الفنُ لغةُ الرّوح الخفيّة – الفنانة التشكيلية: ديلبر أكرم سيدا

 

الفنُ لغةُ الرّوح الخفيّة

“يُعتبر الفن رسالة روحيّة تلامس الروح الإنسانية، ولها أثر عميق على شخصية الفرد،

ويُمثّل تعبيراً حرّاً للفرد عن ذاته، وعن المجتمع الذي يعيش فيه،

ومن خلال الفن يتمكّن الإنسان من التعرّف على العالم بشكل مختلف،

ويستطيعُ أن يجسّد الأفكار والمشاعر التي يريد التعبير عنها

بطريقة جماليّة وإبداعيّة”

 

 

الفنانة التشكيلية: ديلبر أكرم سيدا

 

أنا ديلبر أكرم سيدا من مدينة عامودا في شمال وشرق سوريا، ولدت عام 2004، كبرت وترعرعت في هذه المدينة الجميلة التي تحتضن كافة المكونات، والجميع يتعامل فيما بينهم على أسس قوية من الارتباط ما يضفي على المدينة الثّراء الثقافي والمجتمعي. يمرّ فيها نهر صغير، ويوجد بها ثلاث تلال أثريّة (تل موزان، وتل شاغر بازار، وتل گري شرمولا)، وهي تلال كانت مأهولة لقرون طويلة قبل الميلاد.

بدايةُ أي رسام وهو طفلٌ صغير تبدأ بخربشات بريئة على الجدران ورسومات طفولية تعبر عن شخصية ذاك الطفل، منذ صغري كان يستفزني البياض الناصع في أيّ ورقة كانت تقع بين يديّ، كنت أظن أنّه عليّ أن أقوم بوضع لمساتي عليها، وبتركيز وإتقان تدّب الروح في تلك الصفحات الميتة لتتحول إلى لوحة رائعة تحكي قصصاً واقعية وخيالاً وتراثاً عريقاً. بدأتُ برسم الشخصيات الكرتونية وكل ما تقع عليه عيناي وأنا بعمر السبع سنوات، عشقتُ الرسم منذ نعومة أظفاري كوني كبرتُ وترعرعتُ في كنف عائلةٍ تحب الفن. شجّعتني عائلتي على الرسم فلم أسمع منها إلا الكلام الطيب والحثّ الدائم على مواصلة المشوار، بالإضافة إلى أنّها كانت تشتري لي الألوان ودفاتر الرسم. فالبيئة الحاضنة للفرد تساهم بدرجة معينة في تكوينه وتوجيهه لأفق معين.  بدأتُ بممارسة الرسم أولاً باستخدام الألوان الخشبية والمائية، كما تعلمت الرسم بالألوان الزيتية، وأتقنتُ أيضاً الرسم بالفسيفساء. شاركتُ في معارض مدرسية عديدة من خلال لوحاتي التي كانت تمزج الواقع بالخيال.

قمتُ بصقل موهبتي والاهتمام بها بشكل أكبر حيث كنتُ أسعى دائماً إلى تجربة طرقٍ جديدة لتعلّم الرسم، وفي السنوات الأخيرة شدّ انتباهي الرسم الرقمي (Digital Art )، خاصة أنّه لم يكن هناك رسامون رقميون في مدينة عامودا من قبل، وهذا ما دفعني أكثر لأتعلمه من خلال اليوتيوب وأقدّم شيئاً مميزاً للناس. الرسم الرقمي هو رسم اللوحات باستخدام أدوات إلكترونية وتطبيقات خاصة بدلاً من استخدام الطرق التقليدية بأقلام الرصاص والورق، وأكبر ميزة للأجهزة والبرامج الرقمية هي بيئة العمل النظيفة والمرتبة للفنان، حيث تعمل البرامج على إعطاء الفنان إحساس الاستوديو الحقيقي من توفير أنواع الفُرَش وإمكانية مزج الألوان والعمل بجميع الأساليب، بداية من الأسلوب الواقعي إلى الانطباعي أو حتى الحصول على تأثير المواد المختلفة كالألوان المائية.

هناك الكثير من الاختلافات بين الرسم الرقمي والتقليدي، إذ يَعتمد الرسم التقليدي على أدوات ومواد ماديّة مثل: الفرش واللوحات والألوان، في حين يَعتمد الرسم الرقمي على الأدوات الرقمية مثل: أقراص الرسومات والأقلام الإلكترونية وبرامج الكمبيوتر. يتميّز الرسم الرقمي بسهولة التراجع عن الإجراءات وتحريرها في أي وقت أثناء الرسم بينما تفتقر اللوحة التقليدية لتلك الإجراءات، إضافةً إلى ذلك يكون مزج الألوان في الرسم التقليدي يدويّاً على لوحة لتحقيق درجات الألوان والظلال المرغوبة، بينما في الرسم الرقمي يمكن اختيار الألوان وتطبيقها مباشرةً.

في البداية كنتُ أقوم بنشر رسوماتي على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن ذلك بدافع العمل أو الحصول على مردود مادي، لكن عندما نالتْ هذه الرسومات إعجاب الكثير من الناس قررتُ أن أجعل الرسم جزءاً من عملي خلال السنتين الأخيرتين، ورغم أنّ هذا المجال كان بعيداً عن دراستي لكنّه كان الأقرب لنفسي وروحي، حيث وجدتُ فيه شخصيتي الجديدة المفعمة بالأمل، فكان الفن بالنسبة لي أسلوب حياة جعل من شخصيتي إنسانة محبة للحياة، وأن أرى الجمال في كل شيء، وساعدني أيضاً في التغلب على الكثير من المصاعب.

عندما قُمتُ بنشر رسوماتي عبر صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي تلقيت العديد من الطلبات، وفي فترة قصيرة حظيتُ بمحبة الكثير من الناس لأنّ رسوماتي أصبحت جزءاً من مناسباتهم وأفراحهم، كما أن موهبتي ساعدتني أيضاً في تقديم أشياء كثيرة لخدمة مجتمعي، حيث شاركت في رسم الصور الخاصة بكتب المناهج المدرسية التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية. إلى جانب ذلك أكملتُ دراستي حتى تخرجتُ من جامعة روج آفا بمدينة قامشلو قسم إدارة مالية عام 2024.

من خلال لوحاتي أسعى إلى إبراز شكل المرأة الكرديّة ليس فقط من ناحية المظهر، بل ككائن يحمل في داخله قصّةً، وتاريخاً، وتراثاً غنيّاً، فعندما أرسم امرأةً ترتدي لباساً تقليدياً أو تُحاط بعناصر من بيئتها، فأنا لا أرسم جسداً فقط، بل أرسم هويةً كاملةً، أُظهِر في تلك التفاصيل احتراماً لتاريخها، وثقافتها وللدور الكبير الذي كانت وما زالت تلعبه في المجتمع. المرأة الكردية هي الحاضنة الأساسية للثقافة والضامنة لاستمراريتها، وهي تمثّل عضواً فاعلاً في المجتمع لأنّها ساهمت في إغناء التراث ونجحت في جعله ثقافة خالدة.

وفي لوحاتٍ أخرى أُحاول ترسيخ القيم الإنسانية التي تحمل رسائل صادقة تمسّ القلب، فأحاول إظهار مشاهد تعبّر عن الحب، السلام، التعاون، والتسامح بأسلوبٍ بسيط لكنّه مؤثر. كأن أرسم لوحةً تُجسّد التعاون، فأرسم أشخاصاً يساعدون بعضهم البعض .هذه اللوحة تذكّرنا بإنسانيتنا، فالفن هنا لا يكون مجرد رسم، بل يصبح وسيلةً لنشر الخير، وتحفيز الناس على فهم بعضهم ومساعدة الآخرين.

دائماً أبحث عن كل ما هو جديد في الرسم الرقمي، كما أنّ علاقتي بالرسم علاقة حُب، فعندما أبدأ بالرسم أتعامل مع أدواتي الفنية ولوحاتي على أنّهم أصدقائي، حتى أنّني في بعض الأحيان أتكلم مع اللوحة عندما أرسمها، فالرسم هو عالمي الافتراضي الذي أعيشه عندما أحاول الهروب من الواقع إلى الخيال وأجد فيه أصدقائي الحقيقين المتمثلين بأدوات الرسم.

الفنون كثيرة والفنانون لا يُعَدّون ولا يُحصَون، ولكلّ فنانٍ شخصيته التي تميّزه عن غيره، وله أجواؤه الخاصة التي يفضلها خلال ممارسة النوع الذي يفضله من الفنون، أنا شخصيّاً أفضل الاستماع إلى الموسيقى الهادئة، فالموسيقى تعني لي الكثير فهي مصدر إلهامي، تُشعرني بالقوة وتفتح لي آفاقاً واسعة للخيال والإبداع، الرسم من أبهى الفنون قد يكون هذا رأياً شخصياً فحسب، لكني على ثقة تامة أنه فنٌ راقي.

يُعتبر الفن رسالة روحية تلامس الروح الإنسانية ولها أثر عميق على شخصية الفرد، حيث يخلق الإبداع، والتميّز، والأصالة، والتفرّد، وهو الوسيلة للتعبير عن الأفكار، والمشاعر، والأحاسيس، ويُعدّ عنصراً أساسياً في الحياة الإنسانية، ويُمثّل تعبيراً حرّاً للفرد عن ذاته وعن المجتمع الذي يعيش فيه، ومن خلال الفن يتمكن الإنسان من التعرّف على العالم بشكل مختلف وجديد. كما أنّ الفنّ لا يحتاج إلى ترجمة فهو لغة الروح التي تُعبّر عنها الألوان، فأنا أحب جميع الألوان، ولكنّي أستخدمها حسب المزاج الإبداعي الذي أكون فيه، فاللون بحدّ ذاته تعبير عن كل حالات الفنان الذي يرسم من خياله عالماً خاصاً به.

نصيحتي لأي رسام مُبتَدِئ هي الاستمرار في المحاولة حتى تحقيق هدفه والوصول إلى غايته وعدم السماح للنقد الهدام بالتأثير عليه، بل جعله دافعاً لتطوير نفسه والوصول إلى حلمه، لأنّ الفن له دور فعال في بناء الحضارة، وهو دافع مستمرٌ في التطور والرقي، وعاملٌ أساسي في يقظة المجتمع بأنامل مبدعة لها بصماتها الخاصة. طموحي أن أتقدم أكثر في الرسم الرقمي وأفتح معرضاً خاصاً بي.