العمل الدبلوماسي النسوي وتحقيق نظام الأمة الديمقراطية

العمل الدبلوماسي النسوي وتحقيق نظام الأمة الديمقراطية

                                        

“على المرأة القيام بالنشاط الدبلوماسي،

 وأن تتحلى بالجدية في العمل،

 والثقة بالذات وتمثيل القضية”

بنجوين علي

إن الواجب التاريخي والمجتمعي والإنساني، يحثنا على البحث في عمق الأحداث. خاصة إذا كان الموضوع متعلق بأهمية العمل الدبلوماسي الذي يعد بدوره من أهم ركائز مشروع الأمة الديمقراطية، الذي طرحه المفكر عبد الله أوجلان حيث يهدف إلى إرساء الأمن والسلام بين جميع شعوب العالم. وعلى هذا الأساس فإن الدبلوماسية في الأمة الديمقراطية ليست وسيلة لإقصاء وتهميش الآخرين، بل هي وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشعوب، ويعد المجتمع الديمقراطي نموذجاً لأمة ديمقراطية موحدة، وهذا المجتمع يكون الحل الأمثل لمشاكل الشعوب.

الدبلوماسية: هي كلمة لاتينية تعني “وثيقة رسمية”، وهي صفة تخص تمثيلاً سياسياً لدولة ما، لتسيير شؤونها الخارجية في الدول الأخرى، كما أنها تنظم وسائل الاتصال بين الدول لإجراء المفاوضات عبر إرسال ممثلين إلى بلدان أخرى، لاستمرار العلاقات ولنيل مكاسب سياسية واقتصادية لبلادهم، وتهتم أيضاً بصياغة سياسات تتبعها دول تجاه دول أخرى، قد تؤدي لحروب ومشاكل في حال فشل هذه الدبلوماسية كما أنها تجري المفاوضات قبل الحروب، فالإعلان عن الحرب أو إيقافها مرتبط بالعمل الدبلوماسي بين الدولتين أو عدة دول.

تعريف الدبلوماسية قديماً

قديماً كانت المجتمعات تعرف بتنوعها الثقافي وهذا ما جعلها تعيش في سلام ووئام فيما بينها، وكانت العلاقات قائمة على مبادئ وقيم أخلاقية سامية تدعو إلى الأخوة في علاقاتها مع الجوار. قبل أن يتم تحريفها وتشويه حقيقتها التاريخية بذهنية ذكورية متسلطة، خاصة بعد تطور المدنية وظهور الحضارات وتشكل المدن، حيث برزت المصالح المبنية على المنفعة والطمع في خيرات الجوار.

هنا؛ نجد أن العلاقات التي كانت مبنية على أساس التكافل والتكامل بين المجتمعات البشرية، تحولت من علاقات تعاضد وسلام إلى استيلاء وحروب استعمارية، لتأخذ صيغة إعلان الحروب بين السلطات أو البدء بوقفها وفق معاهدات واتفاقيات دولية.

وبالعودة مرة أخرى إلى بدايات التاريخ، نجد أن الدبلوماسية ظهرت منذ نشأة المجتمع البدائي، لذا فإن عقد الصلح والزواج والمصاهرة وحتى المراسم الدينية وقواعد واتفاقيات التجارة كلها كانت بمثابة نشاطات دبلوماسية. ولا يغيب عن أذهان أحد، أن المرأة منذ الأزل كانت رائدة وفاعلة في هذه المسائل ولكن كانت دائماً وراء الكواليس، لقد تم الاستعانة دوماً بجهود المرأة وطبيعتها الناعمة المسالمة حتى في أكثر المجتمعات الذكورية تعصباً كعامل مساعد في المفاوضات والسعي إلى السلم.

وعلى الرغم من ظهور العديد من الشخصيات النسائية البارزة في السياسة خلال العصور السابقة، إلا أن الدور السياسي والدبلوماسي ظهر بشكل واضح في إطار العلاقات الاجتماعية في القرن العشرين، حيث استطاعت المرأة أن تثق بذاتها وتنمي قدراتها في تحقيق طموحاتها لتصل بذلك إلى مراكز صنع القرار. إذ نرى اليوم إن المرأة استلمت دبلوماسية عدد من الدول الكبرى، أما على مستوى الشرق الأوسط بشكل عام وكردستان بشكل خاص فقد لعبت المرأة الكردية وخاصةً المرأة الشابة دوراً ريادياً لقيادة الثورة بطابعها منذ بداية اندلاعها في روجآفا.

المرأة الطليعية

لقد أصبحت المرأة الطليعة والرائدة لتصعيد روح الثورة وتقدمها. وتمكنت من رفع وتيرة نضالها الديمقراطي، التنظيمي، الدبلوماسي، السياسي والثقافي تجاه الذهنية الذكورية ببذل جهود جبارة وقوية، وكما ناضلت ضد كافة الأنظمة والمنظومات المعادية لحرية المرأة والمجتمع لتصبح القدوة لجميع نساء العالم. ولا ننسى إنه وبفضل نضال حركة التحرر الكردستانية وحركة المرأة الحرة، كونه الميراث الذي تم الاعتماد عليه منذ أكثر من أربعين عاماً، أصبح نضال المرأة الكردية من روجآفا والوصول إلى إقليم شمال وشرق سوريا وبانضمام ومشاركة المرأة من المكونات الأخرى الموجودة: عرب – سريان – شركس – أرمن – تركمان …الخ، مثالاً يحتذى به في جميع أنحاء العالم. فنشاط المرأة المنضوي تحت سقف العمل التنظيمي وانضباطها والتزامها بقواعد سلوكية معينة وقدرتها الكبيرة على الإقناع أثر في تغيير المجتمع.

وكون مستوى حرية مجتمع ما مرتبط طرداً مع مستوى حرية المرأة، كان لابد من النضال في جميع الميادين من أجل نيل حرية المرأة؛ لأن بناء الأمة الديمقراطية في محور تحرر المرأة، يتطلب بناء علاقات متينة ودائمة بين جميع نساء المجتمع على اختلاف هوياتهن القومية، العقائدية، والإثنية. مثل إقامة العلاقات بين النساء الكرديات، السريانيات، العربيات، الأرمنيات …الخ. التي تكون كفيلة بدمقرطة المجتمع والسياسة، فلا سياسة ديمقراطية بدون المرأة، ولا علاقات واتفاقيات ديمقراطية بدون المرأة.

فقد جرت العادة على إبعاد المرأة عن المجتمع، وتهميش دورها منذ آلاف السنين، لذا الخوض في غمار الكفاح الجنسي ليس بأمر هين وبسيط، فهو يعني كمن يحفر بئراً بإبرة. وبما أن النضال التحرري الجنسي يسير على عدة دعائم كـ “الفكر الحر”، وبناء التنظيمات الخاصة بالنساء. وعلى هذا الأساس قامت تلك التنظيمات النسائية الخاصة بتشكيل ومأسسة نشاطاتها الدبلوماسية باسم العلاقات والاتفاقيات الديمقراطية، التي تكون مسؤولة عن تطوير وتنظيم عمل المرأة الدبلوماسي. حيث تعمل على تمكين النساء والشعوب والمجموعات المختلفة من التعايش معاً في حياة سلمية. تعتمد في علاقاتها وتحالفاتها الدبلوماسية على قوة المجتمع.

الساحة الدبلوماسية

والجدير بالذكر هنا؛ إن المرأة في روجآفا مع اندلاع الثورة، وكذلك في إقليم شمال وشرق سوريا أيضاً خطت هذه الخطوة بتوطيد العلاقات فيما بينها وخاصة بعد تشكيل نظام خاص بها، تمكنت من خلاله الإعلان عن مبادرة المرأة السورية وذلك بالاعتماد على قوة المجتمع والقوة الكبيرة للمرأة. حيث كان يتعين على النساء السوريات توطيد العلاقات فيما بينها على اختلاف وجهاتها السياسية، خاصة بعد الوقائع الشاهدة على أن المرأة هي المتضرر الأكبر من الحرب في سوريا، ولابد على المرأة السورية التخلص من حالتها التي باتت فيها ضحية حروب، لتصل إلى موقع تشهد فيه للعالم أن النساء هن مقاومات الحروب ولسنا قرابين.

وبالمقاومة التي أبدتها المرأة في صفوف وحدات حماية المرأة YPJ ضد هجمات أعتى تنظيم إرهابي داعش وفي ميادين أخرى عن طريق تشكيل نظام دفاع ذاتي، والتي باتت حاجة كونية ملحة زادت من هذه القناعات وحفزت النساء للانخراط في العمل أكثر من ذي قبل، لإيصال صوت ثورة المرأة إلى كافة أنحاء العالم.

المرأة في ظل بناء نظام الأمة الديمقراطية، أولت أهمية كبيرة للنشاطات الدبلوماسية للمرأة داخلياً، ففي الكثير من الأمور السياسيّة وأيضاً فيما يخص القضايا التي تتعلّق بالمرأة، كان هناك الإمكانية للاتحاد والاتفاق التي كانت غير ممكنة في عهد النظام السوري. أما اليوم في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا نجد أن المرأة حققت قفزة نوعية في حل القضايا المتعلقة بها، وذلك من خلال التمثيل الدبلوماسي حيث هناك ممثلات يأخذن أماكنهن في نظام الرئاسة المشتركة للحركات والأحزاب السياسية، وهيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية بالإضافة إلى كم هائل من التنظيمات والحركات النسائية، التي تعمل من أجل مواضيع مختلفة وهامة وتصل إلى نقطة مفادها تحرير المرأة. إلى جانب تنظيم الفعاليات المشتركة للحد من الكثير من الظواهر التي تؤثر سلباً على المرأة. إضافةً إلى طرح الكثير من الأفكار السياسيّة والاجتماعية والدبلوماسية، كأن يتم النقاش حول الدستور الأساسي الديمقراطي لحل الأزمة السورية.

المهام الأساسية للدبلوماسية

من المهام الأساسية لدبلوماسية الأمة الديمقراطية هي التي تكمن في تشكيل محفل مشترك بين القوى والأطراف السياسية الكردية لإزالة الخلافات، وإحداث تقاربات جدية بين التكتلات السياسية والاجتماعية، يجمع كل الشخصيات والتنظيمات والشرائح للعمل وفق المصلحة الوطنية. نرى إنه من الناحية القوميّة وأخص بالذكر (حركة التحرير الوطنية) خطتْ حركة المرأة الكردية خطوة هامة في هذا الإطار، وبدأت تشارك بنشاط فعّال في أعمال الوحدة الوطنية بين القوى السياسية الكردية. كما تعمل جاهدة على توحيد النضال والوحدة الوطنية من خلال عقد المؤتمرات والكونفرانسات لتمكين المرأة من كل النواحي والضغط على الأحزاب؛ لكي تتمكّن المرأة من إبداء رأيها السياسي وإيجاد حلول للقضايا الكردية، وتثبت وجودها خاصة في موضوع الاتفاق والاتحاد الكردي. كما قامت ببناء لجان العلاقات والمؤسسات الدبلوماسية العائدة لها، بهدف توحيد صف المرأة الكردية سواءً في روجآفا، ومع التنظيمات النسائية الكردية في الأجزاء الأخرى من كردستان، بهدف العمل المشترك المنادي لحرية المفكر والقائد عبد الله أوجلان، حيث تمخض عن هذه النشاطات انعقاد الكونفراس الوطني النسائي مرتين في آمد – باكوري كردستان (شمال كردستان)، وهولير – باشوري كردستان (جنوب كردستان)، والهدف الآخر هو انعقاد الكونفرانس الثالث في روجآفا.

التنظيمات النسائية الديمقراطية

المهمة الأخرى الملقاة على عاتق التنظيمات النسائية الديمقراطية، لتحقيق آلية مشتركة لجميع النساء في منطقة الشرق الأوسط والعالم، هي الوقوف جنباً إلى جنب مع الشعوب والأفراد والمنظمات المناهضين للرأسمالية والفاشية والاستبدادية، والعمل على تطوير العلاقات والنضال المشترك مع الحركات النسائية الشرق أوسطية، ذلك بتشكيل منصة مشتركة للنساء في الشرق الأوسط وحول العالم، ضد الإبادات الجماعية ضد الأطفال والنساء وضد الشعوب أيضاً، فهي تجتر نفس الألم وتحمل نفس الآمال، كي يجري تبادل الأفكار والخبرات والاستفادة من تجارب بعضهن البعض.

بالطبع التغييرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والمستجدات الأخيرة؛ فتحت أفقاً أوسع وفرصاً أكبر لابد من استغلالها من أجل إيصال المكتسبات لنظام نسوي شامل. إضافة إلى تحقيق التحالفات مع الحركات الفامينية العالمية، والحركات النسائية الديمقراطية والإيكولوجية. وأن تتوج هذه النشاطات بإنشاء محافل نسائية عالمية لتوفير المنبر اللازم لتحاور به عن قضاياها وطرح الحلول المشتركة.

من أجل تحقيق الأمة الديمقراطية يتوجب لدى قيام المرأة بالنشاط الدبلوماسي، أن تتحلى بالجدية في العمل، الثقة بالذات وتمثيل القضية، إلى جانب التمييز بالأسلوب اللبق والخطابة المتمكنة، للقدرة على إيصال الفكر التحرري الجنسوي، وتجربة الإدارة الذاتية والمكتسبات التي خلقتها نضالات المرأة في ظل الثورة، ليصبح مثالاً يحتذى به. وعليها الابتعاد عن نمط دبلوماسية الدول القومية، ويجب أن تدخل نشاطاتها في مضمار تحجيم الدولة وإضعاف سلطتها، لبناء دبلوماسية بديلة بعيدة عن البيروقراطيات، وذلك عبر العمل وفق منظور إقامة العلاقات الديمقراطية بين الشعوب.

وهذا سيتحقق بتوحيد الجهود لإيصال النضال إلى مستوى النضال المشترك ضد الحداثة الرأسمالية التي تعتبر الوجه البارز للهيمنة الذكورية. ودعم وتعزيز الثورة الديمقراطية للمرأة، وبناء تراث مشترك للمرأة في الشرق الأوسط وحول العالم، ومثلما تمكنت المرأة من تولي الريادة في مسار الثورة، وكانت السباقة في بناء تنظيمها الديمقراطي، سيكون النجاح حليفها في النشاط الدبلوماسي أيضاً.