جدلية العلاقة بين المرأة والرجل ومدى تأثيرها على الواقع الاجتماعي
جدلية العلاقة بين المرأة والرجل ومدى تأثيرها على الواقع الاجتماعي
“أحد شروط الحياة النِديّة الحرة هي أن يتم إحياء العلاقة
فيما بين الرجل والمرأة بالشكل الصحيح،
وأن تلعب المرأة دورها الأساسي والطليعي في بناء المجتمع”
فرياز بركل
إن التعريف المجتمعي للحياة بشكل عام تعريف سطحي، ولا يغوص إلى العمق التحليلي، فالحياة النِديّة الحرة تشكل بناء حياة اجتماعية قوية، لذا من المهم جداً تعريف الحياة النِديّة الحرة. ولتعريف الحياة النِديِّة الحرة يتوجب استيعاب العلاقة بين الجنسين (الرجل – المرأة) فلحل أي معضلة اجتماعية يتوجب علينا:
أولاً: تحديد المشكلة، أسبابها، والعوامل التي أدت إلى حدوثها ثم إيجاد الحلول المناسبة والجذرية لها. فالمشكلة التي نعاني منها اليوم هي (إشكالية العلاقة بين الجنسين) وهذه العلاقة تتخفى في الكثير من الأحيان وراء القضايا الاجتماعية.
فمشكلة الحياة النِديِّة الحرة أو جدلية العلاقة بين الجنسين ليست وليدة اللحظة، إنما هي نتيجة التراكمات البعيدة الأمد وظهرت بظهور الذهنيات الطبقية والدولة القومية والنظام الرأسمالي. فالرأسمالية قامت بالحط من شأن المرأة وحصر دورها في نطاق ضيق بعد أن كانت هي (الإلهة) وتدير المجموعة بكل عدالة ومساواة. والكثير من الدراسات تؤكد بأنه عندما كانت المرأة تدير المجموعة كان يسودها الأمن والاستقرار، والتوازن الحقيقي في القيم الاجتماعية، وكانت العلاقات جماعية وكومينالية متوازية ومتساوية في كافة الأمور.
فالمرأة كانت محور الحياة الاجتماعية وذلك نتيجة لما حققته من انجازات واستطاعت أن تغيير مسار الحياة الاجتماعية، وجاهدت من خلال الاكتشافات التي حققتها لبناء المجموعة الكومينالية. وإذا حللنا النظام الرأسمالي أيضاً وبعد فرض ذهنيتها بشكل ذكوري وحداثي اتخذت من العائلة المركز الأساسي لها. وتراجع وضع المرأة كثيراً، فبعد أن كانت في ذروة الألوهية تحولت إلى عبدة، وتحول الرجل إلى أسير العادات والتقاليد وذهنية المجتمع الذكوري – فحتى الرأسمالية التي زركشتها بأقمشة مخملية أخضعتها لتلك العبودية الحداثوية.
إذاً؛ نستطيع القول بأن الجنسين تضررا من ذهنية الدولة القومية ولكن هذه الذهنية وبمساعدة المجتمع أقنعت الرجل بالصفات الوهمية للرجولة، وهو بناء ذاته على حساب إنكار هوية ووجود المرأة، لذا فالرجل أيضاً بحاجة إلى تحرير ذاته من الذهنية السلطوية. فالجنسين تضررا ولكن الأكثر ضرراً هي المرأة، كما قلنا آنفا بأن الصراع وعدم وضوح العلاقة بين الجنسين ليست وليدة اللحظة، وإنما المجتمع هو الذي ينشئ ويزرع مقاييس التربية والتكوين داخل كل جنس.
العادات والتقاليد البالية ودورها في تراجع وضع المرأة:
السلطة ليست مسألة فطرية إنما تأتي كنتاج تدريب (تربوي) مجتمعي. كما نستطيع القول بأن إشكالية العلاقة بين الجنسين تعود إلى التعامل الخاطئ من قبل الواقع مع الجنسين. على سبيل المثال: في مرحلة الطفولة يتم تعريف ألوان محدودة للباس خاصة للذكر هو: (اللون الأزرق). والأنثى يحدد لها: (اللون الزهري) وحتى الألعاب، حيث يتم تخصيص ألعاب (كسيارة –مسدس – قطار – طائرة – دراجة) للذكر. في حين يخصص للأنثى (دمية – وأدوات المطبخ) وعندما نأتي إلى تحليل الواقع الموجود سوف نجد بأن السيارة والطيارة والدراجة هي وسائل القيادة. في حين إن الدمية وأدوات المطبخ توحي بالحياة الحتمية والقدرية المفروضة على المرأة، لذا تقوم هي ومنذ نعومة أظافرها بتجهيز شخصيتها حسب هذه المعايير، لأن تكون كما يقال بالعامية (ست بيت)، والرجل هو زلمي كما يقال بالعامية (لا يعيبه شيء).
وكذلك يتم إعطاء مساحة كافية من الحرية للطفل الذكر حيث يستطيع هو بمفرده اختيار أصدقائه وإقرار مصيره واختيار مجال التعليم الذي يحبه هو. في حين الأنثى ملزمة أن تلتزم المنزل وتساعد أمها في الأمور المنزلية، والأم هي من تختار أصدقاءها والمجتمع يقرر مصيرها، والتعليم يُحرم عليها في كثير من المجتمعات.
في هذه الحالة هناك سؤال يطرح نفسه بقوة ألا وهو كيف سنصل لتكوين العائلة الديمقراطية؟ إذا كانت هذه العائلة منذ الصغر قد تعفنت بفعل كثير من الأفكار والقوانين الاجتماعية الخاطئة، في حين بناء الحياة النِديّة الحرة يتطلب تكامل الجوانب الاجتماعية والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وتحقيق الحياة النِديّة الحرة يعني بناء مجتمع أخلاقي وسياسي.
وفي هذا السياق يؤكد القائد في كتابه سوسيولوجيا الحرية: “أي مجتمع عاجز عن إيلاء الشأن المستحق لمبدأ المجتمع الأخلاقي، هو مجتمع يفتقر للقدرة على الديمومة”.
ولمعرفة التطورات والتغيرات التي طرأت على أي واقع أو أي مجتمع لا بد من إجراء المقارنات والمقاربات لحل المشكلة وإيجاد الدواء:
إن الفرد في مجتمعات الشرق الأوسط وبشكل عام والمجتمع الكردي على وجه الخصوص يقع أسير القوانين والعادات والتقاليد التي لا تمس طبيعته الاجتماعية قط، وبمرور الزمن يصبح عاجزاً عن التخلص من تلك القوانين والعادات، وهنا نستطيع أن نطلق على سلوكه هذا (سلوك الامتثال) فمادام لا يستطيع التخلص من هذا السلوك سيبقى أسيرها إلى الأبد ولن يتواصل مع القوانين الكونية والاجتماعية.
ولمعرفة مدى التطور والتقدم الذي حققه أي مجتمع لابد من العودة إلى تاريخ تلك المجتمعات وإجراء المقارنة بين الماضي والحاضر وإحداث المقاربات بينها. يقال معرفة المشكلة هي نصف الحل، لكنني أؤكد بأن معرفة المشكلة هي كل الحل، إذا عرفنا الداء سهل علينا وصف الدواء. فطرح الدواء هي لحل مشكلة عدم المساواة بين الجنسين، الحل يقع على عاتق الرجل والمرأة باعتبارهما طرفا الصراع والمعادلة المطلوبة لحلها.
المفكر والقائد عبد الله أوجلان يقيّم في مرافعته الخامسة: “إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المرأة“.
وفي هذا السياق يؤكد القائد في كتابه مانيفيستو الحضارة الديمقراطية (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية): “إن العيش مع المرأة في كنف الوضع القائم ينبئ بنهاية الحياة”.
ولهذه الحقيقة عدد لا نهاية له من الإشارات والدلائل حيث يرى القائد:
- تم بلوغ مرحلة عدم اتساع الكون للتزايد السكاني الذي غدا يهدد الكائنات الحية الأخرى. هكذا نوع من الحياة مع المرأة القابعة تحت نير الوضع الحالي يهدد الحياة وبيئتها بسرعة متزايدة يوما وراء يوم.
- كما أن هذه الحياة تفتح الطريق أمام عنف السلطة اللامحدودة داخل المجتمعات وخارجها.
- لقد صيّر الجنس لدى المرأة أداة استغلالية مروعة بحيث تكاد تعني شذوذاً جنسياً متكرراً بلا جدوى.
- أصبحت المرأة مهمشة طرديا من المجتمع أداة ضرورية لا بد منها لإدامة النسل وسلعة جنسية، وقوة عاملة هي الأبخس على الإطلاق.
- وكأنه تطبق على المرأة إبادة ثقافية حيث لا قيمة لها سوى دورها في ممارسة الجنس، ومن حيث كونها عضواً مجانياً في جيش العاطلين عن العمل.
- مجتمع كهذا يترك المرأة تتخبط بين مخالب الحياة بلا معنى في ظل هذه العوامل والمؤثرات، لا يمكن إلا أن يكون مجتمعاً مريضاً.
الصراع بين الجنسين ومفهوم المساواة:
عدم تحقيق المساواة يعني إبقاء المجتمع يصارع ويتصارع مع المشاكل الاجتماعية. على الرغم من أن العقدان الأخيران قد شهدا تطوراً ملحوظاً بخصوص حرية المرأة وتحريرها، فالعديد من الدراسات الاجتماعية حاولت أن تعيد النظر في بعض المفاهيم الاجتماعية التقليدية التي ظلت تحكم وتتحكم بالجنسين في المجتمع، لذا علم الاجتماع يرى بأن هناك ثلاث اتجاهات اجتماعية تحكم موضوع التمييز بين الجنسين. ومنها:
الاتجاه التقليدي: يؤكد هذا الاتجاه على ضرورة تقسيم العمل بين الجنسين بحيث تقوم المرأة بعملية الإنجاب ورعاية الأسرة والأبناء أي أن دورها لا يتعدى كونها زوجة وأم وربة البيت، ويقوم الرجل بالعمل والانتماء والمشاركة في كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع ويرى أصحاب هذا الاتجاه بأن هناك خصائص بيولوجية لكل من الذكر والأنثى هي التي حددت الدور الاجتماعي لكلا الجنسين.
الاتجاه الثاني (الاتجاه الليبرالي): يؤكد أصحاب هذا الاتجاه في دراستهم لمشكلة التمييز بين الجنسين على العوامل الحضارية التي صاحبت التغيير الذي طرأ على أدوار الجنسين بوجه عام والمرأة على وجه خاص، في ظل المجتمعات الصناعية، ويولي أصحاب هذا الاتجاه اهتماماً كبيراً لتأثير التطور العلمي والتكنولوجي في المجتمعات الصناعية، فيما يتعلق بشكل الأسرة وأدوار المرأة فيها.
فمع نشأة ونمو المجتمعات الصناعية بدأت الأسرة الكبيرة والممتدة في الاختفاء وحلت محلها الأسرة النووية. وأصبح الوقت الذي تبذله المرأة في رعاية وتربية الأبناء أقل. ويؤكد أصحاب الاتجاه الليبرالي بأن المشروع الليبرالي هو أول مشروع في التاريخ مكّن المرأة من ممارسة حقوقها في المواطنة وجعلها متساوية مع الرجل في الحقوق، لكن هذا المشروع تعرض للعديد من الانتقادات من قبل الليبرالية النسوية واعتبرت بأن الليبرالية الاجتماعية قائمة على القوانين وعلى الديمقراطية السياسية التي لم تترجم أفعالاً على أرض الواقع.
الاتجاه الثالث (الاتجاه الراديكالي): ويعد الاتجاه الراديكالي في واقع الأمر من الاتجاهات الرئيسية الجديرة بالنظر والاهتمام وترجع أهميته إلى تلك الثورة التي أحدثتها معظم الكتابات والدراسات التي تناولت قضية المرأة، ووجهت العديد من الاتهامات إلى علم الاجتماع، أهمها نقص البيانات والدراسات التي تهتم بحياة ومشاكل النساء في المجتمع يؤدي إلى عدم فهم المجتمعات فهماً صحيحاً.
هنا نستطيع أن نقول بأن الاتجاهات الثلاثة لم تستطيع أن تكون جواباً لتلك المرحلة وللمرحلة الحالية التي تعيشها المرأة. وكذلك علم الاجتماع لم يستطيع أن يحل المشكلة التي يعاني منها كلا الجنسين، فنحن كنساء نحتاج إلى ثورة ذهنية حقيقية على الواقع الموجود الذي نعيشه، فعدم إيمان الرجل بحرية المرأة يخلق فوضى اجتماعية والعديد من الظواهر الاجتماعية كـ الانتحار، والعنف، والطلاق، وزواج القاصرات، والاغتصاب… وغيرها.
وهذه الظواهر في المجتمعات هي بكل تأكيد نتاج الذهنية الذكورية المتخفية وراء ستار العادات والتقاليد والقوانين العائلية والعشائرية المطلقة.
وبخصوص حالات الانتحار تشير منظمة الصحة العالمية بأن كل (40) ثانية هناك حالة انتحار واحدة بالتالي عدد الضحايا قُدر بـ (700 ألف) شخص حول العالم في عام 2022 وأكثر من /650/ مليون امرأة على قيد الحياة، اليوم حول العالم قد تزوجن وهن قاصرات.
ويتم سنوياً تزويج ما لا يقل عن /12/ مليون فتاة قبل بلوغهن سن 18 عاماً، أي يتم تزويج /28/ فتاة كل دقيقة (حسب احصائيات يونيسف) هذا ويعتبر زواج الأطفال والزواج القسري من انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات الضارة التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات على المستوى العالمي، وتمنعهن من عيش حياتهن بمنأى عن أي شكل من أشكال العنف ويسلبهن قدرتهن على اتخاذ القرارات شأن حياتهن ويعطلهن عن تعليمهن ويصبحن أكثر عرضة للعنف والتمييز وسوء المعاملة من ذهنية المجتمع الذكوري – فالمرأة تصارع على جبهتين: الأولى الذهنية الذكورية والأخرى ذهنية الدولة التي تعيش المرأة ضمنها.
بكل تأكيد لو وضعت الثانية (الدولة) ضوابط وقوانين راضعة تمنع العنف بحق المرأة لما توصلت المرأة إلى ما هي عليه اليوم. إذاً العلاقة بين الدولة والذهنية الذكورية علاقة وطيدة وهي في تفاعل وانسجام دائم. فالمساواة بين الجنسين هي حق أساسي من حقوق الإنسان وهي أساساً ضرورة للعالم بأن ينعم بالسلام والإخاء والاستدامة، وعلى الرغم من إحراز تقدم خلال السنوات الأخيرة إلا أن هذا التقدم والتطور لم يكن بالمستوى المطلوب.
إذاً لايزال العنف والاستغلال الجنسي والتقسيم غير المتكافئ للأعمال المنزلية وأعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والتمييز في المناصب العامة موجوداً بشكل واضح.
توضح العديد من الاحصائيات بأن العديد من النساء المتزوجات حول العالم مجرّدات من صلاحية اتخاذ القرار بشأن صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، إذ تتعرض 35/% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 – 49 عاما للعنف الجسدي أو الجنسي سواء من الشريك أو من غير الشريك، وبتر الأعضاء التناسلية (خيتان). حيث تشيع هذه الممارسات الضارة بشكل أكبر مع ارتفاع مخاطر النزيف لفترات طويلة ومضاعفات الولادة والعقم وحتى الوفاة.
وأما فيما يتعلق بوضع المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا فقد طرأ تغير ملحوظ وملموس على وضع المرأة في شمال وشرق سوريا بعد اندلاع ثورة 19تموز (ثورة المرأة)، وذلك بفضل النضال وتضحيات شهدائنا وشهيداتنا اللواتي قدمن أرواحهن في سبيل تغيير واقع المرأة والواقع الاجتماعي، والذي ميّز هذه الثورة عن باقي الثورات في العالم هو بقاء المرأة في كافة الساحات تطالب بحريتها وتغيير الواقع الذي تعيشه المرأة في ظل ذهنية الدولة القومية.
وطالبت بحقها بالتمثيل الفعلي والحقيقي في الإدارة، واليوم هي تُشغل مناصب في الإدارة الذاتية الديمقراطية كالرئاسة المشتركة والذي يعتبر إحدى مكتسبات ثورة المرأة. إذ أن هذا النموذج الفريد جذب الوفود من الخارج إلى مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا للتعرف على هذه التجربة الفريدة والمميزة.
أساليب تحقيق الحياة النِديِّة الحرة
ولتحقيق المساواة بين الجنسين في المجتمعات لا بد من إجراء تغيير عام وشامل على نمط الحياة الاجتماعية التقليدية ويجب عدم التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كما ويتطلب من الدولة إجراء التعديلات على القوانين المجحفة بحق المرأة في دستورها الرسمي وخاصة في قضايا الميراث والجرائم المرتكبة بحق المرأة تحت مسمى الشرف، وتكثيف من حملات التوعية وبرامج التوعية من قبل المؤسسات المعنية بحقوق المرأة ومؤسسات المجتمع المدني. وكذلك اتخاذ تجربة المرأة في شمال وشرق سوريا كنموذج بديل في عموم العالم من أجل بناء عائلة ديمقراطية وتحقيق الحياة النِديِّة الحرة.
ولتحقيق المساواة بين الجنسين يجب عدم التمييز بين الجنسين في الحقوق والواجبات. وكذلك يجب تناول وطرح مصطلح الحياة النِديِّة الحرة بمعناه ومفهومه الحقيقي. والإعلام يجب أن يقوم بتسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية الموجودة داخل المجتمع ويقوم بنشر التوعية الثقافية والاجتماعية حيال تلك المشاكل.