الدور التاريخي للمرأة في ترسيخ نظام الأمة الديمقراطية
الدور التاريخي للمرأة في ترسيخ نظام الأمة الديمقراطية
«المرأة هي الإلهة – الأم
وما تزال تحوي تلك المشاعر
لبناء مجتمع كومينالي»
ليلى أحمد
إذا أردنا أن نتعرف على المرأة أكثر؛ علينا أن نتعمق في التاريخ وأن نغوص في شعابه أكثر. وقد كانت المرأة في المجتمع الطبيعي رمزاً للجمال والخصوبة والحياة المتجددة، فقد كانت هي الأم المسؤولة عن حماية أطفالها. نلاحظ أن المرأة بغريزة الأمومة وواجباتها اتجاه أطفالها قد كونت المجتمعية الأولى حول المرأة، فهي مضطرة إلى التفكير بشكل دائم والإبداع بشكل مستمر والحفاظ على أطفالها، خاصة إن الذكاء العاطفي والذكاء التحليلي لدى المرأة في ذلك الحين كان في توازن، إضافة إلى ذلك خصائصها الفيزيولوجية التي تميزها عن الرجل “العاطفة – الطاقة – الولادة والدورة الشهرية”.
وقد أثّر ذلك إلى استدامة الحياة وتطور الكلان، فـ الأم منغمسة بالاختراعات والاكتشافات وقد حققت أعظم وأروع الثورات في تلك الفترة، فقد اكتشفت البذور وزراعتها، واكتشاف القمح قبل 12000 – 20000 ق م في سهول أورفا. ومع اكتشاف الزراعة بدأ عصر الاستقرار وعدم التنقل، كانت هذه مرحلة جديدة من مراحل حياة الإنسان، كما اكتشفت النار وطوّرت الفكر واللغة حيث تم التفاهم بالإشارات (لغة الإشارات) والأصوات لحياة أسهل. وكان الرجال يذهبون إلى الصيد لتأمين الغذاء، إضافة إلى ذلك فقد تعاملت المرأة مع الطبيعة بحب واهتمام واستفادت من الأعشاب للعلاجات الطبيعية، وقد عززت الصدق والمحبة واحترام أفراد الكلان فيما بين بعضهم البعض لتقوية الحياة المجتمعية أكثر.
لذلك قامت بوضع قواعد الأخلاق الأولى من أجل الأكل، وأيضاً فيما يخص التملك وعدم قطع الفاكهة حتى تنضج وعدم قطع الأشجار الخضراء تحريم السرقة تحريم الكذب، عدم اقتراب الرجل من المرأة عندما تكون في الدورة الشهرية، واعتبار “الخبز” شيء مقدس وهناك الكثير من القواعد الأخرى.
لقد وضعت المرأة حينها /104/ (ماءات)، وقد ربت الأم أطفالها على الأخلاق والفضيلة، وساوت بين الذكر والأنثى بالرغم من الحياة البدائية، وتكوين مجتمع فيه التشاركية والعدالة الاجتماعية، وكونها كانت تنجب وتقدم لهم الغذاء وتشفيهم من المرض، فقد بزغ فكرة تأليه المرأة، فأصبحت إلهة الحب – إلهة العطاء – وإلهة البركة. لقد استمدت فكرة التأليه حين ذاك من عطائها وبركتها وعدالتها كانت “قديسة” لقد روضت الذهنية المرنة وجعلتها ذهنية مجتمع طبيعي حر بذهنية الأمومة. بما أن الإنسان كان جزء من الطبيعة يهتم بها ويحميها وهي تهتم به وتحميه، تشكل لدى أفراد الكلان قوة معنوية روحيه لتقديس كل شيء يحميه فصنعوا الطوطم، فربما يكون الطوطم امرأة أو حيوان أو شمس أو أي شيء يعتقدون إنه مبارك، فأصبحوا يسجدون للطوطم ويتباركون به. وبتطور الزراعة أصبح هناك فائض إنتاج، ومع تطور المهارات القتالية والفنون في مجال الصيد، الأمر الذي أودى إلى ظهور الطمع من خلال الاستيلاء على فائض الإنتاج بالعنف من القبائل المجاورة التي تشكلت مع مرور الزمن واستقرت وأصبحت بحاجة إلى نظام التملك.
ومن هنا؛ بدأ الصراع من كل الاتجاهات وبدأ الانحلال الأخلاقي اللجوء إلى استخدم المؤامرة والحيلة والعنف، وهكذا بدأ القضاء على المجتمع الأموي وكل ما هو عائد للمرأة والمجتمع الطبيعي، وهناك الكثير من القصص والأساطير والتماثيل واللوحات الكتابية والرسومات العائدة لتلك الفترة وتشرح لنا تلك الحقبة؛ بدأ استعباد الضعفاء وترهيبهم بالروحانيات والآلهة، وكل من يخرج عن سياستهم يتم تصفيته باسم الإله وانتقام الآلهة، وأوجدوا اليوتوبيات المتضمنة لمصطلح الجنة – النار.
إلا أن مقاومة المرأة مستمرة خلال هذه المرحلة، وهناك الكثير من الأمثلة؛ كالصراع بين (الإله أنكي – الإلهة إينانا) وكذلك الأمر بين (الإلهة تيامات وابنها ماردوخ) وأيضاً (الإله زيوس والإلهة متيس). ومع التمدّن بدأت الثورة المضادة من حيث تهميش المرأة واستخدام كل المؤامرات والأساليب للقضاء على كل ما تملكه المرأة من ميراث مؤسس للمجتمع الأخلاقي الطبيعي، وتصوير المرأة بأنها ضعيفة عاهرة وأداة إنجاب، ومحو كل الآثار التي تدل على تقديس المرأة واستبدالها بالرجال، أي محو النظام الأمومي واستبدالها بالنظام الأبوي.
العهد السومري
ومع بدء العهد السومري بدأ التغيير الجذري للطبيعة المجتمعية الموجودة حينذاك، حيث تم الفصل بين المادة والروح، وأصبحت النساء والعبيد إلى “شيء” والقادة والرهبان أصحاب السلطة. وقد تأسست الزقورات أي المعابد السومرية التي كانت عبارة عن طوابق، في الطابق العلوي كان الرهبان، وفي الطابق الثاني العسكريين والحرفين وبعدها النساء والفقراء والكادحين وبعدها العبيد. كان استعباد النساء طبقياً وجنسياً، الأمر الذي مهد لبروز الذهنية الجنسوية، التي تعتمد على عبودية المرأة، وقد أدت هذه الذهنية إلى ترسيخ فكرة النظرة الدونية والجنسية لدى الرجل تجاه المرأة.
فحتى الطفل الذكر الذي ينشأ في ظل هذه الذهنية يتعرض لعنف اجتماعي وفكري ونفسي يحطم من شخصيته منذ الصغر. ونتيجة الضغط العائلي والمنزلي يتحول إلى رجل جشع يعتبر نفسه سيد الأسرة فلا ينشأ كطفل إنما كرجل مسن، إضافة إلى أن الجنسوية الاجتماعية التي تزيد الذكورة تمجيداً، تحول الرجل إلى شخصية مغرورة، فارغة، جشعة، لديه الكثير من العقد كـ عقدة الأنانية والقيادة والنرجسية والحسد وتنعكس هذه الحالة المرضية على أفعاله، ولأجل الوصول إلى السلطة والمنصب يقوم بالحيلة والكذب والمؤامرة والقتل، ولا يتردد من أجل الربح الأكثر ولا يكتفي بالمتاجرة بالأطفال والنساء فقط، بل والقيام من أجل إشباع غرائزه بفتح بيوت الدعارة.
الفرد والمجتمع
أصبحت حياة الفرد والمجتمع حياة طبقية ضمن قوالب فيها السلطة والقانون يحكمها بدل الأخلاق، وأصبحوا يستعبدون البشر ويقسمونهم بالأديان ويستعبدون المرأة بشرعنة تلك الأديان. مثلاً: الدين اليهودي كانت المرأة فيه ملك وعبدة لا حرية لها ويقرأون في توراتهم المحرف: “الحمد لك يا رب إنك لم تخلقني امرأة”، والمسيحيين كانت لهم قوانين صارمة بحق النساء مثلاً: فقد حرقوا ثلاثة ألاف امرأة بحجة أنهن ساحرات وذلك لأنهن طورن ٌالطب بالأعشاب الطبيعية، فكانوا يقولون:” إن الله هو الشافي فكيف يمكنهن شفاء الإنسان”.
وفي اليونان القديمة قبل الميلاد ب 300 عام ولِدّت الطبيبة ” أغنوديس” وحين كبُرت تولعت بالطب لدرجة كبيرة حتى أنها قصت شعرها وتنكرت بزي الرجل ودخلت مدرسة الطب في الإسكندرية. وفي إحدى المرات وأثناء سيرها في شوارع أثينا وبعد الانتهاء من تعليمها الطبي وعودتها لليونان سمعت صرخات امرأة بسبب المخاض ولم ترغب المرأة في أن تلمسها أغنوديس رغم إنها كانت تعاني من ألم شديد، لأنها اعتقدت أنها رجل، فقامت أغنوديس بخلع ملابسها أمام المرأة كي تتأكد أنها ليست رجلاً وساعدتها على إنجاب طفلها، وسرعان ما انتشرت القصة بين النساء وبدأت جميع النساء المريضات في الذهاب إلى أغنوديس، فازداد حقد وحسد الأطباء الذكور واتهموا أغنوديس التي يعتقدون أنها ذكر مثلهم بإغراء المرضى الإناث مما أدى إلى محاكمتها، وحين مثلت أغنوديس أمام المحكمة وأثبتت أنها امرأة، حكم عليها بالإعدام بسبب دراستها للطب وممارسة الطب كامرأة وخرقها للقانون.
حين ذلك ثارت النساء على الحكم وخاصة زوجات القضاة الذين حكموا بالإعدام عليها، وأصرّن أنه إذا أعدمت أغنوديس، سوف ينتحرن جميعاً ويموتن معها، وبسبب عدم تحمل القضاة والحكام ضغوط زوجاتهم تم رفع عقوبة الإعدام، ومنذ ذلك الحين سمح للنساء بممارسة الطب بشرط أن يتخصصن بأمراض النساء فقط، وهكذا أبصمت أغنوديس وتلك النساء بصمتهن على التاريخ، وبالتكاتف والنضال جعلن الطرف الآخر يرضخ لطلباتهن واحترام حقوقهن.
كما إن الإسلام أيضاً خرج عن محوره تحت اسم “المحرم لا يجوز”، إلا أن النساء بقين يناضلن في مجتمعاتهن، فوظائف الأيديولوجيا آنذاك مادية ملموسة علنية ومتصلة مع حقيقة الزمان والمكان ومتصلة كذلك بالروح والنظام الذكوري الأبوي، حيث عمل بوعي وبشكل متعمد على طمس وإخفاء حقيقة المرأة عن المجتمع كي يتمكن من الاستمرار في تسلطه، ويطيل من عمر نظامه الاحتكاري الذي تطور مع مرور الزمن. ويصبح النظام الرأسمالي بحتاً ويسعى للربح الأسرع والأكثر. فيستغل المرأة للاستفادة منها في جميع النواحي واستغلال المرأة إعلامياً لإعلان عن منتوجاته وتسويقها واستغلال المرأة جنسياً حيث فتح البارات ودور للعاهرات. كما استغلت جسدياً بتشغيلها لساعات طويلة وأجور رخيصة مقارنة بالرجل، وهذا الاحتقان أدى إلى إشعال نار الغضب بين النساء وتبرمج ذلك على أرض الواقع، وذلك بخروج 40 ألفاً عاملة في نيويورك مطالبات بحقوقهن المتكافئة مع الرجل، ولكن كان رد فعل السلطة عنيف، حيث قام صاحب المعمل بإضرام النار في معمل النسيج مما أدى إلى حرق وموت /129/ عاملة مما طالبن بحقوقهن، وهذا الأمر زاد المرأة إصراراً على النضال والمطالبة بحقوقهن، وخرجن في مسيرات تظاهرية في شوارع نيويورك مناديات بالحرية والعدالة لتحسين ظروف عملهن.
وكان نتيجة هذا النضال، عقد المؤتمر الدولي الثاني للنساء في 26 – 27 /8/ 1910 في كوبنهاغن وبعدها في 19 /3/ 1911 إعلانا عن 8 آذار عن اليوم العالمي للمرأة. وكذلك الأمر في روسيا عام 1917 بدأت الإضرابات والاحتجاج على الظروف الصعبة والفقر والجوع وانعدام الأمن تحت شعار “الخبز – الحرية – السلام”، وانضمت 128 ألف عاملة للاضطراب وبعدها تجرأ وانضم إليهم الذكور، كان لهن دور حاسم في انتصار ثورة أكتوبر التي أنهت الحكم الرابع لروسيا والذي دام 370 عاماً.
وبإمكاننا أن نستشهد بأحداث عصرية ومنها الثورة التي بدأت في إيران نتيجة الظلم واستبداد السلطة الحاكمة، وذلك بفرض الحجاب على المواطنات والحكم عليهن في المحاكم الإيرانية أحكام قاسية تصل إلى الإعدام، وما حصل مع الفتاة الكردية جينا أميني ليس سوى جزء بسيط من حقيقتهم وسياسة الإبادة التي يتبعونها، وخاصة ضد النساء، حيث وبحجة ظهور خصلة من شعرها انهال عليها شرطة ما يسمى بشرطة الأخلاق ضرباً بأدوات حادة على رأسها، في خطوة منها لإرهاب وتخويف النساء مما أدى إلى مقتل الفتاة الكردية جينا أميني. فخرجت النساء من جميع أنحاء إيران وأنحاء العالم في مسيرات تظاهرية وألقين البيانات التنديدية، وقصصن شعرهن كرسالة للحكم الإيراني المستبد.
كانت المرة الأولى التي يقف فيها النظام الإيراني عاجزاً أمام النساء، وأمام هذه القوة الكامنة التي انفجرت في وجه سلطة إيران، لم تلك القوة من الفراغ بل استلهمتها من الميراث الثقافي لألوهية المرأة وكذلك من حصيلة نضال المرأة في جبال الحرية كردستان مدة 40 عاماً. اللواتي حملن سلاح الحرية، والتي شكلت قوة عسكرية وسياسية للمرأة، لتأخذن مكانتهن بجانب الرجل لحمايتها والدفاع عن نفسها في كل المجالات، وقدمن الكثير من التضحيات وأروع الأمثلة من الفداء كـ الشهيدة ساكينة جانسيز.
المرأة وثورة 19 تموز
لقد تلمسنا ورأينا دور المرأة في ثورة 19 تموز التي قامت بقيادة المرأة، وكانت شرارتها في مدينة كوباني قلعة الصمود حيث وقفت النساء بوجه أعتى أنواع الإرهاب المتمثلة بداعش لحماية كوباني من إرهابهم، وشكلن قوة عسكرية متمثلة بـ YPJ وقدمن الكثير من الشهيدات من جميع المكونات، داعمين بذلك مشروع أخوة الشعوب ضمن نظام الأمة الديمقراطية، والعيش المشترك في سوريا تعددية تشاركية لا مركزية تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية.
انطلقت الثورة بقيادة المرأة في كوباني، حيث حققت ما لا يتم تحقيقه في مئة عام في غضون عشرة سنوات، وما يزال ذلك التطور مستمر إلى الآن فقد حققت المرأة نجاحاً على كافة المستويات، فكل امرأة أصبحت تهتف وتناضل بأيديولوجية تحرير المرأة، وحققت مكتسبات عظيمة من خلال ثورتها(ثورة المرأة)، وقامت بخطوات جبارة في جميع المجالات والميادين الحقوقية منها قانون المرأة، والمجالات الرياضية، والثقافية، وأخذت مكانها في المؤسسات الإدارية بالنسبة 50 %، ورسخت مبدأ الرئاسة المشتركة وكانت القيادية لإنجاح مشروع أخوة الشعوب ضمن نظام الأمة الديمقراطية. كل هذه الأمور تعكس الصورة الإيجابية لنضال المرأة في إطار المشروع الديمقراطي المتمثل بالإدارة الذاتية والتسلح بأيديولوجية تحرير المرأة، على عكس ما تعانيه المناطق المحتلة من قبل الدولة التركية الاحتلالية والنظام الذي تتبعه من خلال استخباراتها والفصائل المسلحة الموالية لها، بحق النساء في تلك المناطق مما تعانيه من انتهاكات وصولاً إلى جرائم حرب، وكذلك الأمر ما تعانيه النساء في أفغانستان حيث كان يقيدونهن بالسلاسل.
أخيراً يمكنني القول؛ بأن المرأة التي كانت الإلهة في المجتمع الطبيعي وكانت منبع الخير والعطاء والحب، ماتزال تناضل بتلك المشاعر وذلك الحب لبناء مجتمع ديمقراطي تعيش فيها المرأة بالحرية والتشاركية دون التعرض للعنف والقتل. وقد ذكر المفكر والقائد عبد الله أوجلان في تحليلاته: “لا أريد أن أكون مواطناً لوطن تُقتل فيه المرأة”.