الحركات النسوية وتجربة إقليم شمال وشرق سوريا

 

الحركات النسوية وتجربة إقليم شمال وشرق سوريا

“بالنسبة لنا لهي مكان افتخار بأن العقد الاجتماعي

اتخذ القرار التاريخي الذي لم تتخذه أية دولة أو حكومة

بالتوقيع على المادة المنصوص عليه

(/25/ ضمان حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين)”

 

ولاء عبد الباقي العلي

 

إنّ تاريخ البشرية حافلٌ بالحروب والنزاعات التي تسببت في ركود المجتمعات وتخلفهِم عن الحضارة الديمقراطية، ولا سيما سعي السياسات الدولية على مدار التاريخ لدحر المرأة من الميادين وفرض التمييز العنصري والجنسي في المجتمعات وعدم سنّ القوانين التي تصون حق المرأة في الحياة والحرية والتعليم، إلا أنَّ أيديولوجية الحركة الوطنية الكردستانية نهضت من أجل حرية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا من خلال التدريبات المكثفة والحملات التوعوية رغم كافة الظروف، المقاومة والنضال الدائبين والتمسك بفلسفة “المرأة، الحياة، الحرية”.

وانضمامها لكافة الساحات العملية منها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لهي خطوة تاريخية. حيثُ بدأت الحركات النسوية بالعمل في الخفاء منها التنظيم النسائي (اتحاد ستار) التي تأسست في عام 2005 ضد سياسات النهج القمعي والذهنية السلطوية الذكورية التابعة للنظام البعثي حتى وصلت لعام 2016 والقيام بتأسيس منسقية مؤتمر ستار الأكثر قوة تنظيمية.

ومع بداية ثورة 19 تموز عام 2012 أصبحت حركة علنية ولعبت دوراً ريادياً في تنظيم النساء بمختلف المكونات والأديان، تحت شعار “حرية المرأة هي حرية المجتمع”، وشكلت رأس الهرم والقيادة بالنسبة لجميع التنظيمات والتجمعات النسوية الأخرى، وشاركت في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا فكانت سبباً في النجاحات والمكتسبات التي حققتها الثورة والعمل من أجل تحرير المجتمع وتحقيق المساواة بين أفرادها ومكوناتها، فنجاح الثورة مرهونٌ بتحرر المرأة.

 وبعد ثورة 19 تموز بدأت الكثير من المنظمات النسائية إعادة تأسيس وتشكيل هيكليتها والظهور بقوة في المجتمع للتخلص من الذهنية الذكورية والعادات والتقاليد التي كانت تنهش في جسد المجتمعات منذ آلاف السنين، فسميت ثورة 19 تموز بـ “ثورة المرأة“، وكانت ثورة مُلهمة للنساء لتنظم أنفسهنَّ ضمن منسقيات ولجان ويأخذنَّ على عاتقهنَّ تعزيز وتفعيل دور المرأة وتحصيل حقوقهنَّ المسلوبة ، فبادرنَّ للمشاركة في الدفاع المشروع ضمن مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية وتشكيل وحدات حماية المرأة كأولى وحدات عسكرية من النساء تشكلت في الشرق الأوسط.

وعلى الصعيد الاجتماعي فقد أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية بدعم ومساندة جميع الحركات النسوية في المنطقة (المساواة بين الرجل والمرأة بموجب القانون وتمَّ السماح بالزواج المدني وحظر الزواج القسري وتعدد الزوجات وزواج القاصرات لأول مرة في تاريخ سوريا. كما وضع حداً للقتل والعنف الذي كان مطبقاً بحق المرأة تحت ذريعة الشرف)، وتمَّ التأكيد على دور دار المرأة (MALA JIN)   التي تلعب دوراً هاماً في حل القضايا المجتمعية وتنظيم الأسرة وتوعيتها وتقديم الخدمات للنساء من المشورة والوساطة الأسرية وتوعيتهنّ، وتمثل المرجع الأول في مؤسسة العدالة المعنيّ بالنظر في قضايا النساء في المنطقة.

وفي العام ذاته تأسست منظمة سارة المعنية بتوعية النساء، وتقديم الاستشارات القانونية لها وفضح الانتهاكات التي تتعرض لها من العنف (القتل، الانتحار، زواج مبكر) عبر وسائل الإعلام العالمي، وتسعى المنظمة على تحصيل حقوق المرأة اجتماعياً وقانونياً واقتصادياً، وهدفها الأساسي حماية النساء من الاضطهاد ووضع حدا للعنف الممارس بحقها.

وفي 8 أيلول لعام 2017 تأسس مجلس المرأة السورية في مدينة منبج بحضور 240 امرأة وتضم كافة أطياف الشعب السوري من كل المحافظات السورية وعملت على إيجاد الحلول للكثير من المسائل العالقة وعلى رأسهم قانون الأحوال الشخصية بما يخص حقوق المرأة، وهدفت للمشاركة في حل الأزمة السورية سلمياً.

الجانب التنظيمي

وللاعتناء بقضايا المرأة وتنظيمها وتدريبها تمَّ تأسيس هيئة المرأة بالتزامن مع إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في الجزيرة، ولا تخضع لنظام الرئاسة المشتركة بل تترأسها رئيسة واحدة ويعود ذلك لضرورة النضال في قضايا المرأة بذهنية المرأة نفسها وللقضاء على الذهنية الذكورية السلطوية. وعملت الهيئة على ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية والديمقراطية وإزالة المفاهيم الرجعية التي تعيق تطور المجتمع، لذا ساهمت بشكل كبير في كتابة قانون الأسرة كما نظّمت المرأة والطفل بصورة مثالية من خلال (فتح الروضات لأطفال نساء العاملات، وفتح دار حماية الطفل، وإنشاء مشروع معمل إنانا للمنتجات الغذائية، وإنشاء مركزا لذوي الاحتياجات الخاصة، وفتح عدد من دور حماية المرأة ودار لرعاية المسنات ومراكز للاستشارات النفسية).

ولإيجاد مرجع لكافة النساء في المنطقة تأسس مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا في 4/6/2019 من خلال مؤتمر شاركت فيه جميع المكونات والمنظمات النسائية من (كرد، عرب، سريان، أرمن، كلدان، شركس وتركمان) تحت شعار “اتحاد المرأة الحرة ضمانة لقيام سوريا ديمقراطية ” ويهدف إلى إنشاء نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي حر في سوريا، ويعزز المجتمع الأخلاقي الايكولوجي، ويعمل على تطوير القوانين الخاصة بالمرأة وتطبيقها في جميع المناطق.

والأهم من ذلك ترسيخ المبادئ الأساسية في المجتمع من (المساواة، والحياة النِديّة التشاركية، والعدالة الاجتماعية، والعيش المشترك، والسلم الأهلي بين المكونات، ومناهضة العنف ضد المرأة والطفل، ورفض العنف بكل أشكاله، وحماية مكتسبات المرأة في شمال وشرق سوريا، والالتزام بالقرارات والمعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة، ونبذ كل أشكال التمييز الديني والعقائدي والجنسي).

الجانب السياسي

 أما على الصعيد السياسي فقد أمضت التحولات السياسية في المنطقة إلى تأسيس حزب سوريا المستقبل، بقيادة السياسية الشابة الشهيدة (هفرين خلف) في عام 2019 والتي أدخلت إلى الحياة السياسية والاجتماعية في شمال وشرق سوريا خطاباً سياسياً متمأسساً على التعددية السياسية والثقافية واللغوية وعملت على إيجاد الحلول السلمية للأزمة السورية.

وفي المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي (دير الزور، رقة، طبقة، منبج) فقد نظمت النساء أنفسهنّ تحت مسمى تجمع نساء زنوبيا في 1/6/2021 ضمن مؤتمر عُقدَ في الرقة بمشاركة (150) ممثلات عن القوى السياسية والعسكرية للعمل على توحيد صفوف المرأة في تلك المناطق تحت شعار “بنضال المرأة المنظمة نحمي ثورتنا ونصنع السلام” والنهوض بواقعها على كافة المستويات والنضال ضد جميع أشكال الإبادة الجسدية والثقافية وترسيخ قيم المجتمعية.

والجدير بالذّكر أنه تشكل لأول مرة في التاريخ مجلس المرأة للعدالة الاجتماعية للإشراف والرقابة على عمل النساء العاملات في مؤسسات العدالة من (لجان الصلح، دور المرأة، دواوين العدالة، وأكاديميات التأهيل الفكري في كل مقاطعة) وأعداد برامج توعوية وافتتاح دورات تدريبية للنساء وتقوية التنسيق بينهنّ في مؤسسات العدالة، حيثُ تنظم نفسها بدءاً من الكومينات وانتهاءً بالمقاطعة، إضافة إلى إعداد مشروع قانون الأسرة والذي تمَّ تصديقه مؤخراً بتاريخ 4/2/2023.

كما تمَّ تأسيس مركز خاص لتقديم الدعم والمساندة القانونية للمرأة وتزويدها بالمهارات والقدرات التي تمكنها من ممارسة حياتها والتغلب على مشاكلها بمسمى مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة من خلال ورشات العمل التوعوية والمهنية، وإعداد الأبحاث والدراسات، وتمكين النساء والأطفال ضحايا العنف، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لهم، وتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحقهم، والدفاع أمام الجهات المختصة لحماية حقوقهم وتوكيل محاميين عند الضرورة.

 بالإضافة إلى تواجد العديد من الحركات النسوية منها:

  الاتحاد النسائي الكردي في سوريا: رودوز تأسست عام 2015.

اتحاد نساء كردستان: تأسست في عام 2012 بقامشلو وتعمل على دمج المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وتوعية المرأة.

شبكة المرأة السورية: (نساء شعبي) تأسست عام 2014 وتضم العديد من المنظمات والشخصيات المستقلة العاملة في مجال تمكين المرأة.

شبكة المرأة الديمقراطية: تأسست في عام 2013 في قامشلو وتهدف إلى تأهيل وتثقيف المرأة.

ومؤخراً قد لعبت المرأة والحركات النسوية في إقليم شمال وشرق سوريا دوراً أساسياً في العقد الاجتماعي وحماية حقوق المرأة ضمن العقد الذي تم تصديقه بتاريخ 13\12\2023،

حيثُ شاركت حوالي 79 امرأة في صياغة العقد ومن المبادئ الأساسية للعقد (اعتماد نظام الرئاسة المشتركة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والإدارية واعتبارها مبدأ أساسي في التمثيل المتساوي للجنسين، وأيضاً ضمان حرية المرأة وحقوقها في المجتمع، واعتبرَ العقد الاجتماعي ممارسة كل أنواع العنف ضد المرأة أو استغلالها وفرض التمييز السلبي عليها جُرماً يُعاقب عليها القانون).

وباتت تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم لشمال وشرق سوريا ميداناً لإحداث ثورة فكرية ضد منظومة القيم والممارسات السلطوية التي تعتبر انحطاطاً من شأن المرأة في جميع أنحاء سوريا، وجعلت النساء من أنحاء سوريا ينتفضن ضد السلطات والأنظمة والقوانين التي قيّدتها وكبّلتها والتي حطت من قيمتها وكرامتها. فهبّت لاستعادة دورها الحقيقي والطبيعي والقيادي في المجتمع؛ فأصبحت السّباقة في الصفوف الأمامية متحدية العادات والتقاليد والأعراف ومواجهة العراقيل، وهذا دليل على قوة كبيرة لدفع عجلة نضال الحرية نحو الأمام وبناء مستقبل مُشرف.

بمقدورنا القول وبشكله المباشر؛ نعم مع ثورة روجآفا بدأنا بخطو الكثير من الخطوات التاريخية، ولكننا حتى الآن لم نصل لذاك المستوى المطلوب من أجل الحرية وتحرير المجتمع من كافة الذهنيات السلطوية. ما زلنا مثابرات في المسيرة لأننا نحتاج للوقت والكثير من الحوارات والتدريبات الديمقراطية التي ستكون بمثابة الرجوع لحقيقة التاريخ الإنساني المبني على ديالكتيك المرأة – الأم والرجل – الإنسان. نضالنا مستمر وستكون التضحيات أكثر حتى وإن كانت هناك وجود للاحتلالات الجغرافية والديمغرافية في وطنننا ليس بالشيء الهين. هنا؛ المرأة تقود كافة المؤسسات والهيئات والمراكز الأساسية، فهي صاحبة تقديم القرارات المصيرية لكافة القضايا. وبالنسبة لنا لهي مكان افتخار بأن العقد الاجتماعي اتخذ القرار التاريخي الذي لم يتخذه أية دولة أو حكومة أو حركة أو بلد يدعي الديمقراطية والمساواة والحرية، بالتوقيع على المادة المنصوص عليه (/25/ ضمان حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين)، التساوي الكامل وفي كافة الأمور بين المرأة والرجل. بهذا الإصرار والعزيمة سنمضي نحو الأفضل للوصول إلى مستوى الشعوب والمجتمعات الراقية والتي تقودها المرأة المتحررة.