مفهوم نظام الرئاسة المشتركة ضمن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية

 

مفهوم نظام الرئاسة المشتركة ضمن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية

“نموذج الرئاسة المشتركة

هو المفتاح الذي يُمكَن من المساواة التامة بين الجنسين

ويؤمن حل قضايا الحرية بالنسبة للمرأة والرجل”

 

نوجين يوسف

 

الإدارة للأفراد خبرة ومهارة وسمة حضارية للمجتمع وضرورية لتطوير المؤسسات والمشاريع ونجاحها. يقيَم المفكر عبد الله أوجلان بأن: “الإدارة كما الثقافة ظاهرة في المجتمع فهي لا تعادل التعداد الرقمي على كافة المستويات“. فنحن إذا اعتبرنا الإدارة فناً فإن هذا لا يعني إنكار وجود العلم فيها، لأن أي فن لا بد أن يعتمد على علم مساند ولابد له من دراسةٌ تصقله كما أن العمل العلمي هو بحث عند تطبيقه عملياً.

لطالما كانت الإدارة عبر العصور إدارة ذكورية بحتَة وبالتالي كانت شكلاً من أشكال السلطة المباشرة والمركزية في اتخاذ القرارات، لذا تم إقصاء المرأة عن الإدارة عبر مراحل التاريخ كون الذهنية الذكورية السلطوية كانت ترى وجود المرأة في القرارات خطراً على نموذج الإدارة المركزية السائدة. والخطر الأكبر كان بمعرفتهم لتلك القدرات الطبيعية في فنون الإدارة للمرأة – الأم. فالأم بطبيعتها تزرع وتربي وتهتم وتحن وتحب وتبدع ومشاعرها الحساسة تخلق منها نموذج الإنسانة الممتلكة بخصوصية التواصل الروحي مع الأشياء والواقع الموجود من حولها.

لأن المرأة بطبيعتها تحمل ذهنية منفتحة على الآخرين وتمارس أنشتطها بشكل جماعي بدءً من تخبز الخبز في الزمن القديم وصولاً إلى إدارة الشركات العملاقة في الوقت الحاضر، لذا الحل الأمثل للتخلص من عيوب الإدارة السابقة هو إشراك المرأة في كافة المجالات الإدارية. فحين تكون المرأة إدارية فهي ململة بكافة التفاصيل والأمور. حين تواجه أي مشكلة تهدف إلى حلها وتقدم المبدع فيها. المرأة وهي إدارية تكون مثل المظلة الدائرية تحوي كافة التنوعات في جوهرها. هي مركز التوازن الفكري والروحي والحسي والجسدي. حتى وإن كانت المرأة مبتلةً بذهنية السلطة والذكورية، فإن طبيعتها الأمومية والجسدية الممتلكة لجريان الحياة والتجدد دوماً يحميها من الوقوع وبذهنية فظة في مستنقعات الفوقية والسلطوية والذكورية.

مفهوم الرئاسة المشتركة

في الحقيقة حين نتابع قراءة الكثير من الكراسات والتحليلات القيَمة لرفيق المرأة عبد الله أوجلان وخاصة ضمن صفحات مرافعاته الخمسة الأخيرة نجد بأنه يؤكد على؛ “إن سبب وجود المرأة في المؤسسات الإدارية ومشاركتها في نظام الرئاسة المشتركة بالدرجة الأولى، هو إغناء المؤسسات بالذهنية الديمقراطية“. لإن المرأة هي ضمان الديمقراطية.

فوجود المرأة في نظام الإدارة عبر الرئاسة المشتركة هو إغناء لممارسة الفكر الحر والنظام الديمقراطي والمساواةِ في العملِ، حينها تتحول الذهنية الفظة والدوغمائية والجامدة إلى ذهنية متفتحة للحوارات والنقاشات السلسة والمتنوعة، وهو ضمان الاستمرار في التغييرات والجدلية في المؤسسة والحياة الاجتماعية.

فالمرأة تُركز على العمل الجماعي – الكومينالي وبروح الفريق المتآلف وتمتلك قدرات متميزة على تقييم الآخرين ومعرفة حدود قدراتهم وطاقاتهم وتدخل أعماقهم بسبب طبيعتها العقلية المرنة والذكاء العاطفي الذي تمتلكه وإشراكهم في أمور الإدارة المؤسساتية وبشكل بناء ومفيد، هذا هو مفهوم الديمقراطية.

وعندما نراجع تحليلات المفكر عبد الله أوجلان مرة أخرى نجد بأنه في تاريخ 20 أيلول عام 2004 طرح مفهوم ونظام الرئاسة المشتركة بين المرأة والرجل حيث قال؛ “إنني أرى نموذج الرئاسة التشاركية صحيحاً وقد أعتمده حزب الخضر الألماني بتعيين رجل وامرأة لرئاسة الحزب. إن الحرمان من الديمقراطية الداخلية هي القضية الأساسية التي تعاني منها كُل الأحزاب. فبدون تكريس الديمقراطية داخل الحزب لا يمكن دمقرطة السياسة، ومن دون دمقرطة السياسة لا يمكن دمقرطة المجتمع، وإذا لم تتم دمقرطة المجتمع لا يمكن دمقرطة الدولة فكل هذه الأمور مرتبطة ببعضها البعض”.

الرئاسة المشتركة بديل الذهنية المركزية

السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نحتاج لنظام الرئاسة المشتركة؟ نظام الرئاسة المشتركة هو بديل مضاد للإدارة الأحادية السائدة في المدنية الدولتية فمن خلاله تم التعرف على طراز الإدارة التشاركية الملتفة حول حرية المرأة على هدى منظور الحضارة الديمقراطية. إذ يؤدي هذا النظام إلى إطراء التغييرات البنيوية كماً وكيفاً على النسيج والبنية الاجتماعية، وبإمكاننا القول بأنه تجسيد عملي للسياسة الديمقراطية بتحويلها إلى كيان ملموس. ولكن نظام الرئاسة المشتركة لا يعني فقط المشاركة الجسدية للمرأة في ميدان السياسة، بل مشاركتها الفعالة الفكرية والسياسية والانضمام لاتخاذ القرارات المصيرية. فهناك الكثير من الناشطات السياسيات والمنخرطات في أجهزة الدولة والسلك السياسي في عموم العالم، ولكنهن شكليات في وجودهن.

فالمهم هنا؛ هو التحلي بالوعي الذاتي الخاص بالمرأة والتعويل على إرادة وقوة وذهنية المرأة الحرة، والانطلاق منها في خرق عالم الذهنية الذكورية. كما أن نظام التشاركية لا ينحصر فقط في شخص الرؤساء التشاركيين بل أنه يهدف إلى نسف الطراز الإداري الأحادي على مستوى الرئاسة من جهة ويحول شكل الإدارة إلى فن مجتمعي مؤسساتي تُشكل المرأة فيه النصف الفاعل والمؤثر والريادي، كما أنه ميدان لخوض الصراع الديالكتيكي الفكري والذهني ضد الذهنية الذكورية السلطوية المُهيمنة، بكل مؤسساتها وتفرعاتها وميادينها أي إنه ميدان الحرب الحقيقية على درب الحُرية والتحرر. والفائز في هذه الحرب هو كل مواطنة ومواطن يعي ذاته ويُصقل إرادته الحرة ويُكرس مبدأ التشاركية الحقيقية ويؤمن في الصميم بحرية المرأة.

وهذا ما يحتم اللجوء إلى تنظيم الذات ورص صفوف النساء بتشكيل نظام الكونفدرالية الديمقراطية النسائية وفق أسس التنظيم الذاتي والإدارة الذاتية ابتداءً من المستوى المحلي نحو الأعلى ويعتمد على الكومينات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات وبالإمكان أن تطور نماذج تنظيمية أُخرى عند الحاجة ويهدف إلى تلبية احتياجات وحل مشاكل وأزمات النساء والمجتمعات.

وتكون تلك النماذج التنظيمية مرنة وفعالة وتطبق في كردستان أولاً والشرق الأوسط فعندما يقوم المجتمع عن طريق ذكاء المرأة بإدارة نفسه بنفسه، وقتها يمكننا تعريف نظام الرئاسة المشتركة بأنها السياسة المعادية للسياسة المهيمنة التي تبرر عبودية المجتمع والمرأة، وبهذه الطريقة تقوم بتطوير شروط وأحكام غزوها، لذلك فإن نظام الرئاسة المشتركة هي رفض كلي لهذه السياسة وبقدر ما انضمت المرأة للسياسة بقوتها التنظيمية بهذا القدر تصبح السياسة ديمقراطية لذا تم تطوير نظام الرئاسة المشتركة كسيستم مهم ضمن ساحة السياسة الديمقراطية.

نظام الرئاسة المشتركة وممثلية المرأة ستجعلها صاحبة إرادة قوية ضمن كافة آليات القرار وستطور من كفاءة المرأة في النقاش، حيث تقوم باتخاذ القرارات وتنظيم نفسها في كافة المجالات. بلا شك إن مفهوم نظام الرئاسة المشتركة لوحده لا يفعَل إرادة المرأة في الساحة السياسية، لو كان ذلك صحيحاً فهذا يعني إن إرادة الرجل حرة ولكن هذا التقرب خاطئ، لأن هيمنة السياسة الدولتية جعلت الرجل أيضاً بدون إرادة.

مفهوم الإدارة بين الجنسين

للرجل أيضاً احتياج بالإرادة كما للمرأة. نظام الرئاسة المشتركة من أحد الأساليب المهمة من أجل أن ينضم الجنسين بإرادتهم إلى السياسة الديمقراطية ولكن نظام الرئاسة المشتركة لا يعني أن المرأة والرجل يقومان بإنشاء الإدارة، بل نظام الرئاسة المشتركة يعني أن المرأة والرجل ينظمون أنفسهم ضد العبودية لضمان وجودهم، هويتهم واحتياجاتهم، وبالتالي يتم تقوية الروح الجماعية، والتقاسم، والمساندة والمشاركة. وهذا النظام يناضل ضد الأنانية الفردية والدولتية وتطور الديمقراطية الراديكالية وهو يقوم بحماية المجتمع الأخلاقي والسياسي.

المرأة هي عضو أساسي في السياسية الديمقراطية وتمثل دور مهم وفعال في مرحلة تغيير وتحويل المجتمع وتنضم إلى العملية السياسية. وبهذه الطريقة فالمجتمع يثبت وجوده ويقدم الحلول. مفهوم الرئاسة المشتركة يأتي من مفهوم حرية المرأة لأن المرأة أول من طبقت عليها العبودية والاستغلال، وحرية المجتمع مرتبطة بحرية المرأة، فالرئاسة المشتركة قرار حضاري مسؤول.

نظام الرئاسة المشتركة يعتمد على تشكيل اللجان وتنظيم الميادين السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والإيكولوجية، والتعليمية، والصحية، والديبلوماسية، والقانونية…. الخ الإدارات المحلية والدفاع الذاتي وفي نفس الوقت لحل مشاكل المرأة في كافة مجالات الحياة ولها دور ريادي في تأسيس الأمة الديمقراطية وكذلك الدعم الرئيسي للحداثة الديمقراطية والحل الجذري لذهنية مؤسسات الدولة القومية.

وبموجب ذلك تشارك في جميع نشاطات وأبعاد الأمة الديمقراطية. فنموذج الرئاسة المشتركة مهم للغاية من ناحية أنه يشكل المفتاح الذي يُمكَن المساواة من التامة بين الجنسين ويؤمن حل قضايا الحرية بالنسبة للمرأة والرجل بنحو خلاق، كما أنها مفتاح محوري في إنجاز ثورة المرأة، وتمكين تغيير الرجل. فتطور نظام الرئاسة المشتركة كنموذج حل يتوافق مع المنظور الديمقراطي المؤمن بحرية المرأة.

فمنذُ بدء ثورة روجآفا طبقت الرئاسة المشتركة وتبنته الإدارة الذاتية بشكل رسمي وأصبح نظاماً معمولاً به، بعد عام 2011 إذ عملت الإدارة الذاتية الديمقراطية على طرح رؤى وأفكار حول تحرر المرأة ومحاولة إشراكها في جميع الأعمال السياسية والإدارية التابعة لها، وبنضال المرأة استحدثت مؤسسات ومنظمات نسائية جديدة كمؤتمر ستار، وتجمع نساء زنوبيا، مجلس المرأة السورية ومنظمة سارا والمكاتب والمجالس الخاصة بالمرأة والتابعة للأحزاب الذي يعطي أهمية كبرى لتحرر المرأة السياسي والاجتماعي بدءً من مشاركتها في الخلية الأساسية للنظام الديمقراطي أي من الكومينات والمجالس والإدارات المحلية وصولاً إلى الرئاسة العامة لكافة المؤسسات المرتبطة بالإدارة الذاتية الديمقراطية وحتى الساحة العسكرية بأن تكون قيادية قوية من الناحية الفكرية والاحترافية في فنون وتكتيكات الحرب والمدنية أيضاً.

وكان هذا على أسس نضال كبير وتضحيات جسيمة من قبل المرأة لذا سميت ثورة المرأة، ففي إقليم شمال وشرق سوريا نجحت المرأة بخوضها نضالاً كبيراً وشاقاً بنفس الوقت، حيث تحدت الكثير من المصاعب ضمن الأسرة وبين العشيرة ومواجهة الكثير من العادات والتقاليد البالية والمفاهيم الذكورية وأيضاً ضد العقلية الذكورية عن طريق توعية ذاتها من خلال انضمامهما للكثير من الدورات التوعوية لمعرفة ذاتها، أي معرفة كيفية النضال، كيفية العمل المشترك، كيفية ممارسة النظام الإداري بأيديولوجية تحرير المرأة.

لأجل بناء الفكر المتحرر والمساهمة في تمكين التحول الديمقراطي في المجتمع وفي جميع ميادين الحياة، وتنمية الروح المجتمعية الجمعية، وتحجيم الأرضية السلطوية لصالح صعود الإدارة الذاتية المجتمعية فإن كل هذه التطورات والتغيرات تنم عن تغيرات وتحولات مجتمعية استراتيجية وجذرية على درب حرية المرأة، خصوصاً هي نواة حرية المجتمع عموماً.

وكما أكد المفكر عبد الله أوجلان؛ “أنا كلي ثقة وإيمان بـ عدالة المرأة”. من هذا المنطلق نحن وكنساء حملنا المسؤولية التاريخية على عاتقنا. على المرأة أن تُرجع طبيعتها الإدارية وقوتها في حل كافة الأمور المجتمعية. على التاريخ أن يصحح مساره في أن يعرَف مرة أخرى بأن المرأة هي نواة ومركز كافة التغييرات الحياتية. ستبقى المرأة هي الأم الجذابة والململة لكافة أجزاء الحياة. فوجودها في نظام الرئاسة المشتركة يمنحها القدرة والقوة على أن تمارس ميزاتها الطبيعية وبشكل خلاق.