التمييز والظلم على أساس مفهوم التعصب الجنسي
التمييز والظلم على أساس مفهوم التعصب الجنسي
“التعصب الجنسي يتمثّل في اتخاذ مواقف سلبية تجاه جنس المرأة،
بما في ذلك دورها الاجتماعي وسماتها الشخصية”
هندرين سينو
إنَّ التعصب الجنسي، هو تعصب انحيازي في تبني اتجاهات سلبية حيال النساء كجماعة، وحيال أدوارهن الاجتماعية والسمات الشخصية التي يتعين عليهن التحلي بها. ومن مظاهره في مجتمعاتنا الشرق أوسطية مثلاً: صفات تحقيريه لقدرات النساء العقلية والأخلاقية، والتي وجدناها في الأمثلة الشائعة. تسوغ هذه الصفات موقع المرأة الدوني في السلم الاجتماعي وفي المكانة الاقتصادية مناح أخرى. كأنها تسوغ وبشكل خاص للتميز اللاحق بها في القوانين التي تنظم الحياة العائلية وكافة المجالات.
يُعدُّ التعصب الجنسي كمفردة أحد مظاهر التعصب العامة، ويتمثل في اتخاذ مواقف سلبية تجاه جنس المرأة، بما في ذلك دورها الاجتماعي وسماتها الشخصية. ويبرز هذا التعصب بشكل واضح في المجتمعات الشرقية مع ملاحظة تغير مظاهره بحسب الزمان والمكان.
ويقصد بالمجتمعية الشرقية؛ التأكيد على أن السلطة بجميع أشكالها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، إّنما تكون في تسيد الرجل على المرأة بغض النظر عن الطبقة أو العرق أو الأثنية أو الدين أو الثقافة. ومصطلح التعصب الجنسي متعدد الدلالات، ويستخدم في أدبيات العلوم الاجتماعية بصورة مختلفة، لكنها لا تخرج إجمالاً عن فكرة سيطرة الرجل على المرأة. جدير بالذكر أن هذا المصطلح أخذ أبعاداً مختلفة في الدراسات النسائية المعاصرة.
أمثلة وظواهر
ومن مظاهر التعصب الجنسوي في البلدان الصناعية (أوروبا – المدن الضخمة)، مثلاً: القيود والحواجز غير المرئية التي تقف عائقاً أمام النساء، في سبيل وصولهن إلى مواقع القرار في مؤسسات المجتمع؛ وذلك، لا لوجود علة فيهن تم إثبات وجودها، بل لأنهن “نساء”، وتبعاً لتنميط شائع بشأن “طبيعتهن”، تم الاحتكام إليه ونفذ، بموجبه، استبعادهن عن تلك المواقع. هذا فضلاً عن التحرش الجنسي الذي يتعرضن له في أماكن العمل والعنف الأسري على أشكاله.
إن للنساء والفتيات الحق في العيش بدون التعرض للعنف الجنسي وفي التمتع بالسلامة الجسدية. وتُعرف هذه الحقوق في القانون الدولي باسم الحقوق الجنسية والإنجابية. وهي حقوق إنسانية شاملة يتعين على الحكومات احترامها وحمايتها والإيفاء بها.
ومن الملاحظ اختلاف حالات التعصب الجنسي بين الدول، في شكلها والتشابه في مضمونها. ففي بعض الديانات الشرقية تعاقب المرأة بالرجم والقتل في حالة الزنا، بينما يتم نفي شريكها مثلما يجري في إيران وإسرائيل. وفي مصر؛ يتم ختان المرأة على أساس الشك في قدرتها على التحكم في رغباتها، وفي المغرب تباع المرأة في بعض مناطقها كسلعة متعة أو كأي متاع في المنزل. وأوروبا التي تجعل من جسد المرأة دعاية لسلع تجارية والحالات كثيرة، وفي دول الخليج وتركيا يتم زواج الشغار أو البديلة التي تهان به رغبة المرأة باختيار شريك حياتها.
تراجعت في هذه المجتمعات المظاهر الواضحة للتعصب ضد النساء، إلا أنها لا تزال ماثلة في ضروب من السلوكيات، التي تنطوي على تمييز وعدوانية لا يستطيع المرء التأكد من كونها إشارة إلى حساسية مبالغ فيها من قبل المتلقية – موضوع التعصب، أم أنها عدوانية “غير واعية” من قبل مصدر الإشارة. وتبرز الأمثلة على ذلك من خلال النكت والتعليقات، أو حتى في واقعة افتراض، أن العاملة في فريق من الباحثين، مثلاً، هي من يحضر القهوة لزملائها لأن ذلك من “طبيعة” مهامها.
المعتقدات والأمثلة الشائعة
ففي المجتمعات الشرق الأوسطية، ولن نقول المجتمعات العربية (لوجود الكثير من الشعوب ضمن كل بلد)، فإن مظاهر التعصب الجنسي أكثر وضوحًا. من هذه المظاهر، مثلاً: إطلاق الصفات المحقرة لقدرات النساء، منها العقلية والأخلاقية المبثوثة في المعتقدات والأمثال الشائعة. ويشتمل ذلك على تقييد حرية حركة النساء، ومراقبتهن وفرض أشكال لباسهن، واحتكار اتخاذ القرار في أكثر ما يتعلق بشؤونهن، بما في ذلك قواعد وجوب حماية المرأة وإعالتها التي تعني “سترها” من العار. هذه جميعاً تسوغ لموقع المرأة الدوني في السلم الاجتماعي، وفي المكانة الاقتصادية والمواقع السياسية، ومناحي الحياة
جميعاً بما في ذلك القوانين التي تنظم الحياة الأسرية والعامة سواء بسواء.
في الدراسات التي تناولت موضوع التعصب الجنسي، مّيز الباحثون بين هذا التعصب وبغض النساء. على اعتبار أن البعض يصف مشاعر أكثر شمولاً ورسوخاً في البنية الذهنية والمعرفية والانفعالية للأشخاص. ويتجلى ذلك في الأساطير وغيرها من التعبيرات الثقافية الاجتماعية الدالة على عمق هذا البغض ورسوخه.
ويبدو أن بُغض النساء في المجتمعات يختفي خلف نقيضه وهو الحب. وتصوغ إحدى الباحثات في المجالات النسوية وهي كريستيان. استعارة من حالة قصوى لبائعة الهوى، تعبيراً جلياً عن حب الرجال للنساء القائم على بغضهن. فالرجال يولِّدون الشروط التي تفضي إلى وجود بائعة الهوى، ويقوم الرجال بالمتاجرة بها، ويستفيد الرجال من خدماتها، لكن الرجال يقومون، أحياناً، بقتلها بحجة أنها داعرة ومكروهة! فالنساء تم “إنشاؤهن”، برأي كريستيان، بطريقة مماثلة، وحددت لهن مكانتهن، وكن مواضيع لاستغلال الرجال وتعنيفهن، ومن ثم حبهن أو كرههن أو التخلي عنهن.
وتَرى ساندرا بم ( 1993)، الباحثة في علم نفس الجندر: أن التعصب الجنسي محصلة أطر اجتماعية ثلاثة: التمركز القائم حول الرجل، التقاطب الجندري والأصولية البيولوجية، وترى أن التمركز القائم حول الرجل يفضي إلى تعيين الرجل معياراً يتم الحكم على النساء تبعاً لابتعادهن أو قربهن منه. وهكذا، فإن الأنثى ليست سوى انحراف عن الذكر.
ولعل نظرية فرويد في تشكل الهوية الأنثوية لدى الطفلة الصغيرة، من أهم الأمثلة في علم النفس على وجود “حسد العضو”، الذي هو شعور يجتاح الطفلة في لحظة محورية في تشكل هويتها الجنسية. ومشاعر الدونية الملتحقة بها تمهد للقبول بخصائصها (القبول بكونها ليست ذكراً، وبدونيتها النفسية والأخلاقية والاجتماعية بسبب فقدانها للذكورة). ولا يشتمل ذلك على جنسانيتها الغيرية فحسب، بل أيضاً على دافعيتها للإنجاب، أي أمومتها، حيث إن الرغبة بالإنجاب لا تتعدى كونها الرغبة بالحصول على “الولد” الذي يعوض عنها، بالتالي، الذكورية المفقودة. بل إن الأنثى، وفق فرويد، قلّما تتخطّى مشاعر الحسد هذه، مما يجعل الأنثى السوية – القابلة بكونها ليست ذكراً – واقعة نادرة الحدوث.
الوجه الاجتماعي الثقافي
أما التقاطب الجندري؛ فيشير إلى تعريف للجندر بما يحويه الوجه الاجتماعي الثقافي للانتماء لواحد من الجنسيين البيولوجيين: الإناث والذكور بوصفه عبارة عن قطبين متضادين على أبعاد الشخصية. فيصبح فهم معنى الواحد منهما بالمخالفة مع الآخر ضمناً، إن لم يكن صراحة: فعلى سبيل المثال، حين يقال إن الرجال أقوياء، فإن هذا القول ينطوي على أنهم أقوى من النساء، (دون أن يعني أنهم أقوى من الطيور، مثلاً). كما يلاحظ أن الرجل إذا أظهر ضعفه أو هشاشته في ظرف معين، فإن ذلك مصدر تشويش على ذكورته لأنه قام بسلوك أنثوي مناقض لطبيعته. وفي الوقت نفسه إذا ناضلت النساء من أجل تحقيق المساواة بينهن وبين الرجال، اعتبر ذلك النضال وكأنّه موجه ضد الرجال، وأنه قد يهدف إلى سلبهم امتيازاتهم.
في الثامن عشر من كانون الأول عام 1979 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في الثالث من أيلول 1981، بعد أن صادقت عليها عشرون دولة.
كانت الاتفاقية تتويجاً لعمل استمر لأكثر من 30 عاما من لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، التي أُنشئت عام 1946 لتعزيز حقوق النساء. تتضمن المعاهدة 30 مادة، ومازالت المرأة في كافة المجتمعات تقاوم للوصول إلى أفضل تطلع للحقوق الجنسوية.
أما فيما يخص المرأة في شمال وشرق سوريا ومن كافة المكونات، فلو عُدْنا إلى بدايات العشرون وأواخره، سنرى أنه لا توجد دولة أو حكومة في العالم، ومن ضمنها سوريا – شمال وشرق سوريا، قد منحت المرأة حقوقها بالكامل، بل على العكس تعرضت للكثير من الانتهاكات والإضعاف من قيمتها.
إنّ ظهور المرأة بملابسها التي تحب أن تلبسها لا يعني بأنها ترسل إشارات إغرائية لإثارة غرائز الذكور ودعوتهم لممارسة الجنس معها، إنما ذلك السلوك يمنحها شعور الثقة بالذات، القيمة، الحرية، الإرادة، القوة، والأهمية، وهذه من ضرورات التفاعلات الإنسانية الصحيحة. لقد تعرضت المرأة للكثير من مظاهر العنف، بدءاً من الاغتصاب الجماعي، والجِماع بالإكراه، مروراً بالحَمل والاجهاضِ غير الآمن، وانتهاءً بحوادث التمثيل بجسدها وقتلها أمام أولادها وزوجها ووالدها، فهي ضحية لا ذنب لها، وهذه الممارسات بحقها أثرت على حياتها المستقبلية، وانعكست سلباً على صحتها الجسدية، النفسية، والعاطفية، ولهذا السبب كثيراتٌ منهنَّ بقينَ بلا مُعيل، والقليل منهُنَّ من حَظَينَ بفرصة الزواج.
وقد لعبت المرأة دوراً ريادياً في قيادة المجتمع بفضل مشروع نظام الأمة الديمقراطية، حيث تمكنت من الحصول على حقوقها في كافة المجالات وفي مقدمتها القيادية العسكرية؛ وأصبح باستطاعتها القيام بتشكيل وحدة عسكرية خاصة بالمرأة تحت مسميات عديدة حيث تألّفت من مجموعة نسائية، وبعد أقل من عام على تأسيس وحدات حماية الشعب قررت المقاتلات النساء فيها بتشكيل وحدات حماية المرأة كي تقاتل مع زميلها المقاتل، جنباً إلى جنب في محاربة التنظيمات الإرهابية على أراضينا وتجمي قيمنا المجتمعية.
المرأة في زمن الحرب ضدّ داعش كانت في الصفوف الأولى، وقامت بتحرير الكثير من النساء اللواتي كُنَّ تحت قبضة داعش؛ النساء كُن الضّحيّة ووقود الحروب، والتي تمّ اغتصابهنَّ وبيعهنْ، الطّفلة التي تمّ تزويجها قسراً لمقاتلي داعش، الزّوجة التي تمّ قتل زوجها أمام عينيها، الأمّ التي حُرمت من أطفالها الذين جنّدهم التّنظيم.. الخ والكثير من الأمثلة الحية التي عشناها هنا.
وبذات الوقت على الصعيد المدني؛ كانت المرأة رئاسة مشتركة في جميع مجالات العمل الإداري والسياسي والاجتماعي، وشاركت في حل قضايا هامة عالقة وهي الأن تقدم دوراً ريادياً يكاد يفوق دور الرجل في بناء مجتمع متماسكة الأركان وواعي ثقافياً ويملك منظاراً تاريخياً يحتذى بها الأجيال.