أيديولوجية تحرير المرأة… قوة حل للقضايا والمجتمع الديمقراطي
أيديولوجية تحرير المرأة… قوة حل للقضايا والمجتمع الديمقراطي
“الجمال هو تحديد معايير السلوك والتصرف
وفق علم الجماليات والفضيلة.
فإذا كان جوهر الحياة الفاضلة يتجسد في الوعي الحر
والتنظيم الرصين،
فإن معايير الجماليات تعني
ترسيخ ذلك إلى سلوكيات راقية ولغة فاضلة”
عدالت عمر
شهدت منطقة الشرق الأوسط ميلاد الأيديولوجيات على الدوام منذ بدايات تطور البشرية وحتى يومنا هذا، لذا من المهم إدراك دوافع ولادة هذا القدر من الأيديولوجيات الكبرى في الشرق الأوسط، وأسباب وصول شعوبه اليوم إلى حالة تفتقر فيها إلى القوة، وتعاني الفشل الذريع باستمرار، يتوجب الفهم لماذا بدأ التاريخ البشري بالإلهات الإناث، لا بالأسلاف والآلهة الذكور؛ وعقد الروابط بين هذا الأمر والواقع المعاش حالياً.
إن الأيديولوجية هي إحدى الظواهر التي تزامنت مع ظهور التحول الاجتماعي، فتنظيم الإنسان لشؤون حياته اليومية، واختراعه الأدوات، واكتشافه الزراعة، ونقله المعارف للأجيال، كل ذلك قد أبرز معه شكلاً للحياة، وحمل كل ذلك هوية المرأة الأم وبصماتها، فهي صانعة الهوية الأيديولوجية للمجتمع الطبيعي، وهي أيديولوجية تشاركية تعددية، خالية من الاستعباد والتحكم، ومشحونة بالعدل والمساواة، يرتقي فيه الإنسان عن باقي الكائنات في تناغم وانسجام. ولذلك فقد تميّزت بمكانتها العظيمة وألوهيتها المقدسة، إنها المسؤولة عن تكوين الحياة الاجتماعية وجامعة الشمل، لمحصلة ذكائها العاطفي من جهة، وما تعلمتها من الطبيعة من جهة أخرى.
لكن ومع ظهور الأنظمة الدولتية السلطوية، وظواهر التمايز الطبقي والهرمية، ومع تغيير شكل الإنتاج وشروع الرجل باكتساب مزايا مختلفة في الساحات الإنتاجية، والمشاعر والأفكار والحالة الروحية المختلفة عما هي لدى المرأة التي أبدعت المجتمع النيوليتي، وبروز بديل لها على أساس الهيمنة الذكورية، ما أدى بدوره مع مضي الوقت إلى تشكيل كيان جديد بديل للنظام الأمومي ومختلف عنه، وتطور نظامه ضمن نطاق أيديولوجية ذكورية تسلطية، بعد أن تمأسس في ميادين العاطفة والروح والفكر أولاً، ومن ثم تمأسس وتوطّد ليجلب معه صراعاً بين الأنظمة.
وبذلك يخبو نجم الأسماء الأساسية للإلهة – الأم (باللغة الآرية – ستار/السامية – عشتار/ بالسومرية – إينانا/ بالحثية – كيبالا/ بالهندية – كال/ وغيرهن)، ويتم السمو بأسماء الإله – الرجل، وتكريس ومأسسة أيديولوجية الرجل السلطوية، على حساب اغتصاب قيم المرأة وكدحها وانكسارها الجنسي، أي ضد هوية المرأة وأيديولوجيتها، وتتحول من ذات فاعلة إلى موضوع شيء للتحكم بها، وتترسخ عبوديتها تدريجياً، لتشمل معها عبودية الأطفال والشباب، لتسري على المجتمع بأكمله. لتغدو بالتالي كل المواقف وكل الأيديولوجيات، ومنه كل التنظيمات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العسكرية …الخ، المعتمدة عليها ذات هيمنة ذكورية حاكمة.
وهكذا تستشري ظاهرة المجتمع الجنسوي، الحروب المهوِّلة، الإبادات العرقية والمجتمعية، التفسخ والانحراف الثقافي، التسلح النووي، اختلال المناخ، دمار البيئة، المجتمع الاستهلاكي، التضخم السكاني المفرط، السرطان البيولوجي، الأمراض الجنسية، الأزمات، والنتيجة هي اختناق المجتمع بالقضايا العملاقة، وتحوله إلى مركز عام لإنتاج البطالة والبؤس والفقر.
والأنظمة الرأسمالية عملت ومازالت تعمل إلى إبعاد الشعوب عن قدرتهم الأيديولوجية، لينسوا ماضيهم، ويبقوا فاقدين لذاكرتهم، ويكونوا فريسة سهلة، وعرضة للصهر والانحلال، لأن هذه الأنظمة تعلم أن سر نجاحها للوصول إلى غاياتها ومصالحها تكمن في استبعاد الشعوب عن هوياتهم الأيديولوجية، وحرمان مجتمع ما من الهوية الأيديولوجية أو بقائه بدون هوية أيديولوجية، يعني أن مقاييس الرفض والقبول لديه معدومة، ويصبح مجتمعاً منفتحاً على التلقي دوماً، خالٍ من الإبداع، غير واثق من نفسه، ويهرع وراء الآخرين.
تجربة الاشتراكية المشيدة
انبثقت تجربة الاشتراكية المشيدة المعاشة في الاتحاد السوفييتي وهي عازمة على أن تكون البديل لنظام المجتمع الرأسمالي، لكنها انهارت، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عجزها عن خلق البديل على الصعيد الأيديولوجي.
والنظام الرأسمالي المهيمن يجهد على قدم وساق لأسر وجدان الإنسان وقلبه وعقله بألف وسيلة وحيلة كي لا تتكرر مثل هذه التجربة مرة ثانية على الإطلاق. كما لجأ وبكل قوة إلى تطوير نهج عدمية الأيديولوجية واليوتوبيا في الإنسان، وسعى لتكريس مخططاته للوصول إلى مآربه، ولهذا انهال بكل جبروته على ساحة الشرق الأوسط التي تتميز بميراثها التاريخي العريق في إبداع الأيديولوجيات، وبدأ بمخططه هذا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ولكن هذا النظام لم يتمكن من تكريس ذاته كلياً – على الرغم من أنه استطاع خلق بعض التغييرات في عدة أماكن، وأخرجها من كونها خطر يهدده بعد أن أفرغها من محتواها تماماً – ذلك أنه ثمة قوة خفية مختلفة في الشرق الأوسط، تتوارى في جغرافيته وتنبع من تاريخه، إنها الأصل الأيديولوجي الذي تمخض عن ميلاد البشرية في الشرق الأوسط، ليكون شاهداً على بداية المجتمعية وإبداع العديد من الاكتشافات والعلوم والتقنيات الموجودة اليوم، وما هذا سوى الحقيقة عينها التي ترتكز إلى العهد النيوليتي، فالشرق الأوسط قد أوجد الثورة النيوليتية وأحدثها، وحقق وجوده من خلال الفكر والنظام المتمحورين حول المرأة على مدى آلاف السنين. رغم كل محاولات الانحطاط والتهاوي إلى الحضيض، إلا أن هذه الحقيقة ما انفكت تتوارى في جوهر المنطقة، وهي نفسها الجوهر الخفي والقوي الذي أوجد كلاً من حزب العمال الكردستاني وحركة حرية المرأة الكردستانية المترسخة ضمن صفوفه.
حركة حرية المرأة الكردستانية
شهدت نضال حركة حرية المرأة الكردستانية بدايات تاريخية على غرار البدايات التي شهدتها البشرية في فجر التاريخ وعلى نفس البقعة الجغرافية، فلأول مرة بعد آلاف السنين من العبودية المتجذرة بدأت المرأة بتحطيم القيود التي تحيط بها، فبدأت بذلك تتعرف على ذاتها، وتنفض الغبار عن قدراتها وطاقاتها، وتحلل ذاتها وتصقل شخصيتها، وتحقق التوازن النموذجي بين ذكاءَيها العاطفي والتحليلي، حيث ناهضت الذهنية الذكورية منذ البداية وحتى اليوم، وخلَّفت وراءها إرثاً نضالياً زاخراً يزداد غنىً في راهننا، وتمثل طاقةً تاريخية واجتماعيةً على صعيد هويتها الأيديولوجية، وهي الأكثر ديناميكية وحيوية من ناحية الجوهر التحرري الذي تحتويه.
إن القرنين التاسع عشر والعشرين عموماً، والقرن الحادي والعشرين خصوصاً، مليء بمثل هذه الخطوات النضالية النسائية إيجاباً كان أم سلباً، وما نجم عنها من تقدم ملحوظ أو تعثر لا يُستَهان به. وهنا بالذات تنفرد حركة حرية المرأة الكردستانية بقراءتها الأقرب إلى الموضوعية والشاملة المرتكزة إلى استنباط الدروس من كل هذه التجارب والنضالات التاريخية والراهنة بهدف إغنائها والرقي بها، فإلى جانب الكفاح القومي والصراع الطبقي والنضال الثقافي والاجتماعي الذي تخوضه حركة حرية المرأة الكردستانية، فإنها تطمح إلى تعبئة ذاتها والتأهب من كل النواحي لترك بصماتها على القرن الحالي بهوية المرأة وبإرادتها وفكرها، أي بأيديولوجيتها.
لكن الإمبريالية سعت للقضاء على الثورة الكردستانية من خلال استهداف قيادة حزب العمال الكردستاني، وذلك كي تستطيع إعلان نجاحها في العالم، وبينما كانت المؤامرة الدولية تتأهب للإطاحة بآخر ثوري وتجفيف منبعه، صرّح القائد عبد الله أوجلان في تلك الأثناء ضمن تقييماته، أنه يستلزم ألا تصاب الثورة الكردستانية بالفشل، وألا يُستَقبل هذا القرن بالغياب الثوري فيه.
بناءً على ذلك تشكّلت أيديولوجية تحرير المرأة، التي أعلن عنها القائد في 8 آذار 1998 بُعداً هاماً وحيوياً لهذا الإصرار والعزم الذي لا يلين.
إن سنة 1998 لافتة وتنفرد عن غيرها من السنوات، ذلك أن المستوى الذي وصلته الحركة من جهة، والإرث النضالي المتراكم كمياً، والخطوات النوعية التي خطتها حتى ذاك العام، قد حتَّمت تحويل كل ذلك إلى نقلة نوعية جديدة بمستوى أرقى، وقد تجسدت هذه الخطوة في إعلان “أيديولوجية المرأة التحررية“.
وهي أثمن هدية يمكن إهداؤها إليها في هكذا مناسبة مباركة، وعربوناً للتوجه بنضالها نحو الآفاق العالمية، وبذلك انفرد القائد أوجلان بكونه أول قائد يطرح هكذا فكرة استراتيجية غير مسبوقة، فكانت هذه من أهم الخطوات التي مكَّنت المرأة الكردية من الاستعداد لكل الاحتمالات المستقبلية، والتحلي بالآفاق الخلاّقة والحديثة وبالدينامية الكافية للنفاذ من الفوضى المرتقبة، فبذلك فقط يمكن التغلب على الجنسوية الاجتماعية المستشرية في العالم، والتوجه بسداد وثبات نحو تأسيس الحياة المستقبلية الحرة في خضم الزوابع الفوضوية التي بدأت تعصف بالمنطقة.
إن القائد أوجلان أضاف أبعاداً جديدة للاشتراكية مع طرح إرشاداتها بصدد أيديولوجية تحرير المرأة، وحاكمت كل الأيديولوجيات المنتمية للنظام الطبقي الأبوي والإمبريالي – الرأسمالي مجسدة في شخصية الرجل، ووقف في وجه كل أشكال التسلط والاضطهاد والاستغلال، واعتبر قضية تحرر المرأة بأنها قضية تحرير الإنسانية في الوقت ذاته، ويحتضن الجانب الديمقراطي أيضاً من الثورة، ولا يعد مجرد حملة تستهدف السمو بنشاط المرأة، بل تتضمن تصدياً للمؤامرة الدولية وإفراغاً لتحضيراتها من محتواها بالقيام بحملة مضادة لها باسم الشعوب المضطهَدة، وبنفس السلاح الذي استُعمِل للحطّ من شأن هذه الشعوب، ذلك أن هذه المؤامرة الدولية كانت تستهدف نضال الحرية والشعب الكردي والشرق الأوسط برمته، متمثلاً في تحاملها على القائد، هذه هي الحقيقة ذاتها التي أصابت النظام الامبريالي بالهلع، واستفزته ليدبر مخططات حبك المؤامرة الدولية نتيجة ذلك، باعتبارها إحدى الظواهر الأساسية التي يهابها ويخافها.
السلام والديمقراطية
إن درب الحل المرتقب لكافة القضايا، بدءاً من تكريس السلام والديمقراطية وحتى حل القضايا الاجتماعية الرئيسية التي تعاني منها البشرية، يمر من هذه الأيديولوجية، وانطلاقاً من ذلك، فأيديولوجية تحرر المرأة بحد ذاتها هي أيديولوجية تحرر الإنسان، كلما تعمقت الأيديولوجية في شموليتها وأبعادها، كلما انعكس ذلك على مستواها التنظيمي.
بمعنى آخر، كل قفزة أيديولوجية يتمخض عنها تعاظم تنظيمي، وهذا بدوره يؤدي إلى التصاعد العملي وبالتالي النضال، كما إن الأيديولوجية التحررية المتمحورة حول المرأة، بموجب انتقادها للاشتراكية المشيدة في ظروفنا الراهنة التي تسودها الرأسمالية الليبرالية، ليست أيديولوجية فامينية، أي لا تستهدف تحرر جنس لوحده، بل إنها تتبنى مواقف تطرح إرشادات الحلول اللازمة للقضايا الرئيسية التي تشغل جدول أعمال الإنسانية، بدءً من حل مشاكل الحرب، وحتى تكريس عالم سلمي حر، ومن التناقضات الطبقية، إلى تناقضات الطبيعة –الإنسان، وتناقض الطبيعة –الإنتاج، وحتى التناقض بين الجنسين أيضاً.
كما إن أيديولوجية تحرر المرأة المستهدِفة لتحرير العائلة الإنسانية بطليعة المرأة، تعمد إلى حماية التوازن البيئي الطبيعي لعالمنا الذي نعيش عليه، وتأمين استمرارية الكائنات الحية التي هي على وشك الانقراض، وتجهد إلى إيجاد الحلول اللازمة لذلك، وتناهض كل حرب أو قتل يلجأ إلى العنف خارج نطاق الدفاع المشروع.وعلى هذا الأساس، حدد القائد خمس مبادئ أساسية للأيديولوجية التحررية المتمحورة حول المرأة، والتي غدت مُلكاً للإنسانية كثمرة للدراسات التاريخية والأيديولوجية العميقة.
1 – الوطنية:
أن التشبث بالأراضي التي نشأت فيها، هو أول مبدأ لأيديولوجية تحرر المرأة، ذلك أن أي فكر أو نظام أيديولوجي منقطع عن جذوره لا يمكنه حماية وجوده بتاتاً، على المرأة أن تعيش على أرضها، والذي يوصف بالتعبير الحديث بمصطلح “الروح الوطنية” ارتباطاً بآفاقه التاريخية والراهنة.
2 – الإرادة الحرة والفكر الحر:
أن إرادة كل من المرأة والرجل على السواء قد تحطمت مع نشوء المجتمع الطبقي، إذ ينبغي على المرأة أن تشارك في الحياة تأسيساً على فكرها الحر وإرادتها الحرة، وهذا ما يعني ضرورة تحديد معاييرها الخاصة بها وبفكرها وهويتها ونضالها وحياتها، وبالمقابل، ينبغي على الرجل احترام ذلك وتنظيم ذاته أيضاً بموجب ذلك، وهذا ما سيشكل بالتالي سداً منيعاً أمام الرياء والزيف والخداع السائد في العلاقات الاجتماعية عموماً، وفي العلاقات بين الجنسين خصوصاً.
3 – الحياة المنظمة التشاركية الحرة:
لقد زج بالمرأة والشعوب تحت حاكمية الهيمنة الأيديولوجية في المراحل التاريخية السابقة، ومع تطور السطوة والنفوذ فقدت المرأة نظامها وتنظيمها المتحمورين حولها لآلاف السنين، ومع خسارة هذا التنظيم بدأ تاريخ خسارة المرأة والشعوب والبشرية جمعاء.
وهنا بالذات يتضح الهدف من المبدأ الثالث لأيديولوجية تحرر المرأة في إيقاف هذه الخسائر، وإعادة بناء مستوى تنظيمي قوي في المجتمع متمثل في شخصية المرأة، تماماً مثلما كانت عليه الحال في بدايات التاريخ، إذ من الضروري ألاّ تبقى امرأة واحدة من دون تنظيم تنتمي إليه وتُنمي ذاتها فيه، كأهم شرط للكفاح ضد كل من يسلب منها إرادتها وهويتها.
4 – تطوير النضال على أساس الإرادة الحرة والمشاركة في الحياة بالتساوي:
إن هذا المبدأ هو إحياء المبادئ الثلاثة الأولى، وبناء المجتمع الحر والمرأة الحرة يمر عبر خوض نضال دؤوب وعنيد، وأن المشاركة أيضاً يمكن أن تنفذ في محور هذا النضال، ومع هذا التنظيم يتوجب على أيديولوجية تحرر المرأة أن تعتبر حياتها كلها كنضال دؤوب لا ينضب، ذلك أن حبس هوية المرأة بين الجدران الأربعة لم يحصل إلا نتيجة انعدام النضال، فأنيطت بها الأعمال المنزلية والانشغال بالأمور الثانوية. لذا يتوجب عليها خوض نضالي كلي شامل بطابعها هي، وبرؤيتها وإرادتها الحرة، وحسب خصوصياتها في كافة مجالات الحياة التي سُلبت منها بعدما كانت رائدةً فيها.
5 – إعادة البناء على أساس مفاهيم ومقاييس وأنماط جديدة، :مبدأ العلاقة بين الحياة والجمال
فالمرأة الموجودة على هامش الحياة إما أن تمتثل لقدرها بخنوع أعمى، أو أن تشارك في الحياة حسب هواها، وفي كلا الحالتين فقد أصبحت سلعة زهيدة بخسة، لأنها تفتقر إلى القوة والمساهمة حسب جوهرها هي، لذا من الضروري نسج وتكريس الحياة الجميلة خطوة بخطوة، لأنها حياة عظيمة وثمينة.
والمقصود من الجمال هنا هو تحديد معايير السلوك والتصرف وفق علم الجماليات والفضيلة. فإذا كان جوهر الحياة الفاضلة يتجسد في الوعي الحر والتنظيم الرصين، فإن معايير الجماليات تعني ترسيخ ذلك إلى سلوكيات راقية ولغة فاضلة. وبذلك فقط يغدو بالإمكان استرداد الحب المفقود، وإعادة المضمون الأصيل إلى مصطلح العشق، وتمكين الاحترام المتبادل، وبذلك فقط تغدو الحياة جميلة فاضلة.
بمعنى آخر، التحلي بجمال الروح وانعكاس ذلك على الشكل والسلوك، وبالتأسيس على ذلك تغدو الحياة مع المرأة جميلة، وتصبح العلاقة بين المرأة والرجل ثمينة.
نظرية الانفصال:
نظرية الانفصال هي محاسبة واقع إبعاد الجنسين عن جوهر الإنسان وعن القيم الإنسانية النبيلة، عن طريق منطق الملكية الخاصة للنظام الذكوري والأبوي المهيمن، ومحاسبة ما ينجم من تأثيرات متمخضة عنه، إنها الدرب المؤدية إلى بناء العلاقة الحرة من خلال محاكمة علاقة السيد – العبد القائمة بين الجنسين والقضاء عليها، كذلك هي أسلوب التوجه قدماً نحو الحياة الحرة بالتنبه لواقع العبودية التي يتخبط في كلا الجنسين، واسترجاع جوهر الإنسان الذي استهلكه النظام المهيمن وفض الغبار عنه وتجسيده في الحياة.
تستهدف “نظرية الانفصال” المطروحة بريادة المفكر عبد الله أوجلان إلى بناء أرضية المرأة الحرة والرجل الحر، أي الحياة التي سيعيش عليها الإنسان الحر، وهو ليس فامينياً، بل أسلوب نضالي يسعى لفصل كلا الجنسين عن واقع النظام والمتسلط لتحقيق استقلاليتهما، وهو أسلوب من أساليب صراع الشخصية، بحيث تسعى لتجفيف أرضية الهيمنة لدى الرجل والعبودية لدى المرأة من الوسط الموجود، وبسبب عدم تطور قوة الإدراك الكافية – سواء لدى المرأة أو الرجل – لتفهم نظرية الانفصال في مراحلها الأولى، ظهرت المواقف الخاطئة والمستعصية، واعتبر الأمر محصوراً في الانفصال الجسدي والمكاني فحسب بين الجنسين، بالتالي نظرت المرأة إلى الرجل بمعناه الجسدي الفظ كجنس، وقامت برفضه بفظاظة، بينما سعى الرجل بكل ما في وسعه إلى إبراز نواحيه المتسلطة، واحتدمت ردود الفعل الفظة بين الجنسين، إلى أن قام القائد بتحقيق الانفتاحات الأيديولوجية مع مرور الزمن، وبلغ الجنسان مستوى ملحوظاً من التعمق والإدراك السليم لصلب الموضوع.
ولكي تتسم المرأة بشخصية حرة ذات إرادة حرة عليها التعرف على ذاتها والتعريف بها، وكشف النقاب عن إرادتها الذاتية، وإعداد الأرضية المساعدة لوصولها إلى الثقة بالذات.
لم يعد هناك أرضية يبقى فيها الرجل لوحده – كما كان في الماضي – أو يتقرب من المرأة وفق المزايا التي يمنحه المجتمع إياها، أو يعتمد على السلطة والنفوذ في خداع المرأة والضغط عليها وإبراز قوته الرجولية، ليقيم العلاقة معها على أساس إرادة أحادية الجانب. هذا الوضع إنما يعاكس مبدأ الحرية والمساواة، ويخالف الأخلاق الجديدة للأيديولوجية التحررية المتمحورة حول المرأة.
إعلان أيديولوجية تحرر المرأة
إعلان أيديولوجية تحرر المرأة في عام 1998 من أهم أسبابها هي خلق أرضية لانطلاقة قوية للمرأة وقيامها بقفزة انعطافية تاريخية. بالطبع في بدايات تطبيق هذه التجربة والأيديولوجية ظهرت بعض النواقص والأخطاء في كيفية فهم هذه الأيديولوجية وتطبيقها الصحيح.
كما حُصِرت نظرية الانفصال في مجال ضيق دون إدراك بُعدها الهام والبارز في أيديولوجية تحرر المرأة، أو التنبه لأهميتها القصوى في خلق الشخصيات الجديدة وبناء الحياة الجديدة كلما زاد التعمق والتوسع فيها، فالانفصال عن كل الوقائع المؤدية إلى العبودية والتبعية، على أساس التحلي بإرادة حرة وشخصية حرة، إنما يعني الانفصال عن الهيمنة الذكورية والمرأة الرجعية المتكونة على مر آلاف السنين، فالحياة في نهاية المآل ليست سوى نيل الحرية وتكريسها على أساس العيش المشترك.
بعد المرور ببعض المراحل المخادعة وتحليل وقائعها وأحداثها، تمكّن كل من المرأة والرجل على السواء من معالجة نظرية الانفصال بمواقف أكثر صواباً وصحة وعلمية، وبلوغ مستوى رفيع لن ينحصر في أوساط التنظيم بين مناضلي الحرية، بل سيصبح ملكاً لكل الشعب والمجتمع مع مرور الوقت، أما نطاق ذلك فهو تعاقد المرأة الحرة مع المجتمع.