دور المرأة الأرمنية في الحفاظ على ثقافتها وهويتها – لوسناك كافوريان

دور المرأة الأرمنية في الحفاظ على ثقافتها وهويتها

“المرأة الأرمنية لها دورٌ مُهمٌ وفعّال

 في الحفاظ على التراث الثقافي عبر التاريخ،

باعتباره جزءاً من الهوية الوطنية،

وثقافةُ المرأةِ ليست مجرّد انعكاس لعادات وتقاليد محددة،

 بل هي جزءٌ حيويٌّ من التطوّر الثقافي والاجتماعي

 الذي يطال جميع البشر”

 

لوسناك كافوريان

تعدُّ المرأة جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الإنسانية، ولها دور حيوي في تشكيل الثقافات المختلفة، سواءً على مستوى العائلة أو المجتمع أو العالم ككل. مع تطور الزمن، أصبحت ثقافة المرأة جزءاً من التنوع الثقافي الأوسع الذي يعكس تطلعات وآمال المرأة في كل مكان، وتُعرف ثقافة المرأة بأنّها مجموعة المعارف والقيم والتقاليد والعادات التي تتعلق بالمرأة بشكل خاص، والتي تنبع من تجاربها الحياتية ومشاركتها في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ثقافة المرأة تتأثر بالبيئة التي تعيش فيها، وتتغير وتتطور وفقاً لتطور المجتمع، كما أنّها لا تقتصر فقط على المفاهيم المرتبطة بها كأنثى، بل تشمل أيضاً نظرة المجتمع إليها ودورها في صنع القرار، التعليم، الاقتصاد والسياسة، كما أنّ ثقافة المرأة تتأثر بعدّة عوامل اجتماعية منها التقاليد، المعتقدات الدينية، التربية الأُسريّة والتفاعل مع المجتمع المحيط.

في العديد من المجتمعات التقليدية؛ توجد تصورات نمطيّة تُفرض على النساء، تحدُّ من تطلعاتهنّ وقدراتهنّ، إلا أنّ هذه التصورات بدأت تتغير في الكثير من الأماكن بفعل التعليم والتمكين الاجتماعي. في المجتمعات الغربية على سبيل المثال، بدأت المرأة في الحصول على حقوقها المتساوية مع الرجل في مجالات التعليم والعمل، مما ساهم في خلق ثقافة متطورة ترتكز على فكر المساواة والحرية الفردية، وفي بعض الثقافات الشرقية، على الرغم من التقدم الكبير في حقوق المرأة، إلا أنّ بعض العادات والتقاليد لا تزال تمثل عائقاً في سبيل تحقيق تكافؤ الفرص.

في العصور القديمة؛ كان للمرأة دورٌ بارزٌ في العديد من الثقافات، ففي الحضارة المصرية القديمة كانت المرأة تتبوّأ المناصب العليا، فكانت الملكة والمثال على ذلك “كليوباترا”، بالإضافة إلى تمتّعها بالحقوق القانونية مثل الملكية والتعليم، أمّا في الحضارة اليونانية القديمة، كانت المرأة تخضع لقيود عديدة، إلا أنّ بعض الفلاسفة مثل أفلاطون كان يعتبر أنّ النساء يجب أن يحصلنَ على نفس فرص التعليم والتدريب التي يحصل عليها الرجال. على مرّ التاريخ، كان هناك العديد من النساء اللاتي أثبتنَ وجودهنَّ في مختلف مجالات الحياة، وتحدّينَ العوائق المجتمعية، منهنّ “إليانور روزفلت”، التي أثبتت ذاتها في المجال السياسي، و “ماري كوري” في مجال العلوم، و“فريدا كاهلوا” في مجال الفن.

رغم التقدّم الحاصل في حقوق المرأة على مدار العقود الأخيرة، إلا أنّ المرأة لا تزال تواجه العديد من التحديات الثقافية والاجتماعية، أبرزها العنف ضدها والذي يُعتبر من أخطر المشاكل التي تواجه المرأة في العديد من المجتمعات حول العالم، ويتضمّن العنف ضد المرأة (العنف المنزلي، التحرش الجنسي، والعنف النفسي). كما لا يزال التمييز في العمل من أخطر التحديات التي تواجه المرأة في الكثير من الدول، حيث أنّها لا تحصل على نفس الأجور التي يحصل عليها الرجل، بالإضافة إلى أنّ النساء يواجهن صعوبة في الوصول إلى مراكز صنع القرار، وفرض القيود على حرية التنقل.

من التحديات التي تواجهها المرأة في بعض المجتمعات أيضاً التوقعات الثقافية التقليدية، حيثُ يُتَوَقع من المرأة أن تلتزم بأدوار تقليدية مثل دور الأم والزوجة، مما يحدّ من فرصها في التعليم والعمل والتطوير الشخصي وتحقيق إمكانياتها بالكامل. إنّ التعليم يُعدُّ من أهم الوسائل التي يمكن للمرأة من خلالها تحسين وضعها الاجتماعي والثقافي، فعندما تحصل المرأة على التعليم، فإنّها لا تكتسب المهارات العلمية والمهنية فقط، بل تتعلم أيضاً كيفية التفكير النقدي والتحليل، بالتالي تُصبح أكثر قدرة على المشاركة في صنع القرار داخل الأسرة والمجتمع.

أظهرت دراساتٌ أنّ تعليم المرأة يُسهم بشكل مباشر في تحسين مستويات الصحة، الاقتصاد، والتطور الاجتماعي للمجتمع بأسره. في العديد من الدول النامية، بدأ تعليم الفتيات يحقق نتائج إيجابية، حيث أصبح بإمكان المرأة أن تساهم في مجالات متنوعة من العمل والإبداع، وفي العصر الحديث، أصبحت النساء أكثر حضوراً في المجالات القيادية، السياسية أو الأعمال والإعلام.

هذا التقدم في القيادة يعكس تغييراً ثقافياً كبيراً، حيث بدأت المجتمعات تتقبل فكرة القيادة النسائية، وتعترف بقدرة المرأة على إدارة الموارد واتخاذ القرارات المصيرية. لطالما كانت المرأة مصدراً رئيسياً للإلهام والإبداع في مجالات الأدب، كـ “فِرجينيا وولف” و “توني موريسون” اللتان قدّمتا أعمالًا ثقافية وأثّرت كتاباتهم في الفكر الإنساني، أمّا في المجال السينمائي، نجد أنّ العديد من المخرجات والممثلات قد استطعنَ التعبير عن هموم المرأة والمجتمع من خلال أعمالهنّ الفنية، كما أظهرت الكثير من الفنانات قدرات هائلة في التأثير الثقافي على مجتمعاتهن من خلال رسوماتهن ومنحوتاتهن.

لعبت المرأة العربية دوراً محوريّاً في الأدب العربي ووضعت بصمتها الخاصة عليه، وكتبت عن واقع المرأة، بدءاً من المعاناة وصولاً إلى الانتصار على العادات والتقاليد البالية التي كانت تقيّدهن. التمكين الثقافي للمرأة هو عملية تهدف إلى زيادة الوعي والتقدير لحقوق المرأة وقدرتها على التأثير في المجتمع، حيث يمكن أن يتخذ هذا التمكين عدة أشكال، بدءاً من مشاركة المرأة في الأنشطة الثقافية وصولاً إلى تحسين فرصها في التعليم والعمل.

إنّ ثقافة التمكين تدعم التفكير المستقل لدى المرأة، وتشجّعها على التعبير عن آرائها بحرية. من المتوقع أن تستمّر المرأة في تغيير وجه الثقافة في مختلف أنحاء العالم، ومع تطور التكنولوجيا، والانفتاح الثقافي، والاعتراف المتزايد بحقوق المرأة، سيكون هناك المزيد من الفرص النسائية للتأثير في المجتمع على كافة الأصعدة. هناك توجهات نحو ثقافة أكثر شمولية وأكثر حرية للمرأة، مما يعكس عالماً يكون فيه للمرأة دور أكبر في بناء المستقبل، وبالتالي يكون للمجتمعات الإنسانية مستقبل أكثر ازدهاراً.

ثقافة المرأة ليست مجرّد انعكاس لعادات وتقاليد محددة، بل هي جزءٌ حيويٌّ من التطور الثقافي والاجتماعي الذي يطال جميع البشر من خلال التعليم والتّمكين والمشاركة المجتمعية، وهي تعدّ في الشرق الأوسط موضوعاً غنيّاً ومعقّداً، حيث تتحكم بها عوامل اجتماعية، دينية، اقتصادية، وسياسية. تختلف تجربة المرأة في كلّ بلد، لكن هناك بعض القواسم المشتركة التي تبرز في أغلب المجتمعات في دول الشرق الأوسط.

في بعض المجتمعات تكون المرأة مسؤولة عن تربية الأطفال ورعاية المنزل، بينما في أماكن أخرى قد تشارك بشكل أكثر فاعليّة في العمل خارج المنزل على الرغم من التحديات. شَهِدت منطقة الشرق الأوسط تحسّناً في فرص تعليم النساء خلال العقود الأخيرة، حيث تتمتّع النساء بمعدلات تعليم عالية وهنّ يشغلنَ وظائف في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسة والأعمال والتكنولوجيا.

مع ذلك؛ لا تزال في بعض المناطق فرص النساء في العمل والتعليم محدودة، ذلك نتيجةً للعادات والتقاليد أو تعاليم الدين. التعاليم الدينية يمكن أن تكون حاسمة في تحديد الحقوق والواجبات، مثل ارتداء الحجاب، حقوق الميراث، والزواج، لكن هناك اختلاف في كيفية تطبيق هذه التعاليم، فبعض البلدان قد تكون أكثر مرونة في تطبيق هذه التعاليم من حيث الحقوق، بينما تختلف لدى دول أخرى بشكل كبير. على سبيل المثال، بات مسموحاً للنساء في السعودية قيادة السيارات خلال السنوات الأخيرة، وفي دول أخرى مثل تونس والمغرب، تمّ تحقيق تقدّم كبير في حقوق النساء من خلال تشريعات تضمن المساواة.

 بالمجمل؛ شَهِدت منطقة الشرق الأوسط تحولات كبيرة فيما يتعلق بمكانة المرأة، حيث سعت العديد من النساء إلى تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي من خلال العمل والتعليم والمشاركة السياسية. ثقافة المرأة الأرمنية تعدّ جزءاً أساسياً من هوية الثقافة الأرمنية، حيث ارتبطت بشكلٍ عميق بتاريخ شعبها وتقاليده، وتطوّرت ثقافة المرأة الأرمنية عبر العصور، رغم التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها.

في هذا المقال سوف نسلّط الضوء على دور المرأة الأرمنية عبر التاريخ، وعلاقتها بالعائلة والمجتمع، وكيف ساهمت في الحفاظ على التراث الثقافي الأرمني في مختلف المجالات، فمنذ القِدم كانت النساء الأرمنيات جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية والسياسية، ففي حضارة أرمينيا القديمة كانت المرأة تُعتبر العمود الأساسي في الأسرة والمجتمع، ومع التطوّر الذي شهدته أرمينيا، ظهرت العديد من النساء اللواتي ساهمنَ في تعزيز الثقافة الأرمنية، سواء على صعيد القيادة أو الثقافة أو الدين.

خلال فترة الاحتلالات التي توالت على أرمينا من قبل امبراطوريات مختلفة مثل الفرس والرومان والعثمانيين، كانت المرأة الأرمنية تواجه تحديات كبيرة، لكنّها في ذات الوقت كانت تلعب دوراً محوريّاً في الحفاظ على هويتها، وذلك من خلال تعزيز اللغة الأرمنية، وصون التقاليد، ونقل القصص والتاريخ للأجيال القادمة، كما ظلّت الفنون وسيلة للتعبير عن الصمود والتحدي، فاستخدمت اللوحات والنقوش لتمثيل قصص النضال والتضحيات، كما أنّ الموسيقى التقليدية الأرمنية عكست مشاعر الحزن والأمل في آنٍ واحد، ما عزز الفخر بالهوية الأرمنية ومثّل تحدياً ضد محاولات تهميشها.

تُعتبر العائلة في الثقافة الأرمنية مؤسسة محورية، حيث تتمتع المرأة بدورٍ رئيسي داخل الأسرة. في العائلات الأرمنية التقليدية كانت النساء مركز الأسرة، حيث تقع على عاتقهنّ مسؤولية تربية الأطفال، والحفاظ على القيم والعادات، وإدارة شؤون المنزل، وهذا الدور كان يحظى باحترام كبير داخل المجتمع الأرمني. كانت الحياة الاجتماعية للمرأة الأرمنية تتمحور حول الكنيسة والمناسبات الدينية، حيث تلعب النساء دوراً هاماً في تربية الأجيال الجديدة على تعاليم الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، والتي تلعب دوراً محورياً في الحياة الثقافية والدينية للأرمن. فكان للمرأة الأرمنية دورٌ كبيرٌ في الحفاظ على التقاليد الدينية، حيث كانت تشارك في الطقوس الدينية داخل الكنيسة وفي المناسبات العائلية، ورغم أنّ المرأة لم تكن تشغل مناصب دينية عُليا داخل الكنيسة الأرمنية، إلا أنّ العديد من النساء الأرمنيات أثّرن في الحياة الدينية، وذلك من خلال مشاركتهن في تعليم الأطفال وتدريس الدين. من أبرز الشخصيات النسائية التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على الدين في التاريخ الأرمني، “سانت أساك” أو “القديسة أساك”، التي تُعتبر مثالاً على الالتزام الديني والروحانية، إنّ العديد من النساء الأرمنيات قُمنَ بإدارة المؤسسات الدينية والمشاريع الاجتماعية، مثل المدارس ودور الأيتام.

تاريخياً وخلال فترات الحروب والمحن، تعرّض الشعب الأرمني للإبادة الجماعية من قبل الإمبراطورية العثمانية عام 1915، والتي راح ضحيتها الملايين، ناهيك عن إصابة عشرات الآلاف وتهجير المئات. في هذا الوقت العصيب، كان للمرأة الأرمنية دورٌ بارزٌ في الحفاظ على التراث الأرمني، وإنقاذ الأرمن من المجازر والتهجير، كما تميّزت العديد من النساء الأرمنيات بالبطولة والشجاعة، سواء في حماية أطفالهن أو في تقديم المساعدة للمجتمع الأرمني في المهجر. إحدى الشخصيات التي برزت خلال فترة الإبادة الجماعية من قبل الإمبراطورية العثمانية، تدعى “آني” Annie”وهي امرأة أرمنية قامت بحماية العديد من الأطفال الأرمن عن طريق تهريبهم إلى مناطق آمنة. ورغم أنّ العديد من النساء الأرمنيات فقدنَ حياتهنّ في هذه الفترة، إلا أنّ إرثهنّ في النضال والمقاومة أصبح جزءاً من تاريخ الشعب الأرمني. مع مرور الوقت، بدأت المرأة الأرمنية تتحرر من العديد من القيود الاجتماعية، وبدأت تأخذ مكاناً أوسع في مجالات العمل والتعليم والسياسة. مع استقلال أرمينيا في التسعينات، ظهرت العديد من النساء الأرمنيات اللواتي تركنَ بصماتهنّ في مجالاتِ مختلفة. أصبحت المرأة الأرمنية أكثر حضوراً في الحياة العامة، وبدأت تأخذ دوراً مميزاً في السياسة، الاقتصاد، والفن.

أمّا في العصر الحديث فقد أصبحت المرأة الأرمنية تشارك في التعليم العالي ومجالات البحث العلمي، بالإضافة إلى تأثيرها الكبير في السياسة فباتت تشغل مناصب وزارية كـ “كارين كاران”، التي كانت أول امرأة تُعيَّن وزيرة خارجية في أرمينيا. على مدار التاريخ، برزت العديد من النساء الأرمنيات في مجالات الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية، منهم الكاتبة الأرمنية “سهراب” التي تُعدّ واحدة من أبرز الأديبات اللواتي ساهمنَ في الحفاظ على اللغة الأرمنية، أمّا في مجال الموسيقى، فهناك العديد من المؤلفات الأرمنيات اللواتي ساهمنَ في إثراء التراث الموسيقي الأرمني، كما أسست العديد من النساء الأرمنيات صروح ثقافية وفنية، بما في ذلك المسارح، الأوركسترا، والمراكز الثقافية التي تُساهم في تعزيز الثقافة الأرمنية في الداخل والخارج.

رغم التقدم الكبير الذي أحرزته المرأة الأرمنية في العديد من المجالات، إلا أنّها لا تزال تواجه بعض التحديات، أبرزها القيود الاجتماعية التي قد تفرض عليها في بعض المناطق الريفية أو الأُسر التقليدية، بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية التي قد تعيق قدرة النساء على المساهمة الفعّالة في الحياة العامة. إذاً هناك حاجة للعمل الجاد من أجل تمكين المرأة الأرمنية في مجال السياسة والأعمال التجارية، حيث أنّ نسبة تمثيل النساء في البرلمان الأرمني لا تزال منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، مع ذلك فإنّ المرأة الأرمنية مستمرة في النضال لتحقيق المساواة الكاملة في المجتمع، ما يعكس تطوّراً تدريجياً نحو تحقيق العدالة والمساواة.

 تُعتَبر المجتمعات الأرمنية في المهجر جزءاً أساسياً من التجربة الثقافية للمرأة الأرمنية، ففي هذه المجتمعات ساهمت المرأة بشكل كبير في الحفاظ على الهوية الأرمنية، حيث تولت العديد من النساء قيادة المؤسسات الثقافية والتعليمية، وكانت أكثر قدرة في الحصول على فرص تعليمية وتولي مناصب قيادية، ما ساعد في تعزيز مكانتها الاجتماعية والسياسية مع مرور الوقت. من المتوقع أن تواصل المرأة الأرمنية لعب دور محوري في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأرمينيا والمجتمعات الأرمنية في المهجر.

اليوم؛ تُعدّ الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا من النماذج السياسية على مستوى سوريا والشرق الأوسط، إذ تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها بعيداً عن هيمنة السلطات المركزية وتدخلاتها. من أبرز القيم التي تسعى دائماً الإدارة الذاتية لترسيخها هي تعزيز التنوع الثقافي، انطلاقاً من إيمانها بأهمية التنوع الثقافي في ربط المجتمع وتماسكه مع بعضه البعض.

ثورة روجآفا المعروفة بثورة المرأة، كانت بوابة عودة للمرأة الأرمنية إلى ثقافتها وهويتها ولغتها الأم. المرأة الشابة لعبت دوراً هاماً ومميزاً في الثورة نتيجة استنادها إلى فكر وفلسفة المفكر الأممي عبد الله أوجلان، وأثبتت قدّرتها على الدفاع عن أرضها وشعبها وقيمها، وعلى الإبداع والابتكار في مجالات الإنتاج والتنمية، والتربية والثقافة، وكانت السباقة إلى تنظيم المجتمع وحمايته بدءاً من الكومينات وقوة الحماية المجتمعية، وصولاً إلى وحدات حماية المرأة والإدارة الذاتية الديمقراطية، لتصبح نموذجاً للمرأة الحرة والرائدة. الأرمن لهم حق ضمن مشروع الأمة الديمقراطية، ويعيشون اليوم تحت سقف واحد مع باقي المكونات، ويمارسون حقوقهم المشروعة في شمال وشرق سوريا، وتمّ تأسيس قوة عسكرية أرمنية لحماية الأرمن، ومنع تكرار تلك المجازر المرتكبة بحقهم عبر التاريخ. كما تمّ تأسيس حزب الاتحاد الأرمني لرفع راية الحرية والتحرير وجمع شمل الأرمن من جديد، ونشر السلام والأمان في ربوع سوريا والشرق الأوسط.

فيما تقوم المرأة الأرمنية في شمال وشرق سوريا والتي تُشكّل مصدراً للقوة والإصرار والعزيمة والشجاعة المتأصلة، بتنظيم وتعزيز نفسها في إطار فلسفة المفكر عبد الله أوجلان، لأنّها على يقين تام من أنّ أفكاره ستجلب الحلول لشعوب الشرق الأوسط والعالم، وتعلم أنّ مفتاح الحل يكمن معهُ. استراتيجية المرأة الأرمنية عميقة جداً، تهدف إلى وضع الخطط المناسبة من أجل إنهاء الحروب الخاصة التي تتوالى على المرأة جيلاً بعد جيل، وإطفاء الحروب المشتعلة التي ترأسها العادات والتقاليد، وتغير فكرة ضعف المرأة.

يجب على النساء بذل جهودٍ أكبر لإيصال صوتهنّ لكافة أنحاء العالم وفضح ممارسات العدو التركي، لأنّ العثمانيين حاربوا الأرمن بكافة الأساليب الوحشية، وها هو المشهد يتكرر في مناطق شمال وشرق سوريا، من خلال استهداف الاحتلال التركي كافة مكونات المنطقة التي تضم الكرد والعرب والسريان والأرمن والأشور والتركمان.