نظام الرئاسة المشتركة يحقق العدل والأمان للجنسين – هيفي جودي
نظام الرئاسة المشتركة يحقق العدل والأمان للجنسين
“نظام الرئاسة المشتركة
هو تطبيقٌ لفلسفة المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي
الذي يتخذ من حرية المرأة أساساً له”
هيفي جودي
من دون استيعاب العلاقة بين المرأة والرجل لا يمكن إدراك أو حل أية مشكلة اجتماعية بالدرجة الكافية إذ تتخفى وراء القضايا الاجتماعية إشكالية العلاقة بين الجنسين، إن إدراك كافة أشكال ومضامين مستوى العبودية التي شتت نظام حياة المرأة بها على مدى آلاف السنين بيد الرجل وعقله الاستبدادي أمر كان يتوجب أن تكون اعتباره أول خطوة على درب سوسيولوجيا الحقائق.
ذلك أن معالم العبودية والاستغلال في هذا الحقل نموذج مبدئي مصغر عن كل أشكال العبودية والاستغلال الاجتماعيين والعكس صحيح، أي أن كفاح الحرية والمساواة إزاء العبودية والاستغلال المُضمنين في حياة المرأة ومستوى المكاسب المحرزة في هذا الكفاح يشكل أرضية كفاح الحرية والمساواة تجاه العبودية والاستغلال في جميع الميادين الاجتماعية، ومن الشروط الأساسية لحياة سديدة فلابد من تعريف المرأة أولاً، وتحديد دورها في الحياة الاجتماعية.
وهنا لا يمكن توضيح هذا الحكم من جهة الخصائص البيولوجية للمرأة أو وضعها الاجتماعي فالمهم هو مصطلح المرأة كوجود، إذ بقدر ما تُعرف المرأة يغدو تعريف الرجل أيضاً أمراً وارداً إذ من المحال صياغة تعريف صحيح للمرأة والحياة انطلاقا من الرجل، ذلك أن الوجود الطبيعي للمرأة يتحلى بمنزلة محورية أكثر ولمعرفة مفهوم الحياة النِديِةِ والتشاركية الحرة.
فإن القائد عبد الله أوجلان طرح قرينة الطاقة – المادة أساساً لدى تصيره هذا الحكم عالمياً، الطاقة أساسية أكثر نسبة إلى المادة، والمادة بذاتها طاقة متحولة إلى بنية أي أن المادة هي شكل إخفاء الطاقة وإكسابها وجوداً ملموساً، بالتالي بخاصيتها هذه تحبسُ الطاقة في قفص وتوقف تدفقها لكل شكل مادي حصة مختلفة من الطاقة وبالأصل فهذا الاختلاف في الطاقة هو الذي يحدد اختلاف وتباين الأشكال والبنى المادية.
انطلاقاً من هذه الحقائق وبما لا يقبل الشك فيه فإن حاجة جميع المجتمعات إلى إدارة نفسها بنفسها، وبالتالي تتوافر لديها القدرة على إدارة وحل مشكلات مجتمعها والتحرك على أساس الوعي الكبير واستعمال الطرق والوسائل المتنوعة، ومن المعلوم جيداً أن مشكلات الديمقراطية في المجتمعات الذكورية تنبع من مفهوم التعصب الجنسوي وذلك لأن النظام الذكوري كان دائماً صاحب سلطة وإدارة وحيدة الجانب ومن هذا المنطلق فإن الإدارة الذاتية الديمقراطية وحركة المجتمع الديمقراطي في روجآفا ولأنها تناضل بهدف تحقيق دمقرطة المجتمع، فإنها ومنذ إعلانها تبنّت نموذج الرئاسة المشتركة في كافة مؤسساتها ونشاطاتها وأعمالها.
مفهوم الرئاسة المشتركة يأتي من مفهوم حرية المرأة لأن حسب نظرتنا للتاريخ، المرأة هي أول من طبق عليها العبودية ذلك بعد أن كانت تنعم بكافة حقوقها قبل ظهور المدنية في العهد السومري حيث جردت من كافة حقوقها وأيضاً سرقت إنجازاتها الفكرية والأدبية والثقافية …الخ ونسبت للرجل صاحب الفكر الذكوري الرجعي، لذلك ومن منطلق المساواة والعدالة بين الجنسين على المرأة الكفاح لنيل كافة حقوقها واسترداد ما سلب منها لأن حرية المجتمع مرتبطة بشكل وثيق مع حرية المرأة فإذا أردنا نيل الحرية المجتمعية علينا النضال أولاً من أجل حرية المرأة لأن حرية المجتمعات تبدأ من حرية المرأة.
ومن الواضح ومما لا شك فيه أن حركة الحرية والمساواة والديمقراطية النسائية هي امتداد لإرث المرأة في المجتمع الطبيعي المتمثل بالكلان والأرضية الخصبة لولادة المجتمع وذاكرته الأولى ولبناء مجتمع سليم يجب أن يرتكز على المجتمع الطبيعي وقوة المرأة، كما تم تأكيده أن كل تطور يتضمن سابقه بالتأكيد وليس كما هو معتقد بأن الأضداد تتطور بإفناء بعضها البعض، بل يستند إلى علم المرأة الذي يحتضن الحركات الفامينية أيضاً بين ثناياها التي ستؤدي دوراً رئيسياً في حل القضايا الاجتماعية. فقد أبدى القائد عبد الله أوجلان شجاعة نادرة في اطروحاته تلك وكان جريئاً في كل ما قدمه من انتقاد أو بيَن الحلول المرتقية للخروج من الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البشرية جمعاء.
لذلك يجب توجيه الانتقادات حول نظام المدنية المركزية والحداثة الرأسمالية اللتان همشتا دور المرأة وهويتها. لذلك طرح سيستم (الرئاسة المشتركة) ونال تطبيقاً واضحاً في مشروع الأمة الديمقراطية وأيضاً طرح القائد تطبيق الرئاسة المشتركة بدءاً من الأسرة لتطوير الحياة الاجتماعية نحو المفهوم الديمقراطي أكثر.
فالمرأة هي نصف المجتمع من حيث التكوين وكله من حيث التأثير في النشأة والتكوين والإدارة، وإذا جُمد دورها فقد خسر المجتمع نصف طاقته وبالتالي يفقد المجتمع حركته ويصبح مشلولاً، لأن المرأة في المجتمع تعد عصبه والرجل هو العضلة وكلاهما مكمل للآخر.
ومن هنا ينبغي تعزيز دورها ومساندتها بشكل مستمر والعمل على تذليل الصعوبات التي يمكن أن تواجهها مثل العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تلغي دورها وبعض القوانين والأنظمة المجتمعية التي تعيق تحقيق المرأة لذاتها، بالإضافة لصعوبة التوفيق بين الدور الأسري والنشاط الاجتماعي، لذا يجب تحديد وظائف كلا الجنسين واتخاذ القرارات المشتركة بالتساوي في الحقوق والواجبات بكافة أطر الحياة ومناحيها سواء في التربوية أو الاقتصادية أو الصحية، وبذلك تصبح قوة ديناميكية داعمةً لتطور وتحول المجتمع، لذلك من الجيد التأكيد على دورها في الحياة التشاركية لما تمتلكه من موارد وقدرتها على الاستفادة منها وإرادتها بهدف تحقيق مجموعة من الإنجازات للارتقاء بالفرد والمجتمع وتطويره في كافة جوانب ومناحي الحياة وميادينها.
ومن هنا ومن خلال ثورة روجآفا التي انطلقت في 19 من تموز عام 2012 وضمن النظام الذي تم تطويره لإدارة المنطقة ذاتياً عن طريق كافة المكونات القاطنة في المنطقة، كانت هناك رغبة دائمة في تطوير نظام قادر على تمثيل كافة شرائح المجتمع من كافة القوميات والأديان والمعتقدات ومن كلا الجنسين، فقد كان لمقترحات المفكر عبد الله أوجلان في طرحه لنظام الرئاسة المشتركة مشروعاً مناسباً لتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا.
الرئاسة المشتركة تمثل حرية الجنسين
فنظام الرئاسة المشتركة يمثل كلا الجنسين وفيه يتم التعبير عن إرادة كلاهما، وأصبح تعزيز نظام الرئاسة المشتركة وتقويته من الشروط الأساسية لتطبيق فكر الأمة الديمقراطية، التي أصبحت مثالاً يحتذى به في كل أنحاء العالم في الوحدة بين الشعوب والمكونات والمعتقدات وبوحدة الجنسين.
وقد تم تطبيق هذا النظام الذي كان نموذجاً لتحقيق المساواة بين الجنسين في جميع مفاصل الإدارة الذاتية الديمقراطية. فمنذ عام 2016، تم تطبيق نظام الرئاسة المشتركة ابتداءً من أصغر خلية وهي الكومين إلى مجالس البلدات ومجالس النواحي والمقاطعات إلى المجالس التنفيذية في إقليم شمال وشرق سوريا التي تضم سبع إدارات تدار كلها بنظام الرئاسة المشتركة، يناقش النساء والرجال معاً ويطورون الحلول ويتخذون القرارات بشكل مشترك ويتحملون مسؤولية تنفيذها.
من خلال هذه التجربة تبين إن الجهد الذي تبذله النساء يترجم بشكل جليٍ وواضح بنظام الرئاسة المشتركة فهو قادر على تمثيل وترجمة إرادة المرأة. ولأن المرأة في هذا النظام أفسحت المجال لكل فرد وحفزت وشجعت كل فرد في المجتمع على العمل بفعالية أكبر.
فقد تم اعتماده من قبل العديد من الأحزاب في إقليم شمال شرق سوريا، مثل حزب الاتحاد الديموقراطي وحزب سورية المستقبل وحزب الخضر الديمقراطي، وحزب الاتحاد السرياني الفاعلة في إقليم شمال وشرق سوريا يعتمدون على نظام الرئاسة المشتركة.
وتعتبر المنظمات النسائية نفسها مسؤولة في المقام الأول عن تنفيذ نظام الرئاسة المشتركة، وخاصةً منظمة مؤتمر ستار وتجمع نساء زنوبيا اللتان تقودان كافة النساء وتنظيمهن، ومن أجل ذلك تم إعطاء عشرات الدورات التدريبية للنساء اللواتي يشغلن مكانهن في نظام الرئاسة المشتركة بهدف تقويتهن وتمكينهن بكافة الأعمال الموكلة لهن بكافة مفاصل الحياة.
فيما سبق وبسبب زيادة خبرة الأقران الذكور في أغلب مجالات العمل، سواءً في المجالات الاقتصادية أو الخدمية أو غيرها، كان يتم الاعتماد على الرجال أكثر وكان يُنظر إلى إرادة المرأة على أنها أقل مكانة في آلية صنع القرار. وعلى هذا الأساس تم إجراء الكثير من المناقشات لتثقيف المرأة ومشاركة خبراتها ضمن هذا النظام ومناقشة نظام الرئاسة المشتركة وكيفية تنفيذه بأفضل طريقة.
منذ بداية ثورة روجآفا، تم ضمان وجود المرأة وضمان حقوقها من خلال الوحدة والتحالف بين النساء الكرد والعرب والسريان والكلدان والشركس والتركمان والأرمن فمنذ بداية تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية كان وجود المرأة في كافة مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية بنسبة أربعين بالمئة فيما تشارك المرأة اليوم بنسبة التمثيل المتساوي 50%.
النضال الدؤوب نحو تحقيق الرئاسة المشتركة
كون المرأة عضو في المجتمع فيجب أن تكون شريكة في إدارته وتحمل عبأ شؤونه، ولهذا يجب عليها أن تكتشف نفسها وقدراتها واستخراج الطاقة الكامنة في أعماقها من أجل الانطلاق في معترك التغيير وخوض غمار النضال الدؤوب والمتبني على الإبداع والتطوير نحو الأفضل والأنجح.
هنا لابد من التأكيد على أن نظام الرئاسة المشتركة هو تطبيقٌ لفلسفة المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي الذي يتخذ من حرية المرأة أساساً له، وهو نموذج عن طريقه يمكن تثبيت أركان الإدارة الذاتية الديمقراطية، الذي يمثل الجسم العِيّني لفلسفة الأمة الديمقراطية.
كما لا يمكن تحقيق نظام ديمقراطي حقيقي إلا عبر تطبيق نظام الرئاسة المشتركة وهو الشرط الأولي للتحول الديمقراطي والأيكولوجي. وينظر إلى نظام الرئاسة المشتركة على أنه ركيزة نظام الأمة الديمقراطية، ويتحقق من خلالها المساواة والعدالة والديمقراطية، وتصبح أرضية لبناء حياة مشتركة، والنضال من أجل بناء مجتمع حر وديمقراطي وبيئي بقيادة المرأة مستمرة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن تطبيق نظام الرئاسة المشتركة في كافة المجالات والمؤسسات في إقليم شمال وشرق سوريا وبشكلٍ خاص ضمن النظام التعليمي له نتائج ملموسة جداً، حيث أن كافة مؤسسات التربية والتعليم في الإقليم تتبع نظام الرئاسة المشتركة، وهذا النظام يساهم في بناء جيل واعي مبني على أسس حرية المرأة والحياة النِدِيِة الحرة والديمقراطية.
لأن نظام الرئاسة المشتركة يسعى إلى تنظيم المجتمع بأكمله ضد جميع أشكال الظلم والعبودية والاستغلال، ويضمن حقوق الأفراد وحرياتهم، من خلال تفعيل الرئاسة المشتركة، ويتمتع الجميع بالمساواة في الحقوق والفرص، ويقوي ويمتن الروح الكومينالية والتضامن مع المجتمع، والتقدم في تطوير الحس الوطني في صنع القرارات المصيرية والتاريخية. ونحن على ثقة تامة ومن خلال تجربتنا الحية في ممارسة نظام الرئاسة المشتركة بأننا سنكون مجتمع متحضر وديمقراطي.