قضية المرأة تحتاج إلى حل ثوري
قضية المرأة تحتاج إلى حل ثوري
ولأجل تطبيقه يجب النضال ضد مفهوم الذهنية السلطوية
“إن تغيير الذهنية الذكورية التسلطية
والارتقاء بمستوى وعي المرأة
يحقق تكوين الحياة الحرة المرموقة”
آينور باشه
إن البحث في أغوار التاريخ، عن تاريخ المرأة يجعلنا نغوص في أعماق التاريخ المخفي الذي لم يتم تدوينه. لذلك عندما نحلل المجتمع الطبيعي، وخلال العصر النيوليتي بشكل خاص الذي تمَّ فيه تقديس المرأة وتأليهها، لأنها كانت محور الحياة في المجتمع والأساس المتين فيه، والتي بيدها دفة الإدارة في المجتمع ككل، فهي التي تنجب الأطفال وتضمن استمرارية الحياة البشرية، وبالتالي يتجمع حولها النسب ويتحدد بها. هي التي لعبت الدور الأساسي في التحول إلى عملية أنسنة الإنسان، والخروج من عالم الحيوان، وطورت الحياة الجماعية، وخلقت القوة الجماعية كونها الأم التي تجمع حولها كل الأفراد بذاتها العاطفي.
المرأة تدير الاقتصاد
هي التي تدير اقتصاد المجتمع وموارده بشكل كامل دون أن تواجه أي اعتراض، حيث اكتشفت الزراعة وروضت الحيوانات واخترعت الأدوات التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي، وهي التي طورت الأساليب بذلك تكون أول من ساهمت في خلق المدنية، وعرفت هذه المرحلة بالنظام الأمومي حيث العدالة والمساواة بين كافة أعضاء المجتمع. كما أن المرأة كانت السيدة والحاكمة بكل المقاييس خلال تلك الحقبة، وكان السلام والرخاء يسود المجتمع بسبب طبيعة المرأة العادلة والداعية للسلام والتي تنبذ الحرب والقتال.
إنكار دور المرأة
بدأت الانكسارات بتطور وسائل الإنتاج، وزيادة الفائض من الإنتاج، وتمّ الانتقال إلى العصر الأبوي (البطرياركي) منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وبدأ الرجل بسلب الإدارة والقيادة من المرأة، وبالتالي تحولت المرأة رويداً رويداً من كونها إلهة عادلة مبدعة مقدسة إلى عبدة مقيدة بسلاسل هيمنة الرجل وتحكمه، وأصبحت معرضة للعنف والإمحاء، وفرض عليها الجهل والتخلف بمختلف المستويات، وظهرت الفوارق الطبقية والتمايز الاجتماعي.
حيث أصبحت المرأة في الطبقة الدنيا، ودخلت تحت الوصاية، وشيئاً فشيئاً تراجع دورها الذي اقتصر على الإنجاب فقط، بقدر ما تكون قادرة على الإنجاب تكون ذات قيمة في المجتمع، كما أصبحت أداة ووسيلة لإشباع رغبات الرجل، وارتقت من عبدة إلى جارية في القصر، وغدت وسيلة لاستمرارية النسل للرجل، وأصبحت المرأة والأولاد ملكاً للرجل وإرادته هي الإرادة المطلقة.
كل ذلك تحت مسمى حماية الأسرة، وفرض عليها الحجاب، وتمَّ خلق التفرقة بين النساء، فالنساء الفاضلات يرتدين الحجاب، أما الداعرات فلا يحق لهن ارتداء الحجاب، بل لا بدّ أن تبقين بلا حجاب جبراً، وإن أقدمت إحداهن على ارتدائه يتم محاكمتها.
هذه النظرة للحجاب والتمييز بموجبها بين النساء، شاهدناه في القرن الحادي والعشرين بفكر تنظيم داعش الإرهابي. الذي جمع باكورة كلّ الأفكار المذلّة والمخزية والمهينة للمرأة، وطبقها على النساء في المناطق التي قام باحتلالها في سوريا والعراق، فقام بقتل وسبي واغتصاب وبيع النساء واستعبادهن بشتى الوسائل. وشيئاً فشيئاً أصبح الرجل بمرتبة الآلهة حتى أنه أصبح الإله نفسه، وازداد الظلم والتدني بمكانة المرأة باختلاف الأنظمة والحقبات الزمنية.
المرأة عند الإغريق
محتقرة ومهانة وهي رجس من عمل الشر، وكانت محرومة من كافة الحقوق حتى أنها كانت تباع وتشترى كأي سلعة أخرى، وهي كانت في مستوى الانحطاط وقال عنها سقراط أيضاً: “ إن وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة في العالم فهي تشبه الشجرة المسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً”.
المرأة عند الرومان
كانوا ينظرون إلى المرأة على أنها حيوان نجس، وإنها بلا روح أو خلود وهي ملك أبيها وبعده زوجها، فهن خفيفات العقل لذا يجب أن تبقين تحت الوصاية، وكان محكوم عليها بعدم الكلام. كانوا يضعون قفلاً حديدياً على فم المرأة يسمونه (الموزلير) حتى لا يخرج منها القذارة، وكانوا يعتبرونها أداة إغواء يستخدمها الشيطان لإفساد القلوب، وهذه العادة استمرت بشكل ضئيل حتى القرن التاسع عشر.
“” اللجام كان عقابّ على المرأة، لمنعها من البوح حتى عن مشاعرها، وما يجولو في خاطرها “”
الأديان السماوية
إلا أن هذا الوضع قد اختلف قليلاً بظهور الأديان السماوية، التي كانت تعتبر ثورة ضد الظلم والتمييز في المجتمع وداعية للمساواة بين الناس. المرأة في الديانة اليهودية: لم تكن هذه الديانة منصفة للمرأة. ففي اليهودية كانوا يعتبرون المرأة لعنة، لأنها قامت بإغواء آدم وإخراجه من جنة الخلود فهي السبب في شقاء البشرية.
وجاء في التوراة أنه: (المرأة أمرّ من الموت، وإنّ الصالح أمام الله ينجو منها) حيث اعتبروها الخائنة والمتمردة والكاذبة والذليلة.
في المسيحية:
تمّ تهميش دور المرأة وعزلها عن المجتمع، لأنها اعتبرت ذات خصائص سلبية. ومحاكم التفتيش التي أنشأتها الكنيسة بدأت بمحاكمة النساء اللواتي لا يتفقن مع أفكار الكنيسة ومعتقداتها، لذا فقد اعتبرت النساء المشتغلات بالطب وعلم الأعشاب، وكذلك العاملات في التعليم نساءً ساحرات، وتمَّ معاقبتهن بالحرق وهن أحياء.
في الإسلام:
بداية في الجاهلية كانت هناك عادة تعرف بوأد البنات حيث كانوا يقومون بدفن البنت وهي حية، لأنها مصدر للعار، وتعتبر في نظرهم وجهة للتشاؤم والضعف في قبائل العرب قاطبة، فجاء الإسلام ليمنع هذا العرف ويحرمه على الناس كافة، حيث قال النبي(ص):”إنَّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.
جعل الإسلام للمرأة مكانة رفيعة وقام بتكريمها وحمايتها من الظلم الذي كان واقع عليها، وقام بتكريمها كأم حيث حظيت بالجنة تحت أقدامها. الإسلام أعطاها حقوقها ووضع الأطر التي تتحكم علاقة المرأة بالرجل والعكس وحدد حقوق كل منهما وواجباته تجاه الآخر. وبسبب هذه الاختلافات أصبح الرجل مسؤولاً عن رعاية المرأة وحمايتها وتوفير العيش الكريم لها. ولكن في كثير من الأحيان تستخدم التحريفات والمفاهيم الخاطئة وحتى الأحاديث الضعيفة حول كيفية معاملة النساء من قبل الشرع، من أجل إثارة الرأي العام وجمعيات حقوق الإنسان وحقوق المرأة لدفع فكرة إن الإسلام معادي للنساء.
الاشتراكية والعصر الحديث
في العصور الحديثة ومع ظهور الأنظمة الحديثة من اشتراكية ورأسمالية، ورغم مناداتها بالمساواة وتحرر المرأة في كافة المجالات. إلا أن أفكارها لم تكن سوى شكلية، فالأنظمة الاشتراكية ربطت حرية المرأة بالرجل وأصبحت خاضعة لنفوذه، حتى أنها أصبحت تلعب دوره للوصول إلى مكانة أرقى، وأصبحت ملكاً للأسرة التي هي صنيعة الدولة بشكل كامل.
وعن هذه المفاهيم حلّل في الكثير من الكراسات والتقييمات، حيث قال القائد عبد الله أوجلان:
“” أُنشِئَت الأسرةُ كدولةِ الرجلِ الصغيرةِ بموجبِ هذا المنظورِ الاجتماعي، وما الرسوخُ المستمرُّ للمؤسسةِ المسماةِ بالأسرة بنمطها الحاليِّ على مَرِّ تاريخِ المدنية، إلا بسببِ القوةِ التي تُزَوِّد بها أجهزةَ السلطةِ والدولة، أولاً يتمُّ فرض التَحَوُّلِ السلطويِّ على الأسرةِ بالتمحورِ حول الرجل، لِتغدوَ خليةَ مجتمعِ الدولة، ثانياً يتمُّ ضمان عملِ المرأةِ فيها بلا حدود أو مقابل، ثالثاً تُنشِئُ الأولادَ بغرضِ تأمينِ الحاجةِ السكانيةِ اللازمة، رابعاً تؤدي دورَ نموذجي في نَشرِ السقوطِ والتَّرَدِّي والعبوديةِ بين صفوفِ المجتمعِ بأكمله. في الحقيقة، الأسرةُ بمضمونِها هذا تُعَدُّ أيديولوجيا إنّها المؤسسةُ التي نَشَطَت فيها الأيديولوجيةُ السلالاتية، فكلُّ رجلٍ في الأسرةِ ينظرُ إلى نفسه وكأنه صاحبُ مَملَكة، للأيديولوجيةِ السلالاتيةِ تلك تأثيرُها البليغُ المُتَسَتِّرُ وراء النظرِ إلى الأسرةِ كواقعٍ جدِّ هام. وبقدرِ ما يزدادُ عددُ النساءِ والأطفالِ في الأسرة، يَتَمَتَّعُ الرجلُ بالضمانِ والشرفِ بالمثل. مِن المهمِّ أيضاً تقييمَ الأسرةِ بوضعها الحاليِّ كمؤسسةٍ أيديولوجية. فإذا ما سَحَبتُم المرأةَ والأسرةَ بوضعهما القائمِ مِن تحتِ نظامِ المدنية، أي السلطة والدولة؛ فلن يتبقى إلا النذرُ القليلُ باسمِ النظام “”.
النظام الرأسمالي
في النظام الرأسمالي تمَّ ربط حرية المرأة بدرجة العري الذي تتمكن من تقديمه، وأصبحت أداة ووسيلة لزيادة رأس المال، حتى أنها أصبحت تعمل كخادمة ضمن المؤسسات، وزج بها في سوق العمل كيد عاملة رخيصة، بالإضافة إلى عملها المجاني ضمن الأسرة التي أرهقتها.
كل هذه السياسات المرتبطة بالذهنية الذكورية السلطوية المتعطشة إلى تهميش المرأة واستغلالها، وإبعادها عن مستوى الألوهية الذي كانت عليه في العصر النيوليتي، ورغم سكوت المرأة عنها والخضوع لها في البداية كأمر واقع ومفروض عليها، إلا أنه أدى إلى ارتفاع الأصوات النسائية الداعية إلى تحقيق المساواة والعدالة للمرأة وتحقيق الحرية.
الحركات النسائية
ظهرت الحركات النسائية التي عرفت بالفامينية، التي تمكنت إلى درجة معينة تحقيق بعض المطالب النسوية حول العالم، ونتيجة النضالات والكفاح الكبيرين اللذين قامت بهن النساء حول العالم، تمَّ الإقرار لهن بالحق في المشاركة بكافة مجالات الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية، وحقها في تقرير مصيرها كونها المكون المهضوم حقوقه.
وبعد الحرب العالمية الأولى تمَّ إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الذي تم الاعتراف بموجبه بالمساواة بين المرأة والرجل، وتم إقرار العديد من الاتفاقيات الدولية التي كانت ثمرة نضال طويل، وتضحيات كبيرة قدمتها النساء من أجل الحصول على حقوقهن، كاتفاقية الحقوق السياسية للمرأة واتفاقية الحد الأدنى لسن الزواج والاتفاقية المتعلقة بشأن جنسية المرأة المتزوجة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وقرار مجلس الأمن 1325 وغيرها من الاتفاقيات الخاصة.
تطبيق الاتفاقيات
إن تغيير الذهنية الذكورية التسلطية والارتقاء بمستوى المرأة، وتحقيق المساواة فعلياً مع الرجل، ووضع تلك الاتفاقيات موضع التطبيق لن يتم إلا عن طريق ثورة ونضال ضد كل المفاهيم والأفكار، التي جعلت المرأة في الدرجة الثانية بعد الرجل في المجتمع، ومن خلال إبرام عقد اجتماعي مع المجتمع يحدد الحقوق والحريات التي لا يمكن للمرأة التنازل عنها، ولا يسمح للمجتمع بالاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال، بل عليه ضمان حصول المرأة على هذه الحقوق، وتأسيس العائلة الديمقراطية.
بهذا الصدد يقول القائد عبد الله أوجلان رفيق المرأة ومعلمها، الذي حلّل المجتمع والأسرة والعلاقات ضمنها وعلاقاتها بالمرأة: ” إذا كنا نودّ إضفاء السريان الذي لا يسبب خيبة الأمل، والإحباط فيما يتعلق بالكلمات التي طالما يدور الحديث عنها، من قبيل المساواة والحرية والديمقراطية والاشتراكية، فينبغي حينها تفكيك وتمزيق شبكة العلاقات المنسوجة حول المرأة، والتي هي قديمة بقدر قدم الطبيعة والمجتمع”.
على هذا الأساس نستطيع القول إن قضية المرأة تحتاج حل ثوري، ولأجل تطبيقه يجب النضال ضد مفهوم الذهنية السلطوية. بدون التخلص من هذه الذهنية التي أصبحت عبئا ليست على المرأة فقط، وإنما الرجل والمجتمع بكافة، لن نحيا ضمن الحياة التي تستحقها العائلة الموجودة. الإنسان بتكوينه العظيم يستحق أن يحيا تلك الحياة السامية والبهية التي تليق من مقامه.