هن الرائدات لأجل الوصول إلى الحقيقة – رفيقة الدرب: سما أيسل

“هن الرائدات لأجل الوصول إلى الحقيقة.. هن الحقيقة بحد ذاتها،

هن اللواتي أمضينَ في موكب الحياة والحرية”

“تعلّمنا منهن بأن المقاومة هي الحياة،

والحياة بدون المقاومة لا معنى لها،

قضية التحرر تحتاج للكثير من التضحيات،

وأمثال الشهيدة سورخوين وآزادي خير مثال”

 

رفيقة الدرب: سما أيسل

 

تعرفتُ على الشهيدة سورخوين في عام 2010 في جزيرة بوطان. عندما جاءت سورخوين إلى بوطان مع مجموعتها كانوا فوراً سيذهبون من منطقة بستا إلى جبل جودي، ولكن للأسف لم يتم ذهابهم لأن الرفيق الذي كان يعرف الطريق استشهد. لهذا السبب فإن الرفيقة سورخوين ظلت معنا في بستا وانضمت إلى المهمات والمتطلبات لتلك المنطقة. مع مرور الوقت وعن طريق تعاملي مع هفال سورخوين رأيتُ عن قرب تلك الميزات الجميلة في شخصيتها ومنها حبها لرفاقها واحترامها للجميع وحتى كافة الرفاق كانوا يحترمونها. الرفيقة سورخوين ظلت في بستا لمدة ثلاثة أشهر.

من تلك الصفات التي كانت تلفت انتباهي في شخصية الرفيقة سورخوين، إعطائها الأهمية القصوى للروح الرفاقية، فوجود الرفيقة سورخوين في أي مكان أو مع أي مجموعة كانت هناك الروح الجماعية والمحبة والاحترام وطبعاً كانت صبورة وتتحمل كل الصعاب. كانت تفهم نفسية الرفاق ومن حولها وحسب تلك النفسية كانت تساعد وتدعم رفاقها.

الوقفة الشامخة والعنيدة للرفيقة سورخوين

 للرفيقة سورخوين وقفة أصيلة، كانت تلك الفتاة الجبلية، وهي من روجهلاتي كوردستان المعروفة بمقاوماتها التاريخية. فولادتها كانت في سلاسل جبال آغري ويقال عنها (گليداغ – قرية کرك) التابعة لـ (دامباتة) لمدينة ماكو. وكانت تتحدث لنا دوماً عن قريتها وطفولتها هناك. وكانت تقول بأنها تربت في احضان الرفاق والرفيقات وخاصةً الرفاق الذين استشهدوا في إيالة سرحد.

فالرفيقة سورخوين اكتسبت تلك الخصوصيات من أصالة جبال آغري. بطبيعتها كانت تلك المرأة المؤثرة والجذابة والقيادية، وأين ما كانت تتواجد كان هناك الأمان والمعنويات العالية والثقة، فهي كانت منبع إعطاء القوة والثقة بمن حولها. هي التي كانت القيادية والعفوية التي تعطي المعنى لصعوبات أي رفيق أو رفيقة.

فهي كانت تستمع بتواضع لكافة مشاكل الرفاق وبدون التفرقة بين رفاقها. رفيقة سورخوين كانت صاحبة وقفة مبدأيه وثورية حسب مقاييس المفكر عبد الله أوجلان الذي وضع للمرأة أيديولوجية تحرير المرأة وقدم لها الكثير من المجالات كي تلعب دورها البارز. ففي الكثير من الساحات ناضلت وكانت صاحبة تجارب غنية.

القيادة تحتاج للفن

 على صفحات التاريخ الكثيرون من القوات والمشهورين قالوا: “إذا لم تحرق كافة السفن التي وراءك، فلن تستطيع أن تحدد مسار مستقبلك”. الرفيقة سورخوين في مسيرتها القيادية وأين ما كانت، كانت تتحلى بتلك الخصوصيات في رفع مستوى رفاقيتها وأيضاً تدعم وتساعد من حولها. في الحقيقة فإن القيادة تحتاج للفن، بمعنى فنون القيادة، ولكن ليس من السهل أن يتحلى كل شخص بتلك المواصفات والفنون. ليس كل شخص له المقدرة على اتخاذ مكانه في قيادة الحزب، ولكن الرفيقة سورخوين كانت على دراية تامة في هذه القيادة وفنونها، كانت واثقة من نفسها وقدراتها وتكون قوة الحل لكافة المشاكل والقضايا.

الرفيقة سورخوين كانت تملك المسؤولية الطبيعية وتمارسها بشكل يومي. كانت مضحية ومتواضعة وفي الحرب أيضاً كانت كما اسمها (الدم الفوار). لم تكن تخاف من عداءات عساكر العدو، أو التكنولوجيا التي يستخدمها العدو ويمدح قوته به. كانت تقول: “النصر حليفنا دوماً”. فهي تلك الرفيقة التي وحدت فيما بين الحرب والروح الرفاقية بين رفاقها.

“لم أتقبل في حياتي قط الأشياء البسيطة والصغيرة التي تستصغر شخصيتي ولا أقبلها الآن أيضاً”

كانت تهاجم العدو بشكل شرس ومنتقمة، وقفتها كانت تاريخية وهي وقفت المرأة الكردية المقاومة مثل: بسي، وظريفة، ورندي خان، وسارة. لأن المرأة الكردية على مستوى كردستان عامة كانوا مضحيات ومقاومات وصاحبات مواقف تاريخية وقتالية. فالمرأة الكردية هي التي كانت ترمي نفسها من أعالي الجبال والتلال كي لا تقع أسيرةً بيد العدو مثل؛ نساء ديرسم اللواتي رمين أنفسهن من التلال إلى الوديان وبدون قاع مثل رندي خان كيف رمت بنفسها من على جسر (ملا بادي) في النهر وتنهي حياتها.

الرفيقة سورخوين أيضاً سمّت لقبها بـ ديرسم المنتفضة والمناضلة. فهي كانت تقول: “لن أحيا حياتاً بسيطة لا معنى لها ولن أقبل تلك الحياة أيضاً لمن حولي”.  وكانت تدعي دوماً على الإنسان أن يعيش في الأعالي سامياً ذو القيمة الإنسانية.

رفيقة سورخوين كانت متحدة مع فلسفلة القائد عبد الله أوجلان

أما الرفيقة سورخوين قد أوصلت شخصيتها إلى مستوى استوعاب تكتيكات فن الحرب وكانت الماهرة والسباقة لتلك التكتيكات. ففي الكثير من الأحيان تُدرب نفسها بنفسها على المسار الأيديولوجي وتعلم الرفاق من حولها، كانت مقتنعة بأن التدريب أكثر حاجة من الماء والهواء، فالإنسان بدون الماء والهواء لا يستطيع العيش بنفس الوقت بدون التوعية والتثقيف الذاتي لا معنى لوجود البشر على أنهم بشر.

فهي تلك الإنسانة المنظمة والتي تنظم أمور رفاقها حيث كانت تقول دوماً: “أننا سنكون أقوياء دوماً حين نكون منتظمين في حياتنا، فهذه الحياة تستحق أن نحترمها ونعطيها الأولوية التنظيمية”. لن أنسى عندما كنا في منطقة بوطان وحين كنا نذهب معاً بين الشعب والكوجر الموجودين في السهول كنتُ أتأملها وأحس بأنها “الفتاة البوطانية”، كانت تتأقلم مع أي منطقة تتواجد هناك كانت ذو رفاقية عالية وإن كانت بين أي مجموعة.

فالشعب البوطاني وخاصةً قسم الكوجر كانوا يحبونها كثيراً ويرون وكأنها ابنتهم، فـ هفال سورخوين عندما كانت بين الشعب كانت مثلهم تحترم عاداتهم وتقاليدهم. كانت تتحدث لنا كثيراً كي يكون تقربنا من الشعب وبكافة فئاته وأصنافه وخاصةً الكوجر بأن نكون متواضعين وطليعيين للشعب لا نكون تابعين لهم أو نسير حسب أهوائهم السلبية بل ألا ننسى بأننا قيادي هذه الحركة، علينا أن نحرر هذا الشعب ولكن بدون احترامه لا يمكننا تحريره. هفال سورخوين كانت تركز على أخلاق القائد وكيف كان يتقرب من الشعب ويحترمه ويدعمه فكرياً، وسياسياً، وثقافياً واجتماعياً أيضاً.

 ومن أبرز خصوصياتها الإيجابية كانت تستند على النقد والنقد الذاتي كانت منفتحة لكل الانتقادات وتطلب من رفيقها ورفيقتها بأن ينقدوها لأنها كانت تجد في النقد التقدم والتغير وتكوين الشخصية الجديدة. وكانت طموحة بأن تصل إلى تلك الشخصية “الكاملة الأوصاف” في نضالها الثوري وحسب فلسفة القائد آبو.

وكانت لها مقولة مشهورة ودائماَ ترددها “من لا يحترم رفاقه فلن يحترم ذاته”. كنتُ دائماً أتابع أخبار هفال سورخوين حتى عندما تم النقاش على وضع كوباني فهي وبكل إصرار أرادت أن تذهب إلى كوباني وتنضم للمقاومة هناك. هفال سورخوين كانت تحب بوطان وجبالها وخاصةً جودي، بالطبع القيادة العامة لبوطان قَبِلوا لطلبها وذهبت إلى كوباني.

 سورخوين صاحبة الإرادة القوية

وفي معركة كوباني قدمت هفال سورخوين التضحيات الكبيرة، وتوجهت بشجاعة لمواجهة العدو الغادر المتوحش والظالم فِأصبحت مثالاً للشجاعة يقتدي بها الرجال والنساء، إن قتالها وبطولتها ضد القوة الإرهابية كـ داعش ليست بشيء القليل، فشخصيتها القوية كـ قائدة نسائية جذبت انتباه جميع القادة والمقاتلين وأصبحت مثالاً يحتذى به.

لقد فجرت كراهيتها وحقدها ضد عدو الإنسانية وهذا ما لفت انتباه الجميع ومهما كانت الجبهة التي واجهتها هفال سورخوين صعبة ومليئة بالمخاطر، فقد كانت مقاتلة بارعة وتجذب كافة المقاتلين لها وبروحها المقاومة. هفال سورخوين بصفتها قائدة الحرب قاتلت ببسالة وشجاعة عالية وقادت الآخرين أيضاً إلى القتال بفنون الحرب، حتى أن الأعداء خافوا منها ومن هذه الشجاعة.

أصيبت هفال سورخوين في حرب مقاومة كوباني وكان جرحها خطير جداً وكان جسدها مليئاً بالشظايا، ولكنها لم تكن تراها عائقاً أمام مسيرة نضالها الثوري، بقينا أنا وهفال سورخوين معاً في مؤسسة الجرحا حوالي ثمانية أشهر ولم أجدها يوماً ما أن اشتكت أو رأت جرحها عائقاً أمام تقدمها. وفي الكثير من الأحيان لم تكن تجعل من الرفاق من حولها أن يحسوا بأنها جريحة أو تتألم.

 “إننا مدينون لجهود القائد آبو”

 هفال سورخوين كانت مصابة بعين واحدة من عينيها ولكنها لم تكن تراها عائقاً أمامها أبداً في ممارسة عملها أو الانخراط في النضال الدؤوب، قراءتها لتحليلات القائد وبشكل مستمر كان يعطيها الدافع القوي للاستمرار في المسيرة الثورية وبعزيمة عالية. وكانت كلما تجالسنا معها تقول: “بأننا ومهما تلقينا الصعوبات من الناحية الجسدية فعلينا أن نتذكر العدو وكيف يريد أن يبيد شعبنا والفكر التحرري. بدون التعرف على العدو وحقده على الشعوب والقيام بكافة الأساليب الظالمة، لا يمكننا التحدي والنضال والقتال ضد أفكاره المحتلة”.

ففي كافة تصرفاتها وعلاقاتها ممن حولها كانت تمثل المرأة الثورية الآبوجية، الباحثة عن الحقيقة، ومن خلال هذه الوقفة القوية كانت تنضم لكافة الفعاليات والأعمال. وكلما كنتُ أتحدث معها وأقول لها بأن لا تُتعب نفسها فهي رفيقة من رفاق الجرحى وجسدها يحتاج للراحة، لكنها كانت مصرة وعنيدة في إرادتها وترد عليّ بابتسامة رقيقة؛ “هفال أيسل لا تنسي نحن مدينون لجهود القائد آبو، وما فعله القائد لنا وللشعب الكردي وخاصةً المرأة الكردية ولكافة النساء، لم يفعله أحد في العالم كله للمرأة. القائد آبو عرفنا على الحياة الحرة ورفع من مستوانا وجعلنا نؤمن بأنفسنا وشخصيتنا”.

  طوّرت من شخصيتها حسب براديغما القائد آبو

 من إحدى تلك الخصوصيات البارزة في شخصيتها عندما كانت تسمع بوجود أي رفيقة أو رفيق في مكان، كانت تذهب إليهم وتقوم بزيارة لهم وتعطيهم المعنويات العالية والثقة بالنفس. كانت هفال سورخوين تضع جدولاً تنظيمياً لكافة أعمالها وكانت اجتماعية ولها علاقات مع كافة رفاقها.

أتذكر حتى وهي حين كانت على قيد الحياة فالكثير من العوائل من كوباني وحتى ديرك قد سموا أسماء بناتهم باسمها. حتى وعندما كنا في بوطان فالكثير من العوائل هناك لأنهم كانوا يحبونها كثيراً قد سموا أسماء بناتهم باسم سورخوين. لقد وصلت هفال سورخيون إلى أعلى المستويات في الوصول لبراديغما القائد آبو، وكانت تحاول دوماً أن تكون لائقةً به.

هفال سورخوين عندما أتت من مناطق (باشوري كوردستان – جنوب كردستان) وتم فرزها لـ (باكوري كردستان – شمال كردستان) فقد ذهبت إلى منطقة بستا، لقد أحبت بستا كثيراً فكانت تقول لنا دوماً: “إن بستا إذا لم تحبها فهي لن تحبك أو تحميك”. حتى وإن فرزها كان لأجل جودي ولكنها بقيت لمدة ثلاثة أشهر في بستا لقد أحبت بستا كـ أمها وكانت تقول لنا بأنها عندما أتت من جنوب كردستان على أساس الذهاب إلى جبل جودي، ولكن بسبب بعض العوائق لم يتم ذهابها، ولكنها سعيدة ومرتاحة مع رفاق بستا. وأمنيتها الوحيدة هي الذهاب إلى جبل جودي.

وكانت تقول دوماً أن القائد قال بأنه من يحبني عليه الذهاب إلى بوطان ويتعرف على طبيعة بوطان ويتعلم معنى الحياة هناك لذلك عليّ الذهاب إلى بوطان وخاصةً جبل جودي لكي أحقق طموح القائد. بالطبع بعد ثلاثة شهور ذهبت إلى جودي. وعند ذهابها هناك أيضاً تم استشهاد بعض الرفاق وكان له تأثير كبير على نفسية هفال سورخوين، وحتى عند ذهابها كان فصل الشتاء حيث الكثير من الصعوبات المناخية الطبيعية، ولكن رغم كل هذه الظروف لم تتوقف عن المضي بشخصية قوية في الممارسة العملية هناك. كانت متفائلة دوماً وتملك تلك الروح المرحة والتي تعطي الأمل لكل من حولها.

نضالها في أربعة أجزاء كردستان

هفال سورخوين الطامحة والجامحة في إرادتها كانت تواقةٌ مثل طير “الطائر الحر” بأن ترى أربعة أجزاء كردستان وبالطبع رأت وناضلت هناك. وحتى أنها ذهبت إلى معسكر مخمور فقالت عن مخمور أيضاً بأنها بمثابة الأم بالنسبة لها. كانت تشارك معاناة الناس هناك ومآسيهم واشتياقهم لرجوعهم لقراهم ومزارعهم وديارهم، فهي كانت ترى بأم عينها بأن أهالي مخمور نظموا أنفسهم بفكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ويحافظون على إرادتهم الحرة، لذلك مقاومة مخمور هي نموذج تاريخي من نماذج القائد آبو.

هفال سورخوين أحبت كوباني كثيراً، هفال سورخوين كانت تحب كوباني كثيراً لأن كوباني مدينة المقاومة والشهداء والأبطال. كانت تقول دائماً بأن كوباني هي مدينتي. وكانت وصيتها بأن تُدفن في مقبرة شهيدة دجلة – مقبرة الشهداء في كوباني بعد استشهادها. بالفعل بعد شهادتها نفذ الرفاق وصيتها ودفنوها في مقبرة الشهداء في كوباني. أتذكر حين أصيبت هفال سورخوين كانت تدعي كافة الرفاق بأنها سوف تستشهد، والدكتور أيضاً كان بتلك القناعة، لأن جروحها كانت خطيرة للغاية، ولكن وبإرادتها القوية بقيت شامخة ومناضلة لا تأبه لجروحات جسدها.

رغم جروحاتها العميقة في جسدها ولكنها نهضت وتعافت بسرعة. لم تكن المرة الأولى التي تُجرح في ساحات الحرب، فالطبيب عندما سمع دقات قلبها قال للرفاق بأن قلب هذه الرفيقة يتدفق لأجل الحياة، فهي مرتبطة بالحياة كثيراً لذلك ستقوم وهي قوية الإرادة والعزيمة، وبالفعل تعالجت ونهضت ومستوى حبها للحياة كان عالياً جداً كانت تضحك وتقول: “إنني نجوت من الموت ثلاث مرات ولكن واضح بأنني لن أنجو من الموت في المرة الرابعة”. أتذكر كانت تقول: “إذا أصبتُ هذه المرة فسوف أكون شهيدة”. حقيقةً كانت مشاعرها قوية وتملك عمق المشاعر، فعندما كانت تتأمل عيون أي شخص كانت تفهم ماذا يريد/تريد.

 في الواقع أنا محظوظة جداً لأنني التقيت وصادفت هفال سورخوين. أنا فخورة جداً بأنني كنتُ رفيقة تلك الشهيدة التي مضت على نهج القائد آبو والشهداء. سنكون أوفياء لوصاياهم وأهدافهم. فحلم الإلهة سورخوين الوحيد كان حرية القائد عبد الله أوجلان جسدياً والعيش بيننا، وتحرير الوطن من الظالمين.

بغض النظر عن تحليلي للكثير من الميزات والخصوصيات لشخصية هفال سورخوين ولكنني على قناعة تامة بأن الكلمات تكفي ولن تكفي لإعطائها حق المعاني. من الصعب علينا التحدث عن هفال سورخوين الثورية والقيادية والطليعية والمتواضعة بشكل سهل، طبعاً ستكون كلماتنا مثل قطرة ماء في البحر. مرة أخرى أنحني إجلالاً وإكباراً أمام ذكراها وأطلب منها العفو بأن الكلمات تبقى قليلة وصغيرة لوصف حقيقتها ونضالها وروحها الثوري.

فاستشهاد هفال سورخوين وآزادي معاً كان ألماً بالنسبة لنا ولكننا تعلمنا منهن بأن المقاومة هي الحياة، والحياة بدون المقاومة لا معنى لها فقضية التحرر تحتاج للكثير من التضحيات وأمثال هفال سورخوين وآزادي خير مثال بارز أمام العيان. آزادي قنديل تلك الثورية المرحة والقوية في إرادتها. هفال آزادي أيضاً من تلك القياديات المحبوبات واللطيفات مع رفاقها، صاحبة القلب الحنون والروح الرفاقية الدافئة.

هفال آزادي المعروفة بروحها الاجتماعية تعاملها مع كافة فئات الشعب، لها مكانة قيمة في قلوب من التقوا بها أو بقوا معها معروفة بصبرها وتحملها وتواضعها الـ لا محدود مع الرفاق الجرحى خاصةً. هفال آزادي كانت مقاتلة مجتهدة وفانية، لا تفرق بين الكرد والعرب كانت مصدر النور. أين ما تكون جالسة يكون هناك شعاع نور مبهر تؤثر على الجميع. كانت امرأة قوية وشغوفة ومبدعة في الكثير من المجالات، كانت مثل نجمة وتضيء السماء والأرض. مناضلة ومضحية ومتواضعة مع الصغار والكبار، مع كافة الرفاق الجرحى وبكافة مستويات جروحاتهم. رغم أنها لم تكن من الرفيقات القداما ولكنها كانت متعمقة كثيراً في أيديولوجية الحركة التحررية الكردستانية.

كانت هفال آزادي مناضلة وواثقة من نفسها. رغم أنها لم تكمل دراستها ولكنها كانت شغوفة لأجل التعلم وتعلمت القراءة والكتابة من ذاتها، أرادت أن تكون ثورية لائقة بجهود القائد آبو وأن تكون الرفيقة المثالية لهم. كانت تقدم الكثير من النضال لأجل حرية القائد آبو الجسدية. كانت تطمح للوصول إلى شخصية المرأة المتدربة والواعية والمثقفة وصاحبة الأيديولوجية التحررية حتى أنها كانت تُعلم الرفيقات على الكتابة والقراءة وتتمنى أن تكون كافة الرفيقات متعلمات.

كانت منفتحة وذو قلب دافئ وتتأقلم مع كافة الرفاق بسرعة كبيرة، خصوصيتها الاجتماعية كانت فوق كل الخصوصيات. رغم أن هفال آزادي لم تكن من الرفاق الجرحى ولكنها كانت ذو مسؤولية فائقة بين الرفاق الجرحى تساعدهم في كافة الأمور، النفسية والجسدية وقسم المعالجات الطبية، صبورة ومستمعة جيدة وتحل كافة المشاكل أو الأمور المتعلقة بالمعالجة، مرحة ومتواضعة وحنونة وحساسة وتهتم بكل الشخصيات، وحتى وإن كانت ولأول مرة تلتقي بها تحس أنك منذ سنوات تعرفها.

حتى في مقاطعة الجزيرة هفال آزادي كانت القيادية على المقاتلات الجدد. جميعهم كانوا يحترمونها ويحبونها كثيراً. وفي فترة من الفترات أصبحت إدارية للمشفى وكان الجميع يحبونها. حين أتحدث عن هفال آزادي فإنني أتألم كثيراً على فراقها، كان لها تأثير كبير أينما وجدت، لها لمساتها الرفاقية الخاصة بها. الآن نفتقد ضحكتها وابتسامتها وروحها الخفيفة الظل. وهي من مدينة ديركا حمكو – فهي أيضاً بدأت من ديركا حمكو حتى وصلت إلى مدينة كوباني – هناك قامت بالكثير من الفعاليات والنضال الدؤوب لأجل إنجاح الثورة. وبعدها ذهبت وانضمت لصفوف الكريلا في جبال كردستان وهناك تم فرزها بالرجوع إلى روجآفا. وهنا في روجآفا كانت قيادية على دورات المقاتلين الجدد، وبعدها عملت في القسم الصحي في مقاطعة منبج وبعدها تم فرزها أن تكون إدارية على فدراسيون الجرحى لـ إقليم شمال وشرق سوريا، فهي وهفال سورخوين كانتا معاً يداً بيد تعملان لأجل مساعدة رفاق جرحى الحرب.

حتى عندما التقيتُ مع أخاها الصغير خبات تحدث عن تلك الذكريات الجميلة بينه وبين هفال آزادي حيث قال:

 “هفال آزادي كانت أكبر مني بالعمر لهذا السبب في صغري كبرتُ على يديها، حتى وعندما انضمت لصفوف الگريلا وأتت لـ روجآفاي كردستان بعد سنوات عديدة، لم تتغير مشاعري تجاهها، بل أصبحت علاقتي معها ‌قوية. هفال آزادي لم تكن لي بمثابة أخت فقط بل وكان بيننا رفقة كبيرة، وصداقة حميمة. على العكس رأيتها ناضجة فكرياً وثقافياً وسياسياً وتعاملها أوسع وأجمل. حين عرفتُ بأن مقياس فلسفة القائد لا تستند على المرأة المتعلمة فقط، بل هو رفيق كافة النساء.

الكلمات لا تكفي لكي اعطيها حقها ولا الحبر يكفي لأكتب عن طيبة قلبها وروحها الجميلة. نحن فخورين كثيراً بشهادتها وإنها مكان فخر، ولكن كانت شهادتها صعبة علينا كثيراً ولا زلنا نتألم عليها. وعندما سمعنا خبر استشهادها هي وهفال سورخوين، لأننا لم نتوقع بأن إنسانة مثل الرفيقة آزادي بنضالها الجاد ورفقتها الصادقة وقلبها الحنون أن تفارق الحياة، كان استشهادها خسارةً لعائلتها ولكن الخسارة الأكبر كان لحركتنا، لأنه بالتأكيد خسارة عندما يستشهد الرفاق والرفيقات اللواتي ضحوا بأنفسهم وبنقاء روحهم، أن يستشهدوا بسبب الأشخاص ذو الأيدي القذرة مثل العملاء والمرتزقة والدولة الفاشية التركية.

قبل انضمام أختي آزادي لصفوف الحرية، عملت كثيراً مع والدي، كانوا يصنعون الخبز في الفرن، لأن بقية أخوتي كانوا يدرسون. كانت علاقة آزادي مع والدي مثل الرفقة، وأيضاً كانت علاقتها مع جميع أفراد العائلة كبيرة وقوية، لأنها لم تكن لنا أخت فقط بل وكانت الأم والأخت والصديقة والرفيقة الجريئة لنا.

عندما كنا نعمل في الأراضي الزراعية كانت هي رئيسة الورشة، وعندما كانت تعطي العمال رواتبهم ويبقى بعض المال فلم تكن تقبل أن تتصرف بذاك المال الباقي لوحدها، كان يقول لها والدي:

  • يا ابنتي أنتِ رئيسة الورشة وهذا المال الباقي لكِ ومن حقكِ.

كانت تقول:

  • لا يا والدي لن أفعل ذلك ولن آكل حق أحد.

كانت تذهب للدكان وتشتري بها العلكة وتوزعها على العمال، هذا لمثال بسيط جداً عن طيبة قلبها وصدقها. منذ صغرها وعندما كبرت كانت تحب الأغاني كثيراً بالأخص الأغاني القديمة (الكلاسيكية) مثل عيشة شان، وغريب خمكين، سيد خان، شمدين، كانت تسمعهم باستمرار وأيضاً كانت تحب الغناء، كانت هي وأختي دوماً تغنيان معاً في المنزل.

حتى لما انضمت للثورة كان لها حب وحماس كبير، استشهد خالي وخالتي في التسعينيات لهذا السبب كان كل آمالها وأمنيتها أن تنضم وتحمل سلاح خالتها وتحارب بها ضد الأعداء. أستطيع القول بأن هفال آزادي لم تعد أختي أو رفيقتي أو صديقتي فهي تحولت إلى أن تصبح ابنة الشعب والوطن والقضية التحررية. مرة أخرى فخورين ولسنا نادمين وسنكون بتلك القدرة على أن نخطو الخطوات الاكثر جدارة في أن نطبق وصاياهم. ألف سلام لروح الشهيدة آزادي وسورخوين. هن باقيات في قلوبنا”.

يؤسفنا عندما سمعنا باستشهاد هفال آزادي وسورخوين معاً، على يد الطائرات المسيرة للدولة التركية. استشهادهن خسارة كبيرة بالنسبة لنا، طبعاً إنها خسارة جسدية لأن فكرهن والخصوصيات التي كانت مثالاً بارزاً بالنسبة لنا مستمرة حية في ذاكرتنا ونفوسنا. إننا نقدم أحر التعازي لعائلاتهن وسنكون رفاق دربهن في الاستمرار على مسيرتهن النضالية الحافلة بالنجاحات التاريخية.

شهيدات مسيرة الحرية لهن عظمة تاريخية ومقاومة لا تستهان. المضي على خطاهن يخلق القوة والروح الريادية لأجل أهداف قيمة وإيصال مجتمعنا إلى أرقى المستويات. فكما أن رفيق المرأة المفكر عبد الله أوجلان أعطى القيمة السامية للشهداء وهم قادتنا المعنويون، فأننا أيضاً سنمضي على خطاهن وبكل عزيمة وإصرار، سنحقق أهدافهن نحو الحرية والسلام والأمان لأجل كافة الشعوب والوصول للمرأة المتحررة من كافة النواحي.

سنقول دوماً؛هن الرائدات لأجل الوصول إلى الحقيقة.. هن الحقيقة بحد ذاتها،

هن اللواتي أمضينَ في موكب الحياة والحرية