المفاهيم المتطرّفة وفلسفة الحياة النِديِّة الحرة

المفاهيم المتطرّفة وفلسفة الحياة النِديِّة الحرة

“تحقيق التعايش المشترك الحر

 يأتي من قوة إعطاء المعنى

 للجماليات والأخلاق،

وهو خالٍ من الازدواجية”

 

 

أفيندار مصطفى

 

كثيراً ما تعالت الأصوات مؤخرا ً لنسمع أن الشوارع ملأ صداها شعارات تحرير المرأة والمطالبة بالمساواة بين الجنسين. والسؤال الذي يجب طرحه هنا؛ هل ما تطرحه الأنظمة الموجودة هي عبارة عن قوانين مزيفة فقط، لتضمن بقاءها واستمراريتها؟، فاليوم عندما نتحدث عن حقوق المرأة فنحن نتحدث عن قوانين حقوق الإنسان وحقوق المرأة العالمية ولكن إلى أيّ حد هذه القوانين تستطيع ضمان هذه الحقوق المشروعة للمرأة؟

من الواقع نستطيع استنباط إطار المعاناة التي تعيشها المرأة اليوم، فقوانين الأنظمة الأبوية لم تكن حلاً وجواباً شافياً، وعلى هذا الأساس وكـ حل بديل عن جميع المشاكل الاجتماعية اعتمد قائد الكونفدرالية الديمقراطية عبد الله أوجلان على فلسفة “حرية المرأة” أساساً لبراديغماه الجديدة. بدون حرية المرأة، لا نستطيع الوصول إلى مجتمع حر وأخلاقي وديمقراطي.

 فالمرأة هي اللّبنة الأساسية في بناء المجتمعات، وعلاقة المرأة والرجل هي من أساسيات ضمان بناء مجتمع ديمقراطي يسوده الاستقرار والأمان. ففي كتاب “المرأة والعائلة” يحلل علاقة المرأة والرجل بميزان حرارة أيديولوجية لاستقرار المجتمع، لا يمكننا أن نفهم حقيقة ما تعيشه المجتمعات من كوارث، ولا يمكننا أيضاً تحليل الواقع الاجتماعي إذا لم نقيّم جيداً علاقة الرجل والمرأة.

 عندما نتحدث عن المرأة والرجل فنحن لا نتحدث عن علاقة بين جنسين (ذكر – أنثى) فقط من أجل استمرار الحياة والتناسل. فعندما يتم الحديث عن قضية حرية الرجل والمرأة فنحن لا نتحدث عن ذكر يرى فحولته باستضعاف أنثى، وينظر إليها كأداة جنس وتكاثر، فالمجتمع بطبيعته هو نسيج اجتماعي مترابط يقوم على أساس التكافل والتكامل والعدالة والمساواة، وعندما لا نستطيع تحقيق واقعية هذه القيم فنحن لا نستطيع ضمان حرية ودمقرطة المجتمعات.

الترابط الاجتماعي

فعلاقة المرأة والرجل تمثل سر التّرابط الاجتماعي وهي التي تحدد مصير المجتمع، لذا من الضروري خلق التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة على شكل حياة نِديِّة حرة قائمة على أساس الحفاظ على كِلا من الطرفين على وجوده وكينونته بعيداً عن تحكم أحد الأطراف بالآخر من أجل الرُقي بالمجتمعات للوصول الى حقيقة شكلها الأخلاقي والسياسي.

فالحياة والمجتمع يعتمدان بطبيعتهما على الثنائيات؛ /الطاقة – المادة/ الليل – النهار/ الموجب – السالب/ الأنثى – الذكر/ لذا اعتمد القائد على نهج نظرية “الثنائية” في الحياة من حيث تكوين حياة تشاركية حرّة ومجتمع ديمقراطي. حيث أعاد تعريف المرأة والرجل في كافة ميادين الحياة من حيث الذهنية المتواجدة لديهما، من حيث تركيبتهما البيولوجية ومن حيث علاقتهما مع بعضهما البعض.

منظور المرأة

تم تعريف المرأة من قبل الذهنيات السلطوية الحاكمة بتعاريف خارجة عن منظور المرأة فقيل عنها المشعوذة والساحرة ورفيقة الشيطان وأصل كل الرزائل، عَرفوا المرأة بأساليب تفكير مختلفة في الميثولوجيا والدين والفلسفة والعلم ولم يكتفوا بتلك التعاريف التي أصبحت أيديولوجية التحكم بالمجتمع، بل أيضاً جعلوها واقع مفروض على المرأة لدرجة صدقت المرأة بنفسها تلك الـتعاريف. ولم يكن الرجل بمنفى عن هذه التعاريف بظهور تعاريف المرأة الخانعة والضعيفة وأصل البلاء، ظهر إلى جانبها الرجل القوي والسلطوي والذي لا يُقهر.

ومن هنا بدأ أول خلل اجتماعي الذي حصل بالتمييز بين الجنسين لصالح الرجل، فظهرت لدينا ثنائية الرجل الحاكم – المرأة المستعبَدة. وهذا ما أسس للتمييز بين الكثير من الأشياء متمثلةً في ثنائية التمييز بين الذات – الموضوع. ومن حينها والبشرية عموماً تعاني آفات وكوارث هذا الخلل والتمييز الفظيع. لكن أكثر مَن يعاني من ذلك هو المرأة، التي تحولت انطلاقاً من ذلك إلى موضوع شيئي، بعدما كانت ذاتاً فاعلة، بل بعدما كانت محور الحياة وأُساسها.

ومنذ أن استُعبِدت المرأة وبُضِّعَت، تحولت المجتمعات إلى حشود استهلاكية مخصية، وفقدت الحياة معانيها الفاضلة واستُهلِكَت، فزالت قدسيتها ورونقها. بمعنى آخر، فاستهلاك الحياة في المرأة هو مؤشر رئيسي على الاستهلاك الاجتماعي وعلى نفاذ الثقافة المجتمعية الأصيلة. إذ تُفرَغ المصطلحات المقدسة من معانيها، وتُزوَّر الحقائق، ويُكتَب كل شيء بعين تحريفية بامتياز. وهذا ما يدل عليه راهننا بأفضل الأشكال.

حرية المرأة

ومن هنا لابد لنا بالتركيز على قضية تحرر المرأة لأن جميع الضربات التي مرت بها المجتمعات على مر العصور ومنذ أزل التاريخ، ولتبني الدولة أنظمتها السلطوية اعتمدت على كسر المرأة وحولتها من (إلهة العصور) الى عبدة على أبواب المعابد.

لذا، فحرية المرأة هو مفتاح الحل لجميع القضايا الاجتماعية العالقة، وبالطبع يّجدر الإشارة هنا أيضاً إلى تحرر الرجل فهو أيضا بدوره تعرض للاستعباد من قبل الدولة والسلطات الحاكمة وتبلور أساس فكره وشخصيته تبعاً لهذا الأمر، لذا لابدّ لنا ان نرسخ القيم ونرفع سوية النضال الذي يستطيع تخليص الرجل من ذهنيته الذكورية،  وذلك من أجل خلق توازن في معادلة المساواة  بين الجنسين وللوصول الى حياة نِديِّة تشاركية يمكنها تحويل شكل الحياة الاجتماعية الحقيقية والتي تحمل في طياتها جوهر وأصالة الإنسان التي لطالما سعت إليها النفس البشرية منذ أزلها.

فالنِّديِّة باصطلاحها تعني المساواة والحرية بين الجنسين المتخّذة (المرأة الحرة – الرجل الحر) أساساً بعيداً عن الانقياد والتبعية من كلا الطرفين فهي بجوهرها نضال الحرية والمساواة بين الجنسين.  فالحياة النِديِّة الحرة بين الجنسين تستلزم تطوير القيم البنيوية والعقلية (المادية – المعنوية) في بيئة اجتماعية إيجابية.

 العائلة ودورها الاجتماعي:

 كما نعلم أن الأسرة هي أساس المجتمعات وتتعلق بنيتها الاجتماعية على سلامة الأسرة السليمة القائمة على أساس التفاهم والمودة والمساواة، ويمثل كل من الجنسين كيانه من خلال التفاهم والتوافق بين الزوجين، ولكن بهيمنة الذهنية السلطوية باتت العائلة تمثل عضواً مشلولاً لا يمكن أن يمثل حقيقة نمط الحياة النِديِّة الحرة، ولا يمثل أي من الأطراف الآباء أو الأبناء سوى أشباه إنسان مكسي بجلدته.

فاستهداف كيان الأسرة يعني إلحاق الضرر بالبنية الأساسية المجتمعية، فسياسات الدولة جعلت من البيئة الاجتماعية كمجتمع قطيع يُساق حيث تريد الأنظمة، ولهذا تشهد مؤسسة العائلة تشابكاً معقداً ولا منقطع النظير. فالواقع السياسي والأيديولوجي والأخلاقي ينعكس سلباً على المرأة والرجل وما تعيشه مؤسسة الأسرة من تناقضات لا تقل أبداً عما تعيشه المؤسسات السياسية من مشاكل.

ففي العائلة تكتم الأنفاس وتقبع تحت وطأة التقاليد والعنف الكبير في المجتمع، فظهور الأيديولوجية السلالاتية ترك أثراً كبيراً على نظام الأسرة حيث أصبح الرجل متسلطاً والمرأة عبدة، وأثّر ذلك بشكل كبير على حياة الأجيال المتلاحقة وهذه التراكمات بدورها أدت الى وصول المجتمعات الحالية المجردة من أخلاقها ومعانيها لتصل الأنظمة الحاكمة بذلك إلى مبتغاها وهدفها. وبهذا تحولت مؤسسة الأسرة إلى مؤسسة مفرغة من مضمونها تعيش كما يُخطط لها.

الحياة التشاركية الحرة

 

فالحياة التشاركية الحرة والعائلة الديمقراطية التي ترتكز على عدة عوامل وأسس منها: لا ينبغي للمرء أن يفهم التعايش كعلاقة بين شخصين مثل هذا الفهم سيكون ناقصاً، بالطبع يمكن أن تحدث علاقات من الطرفين للتعايش معاً، لكن مجرد فهمها بهذه الطريقة ليس صحيحًا.

تحقيق التعايش يأتي من القوة العظيمة لإعطاء المعنى للجماليات والأخلاق، وهو خالٍ من الازدواجية، وبعيدة عن الحياة الفردية والأنانية، بل جوهرية بكل معنى الكلمة. يجب التخلي عن فكرة (المُلك) للنساء والأطفال، التي نجت من التسلسل الهرمي، ويجب ألا تلعب علاقات رأس المال (بجميع أشكالها) والسلطة دوراً في العلاقة بين الزوجين.

يجب التغلب على هذا النهج النبضي، مثل تعميم مراعاة المنظور الجنساني، النهج الأكثر مثالية للمساواة بين المرأة والرجل، هو نهج قائم على فلسفة الحرية المرتبطة بالمجتمع الأخلاقي والسياسي.

إظهار الأسرة المحصّنة من الحرية الاجتماعية، وأن لديها القوة وكذلك الفرص للمقاومة والمساواة والحرية وإعادة بناء هذه العلاقات، لأن الأسرة هي هيكل ثابت، فهي واحدة من المؤسسات التي مرت بأكبر قدر من التغيير في المراحل التاريخية. لكن المشكلة في كيفية التغيير.

لا يمكن أن نحقق مراد المجتمعات بدون إيجاد دواء لكل داء، وداء مجتمعاتنا تبتدأ بحرية المرأة والاعتماد على فلسفة الحياة النِديِّة الحرة والتشاركية من أجل الوصول إلى مجتمع أخلاقي وسياسي.