الفن كمال روح شجرة الحياة – الفنانة التشكيلية: هفين عبدو

الفن كمال روح شجرة الحياة

“الفن والرسم يعبران عن نهر الجمال في روحي،

 حين يجري بمائه على لوحاتي، أشعر بأن أعظم المحاسن أملكها،

تعلمتُ من الفن كيف أرسم واحة السلام والأمان،

الفن يجعلني كما أكون، حين أرسم بالطبع أرسم كمال شجرة الحياة”

 

 

الفنانة التشكيلية: هيفين عبدو

أسمي هيفين عبدو، ولدتُ عام 1983 في مدينة عامودا، وكبرتُ هناك. مدينة عامودا هي مدينة صغيرة والأهالي يتعاملون معاً كـ عائلة كبيرة ومحبين لبعضهم البعض. قضيتُ أوقات جميلة في مدينتي، أتذكر جيداً عندما كان الجيران يجلسون ويجتمعون معاً أمام باب حوش المنزل. كان يدار بيننا الكثير من الأحاديث الجميلة ولا تفارقنا البسمة، في تلك الجلسات، كان هناك من يُحضر لغدائه ومن يتحدث لنا عن الذكريات والأحداث التي مرت معهن من خلال مسيرة حياتهن. مدينة عامودا مشهورة بهذه الأمسيات والجلسات التي تجمع كافة أفراد العائلة والجيران والأصدقاء، وحتى الآن هذه الثقافة مستمرة وشيقة أكثر لأن الآلات الموسيقية أيضاً تشارك أحاديثنا الشيقة وخاصة الطنبور.

 كانت بيوتنا مبنية من الطينة والكربيج، عندما كان عمري عشرة سنوات قام والدي بتغيير منزلنا حولها من الطينة الناعم الأحمر إلى الأسمنت، ولكن ذكرى بيوتنا القديمة لم تفارق خيالي ولم أنسى تلك اللحظات التي كنا نرش الماء على التراب وتفوح منها رائحة عطرة من روائح الثقافة الطبيعية ومحبة الأم، عندما كنتُ أشم تلك الرائحة كنتُ أشعر بالاطمئنان وراحة البال، ولن أنسى أبداً تلك الشجرة الممشوقة القامة وبهيبتها الرقيقة شجرة التوت في حوش بيتنا. كنا نأكل من ثمارها في موسم الصيف وتتعالى ضحكاتنا وروح المرح يملئ كل مكان.

أكملتُ دراستي باللغة العربية، كنتُ أحبُ الدارسة كثيراً وحتى الآن لازلتُ أحبها، حتى أنني بعد أن تزوجت ومسألة تربية الأطفال قمت بالتسجيل في جامعة روجآفا. رغم كل الظروف حاولتُ أن أصل إلى طموحاتي وخيالاتي الطفولية. منذ صغري تربيتُ ضمن عائلة فنية، فأخي الصغير كان لديه موهبة الرسم ويحبها وكان يعزف على آلة الاورگ، ووالدتي كانت تغزل الخيوط وتقدم نتاجات يدها الباهرة من الأعمال اليدوية. ووالدي كان له محل للوحات الفنية، ففي طفولتي كنتُ أذهب إلى المحل مع والدي وأقضي أغلب أوقاتي في تنظيف تلك اللوحات من الغبار.

عندما كنتُ أجلس وأتأمل اللوحات، أدركتُ بأنني أميل إلى روح الفن وريشة الرسم، لهذا السبب زاد تعلقي بالفن. بمجرد أنني كنتُ أنظر إلى اللوحات كنتُ أحس بأن هناك شيء يربطني بها، ولصغر سني لم أكن أدرك معنى اللوحة، لكن كنتُ أرسم رسومات وشخبطات جميلة.

عندما كنتُ في الصف الأول أتت معلمتي لرؤية رسوماتي. قالت لي:

  • أنتِ موهوبة جداً في الرسم.

تأثرتُ كثيراً باحترام ومحبة معلماتي لي وتلهفهن لموهبتي في الرسم. فالأجواء العائلية الفنية أبدعت أيضاً لدي الحماس والرضى والثقة بالنفس. بدأتُ مسيرتي الفنية، قمتُ بالمشاركة في العديد من المسابقات. عندما كنتُ في الصف الرابع، نجحتُ للمستوى الأول على محافظة الحسكة. ورغم كافة الظروف لم أكن أتخلى عن الرسم. كنتُ أرسم حسب معرفتي ولم أنضم لأي دورات لتعليم الرسم، ولأنه كان لدي موهبة استطعت أن أرسم بحبي لها، فالشيء الذي يبدأ بالحب يتطور تلقائياً.

لأول مرة عندما رسمتُ بألوان زيتية كنتُ في الصف السابع، أتذكر في ذلك الوقت رسمتُ لوحة لامرأة حاملةً طفلها الصغير على يديها، والآن لا أعرف أين بقيت تلك اللوحة. عندما درستُ معهد الكمبيوتر كانوا يقولون لي معلماتي:

  • لماذا لا تشاركين في معارض للرسم؟

في ذاك الوقت لم أكن أملك الجرأة بأن اشارك في المعارض مع الفنانين، لأنني لم أخذ كورسات وتدريبات في مجال الرسم، لهذا السبب تراجعتُ عن هذه الفكرة وقلتُ لنفسي:

  • إنني لستُ جاهزة لهذه الخطوة.

عندما تزوجتُ ولأن رفيق دربي أيضاً فنان وملهم بالفن وصاحب إحساس مرهف ويهتم بكافة تفاصيل الجماليات في الحياة والواقع، شجعني كثيراً بأن أمارس موهبتي بطلاقة وحرية وأصبح احترافية حتى وأننا نملك أولاداً وأسرة. بالطبع حين أطرح هذه المسألة المهمة أو الجزء المهم في حياتي فحقيقة (مهمة) وذو معنى كبير؛ حين يكون الزوج رفيقاً وصديقاً روحياً مع المرأة ويحبها ويشجعها بأن تمارس حياتها الطبيعية وبحرية وجمالية لهي خطوة مميزة في الإبداع في مجال الفن. لأننا نتحاور على الكثير من المسائل الفنية والموسيقية وعالمنا يكون عالماً مليئاً بحب الفن والحياة.

عندما كنتُ في عامودا لم تتسنى لي فرصة بأن أطور نفسي، عندما أتينا إلى قامشلو سمعتُ بافتتاح قسم للفنون الجميلة في جامعة روجآفا، فأحببتُ أن أكمل طموحاتي وأحلامي وأصل إلى أعلى المستويات في المجال الفني. فقمت بالتوافق فيما بين الأمور الأسرية والدراسية. فذهبت لأسجل في جامعة روجآفا في قسم الفنون الجميلة عام 2021، وأصبحت أنظم حياتي بين واجبات بيتي وأطفالي ودراستي، صحيحٌ أنني واجهت صعوبات وتحديات كثيرة خلال أربع سنوات من دراستي، لكنني استطعت أن أحقق طموحي. والآن وصلتُ إلى مرحلة التخرج ونجحتُ بمعدل 88 % ويا لسعادتي.

عندما كان يتطلب مني تجهيز لوحات في الجامعة، كنتُ أرسم 4 – 5 لوحات في السنة، وكل لوحة كانت تأخذ شهراً كاملاً من وقتي. وفي آخر سنة أيضاً من التخرج قمنا برسم أربع لوحات، ومن ضمن المنهاج كانت هناك دروس نظرية وعملية للنحت والتصوير.

كم أنا سعيدة وأحس بأنني تلك المرأة الطموحة التي قدمت الكثير من الجهود لتصل لمبتغاها وعلى تراب وطنها. بعد تخرجي من الجامعة، يمكنني أن اقوم بتدريس الطلبة في مجال النحت، وإذا شأت الظروف سأقوم بفتح مرسم خاص بي. شاركت في العديد من المعارض مثلاً: المعرض السنوي الذي أقيم في مركز محمد شيخو من قِبل هيئة الثقافة عام 2023، ومعرض الخابور في محافظة الحسكة في السنة الماضية، وأيضاً مركز (يك بار – Yek Par) أقيمت في العام الماضي، وهلالا زيرين، كانت لوحتي باسم “حائكات النور” والتي أعتبرها لوحة معبرة عن ثورة المرأة، والآن إذا افتُتحت معارض أخرى سوف أنضم إليها.

نستطيع أن نربط الفن بالجمال – في الظلام نرى فيها النور – ويكون هذا الضوء بصيص الأمل. عندما أتابع الأعمال الفنية على مواقع التواصل الاجتماعي، ويكتبون تعليقاتهم؛ “بأننا ضمن ظروف الحرب والحصار والثورة، فالأعمال الفنية لن تقدم لنا شيء”.

أنا أرى العكس، بأن الفن هو تعبير عن جماليات الواقع وتساعدنا على التخلص من الطاقة السلبية. الفن ثورة بحد ذاتها، ولكن ليس باستطاعة أي فنان/ة القيام بإدارة تلك الثورة. فالفن له قيمة جمالية، هي التي تعطينا الأمل والتفاؤل رغم الحروب واليأس وفي مسيرتها نرى أشياء تربطنا في الحياة، وأيضاً يخلق التوازن ضمن الحياة الاجتماعية.

عندما نرى لوحة وننجذب لها، يمكن أن نرى فيها بعض الصفات التي نفتقدها في الحياة، يمكنني أن أرى نوعاً من الحنان والسلام التي أفتقدها. في الكثير من الأوقات عندما يسألنا أي شخص كيف حالكِ؟ نجاوبه بأننا في أحسن حال، لأننا نظهر الجانب الإيجابي من شخصيتنا دوماً للآخرين، ولكن الجانب السلبي لنا أو سلبياتنا سنظهرها لِمن؟ نستطيع أن نظهرها عن طريق الريشة والألوان. عندما أقف أمام اللوحة أشعر بأن طاقتي السلبية تختفي، أحس بأن اللوحة هي صديقتي وأستطيع التواصل معها.الجوهر الذي أحبه في الفن كثيراً هو؛ حين يكون الفنان مبدعاً ومتضامناً مع قضية شعبه وقريب من ثقافة مجتمعه.

رسمتُ في لوحتي الأخيرة (حكائات النور) ثماني شهيدات، لأن كافة الشهيدات الموجودات في لوحتي هن اللواتي ناضلن

في هذه الثورة واستشهدن بأساليب وحشية. عندما رسمتهم بقلمي وريشتي وألواني أحسست بأنني حملتُ سلاحهن

وانضممتُ معهن لثورة الحرية والسلام. الشهداء بالنسبة لنا الأخ والصديق والأب والحامي لنا، وأيضاً شعرتُ بأنني

أكملتُ مسيرتهن في النضال والمقاومة. فالقضية الأساسية في الفن هي أن يكون للفن رسالة، نقدمها لشعبنا في ظل كافة ظروف الحروب والأزمات.

في لوحاتي أرسم المرأة المقاومة، والثورية، والمناضلة، والأم وبكافة جمالياتها وألوانها. أرسم كافة الأطياف والأصناف والمكونات، لأن المرأة هي منبع الجمال والحب، ونعرف جيداً بأن المرأة عانت آلاف السنين الكثير من أنواع الظلم والاضطهاد والقيود، فأحببتُ أن أرسم المرأة وأكمل مسيرتهن وأن اثبت بأن المرأة إذا كانت من أي مكان أو مكون فإن رسالتهن واحدة وهي الجمال – العدالة – السلام – الأمان والحرية. أردتُ أن أعبر من خلال لوحاتي لهن “بأني أيضاً شعرتُ بآلامهن”.

حتى أنني أرسم شخصيات الرجال ومنهم الشهداء طبعاً، ولكنني أميل على الأغلب أن أرسم المرأة الجميلة والطموحة والمناضلة. فإنني حين أرسمهن أشعر بأنني أكمل مسيرتهن بريشتي. فإنني أعتبر إحياء آلامهن في روحي تعطيني الطاقة الكافية والفنية بأن أرسم وأبدع الجمال. آخر لوحاتي التي هي مشروع التخرج كانت عن ثورة روجآفا، فعندما تكلمتُ أمام اللجنة عن آخر لوحة من مشروعي التي اسمها بقاء الاكراد ((Mayîna Kurdan، دمعت عيناي ولم أستطع أن أكمل حديثي الذي بدأتُ بشرحه. لأنني رسمتُ ألم الشعب الكردي والظلم الممارس علينا واستشهاد الآلاف الشبان والشابات اليافعات في العمر.

رغم أنني نجحتُ بمعدل جيد إلا أنني لا أرى نفسي كاملة في رسوماتي، لازلتُ أرغب بأن أتقدم أكثر وأندمج في روح الألوان. عندما أرى رسومات الفنانين المبهرين أرى نفسي بأنني لازلتُ بحاجة إلى وقت أكثر للتقدم. كي أصل لذاك المستوى سوف أنضم للكثير من المعارض وأنخرط أكثر بين المجتمع.

الفن لا يعرف الحدود والقواعد. عندما كنتُ في الجامعة كانوا يقدمون لنا دروس قواعد الرسم الأساسية، لكن برأيي مازال الفن مرتبط بالإحساس ليس له أي قواعد بل يملك الحرية الكاملة. حتى الآن لم أرسم كل ما أبتغيه، لأنني في فترة الدراسة في الجامعة كنتُ مقيدة بأصول الدروس وأن أرسم الشيء الذي يطلبونه مني، ولكن بعد التخرج سأخطي خطوات جديدة في مسيرتي الفنية وأظهر بستايلي الخاص بتطلعاتي نحو الأفضل.

المرأة تواجه العديد من التحديات والفرص القليلة في مسيرتها الفنية، ولكن موهبتها الفنية تنقذها من الوحدة والحزن والبقاء بدون شخصية، الفن يفتح لها مجالات عديدة وتواصلات موسعة في كافة المجالات والأعمال ويمنح لها صدى قوي لا يقدر بثمن. دائما المرأة التي تكون لها موهبة سيكون لها الدافع القوي للتعلم، فهي تجعلها أن تتقبل التعلم بـ حب وتجعلها تتعجب بذاتها وخصوصياتها لأنها دوماً تحتاج لـ تطوير إمكانياتها. الهواية تمنح المرأة الشعور بالرضا والسعادة والراحة من الأعمال الروتينية المجهدة وبالتالي هي الفرصة للحصول على أعصاب مرتاحة وصحة نفسية وجسدية وتعد من أهم الوسائل لزيادة المعرفة والتواصل مع الفنانين الآخرين، لذا على المرأة التي لديها هواية فنية يجب عليها أن تبحث عنها وتبدأ بتنميتها وتتمسك بها كـ صديق قريب لتتمكن من خلالها التعبير عن مشاعرها وتصريف الطاقات السلبية على أقل تقدير.

أستطيع القول بأنني بين الواقع الموجود، أتأمل وأتابع وأشعر، حينها أبدأ بالرسم. سأكون فخورة جداً بأن أزركش جماليات وطني وشهدائنا العظام والجميلات المناضلات على لوحاتي وخاصة لكل امرأة قصة أرسمها بريشتي.

دائما المرأة التي تكون لها موهبة سيكون لها الدافع القوي للتعلم، فهي تجعلها أن تتقبل التعلم بـ حب وتجعلها تتعجب بذاتها وخصوصياتها لأنها دوماً تحتاج لـ تطوير إمكانياتها. الهواية تمنح المرأة الشعور بالرضا والسعادة والراحة من الأعمال الروتينية المجهدة وبالتالي هي الفرصة للحصول على أعصاب مرتاحة وصحة نفسية وجسدية وتعد من أهم الوسائل لزيادة المعرفة والتواصل مع الفنانين الآخرين، لذا على المرأة التي لديها هواية فنية يجب عليها أن تبحث عنها وتبدأ بتنميتها وتتمسك بها كـ صديق قريب لتتمكن من خلالها التعبير عن مشاعرها وتصريف الطاقات السلبية على أقل تقدير.

أستطيع القول بأنني بين الواقع الموجود، أتأمل وأتابع وأشعر، حينها أبدأ بالرسم. سأكون فخورة جداً بأن أزركش جماليات وطني وشهدائنا العظام والجميلات المناضلات على لوحاتي وخاصة لكل امرأة قصة أرسمها بريشتي.