بالنسبةِ لي الفنُ ملاذٌ وسعادة – الفنانة التشكيلية: يارا حسكو
حتى هذه اللحظة لا أستطيع نسيان حجارة عفرين
لأنني من قرية مليئة بالحجارة
“بالنسبةِ لي الفنُ ملاذٌ وسعادة
وهو أيضاً قضيةُ وجود،
لم أختر أن أكون فنانة
بل كان هناك دائماً شيءٌ خفيٌ يدفعني لأرسم”
الفنانة التشكيلية: يارا حسكو
أنا يارا حسكو مواليد ١٩٩٦ من قرية قيباري التابعة لعفرين. لقد اتخذ والدي قراراً صائباً في أن نذهب من حلب إلى قريتنا في عفرين ونعيش هناك. عشتُ مرحلة الطفولة في القرية وتأثرتُ بجمال الطبيعة في عفرين، ومرحلتي الدراسية الابتدائية أيضاً كانت في القرية. أنا فتاة قرويّة لأنني عشتُ أغلب أيام حياتي في القرية. لقد بنيتُ أحلامي وأمنياتي بين تلك الحجارة وذاك التراب الذي كنتُ أمشي عليه. ترعرعتُ في جوٍّ أُسري اجتماعي في عائلة تحبُّ الفن والحياة بعمق. كان جدي يعزف على آلة الطنبور ووالدي أيضأً كان يعزف عليها. الأجواء الفنية والأغاني الشفهية كانت دائمة في منزلنا وتغمرني بسعادة لا توصف. وأمثال الفنانين جميل هورو وعدنان دلبرين كانوا معروفين لدينا. فالفنان جميل هورو كان صديقاً حميماً لجدي.
أتممتُ دراستي الثانوية في حلب، والتحقتُ بالجامعة قسم الهندسة المعمارية، كنت أرغب في دراسة الهندسة المعمارية، ولكن محبتي للفن وإتقانها كانت تنمو بداخلي شيئاً فشيئاً. فمع الدراسة كنتُ أرسم أيضاً، وأحياناً أتابع قراءة الكتب الفنية. هكذا وحتى وصلتُ لهذه المرحلة بأن أشارك في العديد من المعارض وبنفس الوقت أن أفتتح المعرض الخاص برسوماتي ولوحاتي. أحببتُ الفن التشكيلي من خلال رؤيتي للأعمال الفنية. كنتُ أفضل دائماً الأعمال الفنية التي تثير في داخلي تساؤلات. كنتُ أنجذب للتعبيرية والتجريدية وأحب المساحات الملونة وأجلس أمام اللوحات لساعات طويلة. بدأتُ بالرسم في عمر مبكر ولكن فعلياً بعد ٢٠١٨ بدأتُ تجربتي بالظهور وتبلورت عام ٢٠٢٠، أعتبر أنّ عمري الفني ٤ سنوات فقط، لم أخضع لأي أكاديمية فنية ولكن تجربتي الفنية كانت عبارة عن جهود ذاتية ومواكبة وأسئلة وقراءات. في كل مكان أجد فيه تجمع فنانين أنخرط مباشرة في هذا المجتمع وأستمع إلى أدق تفاصيل محادثاتهم ونقاشاتهم.
بعد ٢٠٢٠ رسمتُ العديد من اللوحات حيث وجدتُ لنفسي طابعاً خاصاً أعبر من خلاله عن المشاعر الإنسانية من حزن وألم وسعادة وأمل والحنين لقريتي والرحيل إلى آفاق بعيدة، وما إلى ذلك من مشاعر يمكن أن يحياها أي إنسان. المرأة في لوحتي هي عبارة عن شكل أعبر من خلاله عن مشاعر إنسانية عامة وليست فقط مشاعر تخص المرأة وحدها. لدي الكثير من الأفكار وبما أنني اخترت التعبيرية والشعور الإنساني فهذا يعني أنني سأرسم العديد من اللوحات دون توقف، وحتماً لم أستطع بعدُ التعبير عن كل ما يجول في خاطري أو ما أشعر ويشعر به محيطي، فالمشاعر الإنسانية لا متناهية.
فيما يخصُّ المرأة والفن، حقيقةً لا أستطيع أن أميز المرأة عن الرجل في الفن من حيث التقنية الفنية ولكن أعتقد أنه يوجد فارق وحيد وهو الإحساس في العمل، إنني متشوقة دائماً لأن يصبح في الوسط الفني عددٌ من النساء الفنانات اللاتي يملكن رؤية مميزة وخاصة وقدرات تقنية عالية. لا أستطيع أن أنسى أبداً يوم خروجنا من عفرين. وليس من السهل أن ينسى الفنان مواقف الحرب ومأساة الحرب وقذارتها. الفنان المبدع لا يحب الحرب، ومن خلال رسوماتنا أيضاً لا نستطيع أن نجَمّل تأثيرات الحرب، ولكنني أحب القول بأن الفنان ورغم كافة الظروف عليه أن يبدع في رسم الجمال والصبر والتحمل في الواقع الذي يعيش فيه.
حتى هذه اللحظة لا أستطيع نسيان حجارة عفرين، لأنني من قرية مليئة بالحجارة وكانت تلك الحجارة متنوعة منها الصخرية الكبيرة والصغيرة الملونة، كنتُ أتأمل بنظراتي ومن هذا التأمل كانت الأسئلة تنهمر في مفكرتي. لذلك عرفتُ بأنّ العيون لها منبع من التأمل وطرح الأسئلة. حين أرسم العيون فإنني أرسم أو أطرح الأسئلة التي تبحث عن أجوبتها. حتى أعتقد بأن سرّ جوهر أي إنسان متعلق بنظراته وعيونه. لذلك لا أرسم العيون عن عبث.
لم أتخذ ذاك القرار بأن أكون فنانة، ولكنني أحسستُ بأن مشاعري وقلبي يدفعانني للرسم والفن. أتمنى أن أرسم مرة أخرى في قريتي وموطن فني عفرين، فريشتي ستنتظر وتتأمل الرجوع، والألوان ستتراقص حين ترى عفرين الجميلة أم الزيتون.