مفهوم الحركة النسوية نشأتها وأهدافها
مفهوم الحركة النسوية نشأتها وأهدافها
” كي تكون الحركات النسوية ذو دورٍ فعال
عليها استرداد المرأة الواعية لحقيقتها الجوهرية
لإحياء يوتوبيا تحرير الشعوب والإنسانية تحت
مظلة أيديولوجية المرأة الحرة”
بيريفان خالد
لعبت المرأة دوراً هاماً ومحورياً في نهضة المجتمعات القديمة، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، من خلال حضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة. فالمرأة وبطبيعتها الناقضة للفرز الطبقي للنظام العالمي، وانطلاقاً من جوهرها العادل، لم تستطع الاندماج والدخول في تاريخ المجتمعات الطبقية، بل عانت من السقوط والهزيمة على الدوام، وعند تهميشها فهذا يعني تهميش للإنسانية وقيم الشعوب بأكملها في الوقت نفسه.
وقد حقق (الرجل – رجولته – ذهنيته الذكورية)، نفوذه وسطوته في أرضية الأسرة الأبوية، الأمر الذي يحد من إمكانية العيش للمرأة، بغية الحفاظ على الملكية الخاصة العائدة له، بحيث تم غرق المرأة في عبودية أعمق من كافة أنماط العبودية الأخرى، ومارس عليها القهر، ليس على الصعيد الجسدي فحسب، بل والروحي والفكري والسيكولوجي أيضاً. علاوة على ذلك، فقد نظر بعين الشك لمدى قدرة المرأة وإمكانياتها الطبيعية، والدفاع عن أفكارها تحت كل الظروف، وإدراجها تحت سيطرة الرجل وتسلطه المطلق وحمايته لها كـ وليّ أمرها، لتتحول إلى كائن تابع، وخادمة بلا أجر، ووسيلة جنسية لا أكثر.
ورغم ذلك اندفعت المرأة إلى البحث عن سبل الخلاص الحاسم، من هنا فالحركات النسوية البارزة، قد أسفرت عن تطور الوعي لدى المرأة لدرجة ملحوظة، ونمت عن ظهور مرحلة استنارة تعرّف المرأة بتاريخها، وتطوير أيديولوجي وتنظيمي وإداري تجاه السلطة الذكورية، تكافح في سبيل هويتها لتستطيع بذلك إيجاد الحلول لقضيتها المجتمعية والعالمية.
القضية النسوية
تعتبر القضية النسوية من القضايا المعاصرة الجادة على المستوى العالمي، وبدأت الأنشطة النسوية في محاولة للتخفيف من وطأة الضغوط التي تتعرض لها المرأة، والانتقاص من قيمتها وقدرتها على أن تكون مواطنة كاملة الحقوق مثل الرجل، فظهرت النسوية على شكل تيارات أو موجات، اهتم كل منها بجانب من الجوانب التي تخص المرأة، سواء الحقوق أو المشاركة السياسية أو العمل والتعليم، وما إلى ذلك من قضايا كثيرة في المجتمع بشكل عام.
وتنطلق النسوية من مبدأ أن النساء لا تتم معاملتهن على قدم المساواة مثل الرجل، لسبب واحد وهو أنها امرأة، في مجتمع ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب رؤية الرجل واهتماماته. لذلك يمكن اعتبار الحركة النسوية أنها جاءت لكي تعمل على مراجعة النظام الاجتماعي والثقافي السائد في المجتمعات التي فرضت على المرأة نطاقاً محدداً في الحياة، والعمل على تعديله بما يحقق العدالة بين الجنسين. وبنفس الوقت كي يتم مراجعة حقيقة النظام العالمي المستند على تصغير قدرات المرأة – الأم والتي بطبيعتها تدير كافة أمور المجتمع. وانطلقت الحركات النسوية في أنشطتها ساعية لتغيير واقع النساء، انطلاقاً من حقائق ووقائع عن مدى معاناة المرأة ومدى الظلم الذي عانته ومدى تأثير هذه المعاناة على الرجل والمجتمع بأكمله.
إن تاريخ الحركات النسوية هو السرد الزمني للحركات والأيديولوجيات التي تهدف إلى الحقوق المتساوية للمرأة، في حين إن النسويات في جميع أنحاء العالم قد اختلفوا في الأسباب والأهداف والنوايا اعتماداً على الوقت، والثقافة، والبلاد، معظم المؤرخات النسويات يؤكدن أن جميع الحركات التي تعمل على الحصول على حقوق المرأة ينبغي اعتبارها حركات نسوية، حتى إذا لم يطلقوا هذه التسمية على أنفسهم.
ويعتبر كثير من الباحثين أن النسوية، التي ظهرت في الغرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، جاءت كرد فعل على نظام أبوي رسخ للثقافات السائدة التي حملت صورة سلبية عن المرأة، الأمر الذي انعكس في واقع اجتماعي محتقن بالتمييز ضد المرأة والتقليل من شأنها وإهدار حقوقها.
مصطلح النسوية
فمصطلح “النسوية”، سك لأول مرة في عام 1837 في اللغة الفرنسية تحديداً ومن الجذر اللاتيني (Femine)، وقبل ذلك لم يكن يرتبط مفهوم النسوية بحقوق المرأة، بقدر ارتباطه بقضايا أخرى، كالطابع الأنثوي للمرأة والجسد الأنثوي للمرأة، لكن بعد ذلك بات يرتبط المفهوم بكل ما من شأنه الدفاع عن المرأة وحقوقها وبكل ما من شأنه تحقيق المساواة ما بين الجنسين، واستخدم هذا المصطلح لأول مرة في الإنجليزية عام 1895 بهذا المعنى.
أما النسوية كحركة فكرية واجتماعية، فقد كانت سابقة في ظهورها على المصطلح بحد ذاته، إذ كان هنالك الكثير من المفكرين والأدباء الذين نادوا بحقوق الإنسان خلال عصر النهضة في أوروبا وخلال الفترة السابقة واللاحقة على الثورة الفرنسية، الأمر الذي أفضى لأن تتأثر الكثير من النساء بتلك الأطروحات الفكرية المختلفة، ولأن يبدأن بدورهن، بالاستقاء من الأفكار الفلسفية والسياسية المتعلقة بحقوق الإنسان، أفكارهن وفلسفتهن التي تحض على ضرورة المساواة بين الجنسين، ووقف التمييز على أساس الجنس، ولعل أبرز الرائدات في هذا المجال، الكاتبة والفيلسوفة البريطانية “ماري ولستون كرافت”، والتي وضعت كتابها المعنون بـ “دفاعاً عن حقوق المرأة” عام 1792م.
أما النسوية كـ تيار بحثي أكاديمي، وكـ حقل معرفي، فقد ظهر خلال عقد الستينيات والسبعينيات في الجامعات الغربية والاهتمامات الفكرية والمعرفية لهذا الحقل، لا تنحصر فقط بالمطالبة بالمساواة بين الجنسين، وإنما بدراسة تأثيرات الهيمنة الذكورية على المرأة وتهميشها للمرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فضلاً عن دراسة أثر الهيمنة الذكورية على الإنتاج العلمي والمعرفي والفكري للمرأة، إضافة للكيفيات التي من شأنها، إعادة النظر في واقع المرأة والرجل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وإعادة بناء المعرفة من جديد، بحيث تكون المعرفة غير منحازة للفكرة الذكورية، ويشتغل في هذا الحقل باحثون من الرجال والنساء على حد سواء، أي أن النسوية كميدان معرفي في وقتنا الحاضر، ليست حكراً على النساء فقط.
وعلى الرغم من أن الثورة الفرنسية لم تلتفت لحقوق النساء، إلا أن الثورة برمتها وإصدار الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية وإعلان حقوق الإنسان، شكلت حافزاً للنسويات لأجل المطالبة بحقوق المرأة وبضرورة مساواتها مع الرجل، ومع بدء انتشار الاشتراكية في أوروبا، وتحرير العبيد في الولايات المتحدة، بدأت تأخذ النسوية زخماً متصاعداً بشكل أكبر، للحد الذي انتقلت فيه النسوية من أوروبا والولايات المتحدة إلى مختلف أنحاء العالم.
وفي التأريخ للنسوية يتم الحديث عادة عن عدة موجات متتالية تبدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى الآن:
الموجة الأولى: من النسوية ركزت على المطالبة بحقوق قانونية مثل حق المرأة في التصويت، فضلاً عن حقها في ظروف عمل عادلة.
وفي حين كانت الموجة الثانية أكثر عمقاً في طرحها ومطالباتها من الموجة الأولى، وذلك بتركيزها على قضية النوع الاجتماعي وما يرتبط به من أبنية التمييز ضد المرأة والعنف ضدها في سائر المستويات وعبر المجالين الخاص والعام.
الموجة الثالثة: كانت وقفة مع النسوية نفسها، وما تعنيه وما قد تعبر عنه من تمايزات داخلية كما اهتمت بفكرة طبقات الاضطهاد، بمعنى أن النساء قد يعانين من تمييز بسبب الجنس والعرق والطبقة معاً.
إلى جانب الموجات الثلاث هنالك من يتحدث عن موجة نسوية رابعة، وركّزت بشكل رئيسي على قضايا التحرش الجنسي، والاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، وإجبار النساء على الجنس قسراً، وهي امتداد لمنهج التنويع والتحرر من أي قوالب نمطية مسبقة مرتبطة بالفكر النسوي في ذاته.
النسوية الماركسية: ترى النسوية الماركسية أن تهميش دور المرأة في المجال العام هو نتيجة مرتبطة ببنية النظام الرأسمالي العالمي، القائم على فكرة الاستغلال، ويعد الزواج والأسرة في هذا التيار أولى اللبنات التي يعاد فيها بناء النظام الطبقي، فالزوجات والعبيد يمثلون الطبقة المضطهدة في المجتمع من قبل أصحاب رؤوس الأموال، لذلك لا يمكن أن تحقق المساواة ما بين الرجل والمرأة، إلا في حال تم تغيير النظام الرأسمالي، لأنه وبدون إلغاء النظام الرأسمالي لا يمكن للفوارق الطبقية التي ترسخها الرأسمالية أن تنتهي.
النسوية الراديكالية: وترى هذه النظرية، أن الجذور العميقة لعدم المساواة ما بين الرجل والمرأة، وبالتالي الهيمنة الاجتماعية للرجال على النساء، ليست علتها الرجل بحد ذاته، بقدر ما علتها ذهنية النظام الأبوي البطرياركي الذي قسّم الحقوق على أساس الجنس، وكنتيجة لذلك، أن باتت المرأة في مكانة التابع للرجل فقط.
النسوية ما بعد الحداثة: يرى هذا التيار بأن قضية النوع الاجتماعي الجندر ناجمة عن قضية الثنائيات بين الرجل والمرأة، لا سيما في موضوع تشكيل قضية الذكورة والأنوثة، التي ترسخت في السياسة الدولية وفي المجال العام اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ولذلك يرفض تيار ما بعد الحداثة ذلك التقسيم بكونه تقسيماً مصطنعاً يهدف بشكل غير مقصود إلى تكريس عدم تكافؤ ما بين الرجل والمرأة، وبالتالي الحفاظ على فهم وتصور ذكوري للعالم، الذي يضيق فيه الخناق على المرأة، بل ويبقيها على الهامش السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
تقول الفرنسية سيمون دو بفوار في كتابها “الجنس الآخر” (1949)، الأم الروحية للموجة الثانية من النسوية الغربية والتي ركزت على الجندر: “الأنثى تولد إنساناً ثم تصبح امرأة”. هذه المقولة كشفت عن الدور الكبير الذي تلعبه التنشئة الاجتماعية في أن تصبح البنت بنتاً، فضلاً عن القوانين والشرائع والقيم الأخلاقية وسطوة العادات والتقاليد السلبية التي تنظم العلاقات بين الجنسين في المجتمع.
فالأنثى لا تولد امرأة، وكذلك الذكر لا يولد رجلاً، وإنما يصيران كذلك بفعل التنشئة الاجتماعية، فمن يحدد من هو الرجل ومن هي المرأة (وليس الذكر والأنثى) إنما هو البناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية، والبناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية يمكن تغييرهما من حيث المبدأ، فأن يكون الذكر رجلاً، والأنثى امرأة، فهذا أمر ليس ذا منطلق طبيعي يحدد بالولادة، وإنما هو أمر يحدده ويشكله البناء الاجتماعي الذي يمكن تغييره.
إن العوامل التي أسهمت في ظهور الحركات النسوية، والأسباب الرئيسية التي تفسر ظهور تلك الحركات، عديدة في تجلياتها لكنها مركزية في أساساتها، إذ أن السبب الرئيسي الذي يفسر ظهورها، هو النظام البطريركي الأبوي الذي يحكم العلاقات ما بين الرجل والمرأة، وهو النظام الذي تكون فيه المرأة مجرد تابع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى فكرياً وعلمياً للرجل.
لذلك، وسعياً من النساء للتخلص من النظام الأبوي البطرياركي، استفادت النساء من أفكار فلاسفة عصر التنوير، لاسيما الأفكار الفلسفية السياسية التي تنادي بحقوق الإنسان وضرورة إنهاء التمييز ما بين إنسان وآخر، ولتلجأ بعض النسويات لاستلهام تلك الأفكار، وطرح أفكارهن الخاصة المتعلقة بضرورة المساواة بين المرأة والرجل، وعلى غرار المساواة بين رجال في أوروبا، بدون تمييز فيما بينهم، وتزايد زخم النسوية بعد الثورة الفرنسية، لاسيما بعد أن ألغيت العبودية في فرنسا عام 1794.
إذ ألهمت تلك التطورات النسوية في فرنسا وأوروبا من أجل المطالبة بالمساواة بين الجنسين، وتزايد زخم إصرار النسوية على المساواة في الحقوق، مع بدء انتشار الاشتراكية في أوروبا تدريجياً بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع تحرير العبيد في الولايات المتحدة عام 1863م.
النسوية وحقوق المرأة
إن الفرق بين النسوية وحقوق المرأة، هو أن النسوية حركة تدعو إلى الإيمان بحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل من حيث تكافؤ الفرص والإمكانيات، وحصول المرأة على كافة الحقوق التي نصت عليها وثيقة حقوق الإنسان. أما حقوق المرأة والاستحقاقات الواجب إعطائها للنساء في جميع أنحاء العالم، وقد شكّلت هذه الحقوق الأساس للحركات النسوية في القرن التاسع عشر والحركات النسوية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، في بعض البلدان يتم إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الحقوق أو دعمها من خلال القانون والعادات والسلوك المحلي. بينما يتم تجاهلها وقمعها في دول أخرى، وتختلف حقوق المرأة عن المفهوم الواسع لحقوق الإنسان وذلك نظراً لوجود تحيز عبر التاريخ وفي المجتمعات التقليدية ضد حقوق النساء لصالح الرجل وإعطائه حقوق أكثر منها.
الحركات النسوية وأهدافها
إن الحركات النسوية أرادت تحسين دور المرأة في المجتمع، ما يستلزم تغييراً في السلوك، وهذا لن يتم بسهولة، لأن عوائق تحقيق الأهداف مازالت قائمة، متمثلة بسياسة الحكومات حيناً، وحيناً آخر بالقيم الاجتماعية التي تفرض سطوتها، وأحياناً أخرى بالنساء أنفسهن وطريقة تعاطيهن مع واقعهن الذي غالباً ما يكون سلبياً، واستسهال الانصياع للوضع القائم.
إذا كانت هذه الحركات قد حققت الكثير من المكاسب للمرأة، وغيرت الكثير من المواقف والقوانين، إلا أنها ظلت بعيدة عن حركة التغيير المجتمعي، والتمدد وسط الجماهير للتأثير في العقليات والثقافة السائدة، يستوجب من الحركة النسوية إعادة النظر فيما يمكنها من حماية مكتسباتها القانونية وفرض حقوق اقتصادية واجتماعية للنساء، من غير عزل قضاياهن عن مشروع الإصلاح المجتمعي، لمواجهة أعداء التغيير أو التراجع عن المكاسب التي تم تحقيقها.
وهذا التحدي الكبير لا يمكن مواجهته إلا بإيجاد آليات للانغماس في المجتمع، وتوظيف كل الإمكانيات المتاحة لتغيير العقول، ونشر قيم المساواة وتعميق الوعي بحقوق النساء، مع التفعيل الحقيقي للمؤسسات التعليمية في ترسيخ قيم المساواة وحقوق الإنسان، إضافة إلى تأهيل المرأة وتمكينها من أجل مكاسب جديدة.
فالثورة الفرنسية ومثلما ألهمت الرجال بضرورة التمرد على الطغيان السياسي للملك، فإنها ألهمت النسويات ضرورة التمرد على الطغيان المنزلي، ومثلما ألهمت الثورة الأميركية لتحرير العبيد تحدي طغيان السيد، فإنها ألهمت النسويات أيضاً على ضرورة التمرد على اضطهاد الرجل.
لذا فإن استرداد المرأة لحقيقتها الجوهرية الأولى العائدة للعهد الأمومي، سيحيي يوتوبيا تحرير الشعوب والإنسانية برمتها على السواء. وسر نجاحها سيكون أيديولوجية تحرير المرأة.