المرأة الكردية مسيرة نضال لا ينضب – ريحان لوقو
المرأة الكردية مسيرة نضال لا ينضب
“من أجل تنمية دور المرأة وتعزيزه في المجالات
والاختصاصات المتعددة، تم فتح دورات تخصصية للنساء
في أكاديمية الشهيدة زينب صاروخان، التي تتميز بدوراتها
التخصصية من أجل أن تلعبن النساء دورهن بفعالية أكبر
في قيادة الثورة وضمان حماية مكتسباتها والوصول إلى مكتسبات جديدة”
ريحان لوقو
ناطقة كونكرا ستار
عند النظر إلى آلاف السنين التي مضت ورسمت بمضيها تاريخاً براقاً ومميزاً للمرأة الكردية التي تفردت بصفاتها “المناضلة” عبر التاريخ. يمكننا رؤية ملامح النجاح والانتصار مع كل مخاض عبرت من خلاله إلى ولادة جديدة. المرأة الكردية أيضاً كما المجتمع الكردي الذي تميز عبر العصور الطويلة بقيمه ونضاله ومقاومته لشتى الظروف، لا سيما الاحتلالية التي جعلت من وطنها كردستان أرضاً للمعارك والصراعات الإقليمية والدولية والمحلية أيضاً. لذلك لا يمكننا فصل تاريخ المرأة ونضالها الثقافي عن نضال مجتمعها الذي كافح ولايزال يكافح ضد سياسات الصهر والإبادة الثقافية والاجتماعية، والسياسية، والهوية، واللغة. فاليوم إن كان الشعب الكردي يعاني من الظلم والاضطهاد والحرمان من حقوقه الإنسانية، فالمرأة أيضاً تعاني بنفس القدر. بالاستناد إلى ما تم ذكره يمكننا الحديث عن المسيرة الثورية الطويلة للمرأة الكردية التي تميزت بالتحديات الكبيرة إلى جانب الإنجازات الملحوظة في مختلف المجالات تاريخياً.
حيث لعبت المرأة دور الشريكة في النضال من أجل حقوقها وحقوق مجتمعها وتحرير وطنها من أيدي الاحتلال، الذي شوّه كافة الملامح الكردية الجميلة بفرض سياساته القمعية والمبيدة للغنى والأخلاق الكردية. على هذا الأساس لا يمكننا أن نغض النظر عن الدور البارز والمسؤولية التاريخية التي حملتها المرأة الكردية على أكتافها من أجل الحفاظ على الثقافة والتراث العريق للمجتمع الكردي.
الهوية والثقافة الأصيلة
لقد ساهمت في تعزيز الفنون التقليدية مثل الشعر والموسيقا التي حمت بها صدى اللحن واللغة الكردية من الضياع نتيجة الهجمات المنهجية عليها من قبل المحتلين والمستعمرين. على هذا الأساس يمكننا القول بأننا إن كنا نتكلم الكردية اليوم ونستمع إلى القصص والأغاني التي تعزز روح المقاومة والنضال لدى المجتمع من أجل الدفاع عن كردستان حرة، فالفضل الأكبر يعود لحناجر النساء أمثال الفنانة عيششان وغيرهن من النساء المناضلات اللواتي حافظن على هذا الإرث التاريخي من التلاشي والضياع. أيضاً كان لهن بصمة عظيمة في نقل الثقافة الأصيلة من جيل إلى آخر دون أن تتأثر بالنظام والذهنية الرأسمالية وفكرها المفكك للنسيج المجتمعي. إن وعي المرأة وإدراكها والتحلي بالخصائص الوطنية زادَ عبر النضال والكفاح ضد الظلم والاحتلال وأصبحت أكثر معرفةً بمكانتها ومدى أهمية تنظيم ذاتها، وهذا ما عزز دورها الريادي وبالتالي سلط الضوء وبشكل أوسع على مدى امتيازها بالمرونة والقوة ودورها الحيوي في إنشاء مستقبل حر للمجتمع الكردي.
على مدى قرون شاركت المرأة في العديد من الحركات السياسية والاجتماعية مما جعلها تصبح جزء مهم من عملية المقاومة والنضال، وهذا الدور برز بشكل ملفت وعظيم ضمن صفوف حركة حرية المرأة التي أعادت الملامح الحقيقية للمرأة وأكسبتها الإرادة والقوة المستندة على الفكر الحر والتنظيم والنضال، وبالتالي أثمرت وأنتجت ثورة المرأة في روجآفا. إلى جانب ذلك لا يمكننا أن نمر مرور الكرام على التمايز الاجتماعي الذي عانت ولازالت تعاني منه المرأة ضمن المجتمع حيث أنها واجهت قيوداً عديدة حدّت من حريتها مثل الأعراف المتعلقة بالزواج والعمل والاستغلال والاحتلال والنزاعات، كونها من أكثر الضحايا التي عانت من آثار الحروب والنزاعات مما زاد من العنف ضدهن إلى يومنا الحالي. وفي هكذا ظروف عانت أيضاً من الفقر والحرمان الاقتصادي مما أدى إلى حرمانها من التعليم والاستقلال الذاتي اقتصادياً. ولا ننسى الحرمان القانوني من كافة الجوانب.
المسيرة النضالية
اليوم ومن خلال المقاومة النضالية التي خلّفت تاريخاً وإرثاً واضحاً لا يمكن تجاهله عبر أكثر من 40 عاماً، تغيرت الموازين كونها لعبت الدور القيادي في كافة المجالات وحققت تحولات جذرية عبر وعيها الحر وفكرها المستقل. لقد تحول وجود المرأة إلى ذات فاعلة، من خلال تنظيماتها النسائية الخاصة وشبه المستقلة، رداً على مقاربات النظام السائد الذي حط من شأنها، وحوّلها إلى موضوع شيء، وجرّدها من إرادتها. وهكذا تمكنت المرأة من إدارة نفسها بنفسها، والبت في شؤونها الخاصة بها، بل والتحول إلى قوة ريادية في عملية البناء المجتمعي أيضاً.
هذا ويسعى لاحتواء التنظيمات النسائية من القوميات الأخرى أيضاً بهدف توحيد النضال التحرري لقضية المرأة بين كافة الشعوب، كون الحركة الكردية كانت تتعرض لحملات التصفية في كافة أجزاء كردستان من قبل القوى المحلية والرأسمالية العالمية وقت ذاك، فأتى تأسيس التنظيم النسائي رداً على الحملات التصفوية من جانب، والوصول إلى حل القضية الكردية وقضية المرأة داخل الحدود السورية وفقاً لبراديغما الحضارة الديمقراطية التي تهدف لبناء المجتمع الديمقراطي التحرري الجنسوي والإيكولوجي من جانب آخر. هذا النضال الذي بدأته المرأة الكردية لعب دوراً فعالاً في توعية المجتمع ذهنياً وكسر القوالب الاجتماعية التي تحدّ من حرية المرأة، كما أنه وهب المرأة جرأة الانضمام للميدان السياسي بهدف ممارسة السياسة الديمقراطية في سوريا، إلا أن النظام السوري لم يتقبل هذه الخطوات التاريخية التي خطتها المرأة الكردية في شمال وشرق سوريا، وقام بحملات اعتقالات تعسفية جداً بحق المواطنات الكرديات. حيث تشكلت على إثرها ولأول مرة ملفات النساء السياسيات الكرد في سورية، إلى جانب تعرضهن لشتى أساليب التعذيب النفسي والجسدي من قبل السلطات الأمنية.
وعلى الرغم من ذلك استمرت المرأة في نضالها التحرري ضد كافة الأساليب التعسفية هذه عبر تصعيد مقاومتها بشكل أوسع، لذلك ولكي يتماشى تنظيم المرأة مع روح المرحلة الثورية التي نعيشها في شمال وشرق سوريا تحتاج المرأة لإعادة التنظيم من جديد وتنظيم ذاتها ضمن مشروع الأمة الديمقراطية. أثر هذا النضال وبشكل مباشر على انتفاضة الشعوب في منطقة الشرق الأوسط وعلى نضال المرأة خاصة؛ حيث بدأت بالانتفاضة في مواجهة الأنظمة الديكتاتورية المتسلطة على رقابها منذ أكثر من خمسين عاماً، فنرى الانتفاضات المكثفة للمرأة؛ و التي تم إبعادها عن الميدان الثوري نراها اليوم تملأ الشوارع بكثافة شديدة مطالبة بالحرية، حيث تم تقديم البدائل والتضحيات العظيمة في هذه الثورات، لكن الأهم من كل ذلك هو أن يتم الوصول لحلول ديمقراطية سلمية وأن تصل الشعوب والمجتمعات لحقوقها المشروعة في التحرر.
فلسفة المرأة، الحياة، الحرية
إنّ أفضل وأنسب الحلول المقترحة لكافة قضايا مجتمعات الشرق الأوسط هي فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية”. لذلك يقوم مؤتمر ستار بالدور البارز في تدريب وتوعية المرأة، كما يقوم بتنظيم وفتح دورات للرجال كون عملية التغيير الذهني جذرياً تمر عبر التخلص من الشوائب التي خلفتها الأنظمة الرأسمالية والجنسوية. أيضاً للتخلص من الأزمات المجتمعية وتخطي العقم الحاصل في العلاقات بين الجنسين، لذلك ننظم هذه الدورات لمحو مفهوم الرجولة الكلاسيكية أيديولوجياً وفكرياً، كون عملية التغيير لا يمكن أن تكون صحيحة إن لم تستهدف الجنسين معاً، ومن أجل تحقيق هذه الخطوة نحو ضمان مجتمع ديمقراطي إيكولوجي يضم امرأة ذات إرادة ورجل ديمقراطي حر، تم فتح العشرات من الدورات التي قادتها المرأة في سبيل تحقيق تحول حقيقي في قضية المرأة التي تشكل منبع كافة القضايا الاجتماعية وبالتالي بناء الحياة النِدِيِّة المشتركة.
ومن أجل تنمية دور المرأة وتعزيزه في المجالات والاختصاصات المتعددة تم فتح دورات تخصصية للنساء في أكاديمية الشهيدة زينب صاروخان التي تتميز بدوراتها التخصصية من أجل أن تلعبن النساء دورهن بفعالية أكبر في قيادة الثورة وضمان حماية مكتسباتها والوصول إلى مكتسبات جديدة. وأيضاً ضمن الأعمال والفعاليات التي يقوم بها مؤتمر ستار النضال من أجل رفع العزلة والتجريد المستمر بحق القائد عبد الله أوجلان وفرض العقوبات غير القانونية التي تهدف لقطع التواصل بين الشعب والقائد، لذلك يهدف نضال ومقاومة مؤتمر ستار إلى تحقيق الالتفاف حول فكر وفلسفة القائد عبر رفع مستوى الفعاليات لإيصال صوت الحرية إلى جميع أنحاء العالم. حيث أنها تضع تحقيق حرية القائد الجسدية في محور أعمالها ونشاطاتها، وبالتالي تسعى من خلال لجنة العلاقات الدبلوماسية إلى نشر فكر وفلسفة القائد APO وإيصال تجربة ثورة روجآفا ونموذج الأمة الديمقراطية إلى كافة نساء العالم.
وللتعريف بالثورة والمناضلات اللواتي ربطن بين مقاومة الشعوب والثورة معاً، فهي تسعى لتحقيق أممية الثورة من خلال بناء الصداقات الاستراتيجية مع قوى الحداثة الديمقراطية على رأسها الحركات والتنظيمات النسوية، الإيكولوجية، والثورية، والاشتراكية. ومن أجل إبقاء ملفات الثورة نشطة في أجندة أعمال الدول التي تتخذ من التواصل التكتيكي مع الأنظمة الحاكمة حاجة لتسليط الضوء على قضايا النساء والشعوب ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب ضد إرادتهم واستقرارهم أمثال حكومة أردوغان.
أبرز الأعمال التي قامت بها المرأة بريادة مؤتمر ستار هي:
في العقد الاجتماعي الجديد لإقليم شمال وشرق سوريا، ومن أجل الحفاظ على مكتسبات المرأة وصون حقوقها وحق المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية وأن يكون لها تمثيل وقوانين تضمن لها أبسط حقوقها إلى أكبرها، قاموا بتوثيق المادة 25 المستندة على قانون التساوي في الحقوق بين الرجل والمرأة، حيث تم اعتماد نظام الرئاسة المشتركة وترسيخ نظام الرئاسة المشتركة في كافة الكومينات والمجالس والهيئات مع نسبة 50% للمرأة في مجالس الشعب والإقليم ومؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية ووصولاً إلى مجلس الشعوب.
نرى بأن نظام الحداثة الرأسمالية والفاشية يمارس أبشع الانتهاكات وجرائم الحرب بقتل النساء بطرق عنيفة وأساليب وحشية شرسة بذرائع جنسوية، ودينوية، وقوموية. وخير دليل على ذلك ما ترتكبه دولة الاحتلال التركي في مناطق شمال وشرق سوريا من مجازر خطيرة بحق النساء والأطفال والشعوب على حد سواء، وكل ذلك عبر الاحتلال وتهجير السكان الأصليين وانعدام حالة الأمان والاستقرار. وإفشال المشروع الديمقراطي من خلال استهداف شخصيات وطنية وسياسية لها دور بارز في ثورة المرأة والقضاء على التنظيم الإرهابي داعش، منهن المناضلات من أجل حرية المرأة أمثال الشهيدة يسرى درويش، وريحان شويش، وجيان تولهدان… الخ، حيث نرى بأن مرتكبي وجناة جرائم قتل النساء كالسياسية هفرين خلف وغيرها لا يتم محاسبتهم وتحويلهم إلى المحاكم الدولية لنيل عقابهم وتحقيق العدالة والسلام لدعاة قضية المرأة والديمقراطية.
على هذا الأساس نحن كتنظيم كونكرا ستار رغم كافة الظروف الصعبة التي نمر بها، وكما ناضلنا وقدمنا تحديات كثيرة سنبقى صامدين كنساء كرديات وعربيات وتركمانيات وسريانيات وأرمنيات وآشوريات …الخ وسنواجه كافة المواجهات والتعديات على حقوق المرأة في عام 2025. فكما كنا بكامل ثقتنا وإصرارنا وعزيمتنا للوصول إلى قمة المقاومة سنكمل المسيرة الحافلة بالنضال الدؤوب والمضي بفلسفة:
Jin, Jiyan, Azadî
المرأة، الحياة، الحرية