نظام الأمة الديمقراطية وانشرا خات مفهوم الدولة القومية
نظام الأمة الديمقراطية وانشرا خات مفهوم الدولة القومية
“مفهوم الأمة الديمقراطية
تُعتبر بوصلة الحرية لحياة النساء
من أجل إتمام مسيرتهن النضالية المتحررة”
نيروز مسلم
نظام الأمة الديمقراطية يُكسر الأسقف المتينة التي وضعتها الدولة القومية على المرأة. الدولة؛ هي الكيان السياسي أما الجيوسياسية، هي المنطقة الجغرافية التي تتميز بأنها تستمد شرعيتها السياسية في تمثيلها أمة أو قومية مستقلة وذات سيادة.
وهناك تعريف آخر عن نشأة الدول القومية بأنها؛ مجموعة من الممالك والأقاليم التي تم دمجها في الإمبراطورية الرومانية من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، رويداً رويداً دخلت الدول الأوروبية إلى اتفاقيات السلام ورسمت الحدود الدولية والسيادة على الأراضي.
وهناك عدة تعاريف عن الدولة القومية كمصطلحات ومفردات وعبارات لغوية رنانة نشاهدها على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الكتب التاريخية التي تنشرها نفس الدول التي نتحدث عنها، وهناك عدة أمثلة عن الدول القومية في التاريخ. مثلاً: مقاومة هولندا وإنكلترا ضد الامبراطورية الإسبانية التي خلقت المسوغات الشرعية لسلطتها من خلال تعبئة المجتمع ضد العدو. تخلف إيطاليا وألمانيا كـ برجوازية بصدد إنجاز الوحدة الوطنية أدى إلى مزاولة السياسات الأكثر قومية (هزم هتلر وموسيليني ولكن نظامهم انتصر).
ومن هنا نحلل بأن؛ المسافة ما بين مفهوم الدولة القومية ونظام الأمة الديمقراطية، لهي مسافات شاسعة إلى حدٍ كبير. فالمفهوم الهرمي العميق المتمثل في أيديولوجية الدولة القومية هدفها الرئيسي هو إنهاء العقل المجتمعي وتفكيك الوحدة الاجتماعية. إذا لم نقم بهذه المقارنة لن نتمكن من الوصول لتلك الحقيقة التي تسعى إليها الأمة الديمقراطية. وخاصة أن نظام ومفهوم الأمة الديمقراطية مستند على فلسفة حرية المرأة، ولكن مفهوم الدولة القومية – الهرمية – المركزية – الأبوية، بعيدة كل البعد عن هذه المعادلة.
تأثيرات مفهوم الدولة القومية
حين أحلل؛ أنا شخصياً، مفهوميّ الفرد أو المرأة في هذا المجتمع، بعد أن تعايشنا الكثير من الظروف والأحداث ضمن الثورة السورية، وبعد أن كان أو كنا كمجتمع بعيدين كل البعد عن تحليل الأوضاع السياسية والتحليل السياسي وخصوصاً كنساء في سوريا والشرق الأوسط بشكل عام، بسبب الروتين أو الحياة الروتينية التي تعودنا عليها من خلال قوانين الدولة والتأثير البارز على المرأة، لم نكن ندرك مدى خطورة ذاك النظام علينا، وكيف تحولنا إلى آلات تخدم مصالح فئة معينة ضمن الدولة.
مثلاً: مرحلة التعليم، حيث كنا نرتاد مدارس الابتدائية والإعدادية بشكل إلزامي، ربما آنذاك كنا نشعر بالغبطة بسبب الإلزام لكي نحقق لأنفسنا كإناث مستوى معين من الحرية أو ما كان يتهيأ لنا على أنها حرية وإننا نحاول إثبات أنفسنا من خلال الدراسة التي كانت حكراً على الذكور فقط، لذلك كنا مستميتات لإثبات أنفسنا والحصول على التحصيل العلمي وأن نكون في وظائف تابعة للدولة، وقتها لم يكن يتبادر إلى ذهننا إننا أصبحنا من خلال التعليم ننتهج قوانين الحكومة أو السلطة وممارستها القوموية، حيث أصبحت راسخة في أذهاننا منذ بداية ارتيادنا المدارس ودراسة منهاج الدولة، ومنها مادتي الجغرافية والتاريخ وخاصة درس “الفتوة” بمعنى الدرس الإلزامي والقاسي من قبل كافة مدراء المدراس المنصهرة بداخلنا.
إضافة إلى نظام القوموية البحتة في سوريا، والتي فرضت “الثقافة الواحدة والعادات الواحدة والسيستم الواحد”، علماً أنه حتى بعض فئات المجتمع العربي هي أيضاً كانت تتعرض للانصهار، فالطبقة المدللة الموجودة بجانب الحكومة هي طبقة البيروقراطيين والبرجوازيين، وهي القائمة والمتطفلة على جهود الفئات الكادحة من المجتمع. فالطبقة الكادحة تحولت إلى المتخلفة والجاهلة والتي تعيش في المناطق الصحراوية (عكس ذلك هي التي تعيش في بلاد ما بين النهرين دجلة والفرات)، ولولا وجود المرأة التي تعتبر المحافظ الرئيسي على الإرث التاريخي والحضاري، لكانت الهوية العربية أيضاً بكينونتها وبشكل تدريجي تم إمحائها.
فحكر الدولة لم يتوقف عند التعليم فقط، فهي تدخلت في القطاع الصحي أيضاً، حيث أن النساء هن المعرضات بأكبر نسبة للأمراض الخبيثة، بسبب التناسل والتكاثر المتزايد والإنجاب الغير طبيعي والخارج عن طبيعة جسد المرأة. وطريقة تعامل الدولة وتدخلها في صنع وتوزيع الأدوية الغير طبيعية (المهدرجة)، هنا أيضاً؛ يتسلل مفهوم الدولة القومية بين فئات المجتمع، ودون أن نعي، نعيش هذه الحالة المفروضة علينا، وبكل سرور واندماج.
وحتى في المجال العسكري والسياسي أيضاً، الذي كان حكراً على الجنس الذكوري، ذلك يعود حسب المفهوم الذي رسخ في عقولنا أن “الساحة العسكرية وقسم حماية الوطن للرجال فقط”، بسبب قوتهم البدنية العالية مقارنة مع القوة الجسدية للمرأة. علماً أنه في سنة 1956، كانت “راوية عطية” أول امرأة تعمل كضابطة في الجيش المصري وكان ذلك بعد حدوث العدوان الثلاثي على مصر، وقد درّبت راوية 4000 امرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب ووصلت لرتبة نقيب، وفي حرب أكتوبر سنة 1973 كانت راوية عطية رئيسة جمعية (أسر الشهداء والجنود) لذلك لقبت بـ (أم المقاتلين الشهداء)، ونتيجة لدورها في خدمة الجيش المصري حصلت راوية على 3 جوائز عسكرية، وهي وسام 6 أكتوبر، وسام القوات المسلحة، والجيش الثالث الميداني.
راوية عطية: ولدت راوية عطية يوم 19 أبريل 1926 في محافظة الجيزة ، وأبوها كان سكرتير عام حزب الوفد عن محافظة الغربية ودخل السجن بسبب آرائه السياسية، وأكملت تعليمها على عكس أغلبية النساء المصريات في الحقبة الزمنية التي عاصرتها، وحصلت على شهادات جامعية في مجالات مختلفة وهي: الليسانس من كلية التربية جامعة القاهرة سنة 1947، ودبلوم في التربية وعلم النفس، وماجستير في الصحافة، ودبلوم في الدراسات الإسلامية، وقد عملت راوية في التدريس لمدة 15 عاماً، وعملت في الصحافة فترة قصيرة لا تزيد عن ستة أشهر.
ثورة إقليم شمال وشرق سوريا
ومع ثورة روجآفا التي انطلقت مع رحم الأزمة والمعاناة السورية، وكان من أهم إنجازاتها وركائزها تحقيق المرأة وجودها في المجال العسكري، وحققت نصراً لن ينساه التاريخ من خلال قضائها على أعتى تنظيم إرهابي في العالم وهو “داعش”، ومع ذلك ما زلنا نعاني من الاحتلال الجغرافي والهجمات على المرأة الواعية والمتحررة والريادية في المجتمع. إن ثورتنا التي هي ثورة المرأة القيادية قدمت تضحيات تاريخية. رفيقاتنا الشهيدة هفرين خلف وزينب صاروخان وسعاد وهند ويادي عقيدة وريحان شوييش ويسرى درويش وجيان طولهلدان …الخ
فالاستعباد السياسي للمرأة كان من أكثر أنواع التهميش في حقها وهذا لا يقتصر في سوريا فقط، بل أيضاً في العديد من الدول العربية، أهمها تونس التي لديها وزارة خاصة بشؤون المرأة وفقاً لدستورها، ومع ذلك المرأة تعاني وبشكل كبير لعدم انخراطها في مقاعد البرلمان أو أي منصب ضمن الحكومة التونسية. وغيرها أمثال عدة فمثلاً: صُنف العراق كثاني دولة عربية تعاني منها المرأة من الاستعباد السياسي وسوريا في المرتبة الثالثة بحجة أن المرأة لديها عاطفة أمومة فبذلك لن تستطيع إدارة البلاد، وأن العاطفة تتغلب عليها في اتخاذ القرارات الحاسمة.
وهناك مزاولة المرأة في بعض المهن كالطب والصيدلة، وتقلدها لـ بعض مناصب الحكومة كـ موظفة. كان هذا وبالنسبة للمجتمع النسوي، شيء كبير، وكل النساء الغير حاصلات على هذه المكانات كن يحاولن بجهد كبير للوصول إلى أماكن تظن أنها مستوى عالي من الحرية والتحرر من قبضة المجتمع السلطوية والتي كانت تابعة بشكل كامل لنظام الدولة القومية.
طبعاً وصولاً أو وصولي إلى هذه النتيجة أو الوعي حتى ولو بشكل بسيط يأتي بعد التعرّف على نظام الأمة الديمقراطية، وذلك من خلال نهج وفكر وبراديغما المفكر والقائد عبد الله أوجلان، حيث أن اطروحته انطلقت من التحليل النقدي البناء لمفهوم “الأمة القومية”، التي اعتبرها الرحم الذي أنجب ذلك اللوياثان المسمى بـ الدولة القومية ليبتلع الطبيعة الإنسانية.
وقال أيضاً في مرافعته سيسيولوجيا الحرية: “من الصعب صياغة تفسيرات مفعمة بالمعاني في علم الاجتماع من دون تعريف المصطلحات والنظريات الأساسية “. لذلك فإن صياغة مفهوم الدولة القومية من جديد سيكون أكثر أهمية.
المرأة ونظام الأمة الديمقراطية
حتى الساحة العسكرية فهي لا تعتمد فقط على القوة البدنية، بل على القوة الذهنية والعقلية والقدرة على وضع التكتيكات العسكرية، وأيضاً قدرتها على الحنكة السياسية وتحمل المسؤوليات جنباً إلى جنب. ولذلك طرح نظام “الرئاسة المشتركة”، في كافة مناصب الإدارات، وأيضاً أن يكون نظام الإدارة هو إدارة ذاتية وليست سلطة قوموية، بمعنى أن يدير الشعب نفسه بنفسه مع الخيرات الموجودة على الجغرافية الغنية لبلاد ما بين ا لنهرين، التي يتواجد فيها.
ومن خلال هذا النظام الديمقراطي، الذي يعتمد على مفهوم العدالة المجتمعية والمساواة سيتم التأكيد لأجل الوصول إلى مجتمع راقي ومرأة متحررة. ومن خلال الاستمرار على هذا النظام وكيفية إنشاء جيل ومجتمع قوي وناجح، سوف يتيح القدرة على مواجهة الصعوبات الكثيرة. إن مشروع الأمة الديمقراطية سوف يتعرض لهجوم عنيف من قبل تلك الحكومات والدول المعتنقة للمفهوم السلطوي والدولتي. لأن المستفيد من هذا المشروع والذي يخدم فقط المجتمع ولا شيء آخر سواه، هو المجتمع وبكافة فئاته ومكوناته وثقافاته وتعدد أفكاره، وبالأخص المرأة التي هي المحور والركيزة الأساسية في هذا المشروع.
وبالنسبة إلى النساء وخصوصا في إقليم شمال وشرق سوريا تم إثبات أنفسهن من خلال هذه السنوات في عملهن في كافة المجالات الإدارية والسياسية وكحركات نسوية يطالبن بحقوق المرأة، وخصوصاً بعد استقرار مرتزقة داعش في بعض المناطق ورؤيتهن الإبادة التي كانت تستهدف المرأة بشكل خاص، وهنا؛ أُكد بالدرجة الأولى أن المرأة ليست فقط نصف المجتمع وباعتبارها مسؤولة عن النصف الآخر فهي المجتمع بأكمله، وإذا كانت المرأة مستقلة وواعية بشكل صحيح، سوف يعود بالفائدة على شخصها أولاً والمجتمع ثانياً، ويكون المجتمع هو مجتمع سليم وقوي.
وختاماً تبقى المرأة هي العمود الفقري في بناء المجتمعات وهي الموروث التاريخي لكل الشعوب التي تعرضت للاضطهاد والانصهار، ومن خلال نظام الأمة الديمقراطية والتي تعتبر البوصلة لحياة المرأة من أجل إتمام مسيرتهن النضالية سواء العسكرية أو السياسية أو الاجتماعية متحديةً كل الصعاب المهيمنة من الدول الرأسمالية والقوموية والذهنية الذكورية باستطاعتها تحقيق أيديولوجية حرية المرأة.