الطبيعة الأنثوية – الركيزة الأيديولوجية لمفهوم المرأة

الطبيعة الأنثوية – الركيزة الأيديولوجية لمفهوم المرأة

” المرأة بحاجة أكثر من أي وقت مضى

 إلى ترصيص صفوفهن، وبناء كونفدرالية نسائية عالمية

 لمواجهة الحرب المعلنة ضدها”

ليلى إبراهيم

 

التحدث عن حرية المرأة والنضال في سبيل تحقيقها، والتغيرات التحررية في حياة النساء، باتت قضية استراتيجية  ومصيرية في تاريخنا المعاصر، في العصر الذي باتت فيه المرأة مُجرد أداة وآلة بيد الأنظمة الرأسمالية والفكر الرجولي السلطوي المُتزمت، إذ كان لابد من اتخاذ خطوات جادة وملموسة في المعرفة والوعي، من أجل خلق شخصية حرة تجعل من نفسها رماداً متجدداً مفعماً روحياً وفكرياً، لتتحد مع الحقيقة المتجددة للفكر الحر الذي قدمه القائد عبد الله أوجلان للنساء، لتعيش بجوهرهن وتكتشف ذواتهن وتبدأن مسيرة الحرية والثورة.

  إذ أن البدء بتحرير مجتمع ما غير ممكن دون تحرير المرأة، فقد أدرك المفكر والقائد عبد الله أوجلان هذه الحقيقة منذ صغره من خلال علاقته بوالدته وصديقات طفولته، واستطاع تحليل هذا الارتباط الوثيق فيما بينهما، والذي يمكن تعريفه بعلاقة الروح مع الفكر، فكانت الفكرة الرئيسية والركيزة الأساسية لتأسيس نظام ديمقراطي أيكولوجي حر معتمد على تحرير المرأة، فقد طرح القائد آبو العديد من المبادئ والمقاييس وأيديولوجية مُعظمة، لانتهاجها في خط حرية المرأة، حيث وضح القائد بأن أيديولوجية تحرير المرأة قدمت لجميع النساء كهدية، وركز على النساء اللواتي يعانين من آلام ومعاناة شديدة، ويواجهن صعوبات كبيرة، لذا فإن أغلى هدية يمكنني تقديمها لجميع النساء هي: “أن أفتح باب الحياة التي فقدت فيها قوة الحرية عبر تاريخها، أو أنني أستطيع أن أمنحها أمل الحياة بحرية”.

رفيق المرأة

 إن أيديولوجية تحرير المرأة التي قدّمها المفكر عبدالله أوجلان للنساء بهذه الكلمات؛ أعطى قوة كبيرة لنضال جميع النساء في الشرق الأوسط والعالم، ومهد لهم الطريق وبذلك وصلت النساء إلى أعلى مستوى، لدرجة أنهن أصبحن يفهمن حقيقة أيديولوجية التعصب الجنسوي الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، مع علمهن بأن السلطة تنمو على هذا الأساس، فهي تستعبد وتستغل وتقتل النساء. إن حقيقة نضال المرأة التي نظمت نفسها حول العالم على أساس دعم المرأة وتضع بصمتها على القرن الحادي والعشرين، قد حتم على المرأة تعزيز نضالها في جميع مجالات الحياة وإحياء فلسفة المرأة – حياة – حرية.

 ومما لاشك فيه أن النساء استلهمن نضالهن ومقاومتهن منه، واستطعن خطو خطوات ملموسة في بناء الشخصية وتحقيق الذات، فالمرأة بدأت في اكتساب هويتها الحقيقية التي سُلبت منها على مدار آلاف السنين، وعمقت نفسها في التاريخ المخفي الذي لم يكتب، وكان متمحوراً حولها والذي أُسدل الستار الأسود عليه من قبل الذهنية الذكورية، كسياسة لمحو شخصيتها ووجودها في الحياة، والذي قتل الحياة بطمس تاريخ المرأة. حيث إن المرأة ومنذ فجر التاريخ لعبت دوراً هاماً وكبيراً في تحقيق المجتمعية، حيث كانت القوة الأساسية لتكوين المجتمع وتطوره، لأن المرأة هي الربة (المربية – المعلمة – القدوة – المعطاءة) الأولى للمجتمع، وهي التي ساهمت في تكوين المجتمعات البشرية والتي شكلت نواة العائلة، وأثبتت نفسها على جميع الأصعدة السياسية والدبلوماسية والعسكرية.

حركة حرية المرأة

فقد كانت لحركة حرية المرأة الكردستانية كقضية استراتيجية؛ التأثير الإيجابي لهذا النضال الأسطوري على المرأة والمجتمع، وهذا كله لم يكن بالأمر السهل، وإنما نتيجة خوضها جميع المعارك لنيل حريتها وإثبات وجودها، والوقوف في وجه الذهنية الذكورية التي حاولت طمس حريتها وكيانها ، ودفنها بالحياة بحجة العادات والتقاليد والدين، وبدأت بنضالها في الساحة الفكرية وأرادت أن تثبت وجودها وكرد لهذا الفكر الذكوري.

فالمرأة هي ظاهرة كباقي الظواهر الطبيعية وهي ظاهرة عاقلة لها سحرها وجمالها، وطيبتها وعنفوانها، فهي مركبة من أبرز معالم الظواهر العديدة، يرشدها عقل أنثوي به تستهوي العقل الذكوري؛ فهي نشأت من التنوع وأسراره في جدل مع العقل الذكوري، فالمرأة موضوع مستشكل وهذا الذي جعلها حاضرة في التاريخ وإن جاز لنا القول إن المرأة هي التاريخ، أما الفيلسوف والمفكر أوجلان الذي ركز على حرية المرأة ودورها الريادي في بناء مجتمع ديمقراطي حر، وأن المرأة صاحبة الفكر والإرادة الحرة، حيث أوضح بمقولته؛ “أول حرب بدأت في تاريخ البشرية هي الحرب التي أعلنت ضد المرأة من قبل الرجل”. المرأة في العصر النيوليتي كانت ترمز للقوة الطبيعية الموجهة للنظام الاجتماعي الأمومي، والتي لم تكن قوة مكتسبة فيما بعد عن طريق الصلاحيات والامتيازات، بل نابعة من المسؤولية والإدارة الطبيعية المنبثقة من وظائفها الاجتماعية والانتاجية في المجتمع الزراعي، الذي عاش في أمن وسلام على أساس الانضمام الديمقراطي، والمتكافئ الخالي من التناحرات والصراعات على مدى آلاف السنين، وذلك لما تتمتع به المرأة من طابع السلام والعدالة الحاكمة في تلك الفترة.

الأيديولوجية السائدة في نظام المجتمع النيوليتي هي بالأساس أيديولوجية متمحورة حول المرأة، وبالتالي فالأيديولوجية المتعززة فيه قد نمت وازدهرت كأيديولوجية المرأة وشعبيتها، حيث لعبت المرأة دوراً ريادياً في تغيير ذهنية ومنطق كل المجتمعات، وتغيير الحضارة الرأسمالية، وهي التي غيرت منطق الدولة والسياسة، وغيرت كيانها وهويتها لتكرس عوضاً عنها القيم الحضارية الديمقراطية بأسس سليمة وطيدة.

 من خلال كل ما عرفناه عبر التاريخ؛ بأنه من المستحيل تحرير الحياة في مجتمع ما؛ ما لم تعش ثورة نسائية جذرية، وبالتالي مالم يتحقق التغيير الجذري في عقلية الرجل، فإننا بحاجة إلى نساء ورجال بذهنية جديدة يؤسسون لحياة ندية حرة بعيدة عن كل ما فرضته الحداثة الرأسمالية على المجتمعات. هذا الفكر الحر المُبجل من قبل المرأة؛ كان نقطة الانطلاق نحو الحياة، نحو الذات والولادة الحقيقية، وتحويل القوة والطاقة الكامنتين في أعماق روحها إلى بركان لإحداث ثورة مجتمعية نسوية، وبهذا الفكر استطاعت المرأة بناء هيكليتها التنظيمية الخاصة بها، وسلك طريق النضال بإصرار وتصميم أولاً؛ ضد الذهنية الذكورية التي طمست جميع قيَم المرأة، وثانياً بناء شخصية حرة وصولاً إلى بناء مجتمع ديمقراطي، اليوم نراها تكافح دون كلل أو ملل بكل إرادة وعزم لأجل استعادة حقوقها المسلوبة، وما تحققه من إنجازات ليست وليدة اللحظة إنما ثمرة ميراث وتاريخ مليء بالنضال والتضحيات.

المرأة العاشقة للحرية

المرأة كيان قيّم فهي الخلاقّة والطموحة والعاشقة للحرية، تعرف جد المعرفة أن التسلح بالفكر والتنظيم وتقوية نظامها الدفاعي؛ هو السلاح الوحيد للتحرر والوصول إلى الحرية، واليوم بعدما تشبعت من فكر القائد عبد الله أوجلان لا يمكن لأي قوة إيقافها.

الثورة النسائية أحدثت تغييرات جذرية في تمزيق كفن الموت والعبودية، ومع تبني أيديولوجية المرأة الحرة بدأت ليس فقط في تحرير نفسها بل في تحرير مجتمع بأكمله، وتأسيس ثقافة جديدة برؤية المرأة المُشبعة بالتجدد والعودة بها إلى الحياة الطبيعية التي هي أساسها ومركزها الحقيقي، فهذه الأيديولوجية هي القادرة على حل جميع مشاكل المرأة والمجتمعات، إذ أن المرأة تعني المجتمع والحياة، والمعايير التي تبنتها كالوطنية، الفكر الحر والإرادة الحرة، التنظيم، النضال، الجمال والأخلاق هي من أثمن الهدايا التي قُدمت للمرأة عبر التاريخ. المرأة بامتلاكها مثل هذه الأيديولوجية باتت قادرة على تحرير المجتمع، فهي تُشكل النصف أو إن صح القول تُمثل المجتمع بأكمله، لذا نراها اليوم تقوم بمسؤولياتها التاريخية حيال تنظيم المجتمع وتعرية جميع السياسات التي تستهدف مجتمعها، وفضح كافة المؤامرات ونزع كافة الأقنعة عن وجوه الأنظمة المُستبدة السلطوية التي تسعى جاهدة من خلال استهدافها، السيطرة مرة أخرى على المجتمع والأرض والحياة، بعدما رأت بصيص الأمل واستنشق نفس الحرية، وعرف الجميع أن أسر شخصية المرأة وقتل الحياة في شخصها هو أسر للمجتمع وللإنسانية برمتها.

أيديولوجية تحرير المرأة هو السلاح الأقوى

النظام القمعي الذي بدأ منذ آلاف السنين في اضطهاد المرأة، وغيّر في قيمها ووضعها تحت إمرته بالخداع والحيل، لا يمكن تغييره إلا في حال ترسيخ قيم الحضارة الديمقراطية، الذي يُعد النموذج المثالي الوحيد للحرية وتجنب هدم الإنسانية ووصولها إلى النهاية، إذ نرى اليوم أن سياسات الحداثة الرأسمالية جميعها تدور حول استغلال قضية المرأة سواء من خلال استخدام سياسة الحرب الخاصة أو سياسات الإبادة التي تنتهجها في جميع أنحاء العالم، من قتل، اغتصاب، سرقة الميراث النضالي، الاستهداف المُمنهج الذي يُتّبع لجعل الحياة مادية فقط دون روح، وترسيخ الذهنية الذكورية أكثر فأكثر، وتشكيل جبهة معادية لكل ما هو حقيقي وإنساني، حيث أن الأنظمة ترمي من خلال الحروب والصراعات المُستدامة إلى شل الحياة والقضاء على ثورة المرأة.

إننا نعيش في حرب منهجية وخاصة ضد المرأة، هذه العقلية الذكورية البحتة نظمت نفسها عالمياً عبر العنف بكافة أشكاله سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، نفسياً وجسدياً وما إلى ذلك من أنواع العنف الممنهج، لأنها تعلم أن نضال المرأة؛ هو الذي سيقضي على جبروتها، وستحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة، وفي استهدافها يسعون لترهيب المجتمعات المتطلعة للحرية، ويعملون على إعاقة النضال نحو الحرية والديمقراطية، ويستهدفون المرأة المنظمة الواعية القيادية القادرة على تحويل الضعف إلى قوة، والاستسلام إلى انتصار، والموت إلى حياة، ففي هذا القرن سعت الفاشية بكل قوتها وجبروتها للقضاء على مكتسبات المرأة، لكن المرأة عازمة في المضي قدماً وبشكل حثيث لجعل القرن الواحد والعشرين قرن حرية المرأة، والالتفاف حول فلسفة (المرأة، الحياة، الحرة).

يجب لفت الانتباه إلى جانب آخر وهو أن النظام يعمل على تأطير دور المرأة الطليعية في حدود بسيطة، ومنحها بعض الفرص وإيصالها إلى أماكن القرار، وأخذ مكانتها في بعض المؤسسات الحكومية بغية فرض الاستسلام عليها لكسبها إلى جانبهم، واستخدامها كالرجل مجردة من هويتها وكينونتها، لذا يتعين على كل امرأة أن تكون يقظة وواعية لما يخطط من حولها وواعية حتى لا يتم جرها نحو الفخ ، فتصبح فريسة سهلة المنال، إذ أن تعيينها في تلك الأعمال لا يعني أنها حققت حريتها وحصلت على حقوقها، فنحن نرى بأن الأنظمة تعادي حرية المرأة فالتي لا تستسلم تستهدف من قبلهم دون رحمة.

ففي ظل الثورات المُعاشة في المنطقة والعالم يعد نضال المرأة الركيزة الأساسية للحيلولة في وصول الأنظمة إلى مُبتغاها، فنحن نرى المرأة بكفاحها لا تُحارب فقط الأنظمة الحاكمة، إنما تُحارب الواقع الاجتماعي المفروض عليها أيضاً، فبنضالها المستمر طوّرت أساليب النضال والقتال فكرياً، جسدياً، روحياً وأيديولوجياً لتؤكد؛ أن مبادئ الحياة الحرة هو السبيل الوحيد في تحرير المرأة والمجتمع.

 لذا على جميع النساء رفع سوية نضالهن من خلال التعمق أكثر في أيديولوجية تحرير المرأة، وتقوية علاقاتهن ببعضهن وتبادل الآراء فيما بينهن، حتى يتمكّن من الوقوف بشكل صارم أمام جميع السياسات، والمؤامرات التي تحاك في الخفاء للإيقاع بهن وتحييدهن عن أهدافهن وآمالهن وأحلامهن، اليوم المرأة بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى ترصيص صفوفهن، وبناء كونفدرالية نسائية عالمية لمواجهة الحرب المعلنة ضدها.