الحياة الأثمن والأجمل يمكن تحقيقها مع المرأة الحرة
الحياة الأثمن والأجمل يمكن تحقيقها مع المرأة الحرة
“على المرأة أن تأخذ مكانتها الطبيعية بسلاسة
وبروح المرأة الحرة،
وأن تناضل لأجل تطبيق مفهوم المساواة والحياة الِنديِّةِ الحرة”
آسيا حسين
بعد أن قطع العالم شوطاً كبيراً من التطور والتقدم عبر العصور في كافة المجالات وخاصةً الثقافية والاجتماعية والسياسية، لا زال المجتمع العالمي وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط يعاني الكثير من التراكمات السلبية والتي تبرز لدينا كقضايا مهمة تحتاج لعلاج وتصحيح لمسارها، حتى يخرج المجتمع من الذهنية السلطوية والعبودية على حدٍ سواء.
ومن أهم هذه القضايا وأخطرها نظرة المجتمع لمفهوم المساواة بين المرأة والرجل والتي نستطيع أن نؤطّرها بمصطلح الحياة الِنديِّةِ الحرة والتي تعتبر المرأة المحرك الأساسي لهذه القضية. وإذا أردنا أن نشرِّح هذه القضية شرحاً صحيحاً لابد أن نتناولها بإسقاط الضوء أولاً على المرأة وكيف تنظر لمفهوم المساواة بينها وبين الرجل.
ما هو مفهومها للحياة الِنديِّةِ الحرة، والأهم من ذلك كله كيف تنظر إلى ذاتها من جهة وإلى الرجل من جهة أخرى؟
ثانياً: تناول هذه القضية بإسقاط الضوء على الرجل كيف ينظر إلى مفهوم المساواة بينه وبين المرأة؟ وكيف يعي مفهوم الحياة الِنديِّةِ الحرة؟ وكيف ينظر لذاته وذهنيته في خضم الترسبات الاجتماعية وتأثيرها على ذهنيته وتفاعله مع المرأة.
لذلك لابد لنا من التركيز على تحرر المرأة كون أن كل التحولات والضربات التي تعرض لها المجتمع عبر التاريخ بظهور السلطة – الدولة وصولاً إلى يومنا هذا، وتحكم الحداثة الرأسمالية بمفاصل الحياة كافة، كانت سبباً بإلحاق الضرر والانكسار بالمرأة بالدرجة الأولى.
لذلك لابد أن يكون تحرير المرأة البوابة والمفتاح الرئيسي لتحرر المجتمع والانطلاق نحو فهم الحياة الِنديِّةِ الحرة. كما ولابد أيضاً التأكيد والتركيز على أهمية تحرر الرجل كونه عنصر رئيسي في الحياة الِنديِّةِ الحرة مع المرأة. فالرجل أيضاً تعرض للاستعباد من قوى السلطة والدولة لذلك لابد من الأخذ بعين الاعتبار أهمية تخلص الرجل من الذهنية الذكورية والوصول الى حالة الصفاء والتوازن فيما بين الرجل والمرأة بغية الوصول لحياة نِديِّةِ حرة.
حقيقة العلاقة بين المرأة والرجل
فإن نسيج المجتمع يبدأ بفهم حقيقة العلاقة بين المرأة والرجل لأنهما سر الترابط الاجتماعي. ولأجل فهم حقيقة هذه العلاقة التي تعتبر من الركائز الأساسية في تكوين المجتمع وتطوره، فهي التي تحدد مصير المجتمع، علينا التحلي بالوعي الكافي والتاريخي لفهم وتحليل هذه القضية من الجذور. على هذا الأساس فإن بناء مجتمع أخلاقي – سياسي كهدف أساسي للديمقراطية، ترتكز على تطوير العلاقة المتوازنة القائمة فيما بين المرأة والرجل على أساس الحياة الِنديِّةِ الحرة – التشاركية الحرة. ومن خلالها يحافظ كل طرف على وجوده وكينونته الطبيعية وبمعايير مجتمعية فطرية.
ومن خلال ذلك التشريح يمكن أن نستنبط الحلول التي يجب العمل عليها لتكوين مجتمع حر صحيح يعتبر الحياة الِنديِّةِ الحرة أساساً للنجاح والخلاص من عبودية التراكمات السلبية عبر العصور والحقب الزمنية المتتالية.
فإذا انطلقنا من مفهوم ومنظار المرأة وكيفية تعاطيها مع فلسفة الحياة الِنديِّةِ الحرة، لابد لنا من تسليط الضوء على الظلم الكبير الذي تعرضت له والحط من شأنها عبر العصور. نرى أن المرأة التي دخلت الزيقورات السومرية “كإلهة” وكانت رمز البركة والخير والعطاء، فقد خرجت منها وهي متصوفة بصفات سلبية وانتشار بيوت الدعارة في المدائن السومرية خير دليل على ذلك، ثم لتنتقل بعد ذلك إلى جارية القصر، والنظر إلى المرأة على أنها لا شيء.
وترسيخ هذه النظرة في المدنية الإغريقية والرومانية التي اعتبرت المرأة عبدة للبيت وشؤونه فقط لتتحول بعد ذلك في المدنية الأوروبية إلى (شيء – وسيلة – مادة جنسية)، تابعة لأهواء الرجل بالتعاقد، ويأتي بعد ذلك النظام الرأسمالي ليرسخ من تسليع المرأة جسدياً واستخدامها كسلعة ترويجية.
أمام كل ما تقدم سرده نعي تماماً أسباب انغلاق المرأة على ذاتها ظناً منها بأنها بهذا الانغلاق تحمي نفسها من سلطوية الرجل والتعاطي بسلبية متشبّعة بروح الانتقام من صورتها التي اتّسمت بالسواد عبر استعباد العصور لها وتنظر إلى مفهوم المساواة بنظرة عاطفية غير مجرّدة.
روح المرأة الحرة
عليها أن تأخذ مكانتها الطبيعية بسلاسة وبروح المرأة الحرة، وأن تناضل لأجل تطبيق مفهوم المساواة والحياة الِنديِّةِ الحرة، من خلال مواجهة تلك الترسبات والتراكمات السلبية عبر العصور والمتجذرة بذات المرأة، والانطلاق منها لتكون بتلك القوة الفكرية والسياسية والثقافية لمواجهة كافة المفاهيم التي تفرض عليها.
ومسألة أخرى مهمة في قضية المرأة وهي؛ نظرتها إلى ذاتها. فكما ذكرنا آنفاً في السطور السابقة، ومن خلال تأثير القوقعة السوداء التي وُضعت بداخلها، عبر العصور وتداعياتها على (الأنا الداخلية) للمرأة، والتي تتحكم بانفعالاتها الخارجية وتفاعلها مع الرجل والمجتمع، تحتاج للمراجعة الذاتية من ذاتها هي. هنا الكثير من الأسئلة التاريخية والمهمة تطرح نفسها وهي: هل المرأة بذاتها تعرّفت على تلك الميزات الطبيعية الموجودة في شخصيتها؟ هل تتقبل جنسها؟ هل تحضّر لأن تكون نواة تكوين مجتمع ديمقراطي مبني على حرية المرأة؟
بتنا نرى أن الرجل في المجتمع الطبيعي بات يعتبر الازدياد في تربية الماشية مصدراً جديداً للقوة والثروة والاستقرار، وعمل على إلغاء دور المرأة وتمكين سيطرته عليها. أضف إلى ذلك أن ازدياد ما يملكه الإنسان مما يمكن تحويله من مالك إلى آخر كالماشية ومنتجات الأرض أدى إلى إخضاع المرأة للرجل إخضاعاً جنسياً، لأنه طالبها بالإخلاص له إخلاصاً يبرر له أن يورث ثروته المتجمعة إلى أبناء تزعم المرأة أنهم أبناؤها آنذاك.
وهكذا نفّذ الرجل بالتدريج خطته واعتُرف للأبوة في الأسرة وبدأت المُلكية تهبط في التوريث عن طريق الرجل واندحر حق الأمومة أمام حق الأبوة وأصبحت الأسرة الأبوية هي الوحدة الاقتصادية والشرعية والسياسية والخلقية في المجتمع وانقلبت الإلهة إلى المستعبدة والعبدة.
فكان هذا الانتقال إلى الأسرة الأبوية التي يحكمها الأب ضربة قاضية على منزلة المرأة وباتت المرأة هي وأبنائها ملكاً لأبيها أولاً أو لأخيها الأكبر ثم ملكاً لزوجها، فقد اشتُريت في الزواج كما كان العبد يشترى في الأسواق سواء بسواء وهبطت ميراثاً كما يهبط سائر الملك عند وفاة الزوج.
وحتى أنها كانت تُشنق وتُدفن مع زوجها الميت أو كان يطلب منها الانتحار لكي تقوم على خدمته في الحياة الآخرة وأصبح للأب الحق في أن يعامل زوجته وبناته كما يشاء ويهوى، فيهبهنَّ ويبيعهنَّ ويعيرهنّ متى أراد وباتت المرأة مقتنعة بكون سلامها وسلامة أبنائها بامتلاك الآخر واستعباده لها وهذا الأمر ترسخ أكثر وبمسميات مختلفة عبر العصور بدءاً من المدنية السومرية مروراً بالمدنية الإغريقية والرومانية ووصولاً إلى المدنية الأوروبية التي أنجبت النظام الرأسمالي الذي يستعبد المرأة والرجل على حدٍّ سواء بمسميات وأساليب مختلفة.
وأمام كل هذا وفي وقتنا الحاضر لا تزال المرأة تشعر بذاتها بأنها مملوكة للغير إن كان زوجاً أو أباً أو أخاً ولا بد لها من النظر إلى ذاتها وأن قيمتها الأخلاقية هي بذاتها وبجوهرها الذي خلقت به وليس بنظرة الآخرين إليها أو تقييمها له من خلال كم الاستعباد الذي يمكن أن يستعبدها به.
وإذا نظرنا إلى هذه القضية من جهة أخرى ونحن نحلل هذه القضية لابد لنا أن ننظر إليها بعين الرجل أيضاً لنرى ما بداخله تجاه هذه المسألة كون الرجل في عصرنا لا يخرج أيضاً عند ذكرنا لهذه القضية المهمة عن طور العبودية التي لازمت المرأة عبر العصور.
فمجمل الترسبات السلبية والعادات السيئة في مجتمعاتنا والتي ترسخت عبر العصور تلقي بظلالها على ذهنية الرجل وأسلوبه وطريقة تفكيره المجتمعية. فنرى أن الرجل الشرقي يميل إلى المرأة الضعيفة ظنّاً منه أنه بذلك يبقي على سلطته وسيادته التي منحه إياها المجتمع المتهالك المفكك والمسيطر عليه من قبل الأنظمة الرأسمالية والأنظمة الدولية المستبدة.
فالأنظمة التي تبث سمومها بشكل يومي داخل مجتمعاتنا، ويرى بأنه المنتصر حين يطغى على شخصية المرأة، ومحاولاته لسحقها وإبقائها دائماً في دائرة الاتهامات، كي تبقى خانعة لسلطته مستكينةً له وهو بذلك يطبق بلا وعي كل ما تريده منه الأنظمة اللاأخلاقية بدون أي جهد، وهو بذلك يبقي على ذاته أداةً لتخريب المجتمع وإمعاناً بتقتيل ربيعه الذي يريد أن يرى النور.
وهو لا يعي أن استعباده للمرأة هو استعباد لذاته ولأبنائه لأنه سيكون ضعيفاً هشاً إن لم تكن بجانبه امرأة قوية حرة تستطيع أن تؤثر بوعيها وثقافتها وحريتها بشكلٍ كبير على بناءِ مجتمعٍ وأسرةٍ ورجلٍ أقوياء أحرار بعيداً عمّا يُراد لهم أن يكونوا عليه من خلال أحلام الأنظمة الدولتية وتطبيقاتها.
فاستعباد الرجل للمرأة سينتج عنه أبناء وبنات مستعبدات حكماً يمكن لأي ريحٍ اجتماعية أن تودي بهم، على عكس ذلك لو اقتنع الرجل أن قوته من قوة المرأة وأن إصلاح المجتمع هو بوعي وحرية وقوة المرأة التي تعتبر المحرك الأساسي والنواة لكل المجتمع.
وينبغي المعرفة أنه يستحيل عيش حياة ثمينة ذات معنى ما لم يتحقق عيش سليم مع المرأة ضمن المجتمع، وعلينا صياغة أقوالنا وتطوير ممارساتنا انطلاقاً من الإدراك بأن الحياة الأثمن والأجمل يمكن تحقيقها مع المرأة الحرة المتمتعة تماماً بكرامتها وعزتها، وبغير ذلك سيزداد المجتمع تسلخاً وانحلالاً.
فإننا لن نحظى بالحياة التي نريدها والتي هدمتها الحداثة الرأسمالية، إلا من خلال المفهوم الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان وهو مفهوم الحياة الحرة الِنديِّةِ في مرافعته الخامسة والتي رسم فيها الأسس الصحيحة لتلك الحياة من أجل ضمان استمراريتها بشكل صحيح ولإحياء العلاقة فيما بين الرجل والمرأة بالشكل الصحيح، وأن تلعب المرأة دورها الأساسي والطليعي في بناء المجتمع.