السلطة والجنسوية مَرَضان اجتماعيان متفشيان في خلايا مجتمع المدنية كما السرطان
السلطة والجنسوية مَرَضان اجتماعيان متفشيان
في خلايا مجتمع المدنية كما السرطان
” على المرأة أن تدرك تماماً،
أن مشاركتها في الميادين السياسية والعسكرية مهمة جداً،
وأنه يقع على عاتقها مسؤولية تاريخية”
لنا حسين
لطالما باتت القيود المجتمعية المشبعة بشرائع الدين والسلطة سجوناً تقبع فيها المرأة بدراية أو دونها، فالشرائع تتحكم إلى يومنا هذا بسير نهج حياتها، من الولادة إلى الممات، وما عيشها بين هذين سوى رحلة مقيدة تعوق حريتها الفكرية والجسدية، وكلما استفاقت لتناضل وتحاول كسر هذه الأغلال، تظهر عفاريت السلطة لتكبح جماح ثورتها كثورة مضادة ضد حريتها.
القضايا الجنسوية والمذاهب والأفكار التي رسمت للنساء طرق نيل حريتها تختلف، ولكنها تتشابه في نقطة واحدة ألا وهي العدو الواحد وهو الذهنية السلطوية والقوانين الذكورية. فعندما نصنف مشاكل المرأة في المجتمعات المشبعة بالعنف ضدها فنجد أن تعنيفها ناجم عن ضياع المساواة والعدل، وما تخبطاتها في القرون الماضية ولحد اللحظة إلا أنها تواقة للتخلص من العنف وما آلت عليها، فهي تناهض وتثور بكافة إمكانياتها المؤطرة بتشعبات الدين والسلطة وتعبر عن رفضها ليكون مصير مناهضتها لهذه القوانين المؤامراتية الاحتراق بآتونها وتطير كفراشة تستهوي النور لتحترق بالنار.
منذ بداية الكون وقانون الدفاع – الحماية عن النفس ضد الهجمات على الوجود مباحة وشرعية ولكن النظم التي ظهرت وصنفت المجتمعات طبقياً حال عائقاً دون أن تستطيع المرأة امتلاك هذا الحق، فقوتها الهائلة التي تم استنزافها بفعل النظم والقوانين الصارمة وباتت مجردة من هويتها وغير مصنفة ضمن بنود قوانين الدول وتشريعاتها، وإن صُنفت تصنف كـ خادمة للرجل والدولة وأبنائها وعشيرتها وقبيلتها أو أي مجموعة تنتمي إليها. هذه التصنيفات التي تمت من قبل القوانين الفوقية المركزية والأبناء التابعين للرجل فقط، وفي حال إذ رفضت مواكبة هذه البروتوكولات المحبوكة بخبث ضد حريتها، فإن مصيرها الشدة والعنف والاستصغار من قيمتها.
امتداد سلسلة التعنّف
واكتملت سلسلة التعنيف وامتدت لحرقها ونفيها وسجنها وقتلها وحتى ذبحها واغتصابها على مرأى من مسنني هذه الفروض عليها، فأصبح الرجل الأب، الأخ، العم وحتى الخال يقتلها دون هوادة أو تردد تحت اسم الشرف الذي خصوه فقط بعذريتها لا غير، فبات عليها أن تقبل تزويجها قسراً وهرباً من المصير المعلوم.
إذا ما بحثنا في أفكار وشرائع الدول سواء التي تفصل الدين عن الدولة أو التي تدعي ذلك، نجد أن الدول التي تدعي منحها الحرية لا تتجاوز الفردانية والمعايير المزدوجة لشرائعها. فالمنظمات العالمية التي تعتبر نفسها الحامي لحقوق الإنسان والمرأة تكتفي فقط بالنظر والمشاهدة من خلف الشاشات والمكاتب، فالنساء يُقتلن بشكل يومي في دول كـ الهند وأفغانستان والعراق وتركيا ومصر وسوريا وكافة الدول الأوروبية التي تتواجد فيها المراكز الأساسية لهذه المنظمات.
فقد تم قتل وسبي الآلاف من النساء كما حصل في شنگال وتم فرض إبادة جنسية وقومية على أهالي شنگال واكتفى العالم بالمشاهدة ولم تتدخل ما تسمى بحماية حقوق النساء. من هنا تم ظهور الحقيقة الواضحة بأن النساء لن تحميهن سوى أنفسهن وهذا ما قاله المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان منذ أكثر من ثلاثين عام، والمثير للجدل والذي يحز في نفس النساء أن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر «اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة» (القرار 54/134)، فمن المفترض أن يكون الهدف من ذلك اليوم هو رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الاغتصاب والعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف المُتعددة؛ وعلاوة على ذلك فإن إحدى الأهداف المُسلط الضوء عليها هو إظهار الطبيعة الحقيقية للمشكلة ولكن لحد الآن لم يتم وضع حلولٍ تنصف المرأة وتقر وتبت بمساواتها مع الرجل.
الشرق الأوسط
وعلى صعيد المجتمعات الشرق الأوسطية نجد أنه يواجه مشكلة حقيقية في تحقيق وإرساء أسس المساواة سواء بين الشعوب أو المكونات أو ضمن إطار العائلة أو المدرسة أو حتى المؤسسات الحكومية وما يثير الشفقة أن المساواة ضائعة حتى في المحاكم، ففي نظمٍ تحكمها قوانين الشريعة ومعروفة كالمرآة كيف خضعوا الدين كوسيلة للتحكم بالمرأة والإضعاف من طاقتها المجتمعية.
ففي القوانين التي وضعتها الدول المنتهجة للفكر السلطوي تضيع النساء اسماً، فما بالك على أرض الواقع، إذ تقر جميع القوانين بضعفها وترتيبها في الصف المهمش من الشرائح المجتمعية، ويسميها الدين المخلوقة من ضلع ناقص وللأسف فهذا الدين هو أساس هذا التشريع الذي تعتمده هذه الدول. ونركز في مقالنا هذا على نساء الشرق الأوسط وضياعهن في معمعة ضياع المساواة وفرض التمييز الجنسوي الذي يحكم المجتمع ويخنقه بيد السلطات الحاكمة.
تظلم الشرائع الدينوية المفروضة على الشعوب الشرق أوسطية المرأة في بنود قوانينها بشكل جهري وباد للعيان، فيسميها بمسميات رَوج لها الفكر الدينوي وهذا أصبح وبالاً عليها، فهي محرومة من الإرث والإدلاء بشهادتها والسفر دون إذن زوجها وممنوعة من اصطحاب أولادها أو منحهم جنسيتها، وحتى بعض الأعمال محتكرة على الرجال على اعتبار أن الدين لا يحبذ أو أنها لا تمتلك طاقات كالرجل.
يترعرع الطفل في بيئة يحكمها الأب ويعيش بشكل دائم في جو يفتقد لأي مظهر من مظاهر المساواة والديمقراطية، فيجد الطفل الذكر نفسه نسخة طبق الأصل عن والده وتجد الفتاة أيضاً نسخة من والدتها.
هذه التقربات للجنسين خلقت فجوة في النسيج المجتمعي بين الممنوع والمسموح، وبين المباح للرجل والعار للمرأة، ودخل الشرق الأوسط في معمعة العقلية المتسلطة للرجل. وتضخمت قشور القضايا وأصبح القانون والشريعة ذريعة لممارسة التمييز الجنسوي وقمع النساء منذ نشأتهن لحين تسليمهن إلى مؤسسة الزواج. تلك المؤسسة المرتكزة على خدمة النساء للرجل وتجهيز عقلياتهن على بنود أهمها إرضاء الرجل وعقلية المجتمع الذكوري المنتشر والمسيطر بشراهة على زمام الأمور. حيث يبتدئ من تنصيب نفسه سلطاناً على المرأة والمسؤول عن كل تحركاتها وحتى الحكم على نطقها بين ما تستطيع النطق به وما هو غير جائز لها النطق فيه بحكم وتطويق الحصار عليها ابتداء من لباسها وحتى تفوهاتها وضحكاتها.
فجوة التربية السلبية
لم يقف الأمر على هذا النطاق، فتوجب على الأم القيام بتربية بناتها حسب القانون السائد في هذه المجتمعات، فيما يشبه “قانون الغاب” ويكاد أن يغلب هذا القانون على طبيعتها وحقوقها المشروعة. فالواجب الشرعي والقانوني بات يحتم عليها نقل قيودها واستنساخ أفكارها التي حملتها رغماً عنها وفرضها على بناتها وأخواتها، وأضحت هي بدورها تتوج الأبن على أنه “الكل في الكل” وبمقدوره التحكم في تصرفات أخواته وطريقة تعاملهن.
على الرغم من أن آثار أو شعارات وقوالب الدمقرطة كانت تحاول بلا كلل خداع المجتمع النسوي والعالم بأن حرية المرأة هي من مهمات الدولة ذات الأولوية، كانت هذه الدول في الخفاء تخنق أوصالها وتحقنها بالسم الزعاف.
فباتت يُحرم عليها ممارسة أبسط حقوقها، والنساء اللاتي تمرّدن أيضاً لم يلقين الاستلطاف من الوسط النسوي السائد نفسه، فما بالك مما يشكله من تهديد لكيان السلطوية الذي وجد نفسه المؤسسة الأبدية التي لا تُقهر ولا تفنى حسب تخيلهم، وبات أي التفاف للنساء على قضايا الحرية يشكل للنظام الدولتي القشة التي قسمت ظهر البعير.
لقت القوة النسوية في القرن الأخير تطوراً ملموساً ولكن كون التشعبات والخلايا ذي العقلية الذكورية متفشية كانت تحول دون توحيد الصف النسوي في الشرق الأوسط ولا زالت هذه النظرية قائمة، فبالرغم من كثرة المنظمات النسوية في الآونة الأخيرة إلا أنها لم تكن تستند على أسس أيديولوجية متينة لتشكيل أرضية ومظلة لتحالف نسوي ذو أهداف موحدة وشاملة.
والبادي للعيان والبديهي جداً حين نتطرق لتحليل عدم قدرة النساء على تشكيل تحالفات هو أن الفكر السلطوي يتخذ من الثغرات الموجودة بين هذه المنظمات أرضية قويمة لاستغلال نقاط الضعف وضرب نقاط القوة.
دور النضال النسوي في كردستان
ظهر النضال النسوي في كردستان على شكل هيكلية منظمة تستند على أيديولوجية تحرير المرأة. هذا الفكر الذي أطلقه القائد والفيلسوف عبد الله أوجلان، وأصبح ذو شعبية بين نساء العالم للالتفاف حول هذه الحركة الأيديولوجية المتكاملة الأسس والقويمة وحملت كافة المقومات التي تجعلها بالفعل أيديولوجية لتحرير المرأة ونقلها من واقعها المرير نحو معرفة كيانها وجوهرها وتاريخها النضالي.
جاء تشكيل وحدات حماية المرأة كـ تجربة مكملة لنضال المرأة لسنوات طويلة في كردستان، وعلى أسس ومبادئ الأمة الديمقراطية المشروع الذي وجده القائد مفتاحاً للحل لمشكلة الشرق الأوسط بكافة تقاسيمها الجغرافية والسياسية.
وأثبتت هذه التجربة على أن المرأة تستطيع حمل كافة مسؤوليات الحياة على عاتقها من حماية وإدارة الحياة السياسية والعسكرية والمدنية، وتبنت أسس المساواة بين الجنسين وعملت بكل جهد لإثبات نفسها. وقد لاقت النجاح بشكل إيجابي انعكس ذلك على المجتمع بسنوات قصيرة حتى أصبحت المرأة جنباً إلى جنب الرجل في مناطق تواجد الوحدات وفكر القائد.
وأصبحت التجربة محببة أممياً لتبحث الكثير من النساء في العالم عن جوهرهن وتاريخهن وقد انضمت لهذه الوحدات الكثير من النساء الأمميات اللاتي نبذن الأفكار والشعارات الرنانة للسلطة والعقلية الدولتية لتجدن الملاذ الآمن في كنف هذه الوحدات وتبنين الأيديولوجية التي اوجدت هذا الفكر الذي يعد الحل لمشاكل التمييز الجنسوي المتفشي في اصقاع العالم.
لم يكن هذا التطور الذي جلبته هذه الأيديولوجية سهلاً فقد استشهدت آلاف النساء في كردستان والعالم وجعلن من أنفسهن منارة تستهدي بها نساء العالم نحو المساواة والحرية في وطن حر وارتقت الآلاف من النساء ضمن وحدات حماية المرأة والمنظمات النسوية في إقليم شمال وشرق سوريا إلى مرتبة الشهادة للدفاع عن قضايا المرأة ومحاولة إزالة كافة العراقيل التي تعترض مسيرتها النسوية.
ففي الكونفرانس الأول والثاني والثالث أيضاً لوحدات حماية المرأة كان القَسم لتصعيد النضال حتى نيل حرية كافة النساء وقلب المعادلات المزدوجة التي تحول دون توحيد صفوف النساء.
فالقفزة النوعية التي شهدتها مناطق روجآفايي كردستان وارساء نهج المفكر ورفيق المرأة عبد الله أوجلان في طرحه لمفهوم الحياة النِديّة الحرة، شكلت نقطة استفاقة للمرأة لكسر التعتيم المفروض على طاقتها الضمنية وقد نجحت بتحويل طاقاتها الكامنة لطاقة ديناميكية مكنتها من قيادة دفة المجتمع لمرحلة جديدة ألا وهي المشاركة الفعالة جنباً إلى جنب الرجل.
بالطبع فهي بدورها اثبتت تفوقها في مجالات عدة، فمفهوم الحياة النِديّة الحرة إن لم يظهر بشكل مطلق كان ظهوره بشكل نسبي عال جداً إذا ما قورن بالماضي، اليوم تجد المرأة تشكل القوى الدبلوماسية والدفاعية والمجتمعية والمدنية وعلى رأسها التنظيمية والبيئية، فتجد روح المرأة التي تعكس الحياة تغلب على المنطقة كونها أدركت انها الحياة والحرية.
تشكل المرأة أكثر من 60 % من القوى المجتمعية التي تدير المنطقة من ناحية التعليم والتربية والتنظيم وتشكل أكثر من 30 % من القوات العسكرية ناهيك عن قوى الأمن الداخلي والحماية الجوهرية وقوات الدفاع الذاتي.
وبات هذا التغيير متشعباً وبجذور عميقة في أصغر خلية وأقدسها وهي العائلة، فكان طرح القائد لنموذج العائلة الديمقراطية والحياة المشتركة الدافع الأكبر لحصول هذا التغيير، والظروف التي مرت بالمنطقة من هجمات واغتيالات بحق النساء القياديات كان اثباتا على أن المرأة أضحت القائدة للجيش والمجتمع حتى اضحت هدفا للدول التي تتبنى النهج السلطوي والمعاني من فوبيا تحرر المرأة.
اليوم تجد العائلة كلها تشارك في تنظيم المجتمع وتجد الرجل بنسب منطقية يتقبل الحياة النِديّة الحرة وأصبح مدركاً لقوة المرأة كونها اثبتت نفسها بجدارة ورمت وشاح الخوف لا بل واحرقتهُ.
بالنتيجة؛ على المرأة أن تدرك تماما، أن مشاركتها في الميادين السياسية والعسكرية مهمة جداً، بالرغم من كونها معرضة لهجومات الثورات المضادة من قبل النظم الدولتية. بالطبع هذا يعني بأنها ستواجه الصراع مع البنى الدولتية، على هذا الاساس عليها السعي لخلق كيانات سياسية لا تهدف لبناء الدولة، بل تكون ديمقراطية تهدف إلى ارساء حرية الجنسين، وبناء المجتمع الأيكولوجي.
فالأفكار السلطوية والدولتية هما أكثر المسارات معاكساً لطبيعة المرأة، فلن يسعنا أن ننعم بـ الحياة النِديّة الحرة، التي لا تتقبلها نظام الحداثة الرأسمالية، إلا بالنضال والكفاح لأجل الوصول للحياة المفعمة بفلسفة الشراكة النِديّة الحرة. كما ينبغي تربية الأجيال الناشئة على ذهنية الحرية والحياة المشتركة، وبهذا سوف تتشكل اللبنة الأساسية لبناء جيل كامل يعتنق نهج الحياة النِديّة ويعيش بمساواة وحرية الجنسين دون أن يكون هناك جلاد وضحية أو غالب أو مغلوب.