إقليم شمال وشرق سوريا وتجربة نظام الرئاسة المشتركة – روناك عبد الرحيم

إقليم شمال وشرق سوريا

وتجربة نظام الرئاسة المشتركة

 

نظام الرئاسة المشتركة في إقليم شمال وشرق سوريا

ليس فقط حلاً لتعزيز دور المرأة فقط،

بل هو أيضاً استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة والشاملة

 

روناك عبد الرحيم

 

في معرض الحديث المطوّل عن معاناة شعوب الشرق الأوسط عموماً وشعبنا خصوصاً وبقائهم تحت تأثير الذهنية السلطوية الذكورية من القدم وحتى يومنا الحاضر، فالسلطة التي تجسدت في الكلية الاجتماعية والثقافية والسياسية التي فضلت وجود الرجال على النساء وحددت الأدوار التقليدية الصارمة لكل الجنسين وتحويلها إلى ثقافة اجتماعية. فالهيمنة الذكورية أدت إلى تهميش دور النساء وإقصائهن وإبعادهن عن المطالبة بحقوقهن المشروعة في التعليم والعمل والمشاركة الفعالة في الساحة السياسية.

في العصور القديمة، كانت المجتمعات الشرقية تعتمد بشكل كبير على الأنظمة الاستبدادية التي تمنح الرجال سلطة واسعة يفرضها على النساء والأطفال. هذه الهياكل الاجتماعية استمرت في التأثير على المجتمعات حتى مع التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة في القرن العشرين وما بعده.

في العصر الحديث، على الرغم من التقدم الذي أحرزته العديد من الدول في مجال حقوق المرأة، إلا أن السلطة الذكورية ما زالت تؤثر وبشكل كبير على حياة النساء في الشرق الأوسط. العديد من القوانين والسياسات الحكومية ما زالت تُعزز هذه السلطة، سواء من خلال القوانين التي تتعلق بالأحوال الشخصية أو تلك التي تحد من فرص النساء في العمل والسياسة.

هذا النظام يعزز فكرة أن الرجال يتمتعون بصفات قيادية وفطرية تؤهلهم لتولي المناصب العليا والتحكم في القرارات المهمة، في حين يتم تهميش دور المرأة وتقليل قيمتها. في غياب الديمقراطية يكون تأثير السلطة الأحادية وسلطة الرجل على المجتمع سلبي وواسع النطاق، فيتم زمام السلطة في يد شخص واحد أو مجموعة صغيرة، مما يؤدي إلى قمع الحريات الفردية وحرية التعبير وعدم وجود تمثيل عادل لكافة الفئات.

وغالباً ما يصاحب السلطة الأحادية للرجل انتهاكات للكثير من الحقوق الإنسانية، وفجوة بين الجنسين، حيث تحرم النساء من الفرص المتساوية في التعليم والعمل والسياسة. ناهيك عن أن المجتمعات التي تعاني من سلطة أحادية للرجل غالباً ما تشهد تأخراً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بسبب قلة المشاركة الشعبية والإبداع والتنوع. مما يعرقل النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، كما أن تهميش المرأة يعني إهدار الإمكانات والمهارات والقدرات، فالمرأة تمتلك كالرجل قدرات فريدة يمكن أن تسهم في تقدم المجتمع.

المرأة تلعب دوراً محورياً في تربية وإرشاد الأطفال وتكوين أسرة سويّة وأفراد أسوياء، وفي الكثير من الحالات تكون مسؤولة عن إعالة الأسرة، وتتعدى الأدوار التقليدية لتمتد إلى كل جوانب الحياة، مما يجعلها عنصراً حيوياً يساهم بنسبة كبيرة في إثراء المجتمع وتحقيق تنمية مستدامة وشاملة فيه.

إذاً تعزيز دور المرأة وتمكينها من التعليم والعمل والإبداع يساهم في بناء مجتمع أكثر توازناً وعدالة، وتهميش دورها وغياب الحماية القانونية التي تكفل حقوقها كأي فرد من المجتمع يمكن أن يؤدي إلى تفكك الأسرة، وتربية أجيال قد تفتقر إلى الرعاية والتوجيه السليمين. تتطلب معالجة هذه المشكلات التحول نحو نظم ديمقراطية تشاركية وتعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، مما يساهم في بناء مجتمعات أكثر عدالة واستدامة.

فكرة الرئاسة المشتركة في إقليم شمال وشرق سوريا تمثل نموذجًا مبتكرًا وجذريًا في مواجهة السلطة الذكورية التقليدية، وتعد جزءًا من النظام السياسي الذي أرست إليه الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، تقوم هذه الفكرة على مبادئ الديمقراطية والتشاركية والمساواة بين الجنسين.

النظام التشاركي

حيث يتم المشاركة في العمل الإداري لكافة المؤسسات وفي كافة الساحات ولهم كامل الحقوق في ممارسة عملهم بشكل كومينالي ومتحاور وتطبيق نظام الرئاسة المشتركة بشكل فعال. هذا النظام يضمن أن كلا الجنسين يتشاركان في اتخاذ القرارات المصيرية، مما يقلل من هيمنة المفهوم الذكوري والنزاع على المناصب والمراتب، وتحقيق التوازن بين الجنسين في تدرجات المسؤوليات المتطلبة. فهذا النظام الديمقراطي والكومينالي يعزز ويقوي من دور المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

هذا النظام يساهم في تمكين المرأة وتشجيع مشاركتها الفعالة في جميع المجالات وتمكينها من المشاركة في عملية صنع القرار. هذا يضمن تمثيلًا أوسع وأكثر تنوعًا للأصوات والأفكار، والذي بدوره يخلق بيئة ديمقراطية تحاورية حيث يتم إعادة تعريف الأدوار الاجتماعية وتقسيمها بشكل عادل بين الرجال والنساء.

تساهم الرئاسة المشتركة ايضاً في تغيير الثقافة المجتمعية نحو قبول أكبر لفكرة المساواة بين الجنسين. هذه الخطوات يمكن أن تؤدي إلى تغيير طويل الأمد في التوجهات الاجتماعية والثقافية، ويمثل خطوة مهمة نحو بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولية.

بإمعان النظر في المناطق التي تُطبّق فيها الإدارة الذاتية الديمقراطية، مثل شمال وشرق سوريا، هناك تركيز كبير على تعزيز دور المرأة في الحكم والإدارة، فيعكس مبادئ الديمقراطية التشاركية ويضمن تمثيل مختلف الفئات في عملية صنع القرار. يؤدي تعزيز دور المرأة أيضاً في الإدارة إلى تحفيز التغيير الاجتماعي والثقافي نحو مزيد من الانفتاح والتقدم.

نظام الرئاسة المشتركة فكرة فريدة لتعزيز دور المرأة ونهوض المجتمع، هذا النظام يتيح تحقيق التوازن بين الجنسين ويعزز المساواة في صنع القرار، مما يعزز مبدأ المساواة بين الجنسين ويحد من التمييز. ناهيك عن وجود قادة من الجنسين في المناصب القيادية يضمن تنوع وجهات النظر والخبرات، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات أكثر شمولية وفعالية.

نموذج كهذا يُحتذى به يشجع المزيد من النساء على اتخاذ مكانتهن الصحيحة في الإدارة وتغيير النظرة التقليدية حول أدوار الجنسين. إضافة إلى أن التنوع في القيادة يمكن أن يحسن الأداء المؤسساتي ويزيد من الابتكار والإبداع. فالنساء يخلقن مهارات وخبرات مختلفة تساهم في تحسين العمل الجماعي وحل المشكلات بطرق مبتكرة.

نظام يشجع المزيد من النساء على المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، سيؤدي حتماً إلى تمثيل أفضل لاهتمامات واحتياجات النساء في السياسات والبرامج المختلفة، وهنا يصبح من الممكن تطوير سياسات وبرامج تدعم حقوق المرأة وتعمل على تحسين ظروفها الاجتماعية والاقتصادية.

تجربة شمال وشرق سوريا

نظام الرئاسة المشتركة في إقليم شمال وشرق سوريا ليس فقط حلاً لتعزيز دور المرأة، بل هو أيضاً استراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة والشاملة. بدمج النساء في المناصب القيادية، يمكن للمجتمعات أن تستفيد من إمكانيات جميع أفرادها وتحقق تقدماً شاملاً ومتنوعا ويساعد في كسر الصورة النمطية التقليدية عن مجتمعاتنا الشرق أوسطية.

تلقى مشاركة المرأة ونظام الرئاسة المشتركة دعمًا متزايدًا، خاصة في الأوساط التي تأثرت بأيديولوجيات تحرير المرأة والمساواة، هذا النظام يُعتبر تطورًا إيجابيًا على أنه وعلى أيةِ حال: تتباين الآراء بناءً على السياق الثقافي والسياسي والاجتماعي لكل منطقة. وعلى مستوى الساحة الدبلوماسية الأوروبية، يُنظر إلى مشاركة المرأة في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية ونظام الرئاسة المشتركة بإيجابية، ويُلتمس في هذه المبادرات خطوة هامة نحو تعزيز الديمقراطية والاستقرار في المنطقة.

الدبلوماسيون الأوروبيون غالبًا ما يشيدون بهذه الجهود ويعتبرونها نموذجًا يمكن أن يُحتذى به في مناطق أخرى، فالنساء الكرديات غالباً ما يُعتبرن رمزاً للتمسك بالهوية الثقافية، ويسعين لتعزيز الثقافة الكردية ليصبحن مثالاً للتقدمية والمساواة، مما يثير إعجاب وتقدير الكثيرين في الغرب.

وتتم الإشادة بهذه المبادرات كجزء من التقدم نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة. هذه الخطوات تعزز صورة تلك المناطق كمجتمعات تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، مما قد يؤدي إلى دعم دبلوماسي وسياسي أكبر من الدول الأوروبية.

بالمجمل، نظام الرئاسة المشتركة ومشاركة المرأة في الإدارة الذاتية يُنظر إليهما كخطوات مهمة نحو تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ويمكن القول إن نظرة المجتمع المحلي والدولي لمشاركة المرأة في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية ونظام الرئاسة المشتركة هي نظرة إيجابية تُعزز من قيمة المساواة والتمثيل العادل، وتلقى دعمًا متزايدًا على الصعيد الشعبي والدبلوماسي على حدٍ سواء.

هنا نقطة ملفتة وعلينا تحليلها ألا وهي أن الدول الأوروبية حتى أنها تتقبل حرية المرأة وتدعي بالديمقراطية الكاملة، ولكنها لن تكون من الأوائل في تطبيق نظام الرئاسة المشتركة وبمحتواه الصحيح الذي يتلاءم مع طبيعة وقيم المجتمع. ليست بتلك السهولة ان تتدمقرط الرأسمالية ويتغير النظام العالمي السلطوي، هذا يعني باننا سنواجه الكثير من التحديات العصرية ولكننا سننتصر.