تحالف ندى هو اختزال للتحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي
تحالف ندى هو اختزال للتحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي
“تحالف ندى تقوم بجمع الرؤية المشتركة
بين كافة الحركات النسوية،
هي طاولة مستديرة وحوارية وديمقراطية
لتوجيه المرأة نحو الأفضل والأحسن”
سلوى قيقة
عضوة لجنة الأمانة العامة في تحالف ندى من تونس
إنّ اسم المنظّمة ” تحالف ندى “.
الذي تمّ تأسيسه في 31 تموز/ جويلية 2021، بين مجموعة واسعة من الشخصيات والمنظّمات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي عُرِف لاحقاً وفق أحرفه الأولى باسم (تحالف ندى).
وكان ذلك بمشاركة حضوريّة ورقميّة لما يقارب المائتي امرأة من لبنان والعراق وسوريا وفلسطين والأردن وليبيا والسودان واليمن وتونس ومصر والمغرب والجزائر والصحراء الغربية وإيران وتركيا وأفغانستان.
لم ينشأ التحالف بمثل هذا العدد من المشاركات المرموقة بصفة تلقائيّة مباشرة، بل كان نتيجة لمسار تاريخيّ كان آخرها المؤتمر النسائي الثاني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي انعقد في العاصمة اللبنانية بيروت، بتاريخ 30 -31 تموز 2021. وهو مؤتمر “مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء، من أجل الأمن والسلام“.
وهي المبادرة التي تأسّست في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وكان شعارها: “بالوحدة النسائية سنحقق الثورة الديمقراطية “، لتصحيح مسار ما سمّي ” بالربيع العربي “. وذلك إيمانا منّا بضرورة تجاوز دور المرأة الضحيّة إلى الدور الفعّال في تحديد الرؤية الاستراتيجيّة والعمل على تغيير الواقع من أجل تحقيق الأهداف النوعيّة على المستوى القريب والمتوسّط والبعيد.
وذلك في ظل الظروف الدولية والإقليمية والأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من حروب وصراعات ونزاعاتٍ كانت النساء فيها ضحايا من الدرجة الأولى من حيث تداعيات الأزمات الخانقة من تهجير وسبي واغتيال ونزوح، وحتى ازدياد نسبة العنف ضد النساء بدرجة غير مسبوقة.
وبذلك يكون تحالف ندى تطويرا وتوسيعا لمختلف مجالات المبادرة.
وقد قامت المبادرة بدورها على أسس سابقة، منها اللقاءات الإقليميّة المتعلّقة بالمؤتمر النسائي العالمي (The World Women’s Conference)، ومنها المنتدى الاجتماعي العالمي الذي انعقد بتونس في دورتي 2013 و2015.
وهي فرص يسّرت التشبيك بين المنظّمات النسائيّة العالميّة وخصوصا الإقليميّة، على أساس القيم الإنسانيّة المشتركة، ومبادئ الحريّة والديمقراطيّة الحقيقيّة والكرامة الإنسانيّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة الفعليّة دون أيّ شكل من أشكال التمييز.
لقد كنّا جميعا على يقين أنّ الوقت قد حان لتأسيس واقعنا الاجتماعي والسياسي والفكري وفق منطق العصر وما يقتضيه من رؤية كونيّة، تقطع الصلة مع مفاهيم تجاوزها الزمن ومع رؤى رجعيّة طواها تطوّر التاريخ لأنّها لا تتناسب مع الحداثة التي نكتفي باستهلاك منتوجاتها المادية ولا نساهم بصفة فاعلة في إنتاج وإثراء معارفها وآفاقها.
نحن اليوم في عصر العولمة، في زمان تركنا فيه ركوب ظهور الجمال والحمير، وأصبحنا ننتقل فيه من قارة إلى أخرى في ساعات معدودة ونتواصل فيه بالصوت والصورة آنيّـا عبر وسائل التواصل الحديثة.
فنحن جميعا إلى الكرة الأرضيّة ننتمي وإلى القيم الإنسانيّة الكونيّة ننتسب، مهما تعدّدت خصوصيّاتنا، وتنوّعت هويّاتنا.
في هذا المجال نستحضر قولة رائعة للشاعر السوري نزار قبّاني، وهو يصف أثر الانفتاح والتجارب والأسفار على تشكيل معالم شعره الكوني وأبعاد شعوره الإنسانيّ حين يقول:
” إنّني في شعري أحمل جنسيّات العالم كلّها، وأنتمي لدولة واحدة، هي دولة الإنسان.”
نحن إذن، في زمان لا مكان فيه للانغلاق، لا على المفاهيم القومية الضيقة ولا على الإيديولوجيات المتشدّدة والمتطرفة التي تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة وتتعسف على سيرورة التاريخ لتسير بنا إلى الخلف فلا تنتج إلا العنف والإرهاب والدمار.
وبعيدا عن منطق القطيعة مع الماضي، يبدو لنا من المفيد أن نتناول القضايا الراهنة مع محاولة لعقد صلتها بالسيرورة التاريخية في بعدها الشامل حتى يتسنّى لنا تقييم معطيات الحاضر ورسم آفاق المستقبل الذي نصبو إليه من أجل أن نركب قاطرة القرن الواحد والعشرين بثبات، في سياق التحولات المفصلية التي ستحدّد المشهد القادم في العالم.
ومن المهمّ في هذا المجال أن نستخلص العبرة من التاريخ وخصوصا من التاريخ المقارن لنتسلح بالثقة في النفس من أجل غد أفضل لشعوب المنطقة، لأنّ الثقة بالنفس على حدّ عبارة الكاتب البريطاني صمويل جونسون Samuel Johnson (ق 18 م) هي أولى مستلزمات الأعمال العظيمة.
تقوم الرؤية المشتركة بيننا على أنّ الحوار يعتبر لبِـنة من لبـنات إرساء أسس الأمن والسلام في المنطقة، في زمن مفصليّ يمرّ فيه العالم بعديد من الأزمات منها الصحية والسياسية، تصل حدّ الصراعات المعلنة والخفية من أجل الحفاظ على مصالح الامبريالية العالمية من ناحية، ومن خلال التحالفات المشبوهة ومحاولات التموضع وبسط النفوذ من ناحية أخرى.
ولنا في انعكاسات ذلك على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أوضح مثال. ومنها الخطورة التي تمثلها مختلف الأنظمة الرجعيّة، ومنها الخطورة التي تمثلها السياسة العثمانية الجديدة، ومنها أساسا الخطورة التي يمثّلها الكيان الصهيوني على المنطقة.
فلا ديمقراطيّة حقيقيّة دون مساواة فعليّة بين الشعوب والأفراد مهما اختلفت انتماءاتهم وأجناسهم وهويّاتهم. ولا ديمقراطية دون بناء أسس الدولة المدنيّة القائمة على مبدأ الفصل بين الدين والسياسة واحترام حريّة الضمير وحرية المعتقد. أنّ الدين كما يقول الأستاذ التونسي محمّد الطالبي:
“ ليس هوية ولا ثقافة ولا أمّة، إنه علاقة شخصية روحانية بين الإنسان والإله “.
وفق هذه المعطيات تمّ تحديد أهداف المبادرة ومنها أهداف التحالف؛
وهي تقوم أساسا على مبادئ حقوق الإنسان في بعدها الكوني الشمولي، وعلى جميع المعاهدات الدولية الدافعة إلى إرساء الأمن والسلام في العالم والضامنة لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحقوق الأفراد دون أي شكل من أشكال التمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المذهب.
ونظرا للدور الأساسي الذي يمكن أن تلعبه الشخصيات والمنظمات النسائية والحقوقية، باعتبارها قوّة ضغط وقوّة اقتراح، توجّه اهتمامنا إلى وضع ميثاق قيمي يحدّد جملة من القواعد من أجل السعي المشترك وتضافر الجهود في سبيل عقلنة المواقف والمساهمة المجتمعيّة في نشر وترسيخ ثقافة المساواة وحقوق الإنسان والعمل على تغيير العقليات ونبذ كل أشكال العنف والتمييز، وتثمين الإرث المشرقي التقدّمي والقيم النضالية النسائية الحداثية مع دعم كل مساعي الحوار وإرساء ديبلوماسية وقائية ووساطة من أجل مناهضة الاحتلال وحفظ السلام ونزع السلاح ومكافحة الإرهاب والتصدّي لمحاولات “الإبادة الجماعية والعرقية” ومنها “إبادة النساء”.
وقد تمّ التركيز على ضرورة تعزيز علاقات التعاون مع المنظمات الأممية الفاعلة بهدف دعم الجهود لتحقيق الكرامة الإنسانية وتكريس العدالة الاجتماعية ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات المتعلقة بخرق القوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
وفي إطار الأنشطة التي تولّى التحالف إنجازها تحقيقا لأهدافه وتفاعلا مع مختلف المنظمات، لم يكتف بإصدار البيانات في مختلف المناسبات مثل اليوم العالمي للمرأة، أو بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبيانات الدعم لمقاومة النساء الأفغانيات والإيزيديات والسودانيات، أو التنديد باستشهاد الإيرانية جينا أميني أو التنديد بالعدوان الصهيوني على فلسطين، أو الهجمات التركيّة على شمال وشرق سوريا، ويبقى الفعل هو الأساس.
وفي هذا الإطار، انعقدت اجتماعات لجنة الأمانة العامة لتحالف ندى، واجتماعات هيئة الرئاسة في ندى بشكل دوري، لتحديد خطط ملموسة حسب المرحلة والمستجدات على الساحة. ومنها المصادقة على انضمام “مبادرة مناهضة الاحتلال وإبادة النساء، من أجل الأمن والسلام“، وكذلك “المنصة الديمقراطية للنساء الإيرانيات “ إلى “تحالف ندى” خلال 2023، ممّا ساهم في توسيع الرقعة الجغرافية لدائرة التحالف.
وقد تعدّدت الندوات الإقليمية، الرقميّة والحضوريّة ومنها:
– ندوة : المرأة بين الواقع والمأمول (بمناسبة اليوم العالمي للمرأة).
– ندوات في إطار حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة، وكذلك تنظيم أنشطة ميدانية في السياق، والمشاركة الفاعلة في الأنشطة القائمة في مختلف البلدان لهذا الغرض (العراق، تونس، لبنان، سوريا، تركيا وغيرها)
– المشاركة الفاعلة في القمة العالمية الموازية لقمة البنك الاقتصادي العالمي الرأسمالي، والتي انعقدت في المغرب، وذلك من خلال تقديم ورقة تحت مسمى: “سياسة الاقتصاد الحر”
– المشاركة في المؤتمر النسائي الإقليمي، الذي نظمته كل من “رابطة جين النسائية”، و”رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية” والذي انعقد تحت عنوان (على هدى: المرأة، الحياة، الحرية)، الذي أصبح شعاراً عالمياً يؤكّد على محورية قضية حرية المرأة.
– عقد حلقة مفاهيمية لعضوات لجنة الأمانة العامة في تحالف ندى، استمرت 3 أيام في العاصمة اللبنانية بيروت، والنقاش فيها حول العديد من المواضيع والمصطلحات الهامة في النضال النسائي المحلي والإقليمي والعالمي.
– المشاركة الفاعلة في الحملة النسائية العالمية، التي أطلقتها منظومة المرأة الكردستانية دعماً للنساء الأيزيديات والنساء الأفغانيات في شهر آب / أوت، من خلال العديد من الأنشطة المتنوعة.
– عقد ورشة عمل إقليمية نسائية رقمية، تحت (عنوان الحقوق الإنسانية للمرأة، واقع الحال والمآل)، تحدثت فيها نساء ناشطات في كل من: فلسطين، السودان، سوريا، المغرب، واليمن، وكانت ورشةً مميزة من حيث المضمون والتفاعل والأطروحات والمقترحات.
– عقد ندوة في بيروت تحت عنوان: لأجل فلسطين حرة، يجب محاكمة مجرمي الحرب.
– المشاركة الفاعلة في ندوة ببيروت بعنوان:” فلسفة الكونفدرالية الديمقراطية والديمقراطية اللادولتية في الشرق الأوسط ” خلال شهر يونيو / جوان2023.
ولئن تعدّدت الأنشطة وتوسعت دائرة التحالف، فإنّ الصعوبات والتحدّيات لا تزال تواجه المجموعة، باعتبار محدوديّة الدعم المادّي من جهة، وحداثة تكوين التحالف الذي لم يتمكّن بعدُ من توسيع العمل الميداني.
فاللقاءات تبقى نخبويّة وتتطلّب التعامل الفاعل مع واقع النساء في مختلف المجالات، ومنها المناطق الريفيّة المهمّشة من أجل نشر الوعي والتربية على المواطنة، ومن أجل السعي الفعلي لإدراج إجباريّة التعليم للجميع وللقضاء على الأميّة وعلى ظاهرة الزواج المبكّر وتغيير القوانين لتحقيق المساواة الفعليّة بين الجنسين.
وإذا كانت الإرادة السياسيّة هي المحدّدة، فإنّه يتعيّن على المجتمع المدني أن يبقى قوّة ضغط ويعزّز دوره كقوّة اقتراح كذلك. وفي إنشاء التحالفات الوطنيّة والإقليميّة والعالميّة ما يعزّز هذه القوّة. على هذا الأساس تحالفنا، وعلى هذا الأساس سنواصل النضال.