ثورة 19 تموز… جذور الحياة… وفلسفة الحياة النِديِّةِ الحرة

ثورة 19 تموز…

جذور الحياة… وفلسفة الحياة النِديِّةِ الحرة

بتوعية فلسفة الحياة النِديِّةّ الحرة

والانضمام لنظام الأمة الديمقراطية

 ستلعب المرأة دورها الريادي والتنظيمي”

 

روبار صبري حسين

 

عندما ننظر إلى التاريخ، نعود بالتأكيد إلى حقيقة أننا اضطررنا إلى اتباع آثار التنشئة الاجتماعية لاستخدام ثقافتنا الأصلية للنضال من أجل الحقيقة. إن جوهر الثورات التي ناضلت معتمدة على مبادئ المجتمع الأخلاقي ومفهوم المساواة ضد النظام والهيمنة التي تسببت في الظلم والاضطهاد على شعبه، لذلك الثورة الشعبية لها تلك الميزة بأن تتحدى كافة الصعوبات لأجل تحرير المجتمع والحفاظ على ثقافته. فالثورات بحد ذاتها هي تمردات للوصول للحقوق المشروعة وتصحيح التعديات على مصير شعبهم وقيمهم الحياتية.

وعندما نأتي لقول هذه الحقائق نعود إلى حقيقة الثورة – الثورة المضادة، حقيقة نظام الدولة – المجتمع. الفرق شاسع بين مفهوم الدولة وقيم المجتمع، الدولة ترى قوتها بحكمها وقوانينها الذي لا يعتمد على أية معايير، قوتها في القسوة والعنف والتعذيب والتهكم، تستند على ثقافة التعديات والتجاوزات، بأدوات الحرب الخاصة، متعصبة وشوفينية، فترى الدولة وأتباعها بأن قيام الشعب بالمطالبة بحقوقهم المشروعة وبحرية الرأي، تعتبرها دماراً وخطراً كبيراً على استمرارية سيادتهم.

وحقيقة المائة عام من التاريخ والمجتمع، هي وقوف المجتمع ضد جميع أنواع المجازر والإبادات ووحشيته العدوانية، فالمجتمع يملك “العقل المجتمعي” الذي يخوله ليكون الرد الصحيح ضد الأفعال الشنيعة لتلك الأنظمة. ولأن المجتمع بنى نفسه دائما على الحقيقة التاريخية والميراث الثقافي التدريجي، فهو يستطيع أن يعيش ويدير نفسه بنفسه دون التوكل على الدولة ونظامه. فقد أصبحت ثقافة المرأة – الإلهة التي نشأت في حضورها الروح الجماعية تعتبرها ملاذاً آمناً لها وسبباً لاستمرارية كينونتها. عندما ننظر إلى واقع الفوضى في الشرق الأوسط، فهي بالتأكيد أحد أنواع الأنظمة التي جعلت الشعب والثورة غير متحدة، لفرض حقيقة احتلالاتهم على الشعب بكل الوسائل. لأن النظام الرأسمالي لعب دوره كقائد يستخدم قوة التمرد وكأنه الآمر الناهي.

وخاصة وضع تلك الشعوب المقاومة والتي لم تخضع لتلك الأنظمة، فقد أدانوا مقاومتهم وتمرداتهم للتحكم بهم، وما قيام الشعب بالدفاع عن ذاته وقيمه إلا حق مشروع من حقوقه الطبيعية. خاصة فيما يتعلق بشخص الشعب الكردي، يجب علينا تحليل الكثير من الأحداث الجارية وبواقعيتها، لأنه وبدون شك تم عكس الصورة الحقيقية لتاريخه وبشكل معكوس على السياسة والاستمرار في الإبادات والاحتلالات. فقد شوّهوا في شخصية الشعب الكردي الحقيقة التاريخية، وروجوا لسياسة الإبادة والتدمير، وترسيخ سياسة التحريض بين أبناء الشعب للوقوف ضد بعضهم البعض، وإبادة الثقافة واللغة الأم، وملاحقة ثقافة المقاومة والنضال والكفاح. وأيضاً إبعاد الأمهات والنساء عن العمل المؤسساتي، وتجزئة المجتمع وإبعاده عن الإبداع، وتقييد الحياة، والآن يبررون قيامهم بالاحتلالات، حيث تم تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء، وتم إدارة كل جزء من قبل دولة ونظامها وفقًا لذهنيتهم. بتحليل الحقيقة الكردية والواقع المعاش لهي وقفة تاريخية ويتطلب من الشعب بنفسه النهوض ومعرفة كل هذه السياسات المطبقة عليه.

الحقوق المشروعة

إضافة إلى ذلك مواجهة الكثير من الشعوب الأخرى لتلك السياسات البعيدة عن المنطق والواقعية، الحقيقة التي ظهرت أمام العيان بأنه تلك السياسات ليست لمواجهة الكرد فقط، بل كافة الشعوب المطالبة بحقوقها المشروعة. وعلى وجه الخصوص، فإن أكثر ما أرادوا الترويج له في عالمهم الخاص، هو إثارة الحرب والصراع بين الشعوب والقتال ضد بعضهم البعض، وجعل ثقافة الدولة القومية هي ثقافة الأخلاق والسياسة، وإضعاف الشعوب داخلياً. النظام له ميراث معروف وهو “استعباد الشعوب” كـ عبيد للنظام والدولة، لذلك أدخلت الحداثة الرأسمالية نظامها في شخص (الدولة القومية)، وشن الحروب الكبيرة ضد ثقافة الشرق الأوسط.

فثورة 19 تموز هي إحدى البدائل لهذه الفوضى العارمة، التي حوّلت معادلة العبيد والقطيع إلى حقيقة التحول إلى صوت الشعب والمجتمع. ومرت سنوات ومع الاحتلالات، لكن حرية المجتمع تغلبت على كل المؤامرات الجارية. وكانت آلية 19 تموز وسيلة للشعب ليشعر بحقيقته وحريته عن كثب. في عام 2010، عندما بدأت الشرارة الأولى لثورة ما يسمى الربيع العربي في تونس، أضرم محمد البوعزيزي النار في جسده ضد القمع والإدانة بالمعاناة المادية والمعنوية على شعبه. وهذا لا يمكن تحديده في شخص إنسان، الآن واجهت الإنسانية كلها هذه الحقيقة التي ناقضت نفسها ورفعت صوتها من أجل الحرية، الآن انتفض الشعب كالطوفان وطالب بتغيير النظام، انتفاضة الشعب كانت من أجل حياة حرة وناجحة، وليست انتفاضة تطالب بالسلطة.

وكانت هذه أيضاً رسالة للدول المجاورة مثل مصر وليبيا ولبنان وسوريا. وكانت هذه الرغبة في حياة حرة ومتساوية. شعار “لا سبيل لإنقاذنا إلا الحرية والمقاومة” رفع في شوارع تونس، وتم الاستجابة عليه أيضاً في سوريا، تلك الشوارع التي كانت تنتظر مثل هذه اللحظة منذ سنوات، صمد الشعب وطالب بحقوق المشروعة في تغيير النظام والذهنية الموجودة.

وجود القوى المهيمنة في أي جغرافية يتطلب النضال ضدها والقيام بثورة ذهنية بديلة، وبتنوع المقاومة والتنظيم، يكون الهدف فقط الوصول لحرية المجتمع. وفي إقليم شمال وشرق سوريا، كانت هذه الثورة أكثر حدة. فالأصوات التي تعالت حتى السماء خلقت صرخة الحرية والديمقراطية، بالطبع النصر يكون حليف الشعب والثورة والهزيمة للغزاة. إنها ليست وليدة اللحظة أو لأجل سنة، بل إنها منجزات أحلام سنين عديدة ضد نظام أدان المجتمع بكل ظلمه. ففي سوريا، كانت المرحلة صعبة وحساسة للغاية، كافة الألاعيب والصراعات وحسابات الدول والقوى الدولية، جعلتها بؤرةً للهجومات وشن الحروب ضد الشعب المطالب بحقوقه وحريته.

سوريا والبعد الاستراتيجي

سوريا مكان استراتيجي وإنها في الشرق الأوسط مركز للسياسة والاقتصاد، لذلك أرادت جميع القوى والمبادرات الدولية وتركيا خاصة وبشكل عاجل محاولة السيطرة الجغرافية والديمغرافية على مناطقها وخلق الفوضى والتناقضات. أرادوا الاجتماع على طاولة التحالفات وعقد الاتفاقيات والهدف منها تدمير وجود القوى المقاومة في الثورة، وخاصة تنظيم المرأة الحرة والواعية. إنهم يعلمون أن الأشخاص الذين يعيشون على هذه الأرض ليسوا جدداً على المقاومة وحماية أنفسهم، بل هم أحفاد المقاومة والكفاح والنضال وعدم قبول الظلم، والتاريخ يشهد بذلك.

الشعب الذي دافع عن الحرية والمقاومة، هو ذاك الشعب الذي استلهم من فلسفة القائد والمفكر عبد الله أوجلان، فاختاروا مسيرة الحرية ونهج الحقيقة. فلسفة المفكر أوجلان هي آلية تعزيز نهج الحرية والحفاظ عليها، فهو صاحب مشروع نظام الأمة الديمقراطية التي احتضنت كافة الشعوب والأديان والطوائف والثقافات واللغات والمكونات والقوميات.

وسر نجاح هذا المشروع هو إفشال الخطط والهجمات والصراعات والألاعيب التي تم حبكها على الشعوب، مؤكداً للمجتمع بأنه من الممكن القيام بصد العدوان وتشكيل قوته العسكرية والحماية الجوهرية. كانت إحدى استراتيجيات نهوض ثورة 19 تموز هي الرفع من قوة المقاومة الشعبية وإنشاء نظام الأمة الديمقراطية، من خلال تأسيس نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية وتحويله إلى مركز لاسترجاع القيم الإنسانية، وتشكيل النموذج المتحضّر للحياة الحرة والديمقراطية والمتماسكة.

المجتمع بحاجة إلى قوة دفاعية وذاتية، لحماية مكتسباتها ووحدة كافة الأطياف والمذاهب والمكونات الموجودة في سوريا. فثورة 19 تموز كانت جواباً ملموساً لهذا الغرض. فالكثير من الشعوب قد تأذّت من الذهنية المركزية والنظام الواحد في كل شيء. لن نقول فقط الشعب الكردي وثقافته ولغته تأذى، بل كافة الثقافات والتنوعات الموجودة في الموزاييك السوري.

ولكن اللحظة التاريخية التي أصبحت فيها قيادة الشعب درعاً ضد الغزاة وأصبحت صاحبة انتصار في هذا القرن، هي من أساسيات نجاح نهج الثورة. بدأت القيادة من الشعب الكردي، حتى وصلت إلى كافة الشعوب الموجودة والمجموعات …الخ.

لذلك، فإن إزالة نظام السلطة، الذي هو أمل الشعب والمجتمع، تضمن المطالبة بالحرية مرة أخرى بوعي ثوري، دون الاعتماد على مفهوم الدولة، ودون قوانين السلطات المركزية. وبناء قوة عسكرية وحماية جوهرية كانت من الضروريات كي يكون المجتمع قادراً على الرد على الهجمات، وأن يكون لديه آلية لحماية مكتسباته وثورته المشروعة.

كان هذا هو المكان الذي انتقل فيه الناس من الحقيقة الوطنية إلى عالم حيث يمكن للبشرية جمعاء أن ترى الحقيقة وتتحدد هذه الثورة في شخص المناضلين من أجل الحرية. وعندما نصل إلى هذه الإنجازات التي تركت معنى تاريخياً بفضل مقاومة الشعوب والثورة، وإضعاف ذهنية الدولة ونظامها، يتضح في تأسيس المدارس باللغة الأم، وملئ المراكز الثقافية بالأغاني والرقصات والدبكات الفلكلورية المتنوعة، وتشكيل المؤسسات والهيئات الإدارية من الشعب والنساء والشباب.

ومن ناحية أخرى، تم بناء استراتيجية الثورة، الثورة داخل الثورات، وكان من بينها قوة حماية المرأة، التي كانت مهمشة في الأسرة والمجتمع، وفرضت عليها كل أنواع العبودية والقمع. بدأت الحياة الجديدة مع ثورة 19 تموز، في قيادة تأسيس قوة المرأة لوحدات حماية المرأة، والتي أصبحت المكان المناسب للبحث عن المجتمع الحر المفعم بهذا المفهوم، والبدء بثقافة الحماية. وفي مجال السياسة والدبلوماسية أيضاً، كانت إحدى الخطوات المهمة ولأول مرة على هذا المستوى الرفيع والنبيل، كانت المرأة صاحبة الحل في الاستراتيجية الثورية والتنمية، والانضمام للكثير من المحاور والكونفرانسات والمؤتمرات الدولية. وكافة الفعاليات والنضالات وعلى جميع المستويات وبمشاركة كافة الفئات، كان أملاً في بناء وحدة الشعوب والرد على الاحتلال بوقفة صامدة.

فالحرب التي خاضتها المرأة لم تكن حرباً عادية، انضمت بكل عزيمتها وقوتها وإيمانها التي مكّنتها من الاستمرارية، ووضحت موقفها للمجتمع وخاضت نضالاً لا نهاية له وبكل قوتها وثقتها، وما زالت هذه المقاومة مستمرة.  وبرزت في قيادة المرأة والأم الكوبانية المقاومة، القيادة التي اتخذتها لرفع علم الحرية هناك. كما أن مقاومة المرأة التاريخية كانت إهداء للقرن الحادي والعشرين بصوت الشهيدة والبطلة آرين ميركان والتي رفعت صوتها وقالت: “الحياة بلا حرية لا معنى لها”. كما أن المئات من أمثالها أصبحن حقيقة مجتمعٍ لا يختار سوى النهج الثالث للحرية والحماية.

لذلك، كلما ارتفع صوت الحرية، أصبحت هجومات المحتلين والغزاة بلا معنى، واجتمعت الحياة والحقيقة معاً، بمعنى أنه لا جيش ولا أية قوة تستطيع إسكات الشعب الذي له الحق في الحرية والعيش بأمان. إن التنظيم والجهود المبذولة التي لا تزال تنفذ في إقليم شمال وشرق سوريا هي إحدى نجاحات ثورة 19 تموز، لذلك يطمح العدو على إنهاء هذه الإنجازات بكل ما أوتي من قوة وتكنولوجيا.

ثورة المرأة الحرة

فالثورة الأكثر تأثيراً سيكون التحلي بفلسفة الحياة النِديِّةِ الحرة، إنها فلسفة الحياة الجديدة والتي تتناسب مع الجنسين أولاً وثانياً متأقلمة مع المقاييس الإنسانية الطبيعة. أقولها وبكل صراحة بدون تقييم حقيقة ثورة 19 تموز لن نصل لذاك المعنى الصحيح في تطبيق مبادئ الحياة النِديِّةّ الحرة. تقييم الثورة الفكرية لـ 19 تموز منعطف حاسم بالنسبة للمرأة وبكافة مكوناتها. الثورة بدأت من الصعوبات والأزمات الكبيرة، حتى وصلت لمستوى بأن تقدم للشعب السوري وكافة الشعوب والنساء العقد الاجتماعي المستند على تحقيق قانون المساواة بين الجنسين في الحقوق وممارسة مبادئ الحرية في كافة المجالات.

انضمام المرأة لكافة الأنظمة المؤسساتية غير كاف في أن تلعب المرأة دورها الريادي والصحيح في قيادة المجتمع، بل النقاش واتخاذ الدورات التدريبية والتوعوية على فلسفة الحياة النِديِّةّ الحرة تمكّن وحدة الصف المجتمعي وبإدارة المرأة. نحن من النساء المحظوظات على أننا وصلنا لهذه المرحلة المهمة والتاريخية بأن نشارك في تنظيم وبناء المجتمع بفكر وثقافة المرأة، والفضل الكبير لإنجازات ثورة 19 تموز ألا وهي ثورة المرأة الحرة.