نشر الجنولوجيا والخطوات العملية نحو الشرق الأوسط والعالم – نوجين يوسف

 

نشر الجنولوجيا والخطوات العملية نحو الشرق الأوسط والعالم

“لابدّ من وضع الاستراتيجيات اللازمة والضرورية

لسيرورة العمل وتطويره، من خلال تنظيم محاضرات

وحلقات النقاش مع نساء الدول وشبكات الحضارة الديمقراطية،

 للتعرف على تاريخ بعضنا البعض والوصول إلى النساء في دول الشرق الأوسط”

 

 

نوجين يوسف

عضوة أكاديمية الجنولوجي للشرق الأوسط

 

ظلت مجتمعات الشرق الأوسط من المجتمعات الإنسانية التي عانت أكثر من غيرها من الأزمات والمشاكل على مرّ التاريخ. ما من شك أن السبب الرئيسي وراء ذلك كله يكمن في اضطراره للرزوح دوماً تحت نير القمع والاستغلال الساحق للمدنية المرتوية طيلة فترة تناهز الخمسة آلاف عام، ولم يشاهد هذا الكم من أشكال القمع والاستغلال المكثف وطويل الأمد في أية بقعة أخرى من العالم.

على هذا الأساس نجد أن طبيعة المجتمع مختلفة، لا ريب أن لها جوانبها المشتركة من حيث كونها نابعة من السلطة والاستغلال. ولكن لها جوانبها المتغايرة أيضاً من جهة معايشتها اليومية بشكل أشد كثافة، إضافة إلى أن ما هو قضية إشكالية لبعض الأفراد والمجموعات، وهذا يلحق الضرر بالجميع ويُستغلون ويتعرضون للقمع والتعذيب، ليعاني الجميع في نهاية المآل من اشكالية اجتماعية. أما ما تقدمه احتكارات السلطة والاستغلال على أنه الحل فهو عبارة عن أشكال السلطة وأساليب الاستغلال الأكثر كثافة.

هذا ما ذكره المفكر عبد الله أوجلان في مرافعته حول الأشكال والأزمات التي يعاني منها الشرق الأوسط بشكل خاص، لتتمحور حول جعل قضية المرأة في المقدمة واستخدام الأساليب الدقيقة لجعل وجودها أزمة بحد ذاتها، وهذا ما نراه اليوم بشكل واضح في هذه البقعة الجغرافية من حروب وإبادة، وقتل، وتنكيل، واستخدام أبشع الطرق لمحو وطمس هوية المجتمعات العريقة التي تحمل في طياتها حضارة رسمت كينونة البشرية.

فاليوم نجد بأن الحروب والانقسامات بين الأنظمة على أساس المصالح ورسم خارطة جديدة كل عدة سنوات، والتي تبنى على أسس التشريد، والتهجير، والتنكيل، الحرب النفسية والخاصة، المتاجرة بالنساء وأعضاء البشر، تفشي المشكلات الأخلاقية التي ترفضها المبادئ الأساسية لكل مجتمع كالدعارة أي الاتجار بالنساء، والمخدرات، أزمات بناء الشخصية وأهمها بناء شخصيات ضعيفة خانعة هدفها الأساسي المال والربح الأعظمي، الذي أثر بشكل كبير على ضياع وجود الإنسان سواء أكانت امرأة أو رجل وبالأخص رفض الذات الذي يعتبر اليوم غير مقبول من خلال العمليات التجميلية التي تلجأ لها النساء بشكل أكبر لإثارة إعجاب الذكورة المتعمقة، ولا نستطيع تجاهل مشكلة الانتحار الذي بات اليوم أحد السبل التي يلجأ إليها الشباب للخلاص.

هذا ما يقوم به العلم من خلال إثارة الأفعال التي تودي بحياة الإنسان وتحرفه عن طريقه لأنه مبني على افتعال النتائج التي تخدم مصالح الهيمنة الكبرى. فاليوم نحن بحاجة إلى معرفة حقيقة هذه العلوم أو الوجه الخفي لها، وكشف الأقنعة التي تخفي بها ما نعيشه اليوم، وعلى هذا الأساس طرحت الجنولوجيا لأنها العلم الذي يسعى إلى تحقيق ثورة علمية في العلوم الاجتماعية.

لذا كان من المهم جداً أن تكون هذه الثورة العلمية فرصة لإحداث التغييرات في جميع الساحات الحياتية والتنظيمات النسائية في الشرق الأوسط والعالم، حيث أن عمل أكاديمية الجنولوجيا لم يقتصر فقط على نطاق النساء الكرديات وحركة المرأة الكردستانية؛ لا بل سعت إلى ضم ولم شمل جميع النساء اللاتي يسعين لبناء المجتمع ووضع الحلول المناسبة للمشكلات الاجتماعية المتفاقمة، وإلى جانب آخر ضمت النساء اللاتي كافحن وناضلن بقوة في الساحات ووضعن البصمات التاريخية لأجل التغيير، وبناء مكتسبات تليق باسم الثورة النسائية.

 فهي تستند في عملها على تطوير الأرضية الصحيحة على عدة مبادئ انطلق منها القائد عبد الله أوجلان؛ ألا وهي المقاومة التاريخية لثقافة الإلهة – الأم عبر خمسة آلاف سنة وتجارب الحركات النسوية في العالم، وتجارب حركة المرأة الكردستانية. وهنا نجد أن هذه الأسس توضح الهدف المرجو من هذا العلم لكونه شمولي ويحتضن جميع الأفكار التي تؤدي إلى التكاتف النسوي والمجتمعي، ونستطيع القول أيضاً بأنه نظام عمل الأكاديمية المعتمد عليه لتستطيع أن تصبح مظلة تحتمي بها النساء وتنظم على هذا الأساس عملها.

حيث أن العمل الأكاديمي يعتمد في أساسه على مراكز الأبحاث والتدريب ، قسم الجنولوجيا في جامعة روجآفا ومعهد أندروولف الذي تأسس لاحتواء النساء الأمميات وتدريبهن  وقرية المرأة (جنوار )هي الحافز والعامل الأساسي الذي نعمل عليه لجذب وتعريف الجنولوجيا من خلاله، هذا كله ضمن النطاق الداخلي في المنطقة، أما خارج كردستان و كما نعلم أن العمل في أوروبا لم يكن في مراحله الأولية بل كانت الجنولوجيا منبعاً للعمل منذ سنوات هناك، فتأسست اللجان وبعض المراكز فيها وتم الاعتماد على أسلوب التدريب، وعلى فتح تخيمات للشابات والذي يتضمن تدريبات أيديولوجية وأنشطة فكرية.

وقد باتت الجنولوجيا ممراً للنساء ومنبعاً ليستطعن السير من خلاله إلى الحياة المرجوة. ومن هنا نستطيع القول بأن العمل في الشرق الأوسط والعالم لم يكن بداية جديدة لها في 2024، بل عملت في السنوات الأخيرة على الانفتاح في الدول الأوروبية والشرق الأوسط وتطورت العلاقات النسائية وكانت النساء الكرديات رائدة في هذا المجال ونقلت التجربة النوعية للنساء الكردستانيات ذات الخمسين عاماً، وعبر التاريخ من نضالهن في الانتفاضات التي قامت في كردستان والثورات التي كان للنساء النصيب الكبير في إنجاحها.

أصبحت هذه التجربة ملهمة لجميع النساء لأنها فريدة من نوعها ومنظمة بشكل علمي وهنا نستطيع القول بأن التعريف بهذه التجربة كان لها نتاجات مثمرة. فالقرية النموذجية التي تأسست في روجآفا باسم قرية المرأة (جنوار) كان لها الأثر البالغ لدى النساء في الشرق الأوسط والعالم كتجربة أولى تقوم بها النساء الكرديات والمبنية على طرح القائد عبد الله أوجلان، كون هذه القرية لها تنظيم مستقل للنساء في إدارة أنفسهن بعيداً عن الذهنية المقولبة للرجال، فكانت ملهمة وما تزال إلى اليوم الحالي موضوع نقاش وملفت للانتباه وبالأخص أثناء  حضور ممثليات الحركة النسائية في المؤتمرات والندوات خارج كردستان والمشاركة في اللقاءات مع النساء من مختلف المجالات النسويات منهن والأكاديميات والمهتمات بمجال تنظيم النساء والمجتمع.

أصبحت الجنولوجيا ملاذاً لجميع النساء، الكثير منهن أبدين إعجابهن بعلم نوعي ومختلف وأردن خوض التجربة المعرفية وفهم جوهر هذه الأيديولوجية، فتطورت العلاقات وحلقات النقاش للتعمق أكثر وكانت الكونفرانسات التي عقدت خير دليل على ذلك من خلال تقييمهن للعمل النسائي وكيفية تطويره ونشره بكثافة، وتقديمهن للاقتراحات لوضع استراتيجية مناسبة للعمل الدؤوب.

وكانت البراديغما التي نعمل من خلالها والتي وضعها القائد أوجلان ملفتة للانتباه، لأنها أثبتت بجدارة فاعلية العمل بها على أرض الواقع من خلال ثورة روجآفا حيث أن وجود تنظيم نسائي خاص ووجود النساء إلى جانب الرجال في وضع القرارات وإبداء الآراء إحدى النتاجات التي وصلت إليها النساء، فكانت الحاجة إلى تطوير الجنولوجيا إلى جانب تنظيم النساء، خطوة تاريخية بدأت بها النساء الكرديات وتخطو خطواتها جميع النساء من مختلف الثقافات والمكونات والمجتمعات.

الجنولوجيا ودور المرأة الريادية

إلى جانب آخر كان لبعض النساء رأي آخر لا نستطيع تغيبه، فقد كانت الآراء حول الجنولوجيا مختلفة فمنهن من رأت فيه العادي والبسيط ولا يستطيع تقديم الحلول المناسبة لوقف المشكلات والأزمات الاجتماعية التي تنبع من النظام القائم، وبنظرهن أن الفامينية كفيلة بتحقيق ذلك، والبعض الأخر أبدى رأيه بها على أن النساء لا تستطعن بهكذا علم تحليل المشكلات المتفاقمة والوصول لجذورها، ولا يمكن تحليل وتقييم سوسيولوجية المجتمعات بشكل كافي من خلاله ولا يمكن أن يكون البديل.

وهنا ظهرت تقاربات عديدة ومختلفة ومنها القريبة جداً من مفهوم قوى الحداثة الرأسمالية الدینویة، والقومویة، والجنسویة، والدولتیة، المتمثلة في الدولة التركیة بالذات، التي تحاول كسر مكتسبات نضال حریة المرأة وإضعاف تأثیر الجنولوجیا من خلال الھجمات الفكریة والجسدیة والسیاسیة، حيث تسعى المؤسسات الاستخباراتية التركیة لإعداد أطروحات ضد مفھوم الجینولوجیا، بینما يفرضون العقائد الدینیة للوصول إلى جمیع النساء من المجتمعات المختلفة.

الأكادیميات والناشطات والباحثات عن الحریة يرون أن الجنولوجیا تفتح آفاقاً جديدة لتحلیل الأنظمة السلطویة وفھم حقیقة المرأة التاریخیة والاجتماعیة. النساء في أوروبا اللواتي انضممن إلى مخیمات الجنولوجیا یدركن لماذا تظل الحداثة الدیمقراطیة حیة؟ ویكتسبن الأمل في الحیاة، مما یعزز عزیمتھن للنضال!

التطوير وأهدافنا الأساسية

 نحن نعتبر هذه الآراء مبنية على تعمق الذهنية الذكورية التي تسيطر على عقول المجتمعات كافة وأن عدم المعرفة الكافية والتحليل السطحي للأمور يصل إلى هذه الرؤية، وهذا النظام القائم ينهش بعقولنا لنبقى مكتوفي الأيدي عما يحصل من قتل وإبادة المجتمعات والثقافات التي تمتلك تاريخاً عريقاً. وهنا، من خلال هذه المعرفة وجدنا من الضروري تغيير هذه الآراء ووضع تكاتف النساء الأيديولوجي مكانها.

وهنا؛ وجدنا أن العمل على نطاق أوسع من أهدافنا الأساسية لتطويرها حسب السنوات السابقة، فكان العمل ضمن مجال ضيق وغير معلن بشكل مباشر. لذا، قمنا بتطويره وتوسيعه لتكن النساء على دراية بالنتائج التي وصلنا إليها عبر هذه السنوات، وعملنا على توسيع الرقعة الجغرافية أكثر من خلال تجربتنا الأولى في عضويتنا في /مجلس المنظمة العالمية لنسج البدائل/ وحضورنا في الاجتماعات التعريفية مرتين في العاصمة الكينيّة نيروبي وحضورنا في نموذج المجتمع العالمي في نيبال، بالإضافة إلى فعاليات التخييم في أوروبا والتي ساعدت في بناء علاقات قوية في القارة والوصول إلى التعاون مع معهد آندروولف الذي قدم تدريبات ثقافية وأدبية.

في بعض مجموعات الحداثة الدیمقراطیة، تم تشجیع نقاشات حول تغییر مفهوم الرجال. في جامعة روجآفا، قامت أكادیمیة المرأة بتطویر شبكة للتواصل والعمل المشترك مع الأكادیمیین، وحققت خطوات مھمة مع الجامعات في دول مختلفة. كما عملت على متابعة وضع النساء وتحلیل أطروحات الجنولوجیا، وبناء العلاقات الدولیة. إحدى الشبكات التي تم إنشاؤها في عام 2024 تشمل أكاديميات وناشطات من أمریكا اللاتینیة، إفریقیا، وآسیا، وتھدف إلى التعاون لبناء خارطة طریق دیمقراطیة، جماعیة، بیئیة، ونسویة على مستوى الإقلیم والعالم.

في أغسطس 2024، شاركت ممثلة أكاديمية المرأة في أول اجتماع عام لھذه الشبكة في كینیا. كانت زیارة قریة المرأة في كینیا أوموجي” مؤثرة، واقترحنا بناء آلیة خاصة لنساء كینیا تم قبولھا وتفعیلھا. بعد الاجتماع استمر نقاش المجلس العام للنساء، وتم تنظيم ورشة عمل خاصة عن الدیمقراطیة اللیبرالیة وثورة شمال وشرق سوریا، حضرت ممثلة أكادیمیة المرأة اجتماع “المجتمع المتحرك” في كینیا تحت شعار “التعاون من أجل التغییر”. تم النقاش مع نساء محلیات من قبائل مختلفة في إفریقیا حول أھمیة معرفة التاریخ والنضال من أجل حرية المرأة والوطن. كما تم تطوير العلاقة مع مبادرة مانفیستو النسویة في الشمال العالمي.

من خلال هذه الأعمال والنشاطات تعمقنا في علاقاتنا وقمنا بتطويرها، إلى جانب المبادرات العملية من خلال زيارتنا إلى بعض الدول العربية وعملنا في لبنان وأقمنا العلاقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع النساء في تونس والمغرب، والجزائر وليبيا والسودان وبعض الدول الأخرى. وإقامة العديد من المحاضرات والندوات. فقد تهيأت أرضية جيدة إلى حد اليوم، لكن مازلنا في مواجهة الصعوبات ولا نستطيع الحصول على النتائج المبهرة لأن طرح هذه المواضيع يتطلب جهداً وتعمقاً أكثر في الموقع الجغرافي لكل منطقة أيضاً. والنظام الدولتي الحاكم فيها واحدة من الصعوبات التي يواجهها (علم المرأة – الجنولوجيا)، بالأخص حين يتم طرح المواضيع الدينية والمجتمعية، يعتبرونها خطرة جداً، فالنقاش وبشكل ديمقراطي مفتوح يخلق الخوف في نظام السلطة، وبروز الحقيقة التي تفعّل مرة أخرى دور المرأة والمجتمع في فهم الحقيقة، والاعتماد على القوة المجتمعية، يزيد النظام الهرمي خوفاً.

لذا، كان لابد من وضع الاستراتيجيات اللازمة والضرورية لسيرورة العمل وتطويره، من خلال تنظيم محاضرات وحلقات النقاش مع نساء الدول وشبكات الحضارة الديمقراطية للتعرف على تاريخ بعضنا البعض والوصول إلى النساء في دول الشرق الأوسط مثل؛ تونس ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين وإيران وأفغانستان، اللواتي شاركن في النضال ضد الأنظمة الديكتاتورية لكتابة تجاربهن.

فمع تطوير النقاشات حول الحلول المطلوبة وبالإضافة إلى مشاركة المصطلحات والمشاريع التي تهدف إلى الحل من خلال طرح أفكار المفكر عبد الله أوجلان بالأخص حول مواضيع نظام الأمة الديمقراطية، والرئاسة المشتركة، والإسلام الديمقراطي، وأيديولوجية تحرر المرأة، وثورة المرأة، إضافة إلى ذلك تجارب حركة تحرر المرأة.

إن تطوير العلاقات الطويلة الأمد من خلال المشاريع المتنوعة مع كافة الجهات النسوية، هدفها الأساسي تحليل العلاقة بين الإبادة الثقافية على المجتمع والمرأة، والشعوب المظلومة، والبيئة والطبيعة، وتطوير أساليب المقاومة لدى المرأة في البلدان المختلفة من العالم والشرق الأوسط بالذات.

فسيكون عام 2025 عاماً حافلاً بالكثير من المشاريع المرحلية والتاريخية. وسننظم ورشات عمل وشبكات تواصل اجتماعي مع جميع النساء، وهدفنا الرئيسي إقامة “الكونفدرالية النسائية”.