الرئاسة المشتركة والحقوق التنظيمية – ريحان لوقو

الرئاسة المشتركة والحقوق التنظيمية

  

الرئاسة المشتركة تعني تقاسم المسؤوليات

 فيما بين المرأة والرجل والمجتمع ككل،

والتطور التنظيمي المبني على المجتمع الأخلاقي والسياسي

 

 ريحان لوقو

 

خلال متابعة قضية المرأة عبر التاريخ والذي لم يؤخذ بداية كقضية بل كعنصر متمم في الطبيعة في سياق ظهور السلطة البطرياركية، متجاهلين دورها في إدارة المجتمع الطبيعي والحفاظ على مكتسبات المرأة آنذاك إلى يومنا هذا، نجد بأنه بقي في إطار المحافظة على تلك المكتسبات التي سُلطت عليها الذهنية الذكورية. واستمر الحال في هذا المنوال بصياغة المقاومة والنضال النسوي من أجل استرداد حقوقها في العدالة والمساواة، إلا أن الأمر لم يتطرق إلى التحليل والتعمق في تناول المرأة كمحور أساسي في الحياة.

 لذا وضمن هذا السياق قدّم القائد عبد الله أوجلان ولأول مرة في تاريخ كردستان والإنسانية تحليلات موسعة وعميقة بصدد قضية المرأة ونمط العلاقات والحياة القائمة، وتناول ثورة الحرية كنشاط فلسفي وركيزة هامة حيث قيمّ:

“المرأة الأكثر جمالاً هي المرأة التي تعيش بحرية أكبر، بالنسبة لي حرية المرأة أهم من أي شيء آخر، لأن الارتباط بين المرأة المضطهدة والرجل السلطوي لا قيمة له، كما أنه لا يوجد شيء أجمل وأثمن من الارتباط بين امرأة حرة ورجل تحرر من الذهنية السلطوية”.

لا يمكن التعريف بالشكل الصحيح لأية مشكلة، ما لم يتم الغوص في مصدرها ومنبعها الأساسي ولا يمكن البحث عن الحرية إلا في المكان الذي تمت فيه إضاعته وفقدانه فيه، لذلك إن نظرية “الثورة والثورة المضادة” التي طرحها المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان، قد أنارت درب نضال حرية المرأة بشكل كبير ومن خلال تشخيصه الذي يقول: “إن قضية حرية المرأة تشكل منبع كل التناقضات الناجمة عن القضايا الاجتماعية العالقة”، فقد أشار إلى ضرورة البحث عن الحل ضمن إطار الصراع الجنسي.

تعريف واقع المرأة

ولهذا السبب، فإن تعريف واقع المرأة المسحوق والمضّطهَد تاريخياً على أنها أولى وأقدم المستعمَرات، إنما يعبّر عن فحوى حقيقتها ذلك أن المنبع العين لكل أنواع الاستغلال المطبقة على المرأة، الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية وغيرها، يتمثل في الأيديولوجيا والذهنية الذكورية السلطوية المعمِرة منذ خمسة آلاف عام إلى يومنا الحالي، بالتالي فإن مناهَضة المرأة هو أمر أيديولوجي وممنهج وهناك الكثير من النظريات والبحوث التاريخية في هذا الشأن، والتي تؤيد هذا التشخيص وعليه فإن التعريف النظري والعلمي والعملي السليم للقضية سوف يؤدي أيضاً إلى حرية المرأة.

 إن كل كيان مجتمعي برز في التاريخ بالتمحور حول المرأة وتطلع إلى الحرية، قد مَكَّن من تحقيق ثورة المرأة أيضاً وعلى سبيل المثال، فإننا ما نزال نشهد حتى في حاضرنا آثار الثورة النيوليتية المتمحورة حول المرأة الإلهة.

شهدت هذه الأرض ثورات نسائية عديدة منها (ثورة الزراعة، ثورة الريف، ثورة العلم، ثورة الأخلاق ..الخ) ولكن نرى إحدى المشاكل الرئيسية للمجتمع هي مشكلة العلاقات ما بين المرأة والرجل، وإن لم  نُعرّف هذه العلاقات ما بين الرجل والمرأة، لن يستطيع المرء معرفة وتحليل أية قضية مجتمعية أو حلها.

لذلك حلل القائد مفاهيم (الحب – العشق) وارتباطهما بحقيقة المجتمع، وكيف على الإنسان تناولها بشكل ملموس بتطوير ردٍ حول مسألة العشق والحب، فإذا لم يتعرف ويحلل الإنسان هذا المفهومان الأساسيان في الحياة الاجتماعية، لن يستطيعا التجاوب مع مفهوم حياة الشراكة الحرة.

كما هو معلوم فعندما تقال كلمة الحياة النِدِيِّة الحرة، لا يعني علاقة تقليدية في الزواج، وإنما التعمق في الحياة المشتركة الحرة للجنسين، وأن يعاد بناء الحياة على أساس الحرية والمساواة في كل شيء، والاعتماد على مفهوم (مساواة اللامساواة).

وعلى المرأة والرجل أن يحرروا أنفسهم وكذلك على أساس واجب بناء الحرية يمكن تحرير المجتمع وتستطيع المرأة والرجل التخلص من علاقات العبودية وبناء دمقرطة كلاهما، لذلك علينا بالقول بأن الرئاسة المشتركة تعني العدالة والمساواة ومن الضروري أن يطبق هذا النظام في كافة المجالات، ومن الضروري أن يمتزج بالحياة بشكل سريع. فتطبيق نظام الرئاسة المشتركة يحل مسائل خصوصية المرأة والرجل وحماية طبيعتهم المجتمعية ومع الحقوق التنظيمية والإدارية وفي أعلى المستويات.

الحقوق التنظيمية

في الحقيقة إن مجتمعية المرأة وجوهرها مقياس رئيسي للمجتمعية عامة، فالمجتمعات التي ليس بمستطاع المرأة التعبير عن ذاتها بحرية ولا تنظم نفسها ولا تتحول إلى قوة القرار والعملية لن يكون بمقدور هذه المجتمعات أن تحقق الديمقراطية لذاتها ولا يمكن اعتبارها منظمة جوهرياً.

 فالمجتمعات إما أن تكون ذاتية وديمقراطية أو لا تكون، بالتالي لا يمكننا الحديث عن مجتمعات لا تعطي اعتباراً لنصفها الأساسي، ولا يمكننا الحديث عن ذاتيته إن لم تتوصل إلى بناء منظومات ومؤسسات راسخة ودائمة؛ فالمنظمات أو المؤسسات التي ليس بمستطاع المرأة أخذ مكانتها الذاتية والديمقراطية فيها ليس بمقدورها التحول إلى قوة تغيير وتحوّل للمجتمع.

من هنا الجانب الأساسي والرئيسي وبالطبع الطبيعي أيضاً هي ان للمرأة الحقوق الكاملة والطبيعية في ممارسة حقوقها التنظيمية. فهي بطبيعتها الأمومية تملك تلك الخصوصية والذاتية. فلأن المجتمع المتكون على أساس الذهنية الذكورية تخاف من القوة التنظيمية الموجودة من الفطرة لدى المرأة، تهاجم عليها بكافة الأساليب. طبيعة تلك الفطرة هي مجتمعية وتحافظ على حماية القيم والمكتسبات الاجتماعية. فهنا النقطة البارزة في محتوى الصراع بين الجنسين. لأنه تلك القوة هي المظلة الحياتية والأساسية في لم شمل طبيعة المجتمع، فالأم تبقى هي المديرة لسيرورة الحياة وبكل إبداع وتنظيم وحرية.

عندما نتحدث عن تطبيق نظام الرئاسة المشتركة علينا في البداية شرح مراحل النضال الطويلة التي خاضتها قياديات ثورة المرأة في التسعينات، فهناك مراحل تحليلية طويلة بدءً من كتاب المرأة والعائلة، كيف نعيش؟ علم المرأة Jineolojî، وأيديولوجية تحرير المرأة، وتجييش المرأة، وأيضاً الرئاسة المشتركة، فكانت أطروحات قيّمة وبمثابة ثورة فكرية بالنسبة للمجتمع.

نظام الرئاسة المشتركة

نظام الرئاسة المشتركة ليس أول نموذج في العالم ولكن لأول مرة يطبق بشكل جوهري وملموس في كردستان ويمكننا القول نسبة النجاح وتطبيقها في شمال وشرق سوريا وصل إلى 60%. فهو نموذج حيوي ويهدف إلى إظهار جوهر المرأة وحقيقتها. تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية هي بمثابة الأوكسجين الذي تنتعش به المجتمع، لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المناطق التي تعاني من الصراعات والنزاعات العقيمة.

وبنفس الوقت يروّج لها كنموذج للإدارة الذاتية الذي يحترم حقوق المكونات والخصوصيات ويضمن مشاركة جميع أفراد المجتمع في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، طبقت المرأة خياراتها المتعلقة بالنضال والحرية وأعطت شكلها ولونها في جميع ساحات النضال واستطاعت تجاوز الدروب الصعبة والشاقة بما قدمته من جهد وكدح وتضحيات وبتوجيهات الحرية أصبح لنا جيشاً وحزباً ونظاماً وتنظيماً.

فنظام الرئاسة المشتركة أعطت المرأة شكلاً وطابعاً خاصاً للثورة جعلتها مختلفة عن الثورات السابقة، فهناك الآلاف من النساء في مناطق شمال وشرق سوريا يدرن الكومينات والمجالس والمؤسسات المدنية والسياسية والعسكرية والهيئات، ناهيك عن دورهن في الساحات العسكرية.

 ومع بداية مرحلة ثورة روجآفا من عام 2012، تبنى وساند تنظيم مؤتمر ستار وطبق هذا المبدأ في المناطق التي تم تحريرها من النظام المركزي والأحادي الجانب، واقترح مؤتمر ستار الأنظمة الإدارية والرئاسة المشتركة على كافة المؤسسات والمجالس والهيئات في أعوام 2013 و2014 ، وبهدف معرفة هذا النظام تم تنظيم المئات من الندوات والاجتماعات المستمرة حتى الآن.

 لقد بدأ تطبيق نظام الرئاسة المشتركة في كافة مناطق روجآفا عام 2014، في مجالس الإدارة الذاتية الديمقراطية ومؤسسات حركة المجتمع الديمقراطي والمؤسسات والأحزاب السياسية، كذلك تم تطبيقها في الكومين والمجالس، في حين تم إجراء وسير العديد من التدريبات والمناقشات والدراسات في العديد من الجوانب حتى الآن.

فالرئاسة المشتركة تعني تقاسم المسؤوليات والتعاون ووصول كل من الرجل والمرأة والمجتمع ككل لحياة تسودها المساواة والديمقراطية.