الرئاسة المشتركة حق شرعي للمرأة – فيروز خليل
الرئاسة المشتركة حق شرعي للمرأة
“نظام الرئاسة المشتركة لا يحكم فيه لون محدد،
كونه نظام يقوم بالتعبير عن الذات وتمثيل الإرادة،
وتسعى فيه المرأة والرجل لإنشاء حياة حرة جديدة”
فيروز خليل
عانت المرأة في سوريا بشكل عام وخصوصاً في مناطق شمال وشرق سوريا من سياسة الإنكار والتهميش التي استخدمت ضدها وجردتها من حقوقها في الحياة الاجتماعية والمؤسساتية. فهي عاشت حالة من التشتت بسبب القوانين والأحكام التي سُيرت عليها من قبل الذهنية الذكورية السلطوية، سواءً كانت من قبل النظام السوري أو الفصائل الإرهابية الحاكمة للمنطقة.
ومع نجاح ثورة 19 تموز في شمال وشرق سوريا، اختلفت كافة الموازيين الحياتية على أرض الواقع في جميع مناطق روجآفا من حيث التغييرات والتطورات الإيجابية التي حصلت وغيرت جميع المفاهيم الخاطئة في المجتمع، وأهم علامات نجاحها ظهور فكرة مشروع الأمة الديمقراطية ضمن الإدارة الذاتية الديمقراطية التي تأسست عام 2014، إذ تم الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في ثلاثة مناطق؛ الجزيرة وعفرين وكوباني عام.
بعد تحرير كافة مناطق إقليم شمال وشرق سوريا من إرهاب داعش أُعلن رسمياً عن تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا عام 2018. حيث تشكلت هيئات خاصة بالنساء واللجان ومجالس نسائية في جميع الهيئات والمؤسسات، وطُبق نظام الرئاسة المشتركة في كافة مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية والمدنية، وإعداد العقد الاجتماعي، الذي تُمثل المرأة فيه نسبة 50 بالمئة، وهو بمثابة دستور محلي للإدارة.
يعود تاريخ الرئاسة المشتركة كذهنية وأسلوب للحياة إلى فترات مختلفة مرتبطة بثنائية الحياة وتكاملها بين المرأة والرجل، وربما قد تم تطبيق هذا النمط من الإدارة الجوهرية في مجتمعات متنوعة وفي فترات متباينة ولكن ليس بتلك المحتوى المتساوي للحقوق ودفع مشاركة المرأة أكثر نحو لعب دورها الاساسي.
ويمكننا القول إنه لم يكن هناك تاريخ محدد لظهور الرئاسة المشتركة كمفهوم محدد ومصطلح، بل كانت فكرة موجودة في مختلف الثقافات والحضارات ولكنها لم تكن بنفس المفهوم والصياغة والأبعاد الذي طرحه القائد والمفكر عبد الله أوجلان.
أوضح المفكر عبد الله أوجلان أن الرئاسة المشتركة تشمل التعاون الفعال بين جميع فئات المجتمع، بما في ذلك التكوينات الاجتماعية والنساء، وأن يكون لهم دور متساو في اتخاذ القرارات وتشكيل السياسات، كما شدد على أهمية الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرارات، وضرورة ضمان تمثيل كاف لكل شرائح المجتمع.
بشكل عام، يَعتبر المفكر عبد الله أوجلان الرئاسة المشتركة أساساً لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المناطق التي تعاني من الصراعات والنزاعات والحروب وعدم تقديم قيمة المرأة الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ويروج لها كنموذج للإدارة الذاتية الديمقراطية الذي يحترم حقوق المكونات والخصوصيات، ويضمن مشاركة جميع أفراد المجتمع في الحياة السياسية والاجتماعية.
الرئاسة المشتركة نظام جماعي
يُوضح مفهوم الرئاسة المشتركة إتاحة الفرصة للمرأة بإثبات شخصيتها داخل وخارج المنزل إلى جانب الرجل في جميع نواحي الحياة، حيث أن نظام الرئاسة المشتركة هو تطبيق لبراديغما المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي المتخذ لحرية المرأة أساساً، وهو طراز تطبيق وتحقيق الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي يمثل الجسم العيني لذهنية الأمة الديمقراطية.
وبالتالي ستتحقق الإدارة الذاتية الديمقراطية عبر نظام الرئاسة المشتركة، كونه الشرط الأولي للتحول الديمقراطي والإيكولوجي، لأجل خلق مجتمع يكون فيه حرية المرأة أساساً. وبالتالي لا يمكن للأفراد الذين لا يتخذون من حرية المرأة أساساً أن يكونوا ديمقراطيين.
نظام الرئاسة المشتركة لا يعني دخول المرأة للساحة السياسية، لأن دخول المرأة ضمن السياسة بيولوجياً ليس خطوة كافية لأجل التحرر الاجتماعي، فنظام الرئاسة المشتركة يهدف إلى تفعيل إرادة المرأة في ميدان السياسة وإدارة البلاد، لتتسم الإدارة بطابع الجنسين بالمساواة والتشاركية في الإدارة والسياسة واتخاذ القرارات لحماية وصون حقوق الجنسين والفئات الأخرى، وذلك طبعاً لا يعني بأن إرادة الرجل حرة وموجودة في مفهوم السياسة فقد قام مفهوم السياسة الدولتّي بجعل الرجل بدون إرادة، لذا فإن الرجل أيضاً بحاجة مثل المرأة إلى أن يصبح حراً ويمثل إرادته.
على هذا الأساس فإن نظام الرئاسة المشتركة هو طراز يؤمّن انضمام الجنسين (المرأة – الرجل) للسياسة بإرادتهما الحرة، وهذا النظام الذي يُبنى على أساس تطوير مجتمعية ديمقراطية سوف يضيق الخناق على المفهوم التسلطي للرجل، وبالتالي أي نظام اجتماعي لا تأخذ المرأة فيه دوراً على أساس حر ومتساو لا يصبح نظاماً ديمقراطياً، وسيبقى مجتمع عبودي، والرجل أول ضحاياه، وإن بدر منه ما يجعله صاحب كلمة أو قرار فسيبقى محكوماً بجهد ناقص وبتعبير عن الذكورية وليس الإنسانية، وبالتالي النضال من أجل الحرية يبدأ من حرية المرأة، والرئاسة المشتركة هي التعبير الحضاري عن المساواة حيث تُتخذ القرارات بمعرفة الجميع وبمشاركة الجميع، والجميع يتحمل نتائجها.
وعلى الرغم من أن ظاهرة الرئاسة المشتركة جديدة نسبياً إلا أن هذا النظام يتصف بالفعالية وبالقدرة على تمثيل الجماعة ومشاركة كافة المهارات الشخصية والعقلية وتوزيع المسؤولية وعدم حصرها في فرد واحد مهما كانت مهاراته، وهي بذلك تبتعد عن التسلط والتحكم في الإدارة.
إن نظام الرئاسة المشتركة لا يحكم فيه لون محدد، كونه نظام يقوم بالتعبير عن الذات وتمثيل الإرادة، وتسعى فيه المرأة والرجل لإنشاء حياة حرة جديدة، من خلال التركيز على إبراز دور المرأة ونشاطها بكل المجالات، فهو من الأنظمة التي تُسب الوعي والإرادة الراسخة وقوة التنظيم في شخصية المرأة، كما أنه يُحقق المساواة للمرأة بشكل واضح ومباشر، ويتخطى التمييز الجنسي والعنصري.
يسعى نظام الرئاسة المشتركة إلى تنظيم الحكم والإدارة بين الرجل والمرأة من حيث توزيع السلطة الرئاسية، سواء في الحكومات المحلية أو الوطنية أو في المؤسسات والمنظمات، حيث تَعكس هذه الفكرة مبدأ المساواة بين الجنسين وتمثيلها بشكل عادل في صنع القرارات وإدارة الشؤون العامة.
تُعد الرئاسة المشتركة بين الرجل والمرأة الأساس لبناء مجتمعات تكون فيها المرأة شريكاً متساوياً في صنع القرار والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، كما لها دوراً مهماً وفعّالاً في تحديد مصير المجتمع وتشكيل السياسات، والسعي أن يكن لهن حقوق متساوية مع الرجال في جميع الجوانب، إذ جاء المفهوم ضمن مشروع الأمة الديمقراطية ليُعزز دور المرأة في كافة جوانب المجتمع.
ساهم نظام الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية الديمقراطية بالنهوض بدور المرأة في المجتمع نحو التطور والتقدم؛ حيث برز دورها في كافة الأصعدة؛ التنظيمي، العسكري، الاجتماعي، والسياسي …الخ وخطت خطوات هامة لتفعيل دورها في العمل وتنميته، ومارست العمل بفكرها الحر وخبرتها، وأصبحت مثالاً تقتدي به كافة نساء العالم.
إن هذا النظام التشاركي يعتبر حرية المرأة مبدأ أساسي للتطور التنظيمي من الأعلى إلى الأسفل، بالإضافة إلى أن المرأة تنظم أمورها بشكل ذاتي، وتمثل إرادتها دون تدخل.
لا يزال هذا النظام التشاركي يسير على أساس تطوير التنظيم، خاصة أنه في ثورة روجآفا قد أبدت المرأة انضماماً مبنياً على الوعي الجوهري والإرادة القوية في الساحة السياسية وكافة ميادين الحياة، وسعت من خلال هذا الانضمام على تخطي ذهنية المجتمع الجنسوي، الذي يتطور على أساس عقل واحد ونظام واحد، وبالتالي فإن هذا الأمر يتطلب الانضمام المتساوي للمرأة والرجل في الميدان السياسي منذ البداية، وكذلك في جميع ساحات الحياة، عندها يتحقق بناء مجتمع ديمقراطي عبر مفهوم ديمقراطي، وتتحقق دمقرطة السياسة والمجتمع معاً بالاستناد على الإرادة الجوهرية والتنظيم الجوهري لدى الرجل والمرأة.
الرئاسة المشتركة والنموذج الحضاري
يُعد نظام الرئاسة المشتركة نموذجاً ومثالاً للمجتمع الحر والحياة الحرة؛ فهذا النموذج ابتدأ عن طريق نضال الحركة الوطنية التحررية الكردستانية، وأصبح يُمثل مبدأ المساواة، ولتنضم المرأة بقوتها التنظيمية إلى كافة مجالات الحياة، لا بد من التخلص من الذهنية الذكورية التي يتم فرضها بإرادة الطرف الواحد.
ينظر إلى نظام الرئاسة المشتركة على أنه ركيزة نظام الأمة الديمقراطية، ويتحقق خلالها المساواة والعدل والديمقراطية، وتصبح أرضية لبناء حياة مشتركة، والنضال من أجل بناء مجتمع حر وديمقراطي وبيئي بقيادة المرأة.
أثبتت المرأة دورها بكل قوة في الساحة الاجتماعية والعملية من خلال فكرة الإدارة الذاتية الديمقراطية، وذلك ضمن نظام الرئاسة المشتركة الذي أصبح مثالاً لأنجح مشروع إداري متطور في العالم، كونه يعتمد على المبادئ الديمقراطية والمساواة لكلا الجنسيين، ويَنتهج فلسفة الأمة الديمقراطية، وهو نظام استثنائي لأسلوب إداري حديث يُساهم في بناء مجتمع ديمقراطي حر، ويختلف عن نظم الإدارة المركزية الممثلة بالذهنية الذكورية، ويفتح للمرأة مجالات وأفق واسعة لتنشيط دورها بحرية مطلقة؛ من خلال التعبير عن آرائها ومشاركتها في صنع القرارات على الساحة الميدانية والخارجية.
السياسة الديمقراطية
إن المرأة بقوة إرادتها ومعرفتها وكيانها تنضم إلى ساحة السياسة الديمقراطية لتنظم المجتمع بشكل أفضل كما تنظم منزلها وأسرتها وأولادها، لذا لا شك أن قدرة المرأة على الإدارة وحل الأزمات ورؤيتها لكافة القضايا سينعكس على وضع نظام ديمقراطي في المجتمع.
عندما يكون للمرأة دور في إدارة المجتمع، تتوضح صورة النظام المشترك في الإدارة على إنها سياسة معادية لسياسة الهيمنة والدكتاتورية والنظام السلطوي الذي يحرم المرأة فيها من أبسط حقوقها، لذلك فإن نظام الرئاسة المشتركة هو رفض كلي لهذه السياسة التي تطورت مع الذهنية الذكورية المهيمنة والتي أصبحت منبع الضغوطات، والغزوات والعبودية، لهذا فهي سياسة ضد المرأة والمجتمع، تلك التي أخذت شكلها بأسلوب وإيديولوجية المجتمع الذكوري.
وبالتالي يمكننا القول بأن المرأة تواجه مختلف أشكال التحديات في المجتمعات التي تعتمد على الهيمنة الذكورية في السياسة والثقافة، وفي الأُطر التي تُفرض فيها القيم والأفكار التقليدية التي تُعزز دور الرجل كمهيمن وتُحد من دور المرأة، ويُصبح من الصعب على المرأة أن تُحقق مكانتها بدون تشبهها بالرجل أو اعتماد نمط السلوك الذي يفرضه النظام السائد. لذا، من الضروري تغيير هذه العقلية وتحويل الثقافة السائدة لتشجع التنوع والمساواة في المشاركة السياسية، وتؤكد أهمية تمثيل المرأة بما يتناسب مع حقوقها وقدراتها، دون الحاجة إلى تقليد النمط الذكوري للنجاح أو الاعتراف بها.
سعي الحركات النسائية
تسعى الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا، وضمن مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى تحقيق تغييرات جذرية في النظام السائد الذي يفرض الهيمنة الذكورية ويُقيّد حرية ومشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، من خلال نضالها ضد هذه الهيمنة والتقرب من قيم المساواة والعدالة، لتعزيز مكانتها في المجتمع وتحقيق تمثيلها الفعّال في السياسة واتخاذ القرارات، لذا، يمكن للمجتمع الاستفادة من تنوع الأفكار والخبرات والمهارات التي تجلبها النساء إلى عمليات اتخاذ القرار، فهي ليست مسألة عدالة اجتماعية فقط، بل هي أيضاً مفتاح لبناء مجتمعات أكثر شمولاً وتحضراً.
وتمثل الحركات النسائية والمجتمعات المدنية والجمعيات النسوية وسائلاً فعالة للحصول على حقوقها وتغيير الثقافة والتصورات المتعلقة بدورها في المجتمع، وذلك من خلال إلقاء الضوء على قضايا المرأة، وتعزيز التوعية والتثقيف؛ إذ يمكن للنساء أن يكسوا القيود الثقافية والاجتماعية التي تحول دون تحقيق مساواتهن، ومن ثم يعد الاندماج في النظام العام والمشاركة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة أيضاً ضرورية.
فالمرأة تحتاج إلى تمثيل فعال في هذه المؤسسات لتأثير أوسع وتغيير أعمق في المجتمع. بالتالي يجب أن يكون هناك توازن بين العمل على إحداث التغيير في النظام الخاص بالمرأة وتعزيز مشاركتها في النظام العام، مما يؤدي إلى تحقيق المساواة الحقيقية والاستدامة في المجتمع.
هذا النظام لا يقتصر على إنشاء إدارة مشتركة بين الجنسين، بل يتعدى ذلك إلى تنظيم المجتمع بأكمله ضد أي شكل من أشكال القهر والظلم، وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم.
يمكننا القول، أنه من خلال تفعيل نظام الرئاسة المشتركة، يتمكن الأفراد من تنظيم أنفسهم وتنظيم حياتهم بشكل ديمقراطي ومشترك، حيث يتمتع الجميع بالمساواة في الحقوق والفرص، ويعزز هذا النظام الروح الجماعية والتضامن في المجتمع، مما يؤدي إلى تعزيز الشعور بالانتماء والمشاركة الفعالة في صنع القرار وتحقيق الرفاهية العامة، بوجود هذا النظام، يتم تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاون بين الأفراد أيضاً، وتقوية الروح الجماعية والمساندة المتبادلة. وبالتالي يُمكن أن تتحقق مجتمعات أكثر عدالة وتقدماً عن طريق تفعيل مبادئ الرئاسة المشتركة وتطبيقها بشكل فعال.