قضية المرأة … وتشكيل نظام نسائي كونفدرالي ديمقراطي

قضية المرأة … وتشكيل نظام نسائي كونفدرالي ديمقراطي

“المرأة هي العنصر الرئيسي والأساسي في تنشئة الحياة

ولعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة

وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها

على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات”

 

جيان حسين

 

منذ تأسيس الكون والطبيعة وتأسيس الحياة فيها اعتمدت على نظام الثنايات في الحياة (الحياة – الموت) (الخير – الشر) (السلام – الحرب) (المرأة – الرجل) ولا يمكن الفصل بينهم أو الاعتماد على إحداها دون الأخرى.

وإذا عدنا إلى التاريخ وخاصة في عهد المجتمع الطبيعي الذي أدارته المرأة بكل قوة وعزيمة وإصرار، في ذلك الوقت كان للحياة معاني حلوة وإيجابية إذ كانت المرأة هي الرائدة والقائدة في مجتمعها وكانت تكتشف وتخترع الآلات وتبني علاقاتها وتطورها مع الجوار وكانت تعرف كيف تحمي منطقتها أثناء الحروب والهجمات.

 وكانت تكتشف الأدوية وتعالج أطفالها لذا كانت الحياة مستمرة بهذا الشكل الإيجابي والجميل إلى أن تم إبعاد المرأة عن المشاركة في كل مجالات الحياة وخاصة مع ظهور الرأسمالية.

لقد أصبح كل شيء بيد الرجل والدولة يتحكم فيها حسب رغبته، ومع امتلاك الرجل زمام الأمور أصبحت المحبة والعدالة والتسامح غائبة في الحياة، وانتشرت مكانها حب السلطة والتملك والأنانية والتي أدت بدورها إلى انتشار الحروب والأزمات في كل المجتمعات وظهور المشكلات الاجتماعية في المجتمع، وإخراج المجتمع من كينونته وإبعاده عن جوهره وخاصة عند تشكيل (المدينة، الطبقة، الدولة، الاحتكار)، ظهرت عدة قضايا اجتماعية في المجتمع وهي:

  • قضية السلطة والدولة
  • قضية المجتمع الأخلاقي والسياسي
  • القضية الذهنية
  • القضية الاقتصادية
  • القضية الصناعوية
  • القضية الأيكولوجية
  • قضية التعصب الجنسوي
  • قضية التمدن
  • قضية التمايز الطبقي والبيروقراطية
  • قضية التعليم والصحة

مع ظهور كل هذه القضايا في المجتمع أثّر وبشكل سلبي على المرأة ودورها في المجتمع وإبعادها عن مجالات الحياة، فقط حصروا المرأة بأن تكون أداة للجنس وآلة للإنجاب ويداً عاملة بدون أجر، وأصبحت قضية المرأة منتشرة في كل المجتمعات وكلنا نعلم أن حل قضية المرأة في أي مجتمع هي منبع حل كل القضايا في المجتمع لذا يتطلب منا:

أولاً: إعادة بناء الحياة في المجتمع بيد المرأة

كانت قضية المرأة من القضايا الأساسية التي كانت ملفتة للقائد والمفكر عبد الله أوجلان منذ صغره عندما تزوجت صديقته (أليف) وهي ما زالت طفلة وتم تزويج أخته مقابل مهر، والاضطهاد الذي عانته المرأة جعله يفكر بقضية المرأة ويركز عليها. وكانت له بمثابة عقدة كان لابد إيجاد حل لها، وتحولت قضية المرأة لديه إلى قضية استراتيجية وجزءاً لا يتجزأ من الثورة المجتمعية.

المرأة هي العنصر الرئيسي والأساسي في تنشئة الحياة ولعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، المرأة هي الحاضنة لجميع الأفراد الذين ينتمون إليها سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة ولا يمكن أن يحدث استقرار اجتماعي ودفء أسري في نسيج الأسرة إلا من خلال الأمن النفسي للمرأة وتلاحمها وهي التي تجدد وتوطد العلاقة بين جميع الأطراف.

ولأن المرأة هي النفس وروح الحياة التي تبعث السلام والأمن للجميع، ويتم الاعتماد عليها في كل أمور الحياة وهي من أساسيات تكوين المجتمع وتقدمه، لأنها مربية الأجيال وصانعة الحضارة تتحمل مصاعب الحياة وآلامها وتعتبر رمز العطاء والبذل من أجل الآخرين، فبدأت المرأة بالتعرف على ذاتها، ونفض الغبار عن طاقاتها الدفينة وقدراتها المقموعة. فتكون مؤهلة لمعرفة ما يدور حولها وتضع الحلول البديلة، وتصبح منفتحة على التغيير والتطوير نحو الأفضل.

ثانياً: حرية المرأة

إن المجتمع لن يكون حراً ما لم تكن المرأة حرة، وإن حرية المرأة هي التي تحدد مستوى الحرية الاجتماعية، فإن المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان، يؤمن تماماً بأن المرأة هي محور الحياة بل إنها الحياة بذاتها وأنها تمثل جوهر الإرادة والإبداع والروح الإنسانية النبيلة والضمير الجمعي العادل.

حرية المرأة هو إيصال جنس المرأة الذي مازال يعاني من العبودية إلى مرحلة تتمكن فيها المرأة من اتخاذ القرارات التي تمسها وتطورها بشكل واعٍ، لذا يجب أن تتحرر المرأة من سيطرة الرجل على حياتها، وأن تتغلب على ظاهرة السلطة المهيمنة في المجتمع.

فإن الحرية تعني تبني الحياة بكافة ميادينها، وما دمنا نحن النساء طالبنا حقوقنا في الحياة لذا يجب أن نقوم بدورنا في هذه الحياة، فما علينا إلا تحمل مسؤولياتنا في مسيرتنا الشاقة نحو الحرية. وأياً يكن، فثمن الحرية غالٍ، ويقتضي منا خرق الكثير من الجدران، والتفكير في كل جديد وغير مألوف، وعدم الاعتراف بشيء اسمه مستحيل.

تناول القائد والمفكر عبد الله أوجلان قضية حرية المرأة بالتوازي والتداخل مع قضية التحرر الوطني وهنا تحقق إنجاز (ثورة داخل ثورة)، إن تحرر المرأة من العبودية وتداعياتها منذ آلاف السنين يشكل بحد ذاته ثورة، هذا تحديداً ما ميّز حركة الحرية الكردستانية عموماً وحركة حرية المرأة الكردستانية خصوصاً عن غيرها من جميع الحركات السابقة، لعل أهم الخطوات الملموسة التي خطتها حركة حرية المرأة الكردستانية، هي أن تطلعت إلى خرق كل المجالات التي من المعروف أنها حكر على الرجل فحسب. ذلك أن حينما يكون الموضوع متعلقاً بتحرير الوطن، وبتحرير الفرد والمجتمع، وبناء حياة حرة مشرفة وكريمة، فإن هذا يعني ضرورة المشاركة في كافة مجالات الحياة وعلى كافة الأصعدة، وهذا ما معناه التشبث بمبدأ التشاركية في كافة المناحي والميادين، لذا فالحرية هي منبع الأخلاق.

ثالثاً: المساواة بين الجنسين

أن يكون للنساء والرجال نفس الفرص والحقوق والالتزامات في كافة مجالات الحياة المختلفة، وألا يتم التمايز بينهم وإبعاد أحدهم والتركيز على طرف واحد دون الآخر، لأنهما العنصران الأساسيان لبناء عائلة ديمقراطية وحياة نِديّة مشتركة ومجتمع ديمقراطي متماسك.

رابعاً: علم المرأة ( جنولوجيا )

هو (علم المرأة والحياة) والحياة (وعي وإدراك)، وأن الوعي الصحيح يأتي من قوة المعنى، وهو علم الجمال الرافض لكل القوالب الدعائية والمادية الجامدة لبناء الفكر الطبيعي للمرأة والرجل والطبيعة الاجتماعية، لذا يجب التعمق في هذا العلم لأنها هي الحل للتخلص من التمييز الجنسي ودوغمائية الأسرة وزيادة النسل.

خامساً: تأسيس نظام دفاعها الذاتي

إن تشكيل جيش المرأة خطوة مهمة على طريق دفاع المرأة عن ذاتها بإرادتها وبهويتها وبلونها وطابعها هي، برؤيتها هي، كما إنه يعني المشاركة الفعالة بل والريادية في صنع القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالأرض والوطن والشعب، بعد أن دخلت المرأة مجال الأمن والدفاع عن الذات والوطن، وأسست جيشها الخاص بها لتدافع عن قيمها وأرضها وشعبها.

ولاحظنا هذا النظام في حركة التحرر الكردستاني كيف أن المرأة حملت السلاح ودافعت عن أرضها إلى جانب الرجل، وكيف أصبحت قيادية تقود الثورات الكردستانية وتضع بصمتها عليها بحيث يغلب عليها الطابع النسوي. ولاحظنا في روجآفايي كردستان شمال وشرق سوريا تأسيس وحدات حماية المرأة YPJ   التي هزمت أعتى تنظيم إرهابي في العالم المتمثل بداعش وقد سميت ثورة روجآفا (بثورة المرأة) وكان لها تأثير على العالم أجمع، وأصبحت إلهاماً ومصدر قوة لكل النساء التوّاقات للحرية، وبعدها لاحظنا وجود المرأة في جميع مناحي الحياة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

سادساً: الاستقلال الاقتصادي للمرأة

كلنا نعلم بأن المنتجة الأولى في الحياة هي المرأة والتي اهتمت بالزراعة وتربية الحيوان والصناعة والتجارة وكان هناك عدة نساء اشتهرن في هذه المجالات، وهي التي اكتشفت الزراعة في عهد الأمومي (النيولوتي) لذا يجب أن يكون لها استقلالها الاقتصادي وتنشأ كوبراتيف (جمعيات تعاونية) خاصة بها وتعتمد على قوتها وإبداعها في تطوير اقتصادها المجتمعي.

سابعاً: مشاركة المرأة في العمل السياسي ومراكز صنع القرار

منذ تأسيس الدول تم إبعاد المرأة عن كل مجالات الحياة بشكل عام وعن المشاركة السياسية بشكل خاص، لذا يجب أن تكون مشاركة في العملية السياسية والتفاوض من أجل إحلال الأمن والسلام لأن المرأة بطبيعتها ميّالة للسلام والاستقرار.

ثامناً: تشكيل نظام نسائي كونفدرالي

يجب على المرأة أن تؤسس نظام نسائي كونفدرالي ديمقراطي خاص بها إلى جانب دورها في النظام العام، وأن يكون لها مبادئها الأساسية في الحياة وتصدر قوانينها، وان تحافظ على المكتسبات التي تحققت منذ التاريخ إلى الآن وتحقق مكتسبات أخرى وجعلها مُلك لكل النساء اللواتي يسعيّن للحرية والديمقراطية.

ويعتمد هذا النظام على التنظيم الذاتي والإرادة الذاتية والإدارة الذاتية ابتداءً من المستوى المحلي نحو الأعلى، ويعتمد على الكومونات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات، وعلى تشكيل اللجان فيما يتعلق بتنظيم الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأيكولوجية والتعليمية والصحية والدبلوماسية والقانونية ومجالات الإعلام والنشر والإدارات المحلية والدفاع الذاتي.

انطلاقاً من واقع الشرق الأوسط ومن واقع المرأة الشرق أوسطية والسياسات المفروضة عليها تاريخياً وراهناً، فإنه لابد من إيجاد سبل ووسائل النضال التحرري المشترك الهادف إلى صياغة الحلول الجذرية على صعيد المرأة والمنطقة في آن معاً، بناء العلاقات والتواصل مع كافة النساء في العالم من أجل كسب المهارات وتبادل الخبرات وبناء جسور التواصل من أجل إيجاد حل لقضية المرأة وتوحيد صوت المرأة ونضالها التحرري لأنها قضية واحدة وجامعة في كل العالم.

يربط المفكر عبد الله أوجلان المرأة بطبيعة الحياة وتفاعلاتها فيرمز إليها بطاقة الكون المحركة لكل التفاعلات البنيوية في الحياة الحسية الملموسة. فيرى كل الأشكال المادية الملموسة والمحسوسة في الطبيعة هي شكل من أشكال الطاقة الكامنة في الأصل في تكوين المرأة، وإن طاقة المرأة لا تتجمد بل هي حرة التشكيل والتطوير بعكس الرجل الذي تتحول طاقته إلى أشكال مادية متجمدة.

يقول المفكر عبد الله أوجلان: “إن المرأة التي تفكر بقوة وتعطي قرارها بإرادة ومعنى وحقيقة، هي المرأة التي أستطيع أن أقول عنها بأنها تخطت فلسفتي وأراها مخاطبتي في النقاش”.