الشرق الأوسط والحركات النسوية ودورها النضالي

الشرق الأوسط والحركات النسوية ودورها النضالي

” التنوير النسوي يحتاج لكدح ونضال كبير من المرأة،

لنوحّد إمكانياتنا وقدراتنا الحياتية

لنخرج من سجن الرضوخ وتصديق فكرة العجز

 

زينب قنبر

 

إن الشرق الاوسط منذ ولادة فجر التاريخ وإلى يومنا هذا مركز للتنمية والتحفيز الإنساني، إلا أنه تراجع، وبذلك تراجع وطن الألوهيات، وبدأ صراع المرأة من أجل الحرية، وبالتالي افتقر الشرق الأوسط لأصالته وعراقته، وبات مقبرةً ضمن مقبرة، وعقدةً داخل عقدة، محتوم عليه أن يبقى كما هو.

فالجغرافية التي بُعثت فيها المرأة الحياة قُتلت فيه المرأة لأكثر من خمسة آلاف سنة، فسحقت المرأة تحت أقدام هؤلاء الذين استولوا على عرشها، ومع هذا بقيت لديها جذور المقاومة والحياة حية لم تنضب. فالواقع الذي نعيشه اليوم يدفعنا لتسليط الضوء على واقع المرأة، كيف كانت وكيف آلت بها الحياة، وبالتالي كيف أصبحت مجتمعاتنا. لأننا من خلال الإبحار حول نضال المرأة، نجاحها وإخفاقها، حالتها الروحية والوجودية، وهويتها الشخصية، فمن الضروري أن تنشأ المرأة من جديد، وإظهار قوة العقل المجتمعي والذي مركزه المرأة، والتفكير الصحيح نحو الحرية.

نظام المركزية

فالحركة المركزية في التاريخ (المدنية)، والتي ارتكزت على استصغار دور المرأة هي المستعمرة الأولى في التاريخ، وظهر هذا من خلال مرتكزات المدنية، التدوّل الذي تم بحرفية، الطبقية التي أظهرت الفروقات الجنسوية والهرمية الاجتماعية، والمدينة التي أصبحت المرأة بالأساس عبدة فيها.

وفي بداية المدنية التي أبعدت المرأة عن الحرية الموجودة في الطبيعة، قاومت المرأة ومازالت مما أدى لظهور شخصيات نسوية تاريخية تركت بصماتها لاستمرار النشاط النسوي لترسيخ العدالة والمساواة والتغيير في المعايير الايديولوجية الذكورية التي هيمنت على المرأة والمجتمع، وهناك الكثير من الأسماء المؤثرة والداعمة لقوة المرأة وكينونتها.

أستطيع التطرق لبعضها، فمثلاً: إن عدنا إلى المدرسة الفيثاغورثية التي أسستها (ثيانو) زوجة فيثاغورث في القرن السادس قبل الميلاد، أنتجت المدرسة العديد من النساء المفكّرات في ذلك العصر، حيث اهتمت تلك الفلسفة بالأخلاق وبالعلاقات البشرية بين المرأة والرجل، وركزت على الفضيلة التي لا تتعلق بالجسد والروح فقط، بل كانت محاولة رد على الغبن بحق المرأة والإقلال من شأنها في اليونان، فطرحت ما يمكن للمرأة ان تصنعه في بيتها وحياتها لتكون قاعدة لدعم العدالة في المجتمع والقوانين والحياة.

ولا ننسى (ديوتيما) التي كانت جزءً من المعرفة التي اكتسب منها أفلاطون في القرن الرابع والخامس قبل الميلاد، فلسفة الحب والحكمة، رغم أنه يبني حججاً لاستصغار المرأة ويخجل كون أمه أنثى، فإن ديوتيما رأت للحب طبيعة خاصة في البحث عن السعادة باكتشاف الجمال. وهيباتيا المصرية التي تمثل رمزاً للثقافة والفلسفة النسائية في عصرها الذكوري، قُتلت بتهمة الهرطقة.

بعض النساء البارزات

ومن النساء المؤثرات اللواتي كن دعماً فيما بعد لتأسيس الحركات النسوية، الكاتبة السورية هند نوفل (1860)، التي قاومت باسم حرية المرأة فكانت أول امرأة في الشرق الاوسط تروج للحركة النسوية. كذلك الناشطة هدى شعراوي (1879)، ناضلت في مصر وكانت تبحث عن حلول للتغيير في واقعها، وتفعيل الدور النسوي لنيل حقوقها وحقوق مجتمعها وترسيخ العدالة والمساواة. وهذا كان سبباً لظهور الحركات النسوية، فتاريخ الحركة النسوية هو السرد الزمني للحركات والأيديولوجيات التي تهدف إلى الحقوق المتساوية للمرأة، وانخراط المرأة ضمنها لتناهض الهيمنة التي تمارس على المرأة من خلال النموذج المثالي للمرأة والرجل داخل المنظومة الثقافية والاجتماعية الذكورية.

فمهمة النسوية هي إلغاء التضاد بين الذكورة والأنوثة، من خلال إحلال المساواة ليس داخل النظام الأبوي فقط، بل بهدمه وإحلال تنظيم قادر على إنهاء التمييز، تمتلك فيها المرأة القدرة على تغيير المساحة الخصبة للسلطة الأبوية داخل مؤسسة الأسرة والمجتمع. لأن النسوية في شقها التقاطعي تدفع نحو نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي بعيد عن التمييز والتفاوت سواء يبنى على الجندر أو العرق أو الطبقة أو الميول الجنسية.

الحركات النسوية في الشرق الأوسط

الحركات النسوية في دول الشرق الأوسط تأثرت بالثقافة الغربية إبان الاحتلال الأوروبي والبعثات التعليمية، وسأذكر البعض منها: تأسس الاتحاد النسوي المصري عام (1923) برئاسة هدى شعراوي، والتي انضمت فيما بعد للتحالف الدولي للمرأة، إلا أنه تغير اسمها لجمعية هدى شعراوي، لتكوين اتحاد نسوي جديد يرفع من مستوى مطالب المرأة لتحقيق المساواة في المجالات السياسية والاجتماعية. وارتبطت النسوية في مصر بالدولة بإنشاء المجلس القومي للمرأة، لإعلاء حقوق المرأة وتشريع قوانين جديدة.

وتأسس نادي البحرين السياسي (1953) برئاسة الليدي مار جوري بلغريف زوجة المستشار البريطاني، تهدف للأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء وتعليم النساء على فن الطبخ والخياطة.

وفي تونس تأسس الاتحاد الوطني للمرأة التونسية عام (1956)، وظهرت جمعية النساء الديمقراطيات، وجمعية النساء التونسيات، وانخرطت الجمعيات للدفاع عن الديمقراطية والعمل على المساواة التامة.

 وتأسس الاتحاد الوطني للمرأة الفلسطينية (1965) بهدف تعبئة وتنظيم المرأة الفلسطينية في أماكن وجودها، وهو من قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، فناضلت لتحقيق المساواة.

وفي الهند كتبت (تارا باي) النص الأول للحركة النسوية (1882) وألغي “طقس الستي“، وفيما بعد عقد المؤتمر الوطني للمرأة (مؤتمر الهند)، والاتحاد الوطني للنساء، ناضلت المرأة للمشاركة السياسية، وظهور منظمات المرأة.

رائدات سوريات

أما في سوريا فخرجت رائدات دعت للمشاركة السياسية، فأسست ماري عجمي مجلة العروس، ولبيبة هاشم مجلة فتاة الشرق، وتأثرت الثقافة الفكرية بروح الفكر القومي، متأثرة بالقومية البرجوازية الأوربية، والاشتراكية المشيدة، وحركات التحرر العالمية، فولجت المرأة في البحث عن حل لقضيتها بتأسيس منظمات نسوية نتيجة الحالة المجتمعية التي تعيشها للدفاع عن حقوقها، وبدمجها مع التنمية الاجتماعية والسياسية والعلم والعمل وحقها في التصويت والترشيح، فخدمت شعاراتها حركة التحرر الوطني، وربطت بين حقوق المرأة وحقوق الإنسان.

 فتأسس في سوريا (النادي النسائي العربي)، وجمعية الفيحاء، والنادي الشامي، وبعد تأسيس الاتحاد النسائي لعام ( 1967) والذي حل بعد الثورة السورية التي اندلعت عام ( ٢٠١١)، وكانت المادة (66) من نظامه الداخلي تلغي الجمعيات والتنظيمات السياسية في سوريا.

وهناك رابطة النساء الدولية للاشتراك والشراكة ودعم منظمات الشرق الأوسط، لتوفير الموارد وتطوير الحلول النسوية لمعالجة الصراعات واسباب العنف البنيوي لدعم السلام.

هذه أمثلة عن واقع المنظمات النسوية في الشرق الأوسط في القرن العشرين، ومن وجهة نظري إنها بقيت تنظيرية لم تفي بالمطلوب، وذلك لارتباطها المباشر مع أنظمة الدول التي تعمل فيها، بحيث جعلوا المرأة أساساً لترسيخ سياساتهم وتمريرها، والوضع الحالي الذي تعيشه المرأة في الشرق الأوسط دليل على ذلك، فمع تصاعد المد النسوي الذي تشهده المنطقة خلال ما يسمى بالربيع العربي، كثرت المغالطات حول النسوية كنظرية للتعتيم عليها.

إلا أن مقاومة المرأة وإصرارها؛ تمخض عنه تأسيس التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (2022)، والذي أثبت على أن قضية المرأة واحدة، وكانت رسالة على قدرة النساء في تجاوز كل الاختلافات العرقية والسياسية والمذهبية والانتماءات السياسية والقومية، وعلى كفاءاتها في مد جسور التواصل واختصار المسافات وتقليصها في مجتمعات تتشابه فيها ظروف معاناة المرأة في ظل هيمنة الذهنية الذكورية.

المنظمات النسوية

ولتصل المنظمات النسوية لأهدافها أستطيع القول؛ بأنها تحتاج لخطاب متعدد المستويات يهدف لمسار واحد، لأن كل ما هو تنظيري فهو شخصي لا يحقق النتائج المرجوة. بالإضافة إلى أن الحركة النسوية تحتاج لثورة تنويرية وأن تكون الأعمال استراتيجية تحمل فكراً نيراً لتحقيق الهدف من ثورة المرأة، لتكون ثورة مجتمعية تحافظ على كرامة الإنسان. وهذا يتطلب أن يكون هناك طلاق مع المنظومة الفكرية البائدة، الفاقدة للصلاحية، لأنها إن استمرت لن تدوم وستسقط لا محال.

فالحركة النسوية في القرن العشرين لم تستطع أن تخلق توازن الطبيعة الثانية، ولهذا لم تستطع أن تصل للتكامل في جميع النواحي، وإن أردنا الوصول للأسباب؛ فإني أرى أن تلك الحركات والمنظمات النسوية أبقت كل ما كتبته تنظيرياً كونه لم ينفذ، ولذلك إن أردنا الخروج من الإطار التنظيري علينا بالتدريب على مفهوم الديمقراطية، لأنها البيئة التي تقام عليها العدالة والمساواة. فالديمقراطية هي عودة للطبيعة وهذا يحتاج لتأهيل فكري من خلاله نقبل بعضنا البعض كجنسين ثم مجتمعات متعايشة مع بعضها البعض، فمن يقبل حرية الآخر عليه أن يكون حراً.

لذلك أرى أن المرأة في الشرق الأوسط تحتاج لإعادة صياغة التاريخ الفكرية والثقافية الأصيلة، لأننا مازلنا نعاني من رواسب السلطة التي تعيش في عقولنا وتحكمها. وعلى المرأة أن تعي الحق وأن الحق يحتاج للمعرفة، والتي تبدأ من معرفة الذات، والحرية التي نسعى لها عليها أن تكون بعيدة عن حالة العجز والقصور التي تراكمت عبر تاريخ السلطة. بالإضافة لحاجة المرأة لحراك ثقافي على مستوى يعي معنى الحرية لنصل للحقيقة، لأنها بذلك تتحول لعقل المجتمع.

فالتنوير النسوي يحتاج لكدح ونضال كبير من المرأة والذي يبدأ من المرأة نفسها، فالطبيعة لم تبخل علينا، فكل منا أخذت المعرفة حسب إمكاناتها وقوتها، فلنوحد الإمكانيات والقوى، لنخرج من سجن الرضوخ وتصديق فكرة العجز، فالتنظير خطاب غير مقنع، لأنه أسير الكتب والشعارات، ولنكن نموذجاً للديمقراطية والمساواة على أساس المعايير الأخلاقية نحو مجتمع أخلاقي سياسي وأيكولوجي مفعم بروح العدالة والمساواة.