حزب حرية المرأة الكردستانية PAJK أكسب النساء هوية جديدة في الشرق الأوسط

 

حزب حرية المرأة الكردستانية PAJK

أكسب النساء هوية جديدة في الشرق الأوسط

حركة حرية المرأة الكردستانية

والنضالات التي حققتها

والتضحيات التي قدّمتها في مسيرتها التاريخية

لهي بصمة كونية نحو الحرية الإنسانية”

هيفيدار خالد

كثيراً ما نقرأ ونسمع بسيرة حركات نسائية ثورية ظهرت في تاريخ الشعوب والدول، للمطالبة بحقوق المرأة والدفاع عنها، والوقوف في وجه سياسات الأنظمة الدكتاتورية القمعية الذكورية التي تستهدف وجودها، والعمل على تنظيم صفوفها في المجتمع، إيماناً منها بأن المرأة المنظمة تستطيع إطراء وإجراء تغييرات جذرية وحقيقية في البنية الذهنية لدى جميع الأفراد والمجتمعات الأهلية.

الحركات النسوية والشخصيات النسائية الرائدة، ساهمت في تغيير مجرى التاريخ بنضالاتها وتضحياتها الثورية، نحو الأفضل، وخاضت كفاحاً مريراً وشاقاً لتحقيق حرية المرأة واستعادة حقوقها، وصون الكرامة الإنسانية لديها. فهناك شخصيات نسائية بارزة سطع اسمها في مراحل التاريخ المختلفة، وسارت آلاف النساء من حول العالم على النهج الذي انتهجته في وجه آلة العبودية ومقصلة الظلم وعدم المساواة؛ إذ شكلت انتفاضة لا مثيل لها في مواجهة الواقع الذكوري الذي فُرض على المرأة آنذاك، لتتمكّن حينها من تحطيم القيود المحاطة بها من كل الجهات والخروج عن الدور النمطي للمرأة في كافة المجتمعات، برجاحة عقلها وصلابة إرادتها وعزيمتها لا تضاهيها عزيمة.

حركة المرأة الكردية

ونحن نتحدث عن كل هذه الحركات والشخصيات لا بد لنا أن نتحدث عن حركة المرأة الكردية التي باتت قوية من الناحية الأيديولوجية ولاقت قبولاً في جميع أنحاء العالم والتي أثبتت أن المرأة هي حقاً القوة الفاعلة الرئيسية في هذه الثورات؛ ومن أهم الأمور الإستراتيجية للنضال التحرري للمرأة، هي وحدة وتحالف النساء؛ إذ استطاعت المرأة الكردية بقيادة حزب حرية المرأة الكردستانية PAJK اكتساب هوية جديدة للنساء ليس في كردستان فحسب، بل في كافة أنحاء الشرق الأوسط، ومن خلال نضالها الأيديولوجي ونهجها البناء حققت تطلعات جميع النساء في النضال من أجل الحرية، وجمعت ما بين قلوب جميع النساء من الشرق إلى الغرب وتحت راية واحدة هي النضال المشترك في الساحات عبر تنظيم وتأسيس العشرات من الحركات والمنظمات النسائية التي لعبت دوراً محورياً في تطور المجتمع وتغييره وتحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

مع ظهور حزب العمال الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي في كردستان، بقيادة القائد عبد الله أوجلان، كان من أولى إنجازاته، فتح الطريق أمام المرأة للانخراط في نضال التحرر الكردي، وأن طريق حرية الشعب الكردي يمر من حرية المرأة ومشاركتها في صفوف النضال والمقاومة، الأمر الذي دفع مئات النساء للانتساب لصفوف حركة الحرية على طول السنوات الأربعين الماضية في تاريخ حزب العمال الكردستاني، وصعود قمم الجبال، من أجل النضال واستعادة حريتهن وهوية شعبهن ومحاربة المفاهيم الذكورية المتجذرة من خمسة آلاف عام في ذهنية الجميع، بعد أن تسلّحن بفلسفة الحرية والحياة الكريمة، ونظمن صفوفهن على أساس الدفاع المشروع والتنظيم الذاتي لخوض النضال التحرري والجنسوي وفق نهج القائد أوجلان الذي يتخذ مبدأ؛ “حرية المجتمع تتحقق بحرية المرأة ويجب تطبيق ذلك بداية في مرحلة الثورة“، وعندها اتخذت المرأة الكردية هذا المبدأ أساساً في تأسيس نضالها التحرري.

ومع مرور الوقت تجذر الفكر التحرري لدى المجتمع الكردي والمرأة الكردية على حد سواء الأمر الذي فتح الطريق أمام مشاركة أكبر لها في كافة الفعاليات التي كانت تشهدها العديد من المدن الكردية، في تسعينيات القرن الماضي للمرة الأولى في عام 1989 شاركت المرأة الانتفاضة الشعبية في مدينة نصيبين في باكور – شمال كردستان.

وتصاعدت وتيرة النضال السياسي في كافة أجزاء كردستان والمهجر، وكان الاختبار الأول لتنظيم الحراك النسوي في مدينة هانوفر الألمانية عام1987 عند تأسيس اتحاد المرأة الوطنية الكردستانيةYJWK، وكانت أهداف هذا الاتحاد تتمثل في النضال التحرري والتنظيم الذاتي للمرأة الكردية في المهجر.

وفي عام 1990 انضمت الآلاف من النساء الكرديات إلى صفوف النضال في جبال كردستان، ولهذا السبب فرضت الظروف في ذلك الوقت إقرار تشكيل تنظيم عسكري جديد خاص بالمرأة، وعلى هذا الأساس تم تأسيس أول وحدة مقاتلة خاصة بالمرأة ضمن صفوف الكريلا عام 1993 في خطوة نحو التحول إلى جيش خاص بالمرأة في جبال كردستان.

ولاقت المرأة صعوبات جمة بداية تشكيل تنظيمها الخاص في تمثيل إرادتها وثقتها بنفسها، وذلك نتيجة المفاهيم الخاطئة والذهنية الذكورية التي كانت سائدة آنذاك. لكن الإرادة والعزيمة والثقة بالذات والنضال الحر سرعان ما انبعث لدى المرأة الكردية، ما دفعها إلى تنظيم صفوفها بشكل مستقل وتجاوز كل المفاهيم الخاطئة والعقبات وتتويج نضالها بتنظيم نفسها في جميع المجالات الأيديولوجية والعسكرية والسياسية والاجتماعية.

إن إثبات المرأة الكردية وجودها وقوتها ونجاحها في العديد من جبهات النضال التي كانت حكراً على الرجال، بعث في المرأة معنويات كبيرة وزاد ثقتها بقدراتها وقواها الذاتية، وأسفر عن تغييرات جذرية وحقيقية على عقلية الرجل تجاه المرأة.

النضال الذي خاضته المرأة المقاتلة، شجع النساء الكرديات في القرى والمدن على الالتحاق بصفوفها، وهذه الخطوة أدت إلى توسيع قاعدة الفعاليات النسائية كي تشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية، وكذلك التنظيم العسكري للمرأة، وعلى هذا الأساس انعقد المؤتمر الأول لاتحاد حرية المرأة الكردستانية، عام 1995م، حيث جاء هذا التأسيس بناء على الخبرات المستسقاة من تجربة “جيش المرأة”؛ وقد كانت هذه المرحلة بمثابة قفزة نوعية لحركة المرأة الكردستانية من خلال إبداء إرادتها وطاقتها في الانضمام إلى السياسة والنضال المجتمع.

المرأة الكردية التي طورتّ الجيش النسائي قاتلت فكرياً وجسدياً وأظهرت أن معايير الحياة الحرة التي ابتكرتها، خلقت عند المرأة حقيقة جديدة تعتمد على النضال ومواجهة الصعوبات في جميع ساحات النضال. وقد سعى اتحاد حرية المرأة الكردستانية منذ تاريخ التأسيس إلى عقد العلاقات والاتفاقات مع باقي التنظيمات النسائية في المحافل الدولية ومشاركتها التجربة النسائية الكردستانية والمستوى الذي وصلت إليه المرأة الكردستانية في مسيرة حرية المرأة.

طرح القائد عبد الله أوجلان عام 1997، “نظرية الانقطاع” من أجل تطوير مستوى الوعي الذي اكتسبته المرأة، وذلك من خلال انقطاع المرأة عن نظام “الرجل المتسلط والمرأة العبدة”؛ حيث كانت “نظرية الانقطاع” تعني أن على المرأة أن تنقطع ذهنياً وروحياً وثقافياً عن النظام المتسلط للرجل، كانت هذه النظرية بمثابة إشارة للمرأة وتعريفها بالنظام الذكوري المتسلط وضرورة النضال في مواجهة هذا النظام، حيث اكتسبت المرأة الجرأة والشجاعة وانضمت بهويتها وإرادتها إلى النضال الذي كانت مستبعدة عنه ونجحت في تنظيم صفوفها بنفسها.

في الثامن من آذار عام 1998، تم الإعلان عن المبادئ الأساسية للثورة المجتمعية بفكر حرية المرأة وقيادتها؛ وكانت المبادئ الأساسية لحرية المرأة على الشكل التالي: الوطنية، الانضمام إلى الحياة بالإرادة الحرة والفكر الحر، التنظيم، الكفاح، علم الجمال.

ومن أجل تطبيق أيديولوجية حرية المرأة، أُسس حزب المرأة العاملة الكردستانية في 8 آذار 1999، وبذلك توجهت المرأة إلى بناء الحزب الخاص بها، فكانت له أهمية كبيرة في مواجهة النظام الذكوري المتسلط وأساليبه وممارساته.

التحول الحزبي

تحوّلُ تنظيم المرأة الكردستانية نحو مرحلة الحزب، كان خطوة مهمة جداً للنضال النسوي في كردستان، لا سيما وأنه ضمِن تطوراً جاداً من الناحية الذهنية، هذا وقد غير حزب المرأة العاملة الكردستانية اسمه فيما بعد وكان الهدف من هذا التغيير، توسيع التوجيهات والمهام والأهداف المنوطة بحركة المرأة، حيث تأسست حركة حرية المرأة الكردستانية عام 2000، ومعها حملت على عاتقها مهمة النضال العالمي لتحرر المرأة، وحاولت مشاركة تجربة المرأة الكردستانية مع جميع النساء في العالم.

في عام 2004 اتسعت القاعدة الجماهيرية لحركة المرأة وظهرت الحاجة إلى تنظيم أوسع، باسم حزب حرية المرأة الكردستانية، حيث ضم هذا الحزب في صفوفه جميع التنظيمات والحركات النسوية التي تناضل في مجال حرية المرأة الكردية؛ لأن التطور الحاصل في قضية تحرر المرأة آنذاك وصل إلى درجة تطلبت “نهضة” للمرأة وحاجة إلى تأسيس تنظيم كونفدرالي لها، في شهر نيسان 2005 تأسست المنظومة العليا للمرأة لتضم بين صفوفها كافة تنظيمات المرأة في الأجزاء الأربعة من كردستان والمهجر.

المرأة الريادية

عادت المرأة الكردية من خلال نضالها التحرري، إلى معرفة حقيقتها وجوهرها، وهذا ما جعلها قوة في القيادة والتغيير المجتمعي في كردستان، مساهمة بشكل ريادي في تطور الثورة المجتمعية؛ كما اكتسبت المرأة الكردستانية الشخصية الجريئة والشجاعة من خلال تنظيم صفوفها ومكاسبها الأيديولوجية والنظرية والسياسية والاستراتيجية في المنظومة العليا للمرأة.

ويعود الفضل في ذلك إلى المناضلات اللواتي ضحين بحياتهن في هذه المسيرة المهيبة أمثال المناضلة بيريفان “بنفش آگال” التي قادت الانتفاضات الشعبية وقاومت بكل جرأة وشجاعة هجمات الشرطة وجنود الدولة التركية، لتمهد بمقاومتها الدرب أمام الآلاف من النساء في مسيرة البحث عن الحرية؛ كما أن العشرات من المناضلات المقاتلات في صفوف الكريلا مثل: /بيريتان – گلناز قره تاش/ زيلان – زينب كيناجي/ شيلان – ميساء باقي/ فيان – ليلى حسين/ روناهي – شيرين ألمهولي/ مّهدنْ ببطولاتهن الطريق أمام انضمام الآلاف من النساء إلى مسيرة المرأة الكردية، وأصبحن منارة الحرية والحياة لجميع النساء.

تاريخ نضال حركة حرية المرأة الكردستانية من خلال العديد من التنظيمات الخاصة فتح المجال للنيل من التاريخ الأسود للنساء الكرديات؛ وذلك بالثورة الذهنية والاجتماعية والثقافية، التي ضمنت حرية المجتمع وحققت التحول الديمقراطي في المجتمع الكردي، كما أنها مهدت الطريق لتحقيق شخصية الفرد الحر والمجتمع الحر.

منظومة المرأة الكردستانية KJK

حركة حرية المرأة استطاعت خلال سنوات عديدة من النضال والمقاومة وبأسماء تنظيمات متنوعة وهي الآن تناضل تحت اسم منظومة المرأة الكردستانية KJK، لأجل تحقيق النظام الكونفدرالي للمرأة، المرتكز على الأساس المجتمعي في إطار البراديغما الأيكولوجية والديمقراطية وحرية المرأة، والتوجه صوب الكونفدرالية الديمقراطية بقيادة المرأة؛ ولذلك تتصارع مع الذهنيات الذكورية، كما أنها تناضل في مواجهة نظام الدولة والمجتمع المستند إلى الذهنية الأبوية، وتسعى إلى تحقيق تقدم الهوية الحرة للمرأة في الحياة، ومن أجل كل ما سبق، يسعى التنظيم الكونفدرالي للمرأة إلى تحقيق وتطوير المجتمع الديمقراطي بقيادة المرأة عبر النضال الأيديولوجي والسياسي والدفاع المشروع؛ وعلى هذه الأسس تقوم بتنظيم الأدوار والواجبات بشكل منظم ومنسق ما بين جميع المكونات.

الحركة النسائية الكردية التي تستمر حتى اليوم بتجاربها في المقاومة منذ أكثر من 40 عاماً لا تحارب فقط أنظمة الدول المستبدة التي تستغلها، بل تحارب الواقع الاجتماعي الذي تعيش فيه أيضاً، في هذا الصدد تواصل النساء الكرديات نضالهن.

ومع بدء الحراك الشعبي عام 2011 واتخاذ مكونات المنطقة من نهج الخط الثالث أساساً لها للسير عليه، قادت المرأة الكردية النضال الثوري بين جميع النساء ومن مختلف المكونات في المنطقة.

اليوم في إقليم شمال وشرق سوريا، يوجد مجلس نسائي، باسم مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا ويضم جميع الحركات النسوية الموجودة في المنطقة؛ كما تأسس مجلس المرأة السورية بتاريخ الـ 8 من آذار 2017 من أجل تنظيم صفوف جميع النساء السوريات تحت مظلة واحدة، يستطعن من خلالها تعزيز دورهن والتعبير عن إرادتهن وذاتهن في كافة مجالات الحياة السياسية والدبلوماسية والاجتماعية. وكل هذه التنظيمات النسائية تشكلت من أجل حماية مكاسب الثورة التي قادتها النساء في المنطقة، وبالتالي تعزيز وتنمية تنظميها أكثر فأكثر في مواجهة التحديات التي تواجهها في مسيرتها النضالية، والمتمثلة بالتهديدات التركية المتواصلة وهجمات التنظيمات الإرهابية التي تطال مكونات المنطقة بين الفنية والأخرى.

وما هو لافت ومحزن أن أولئك النساء بعد كل تلك التضحيات يتعرض لهجمات إرهابية خسيسة من قبل القوى المعادية للثورة. الأمر الذي يجب أن يجابه بقوة وإلا فإن كل ما حُقِّق من إنجازات ومكتسبات سيذهب أدراج الرياح، ما لم تنظم النساء هناك صفوفهن أكثر من أي وقت مضى، ويقفن كالبنيان المرصوص في وجه حرب الإبادة التي يتعرضن لها. على جميع النساء، إذا ما أردن لحريتهن أن تستمر، الوقوف إلى جانب هيئة المرأة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا ودورها في توعية المرأة والنهوض بواقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي وتبني كافة قضاياها في المجتمع وإيجاد الحلول لها. لا سيما وأن ثورة شمال وشرق سوريا قد حققت اليوم دوراً مهماً ومكاسب على كافة الميادين، ولكن هذه الإنجازات والمكاسب لم تأتِ بالهين، وإنما أتت نتيجة كفاح ونضال المرأة وعقدها تحالفات واتفاقات مع جميع النساء من حول العالم، لأن اتفاقيات كهذه من شأنها حماية المرأة من العنف، لكنها ليست كافية لإنقاذ النساء من الذهنية الذكورية فتغيير الذهنيات هو عمل جبار يحتاج إلى إصرار ونضال وعزيمة ووعي.

نعم ثورة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا أصبحت مصدر إلهام كبير لنساء العالم، ونظام الرئاسة المشتركة الذي تم تطويره في الإدارات والمؤسسات يحظى بدعم كبير من قبل النساء، حتى بات نموذج المرأة الريادية وأصبحت مثالاً للنساء في العالم من حيث الحماية الذاتية والدفاع عن النفس.

وعلى كافة النساء العمل من أجل توثيق الروابط ما بين جميع النساء من كافة المكونات من خلال الجبهة المشتركة لجميع الحركات النسوية، منها اليسارية والاشتراكية؛ وعلى جميع التنظيمات النسوية ذات الاتجاهات المتعددة تطوير فرص النضال الأيديولوجي من أجل تكوين مجتمع متجانس وديمقراطي، أنهم اليوم هم بأمس الحاجة إلى السلام والحرية. ويجب على التنظيمات التي كانت جواباً سليماً للأهداف السياسية والمواقع الملموسة والتاريخية للنساء والشبيبة، أن تتجاوز المجتمع المتعصب وحواجز الدولة الاستبدادية من جهة، وتلعب دور الوسائل الأساسية لوضع المجتمع في مساره الصحيح من جهة أخرى، لا سيما وأن الاتحادات النسائية والشبيبية باتت اليوم الضمانة الأساسية لانتصار المجتمع المدني أكثر من أي وقت مضى.