام 2022، وأنّ (245) امرأة عثر عليهن متوفيات في ظروف مثيرة للشكوك.
وأضاف التقرير أنّ 46% من النساء لقين حتفهن على يد أزواجهن، وأنّ 10% منهن لقين حتفهن على أيدي أقرابهن، وأنّ 8% منهن لقين حتفهن على أيدي أقاربهن السابقين، وفق ما نقلت صحيفة “زمان” التركية.
العنف الأسري في قانون العقوبات الحالي بالنسبة لدول المنطقة
سوريا
لقد كان قانون العقوبات السوري قبل عام 2009، يتيح للقاتل الاستفادة من “العذر المحل”، التي نصت عليه المادة 548، التي تنص على أنه: “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمداً”.
لكن ألغيت المادة كلياً في آذار / مارس 2020، وبالتالي يُحال القاتل إلى القضاء بجريمة “القتل القصد”، لكن قد يمكنه الاستفادة من المادة 192 التي تشير إلى إمكانية تخفيف حكم القتل العمد “إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً”، وتنص المادة في إحدى جزئياتها على أنه يمكن أن يحكم بـ “الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل”.
الجدير بالذكر؛ إن الأعراف هي أقوى من القانون في بعض المناطق في سوريا، لأن الكثير من النساء حتى إذا ما كانت القوانين في صالحها، فإنها ونتيجة الضغط الاجتماعي لا تقوم باستخدام هذه القوانين، ويتم التكتم على الانتهاكات التي ترتكب بحقها خوفاً من العائلة وتشويه السمعة.
أما بالنسبة للقانون المصري، فالمادة 237 من قانون العقوبات المصري ينص على: “من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236”.
واضحٌ جداً، أنّ هناك قصوراً تشريعياً في هذه المادة. تحيل الأخيرة على ما يصطلح عليه بـ “جرائم الشرف”، التي لازالت منتشرة في مصر؛ نظراً لكونها متأصلة في الثقافة الشعبية منذ عقود لدى المصريين.
جملة “غسل العار”، باتت عقيدة لدى عديد من العائلات خاصة في القرى، حين يسيطر على الذكر هاجس الشّك في خيانة الزوجة أو الشك في البنت والأخت وحتى الأم أحياناً.
الذي يستنكره الحقوقيون في مصر، أنّ قانون العقوبات المصري يبيح تخفيف العقوبة في حالة القتل بدافع “الدفاع عن الشرف”. وليس هناك شك أنّ النّص المتعلق بذلك لا يشكل عذراً مخففاً للعقاب في الواقع، لأن العذر المخفف لا يغير من وصف الجريمة ولا من نوعها.
إلا أنه في المادة 237 مثلاً، والمتعلقة بجرائم قتل النساء (Feminicid)، يتحوّل الملف من جريمة إلى جنحة. بناء عليه، تتحول عقوبة الجاني أيضاً، وبدل أن يحاكم القاتل بالأشغال الشّاقة المؤبدة أو المؤقتة، يتم تخفيف عقوبته السجنية لتصل للسجن لمدة سنة إلى ثلاث سنوات.
حقوقيون في مصر اعتبروا هذه المادّة تواطؤاً من القانون الوضعي مع عرف “متوحش”، يبيح قتل النّساء بكلّ برُودة، واستباحة دمائهنّ بدوافع، تكون في الغالب، غير واقعية.
الأردن: إسقاط الحق الشخصي
تشير الأرقام التي قدمتها جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” الحقوقية، أنه تمّ تسجيل تسعة جرائم أسرية بحق النساء في الأردن منذ بداية عام 2020، فضلاً عن 21 جريمة من نفس الطراز إبان عام 2019.
المثير للدقة؛ هو أنّ 60 في المئة من هذه الجرائم ذهبت ضحيتها شابات تتراوح أعمارهن بين الـ 18 – 37 سنة.
في قانون العقوبات الأردني، لا يوجدُ نصّ صريح يشير إلى مفهوم “جريمة الشرف”، وإنما يتعامل معها كجريمة قتل، والتي قد تصل عقوبتها في الأردن إلى الإعدام شنقاً.
لكن بعد مطَالبات الناشِطات النّسويات وحقوقيين بالأردن، ونضالاتهم بتشديد العقوبات في الجرائم الواقعة على المرأة بذريعة الشرف خصوصاً، صدرت توجيهات مَلكية عام 2010، تُطالب القضاء بإعادة النظر في الأحكام الصادرة في حق القتلة، سيما في الجرائم المرتكبة ضد المرأة، حسب ما قالته الناشطة النسائية الأردنية.
اليوم، باتَت محكَمة الجنايات الكُبرى، التي تحالُ عليها قضايا الجرائم بعد انتهاء التحقيق، تصدر عقوبات مشدّدة في حق مرتكبي هذا النوع من الجرائم، التي تكون ضحيتها النساء، حتى أن بعضها صدر فيه حكم بالإعدام.
في حين إلى جانب ذلك هناك ثغرة العدالة في الأردن، وهو أنّ العائلة يمكن أن تسقط الحق الشخصي، وبالتالي قد يفلت الجاني من العقاب، وتتخفف العقوبة، حتى لو كان القرار النّهائي بيد المحكمة.
الكويت: شرعنة القتل
تنص المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي لعام 1960، على أنه: “إذا فاجأ الرجل زوجته في حال تلبّس بالزنا أو ابنته أو أمه أو أخته وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً، فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أعوام وبغرامة لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية (تعادل 45 دولاراً)، أو بإحدى العقوبتين”.
اعتبر حقوقيون أنّ هذه المادة، هي رخصة قانونية لقتل النساء فيما يعرف بـ“الجرائم الأسرية” أو “جرائم الشرف”. وأنها تناهض في العمق الحراك الذي تبديه دولة الكويت في ركوب قطار المعاهدات والاتفاقيات الدولية، الداعية إلى المناصفة وتحصين حقوق النساء ووقف التمييز والعنصرية ضدهن.
غرابة القانون الكويتي، أنه يسمحُ بمعاقبة القاتل بالغرامة المالية فقط وليس الحبس بالضّرورة.
اليمن
تُعتبر من الدول التي تشرع من قتل النساء بموجب قوانينها، وهو من الأسباب الرئيسية في زيادة الجرائم المرتكبة باسم الشّرف بشكل كبير جداً في اليمن. كل يوم يخرج إلى أسماعنا خبر مقتل إمرأة ولا أحد يلاحق المجرمين. هذا القدر الذي ينفذُ إلى العلن مهمّ أن نعرف أنه مجرّد نطفة من بحر، فإن التبليغ عن جرائم مماثلة في اليمن يعد عاراً أيضاً.
فإنّ الزيادة في وتيرة هذه الجرائم تعود لعدة أسباب منها؛ الحرب التي تعيشها اليمن منذ سنوات والتي أسفرت عن انفلات أمني وفساد في كل مؤسسات الدولة بما فيها القضاء. وسبب آخر هو الإفلات من العقاب الذي يشجع الرجال على قتل ذويهن من النساء دون رادع.
من خلال الدراسات يمكن أن نرى بشكل واضح أن الدولة القومية بقوانينها الجائرة بحق المرأة تعبر عن حقيقتها الفاشية مرة أخرى. إن الزواج الطوعي بين التزمت الديني والتزمت القومي خلقت أنظمة وحكومات رجعية والتي أصبحت أرضية خصبة لتنظيمات إرهابية متطرفة مثل داعش وأخواتها.
داعش لم يأتي من عدم بل إن الدولة القومية شكلت الرحم الذي كون داعش وجعله وحشاً كاسراً. ما تعرضت له النساء من إبادة على يد داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى، يعتبر وجهاً من أوجه الدولة القومية التي أصبحت بلاء على الشعوب والنساء. لذلك من المهم جداً تجاوز الأسس الفكرية والقانونية والعرفية التي تتبناها الدولة القومية.
إذاً؛ هناك حاجة لذهنية جديدة وقيم أخلاقية متحررة ونظام سياسي اجتماعي يعتمد على تحقيق عقد جديد بين فئات المجتمع. يجب أن يعتمد هذا العقد على تعريف جديد لمفهوم الأمة ومفهوم المرأة والرجل. لذلك مشروع الأمة الديمقراطية التي طرحها القائد والمفكر عبد الله أوجلان هي بمثابة ثورة لتحريرنا من القوالب الفكرية التي نشأنا عليها.
يجب أن نحقق في أنفسنا تغيير جذري، وهو أن نتخذ سلوكيات جديدة في التفكير وفي تحقيق الذات الحرة البعيدة عن ما تعودنا عليه. الأمة الديمقراطية التي تناهض كل أنواع التعصب وتضع الإنسان في مركزها، وتحترم كل الهويات باختلافها وتباينها، يمكن أن يكون نقطة انطلاقة لنا كالنساء أيضاً. فالتعصب الديني والقوموي لم يمزق الشعوب فحسب؛ بل شتتنا نحن النساء أيضاً، وهذا أمر يجب أن نتداركه. لأننا يجب أن نتصالح كنساء مع بَعضُنَا ومع هوايتنا، لكي نتمكن من مواجهة النظام الذكوري الذي أصبح يخنق كل ما هو إنساني ويقتل الرجولة الحقيقية بقدر قتله للمرأة.
الأمة الديمقراطية تعني قبل كل شيء العائلة الديمقراطية، فبدون تحقيق التحول في العلاقات بين المرأة والرجل لا يمكن أن يتم تغيير نمط العلاقات بين الشعوب والأمم؛ لأن الديمقراطية هي ثقافة وسلوك ويجب أن يتم بناءه في الفرد، ومن أجل ذلك يتطلب بيئة سليمة وأُسلوب حياة جديدة في الأسرة.
إذا ما كانت العلاقة بين المرأة والرجل مستندة على العبودية والسلطة، على الإطاعة والخضوع، على العنف والإهانة والشدة، من المستحيل تحقيق مجتمع منسجم يحترم الهويات الأخرى. إذا كنّا نريد أن نبدأ بالتغيير حينها يجب أن نبدأ من العائلة؛ لأنها المدرسة الأولى والأساسية في نشأة الفرد.
طرح الأمة الديمقراطية التي قدمها القائد والمفكر أوجلان كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد وكبديل للدولة القومية، يؤكد على الحياة النِديْة الحرة بين المرأة والرجل، ويضع قضية حرية المرأة كمحور لكل القضايا، بحيث لايمكن أن يتم حل أي قضية في الشرق الأوسط بغض النظر عن هذه القضية. لذلك شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، التي عرفها القائد والمفكر عبد الله أوجلان لم يأتي بشكل عشوائي، بل إنه تأكيد على أن دون المرأة لا يمكن أن يكون هناك حياة وحرية.
لذلك باعتقادي؛ في البداية كنساء يجب أن نحلل حقيقة الدولة القومية، وأن نتخلص من ما أضفته القوى المتسلطة من قدسية عليه. إن (نظرية الدولة = الحرية) باءت بالفشل، هاهي أمّم كثيرة تملك دول لكن نساءها تتعرض يومياً لحالات القتل والانتحار. إذاً يجب عدم اقتران الدولة بالحرية، فبقدر ما يكون هناك قيم و ثقافة ديمقراطية، مقاييس أخلاقية متحررة وقبول لخاصية الآخر، وتكون حقوق المرأة مضمونة من كل النواحي، يكون هذا النظام الاجتماعي بالفعل مقترناً بالحرية. بهذا فإن طرح مفهوم الأمة الديمقراطية هو صديق للمرأة ومنسجم معها، لأنها ضد كل أنواع العبودية وضد كل ما يشرع ما تعيشه المرأة من مأساة داخل المنزل وخارجه. إذاً كنساء؛ يجب أن نعمل وبقوة لتبني هذا المفهوم الجديد، وأن نكافح من أجل تحقيقه. لأنه الطريق الوحيد الذي يمكن أن يضمن ما نصبوا إليه من حياة حرة وكريمة ومسالمة ومجتمعية.