ثورة المرأة شرارة لثورة نسويّة عالميّة في القرن الحادي والعشرين – ديلان عثمان
ثورة المرأة شرارة لثورة نسويّة عالميّة في القرن الحادي والعشرين
“ثورةُ المرأة في شمال وشرق سوريا
هي قلبُ ثورةٍ نسويّة عالميّة تتصاعد وتيرتها في هذا القرن،
فهي بما تحمله من دلالات ومكتسبات تُشير وتُؤكد على أنّ مقاومة المرأة
لن تنحصر في هذه المنطقة و أنّها تُمثّل جوهرَ مطالبِ المرأة عالميّاً”
ديلان عثمان
برزت ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا بريادة المرأة الكرديّة كواحدةٍ من أكثر التّجارب النسويّة إلهاماً، واعـتُبرت تحوّلاً مفصليّاً في تاريخ المرأة والعالم. لم تكن هذه الثورة كفاحاً نسويّاً مسلّحاً فحسب أو ثورة اجتماعية عابرة، بل نهضةً فكريّةً وسياسيّةً واجتماعيّة أيكولوجية استهدفت البنية الاجتماعية التي صاغتها الأنظمة القومويّة والذكوريّة والهيمنة الرأسماليّة لقرونٍ طوال خدمةً لمصالح السّلطة والرأسمال. أعادت هذه الثورة تعريف دور المرأة في المجتمع السّوري بشكلٍ خاص والمجتمعات الشّرق أوسطيّة والعالميّة بشكلٍ عام، وقدّمت نموذجاً حيّاً وبديلاً أثبت قدرة المرأة على قيادة التغيير والثّورة في أصعب الظروف وعلى جغرافيات غاية في التعقيد من الجانب الجيوسياسي.
انطلقت المرأة الكرديّة بدايةً بثورتها على إرثٍ وأرضيّةٍ لم تكن وليدة جديدة في المنطقة، بل كانت ميراثاً اكتسبته من حركة المرأة الكردية التي نظّمت مسيرتها النضاليّة منذ بزوغ الثّورة التحرريّة الكردستانيّة، واستلمت شعلة الثورة من النساء اللواتي كرّسنَ حياتهنّ لحماية المرأة وحقوقها وهويتها وأرضها. لم تكن أبواب المنطقة تسع لثورةٍ ستنطلق آنذاك وسط حربٍ طاحنة وصراعات إقليمية ودولية محتدمة على الجغرافية السورية التي ستعاني من ويلات حربٍ لعقود، كما أنّ واقع المرأة المكتظ بالقضايا كالتّهميش والإقصاء لعقود طويلة سيلاحق هذه الثّورة إن بدأت آنذاك ويضعها أمام تحدّياتٍ عديدة.
لكن ما حدث في روج آفا وشمال وشرق سوريا كان استثنائياً، حيث قادت المرأة الكردية وإلى جانبها المرأة العربية، السريانية، الآشورية و الأرمنية ثورةً شاملةً جذريّة لم تقتصر على المطالبة ببعض الحقوق والحريات، بل رسّخت مفهومها للحرية والمساواة في الحياة العملية.
إنّ النّهج الصائب منذ البداية على أرضية وميراث قيّم في المنطقة أوصل المرأة إلى مستويات عالية، إذ أنّها لا تشارك في الميادين فقط بل تقود الثورة وتدفع بعجلة التّطور من خلال مشاركتها الفعّالة في إقرار مصيرها ومصير ثورة شعبها، فضلاً عن إحداث تغيير جذري في إدارة السياسة والتجييش الذكوري عبر تحويل الطاقات السياسية والعسكرية لخدمة الثورة، كقيامها بتشكيل وحداتها العسكرية الخاصّة كوحدات حماية المرأة وغيرها.
لو لم نعد إلى بداية انطلاق هذه الثورة وما واكبته المرأة في تلك المراحل لما صحّ الحديث عن إنجازاتها اليوم، ففي سوريا المنهكة من آثار الحرب تبرز المرأة بثورتها ونظامها البديل كنموذجٍ يقود سوريا ومجتمع المنطقة إلى بر التآخي والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. فقد قدّمت المرأة في المنطقة رؤية شاملة لتحرير المرأة بدأت من رفض الرأسمالية والذكورية السلطوية والدولة القومية، وقدّمت بديلاً يتجسّد في الكونفدرالية الديمقراطية التي تضع المرأة في مركز القرار والبناء المجتمعي.
إنّ ما يُميّز ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا هي أنّها لم تُعنى بجغرافيا أو حدود معينة، بل حملت خصائص تضعها كتجربة غنيّة وقيّمة لحركات التحرر النسويّة على مستوى العالم. ففي القرن الحادي والعشرين تأتي تجربة المرأة في روج آفا وشمال وشرق سوريا لتعيد ربط النظرية بالعملية، وتؤكّد أنّ تحرر المرأة لا يُمكن أن يكون مجرد مطلب قانوني أو على مستوى شخصيات مثقّفة وثائرة على الأنظمة والنمطيّة المفروضة على المرأة، بل هي عملية تغيير جذري تحتاج إلى ثورة شاملة تعيد صياغة البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمع على مبدأ التوافق بين الجنسين.
يواجه العالم أزمة إيكولوجية كإحدى الأزمات الناتجة من النظام الرأسمالي الموجهة لعالمنا لتتحول إلى كوارث نشهدها اليوم في العديد من البلدان، لذلك نجد أنّ الكثير من الحركات النسويّة والناشطات في مجال البيئة يتوجهن إلى حملات وأنشطة للحدّ من هذه الكوارث. هذه الأنشطة النسوية يجب أن تصنّف ضمن ثورة المرأة العالمية، فهي نضالٌ غير منقطع من نضال المرأة من أجل حريتها. ما يثير الجّدل حول ماهيّة ثورة المرأة هو دورها المحوري في تعزيز الإيكولوجيا ووضع المجتمع الديمقراطي والإيكولوجي استراتيجية وأبرز أهداف ثورتها، ربطت المرأة نضالها بين التحرر الاجتماعي والحفاظ على الطبيعة. إنّ النضال ضدّ الاستعمار الرأسمالي ولاسيّما الأنظمة الذكورية يشمل الدفاع عن الأرض والمياه والهواء، ما يجسّد أنّ هذه الثورة سائرة نحو وضع نظام عالمي بديل.
ثورة المرأة هي قلب ثورة نسويّة عالميّة تتصاعد وتيرتها في هذا القرن، فما تحمله من دلالات ومكتسبات تشير وتؤكد على أنّ مقاومة المرأة لن تنحصر في هذه المنطقة بل أنّها تمثّل جوهر مطالب المرأة عالمياً. فنتيجة التصاعد الممنهج للعنف ضدّ المرأة، وما آل إليه واقع المرأة في الحروب المشتعلة في خضم الحرب العالمية الثالثة، إلى جانب استمرار التهميش السياسي والإبادة الثقافية والجسدية بحق المرأة حول العالم، كل هذا يضع المرأة أمام خيارٍ لا ثاني له وهو أن تنفض عن نفسها غبار قرون من العبودية والإقصاء، عبر توحيد طاقاتها والتأكيد على وحدة المصير النسوي في كافة أرجاء العالم، وصبّ كافّة الجهود من أجل تنظيم نسوي عالمي لا يعترف بالحدود القومية والأيديولوجيات الضيقة التي نعتبرها بقايا من الأنظمة الحاكمة في شرقنا الأوسط. لنَعبُر معاً كنساء من دوامة الحروب والصراعات والحدود الرأسمالية والقيود الذكورية ولنستعيد دورنا الحقيقي في مجتمعاتنا، لا بدّ أن نضع أهدافاً مشتركة ونحشد طاقاتنا في جبهة نسوية عالمية ونظام كونفدرالي نسوي عالمي ليكون هذا القرن هو قرن حريتنا ونعيد صياغة تاريخنا بأيدينا.
استوحينا مسمى العدد الثالث عشر لمجلتنا “القرنُ الواحدُ والعشرون قرنُ حريةِ المرأة” من تحليلٍ عميقٍ قدّمه المفكر عبد الله أوجلان قبل عقود ماضية، هذا التحليل يتجسد اليوم في حياة المرأة العملية، وهو تحليل واقعي ومنطقي لثورة تنبأ بها وحدثت بالفعل في مطلع القرن الجديد، وها هي اليوم تتوسع لتشمل النساء على مستوى العالم، وباتت الحركات النسوية تتوجه إلى أفكاره وتحليلاته وتستخلص منها التجارب لثورتهم وتطلعاتهم. كما يُقيّم المفكر عبد الله أوجلان النظام العالمي والحروب العالمية والنظام الرأسمالي المتأزم، ويضع في المرأة الثقة المطلقة بأنّها ستكون هي خلاص العالم شريطة أن تعي هويتها وتُحدث ثورتها الشاملة بمنظور المرأة الحرّة المناهضة لكل الأنظمة السلطوية والذكورية.
في خضم الأزمة البنيوية في النظام العالمي والضرورة الملحّة لتحرّك نسوي عاجل أكثر من ذي قبل، وتصاعد اللهجات والنزعات السلطوية والعنصرية بحق المرأة والشعوب ككل، نضع عددنا الثالث عشر بين أيدي النساء الأحرار اللواتي سيُغَيّرن مستقبل العالم، ليكون إنارةً لطريقٍ نسير فيه معاً نحو حريتنا الحقيقية بنهج المرأة الواعية الحرّة، ونقدّم أطروحة حركة حرية المرأة ونظرتها الثاقبة في واقع ومستقبل المرأة ومتطلبات ثورة المرأة العالمية، وما تطرحه من حلول ونظام مجدّل بأيدي النساء الثائرات في صفوف حركتها القياديات الشهيدات منهن والمناضلات الأحياء في سبيل بناء مجتمع حر قائم على الحياة الندّية والتشاركية تسوده العدالة والسّلام.