الرئاسة المشتركة ومبادئها – عزاب العبود
الرئاسة المشتركة ومبادئها
“نظام الرئاسة المشتركة ركيزة أساسية
في نظام الأمة الديمقراطية.
وتصبح أرضية خصبة لبناء التشاركية”
عذاب العبود
تعتبر المرأة عمودًا فقريًا للمجتمع، وتمتلك قدرات عظيمة ومهارات فريدة تمكّنها من أداء دور مهم في صنع القرار وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمعات. فالمرأة ليست مجرد شريكة بل هي قائدة وصانعة القرارات، وإليها يجب أن يولى الاهتمام الكبير والدعم اللازم لتحقيق إمكانياتها الحقيقية.
إن قدرات المرأة في صنع القرارات تأتي من خلال خبراتها وتجاربها الحياتية المتنوعة، ومن خلال تفكيرها الإبداعي وقدرتها على التحليل والتفكير الاستراتيجي. تعتبر المرأة قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والحكيمة، وتتميز بالقدرة على تحليل المخاطر واتخاذ القرارات المناسبة في الظروف الصعبة وذلك لاحتفاظها بصفات (الإلهة) وتحميها. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المرأة قدرات تواصل عالية ومهارات اجتماعية فعالة، تجعلها قادرة على بناء شبكات علاقات قوية وتعزيز التعاون بين الأفراد. وهذا يساعدها على تأثير القرارات وتحقيق توافق وتعاون في العمل الجماعي.
دور المرأة في صنع القرار يعزز الاستقرار والتنمية المستدامة في المجتمعات، حيث تمثل المرأة نقطة القوة الإضافية والعوامل المحفزة للتغيير الاجتماعي. إذ يؤدي تمكين المرأة واحترام حقوقها إلى رفع مستوى الحياة وتعزيز العدالة الاجتماعية والديمقراطية.
ومن الناحية الاقتصادية، يلعب دور المرأة في صنع القرار دورًا حيويًا في تطوير الاقتصاد وتحقيق التنمية المستمرة. حيث تمتلك المرأة مهارات حرفية وإدارية مميزة تمكّنها من العمل في مختلف المجالات وتحقيق النجاح والازدهار الاقتصادي.
من جانبها، تتطلب مشاركة المرأة في صنع القرار إنشاء بيئة مواتية تقوي حقوقها وتحترم إسهاماتها. ويجب على المجتمعات والحكومات دعم التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، وضمان مشاركتها الكاملة والفعالة في العملية السياسية والاقتصادية.
إنّ مشاركة المرأة في القرار السياسي لها أهمية كبيرة وحاسمة في بناء مجتمع ديمقراطي وعادل ومستقر وإن انخراط المرأة في عملية اتخاذ القرارات السياسية يعكس مدى التزام المجتمع بقيم المساواة والعدالة، ويعزز الديمقراطية الحقيقية والتمثيل الفعال لكافة شرائح المجتمع.
يسهم ذلك في تطبيق التمثيل الديمقراطي، فمشاركة المرأة في القرار السياسي تسهم في تقدم التمثيل الديمقراطي وتوفير منصة للتعبير عن آراء واحتياجات المجتمع. وبالتالي، يمكن للمجتمعات أن تتبنى قرارات أكثر توازنًا وعدلاً تعكس تنوع المجتمع وتحقق حقوق الجميع.
كما إنّه يمثل بشكل كبير العدالة وحقوق الإنسان، يعتبر دعم ومشاركة المرأة في القرار السياسي جزءً أساسيًا من حقوق الإنسان، حيث يجب على كل فرد أن يتمتع بحقوق المشاركة السياسية بغض النظر عن جنسه أو هويته.
وذلك يعكس الإبداع والابتكار، تمتلك المرأة مهارات الإبداع والابتكار التي يمكن أن تسهم في وضع الحلول للتحديات السياسية والاجتماعية التي تواجه المجتمع.
بالنظر إلى هذه النقاط، يصبح واضحًا أن مشاركة المرأة في عملية صنع القرار السياسي ليست فقط ضرورة أخلاقية، ولكنها ضرورة حضارية واجتماعية واقتصادية. ويبقى تعزيز دور المرأة وتمكينها في المجال السياسي واجبًا ملحًا يجب أن يلتزم به جميع أفراد المجتمع من أجل بناء مستقبل أفضل وأكثر عدالة للجميع.
يجب على الجميع أن يدركوا أن دور المرأة في صنع القرارات ليس فقط واجبًا اجتماعيًا وأخلاقيًا، بل هو أيضًا ضرورة حتمية لبناء مجتمعات أكثر عدالةً وتعاوناً، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة للجميع. إن تمكين المرأة ودعمها في مسار صنع القرار ضرورة حقيقية لبناء مستقبل مشرق ومزدهر.
تجربة إقليم شمال وشرق سوريا
وعليه تلتزم الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا بمبدأ الرئاسة المشتركة كونها تعتبر أساسًا لنجاح النظام الإداري هناك. فالرئاسة المشتركة تعني أن تكون إدارة المؤسسات والهياكل السياسية والاجتماعية مشتركة بين الرجل والمرأة، حيث يتم إدارة الشؤون المحلية والقرارات التي تؤثر على حياة الناس بشكل جماعي بالتنسيق والتعاون بين الجنسين.
تعكس فكرة الرئاسة المشتركة روح المساواة والعدالة بين الجنسين، وتعتبر تحقيقاً للديمقراطية الحقيقية. فالمشاركة المتساوية للنساء والرجال في صنع القرار تُمكن الشفافية والشمولية في العملية السياسية وتحقق توازناً وتنوعاً في الرؤى والخبرات المختلفة التي تستفيد منها المجتمعات.
تعتبر الرئاسة المشتركة في إدارة المؤسسات العامة والمنظمات الحكومية والغير حكومية تجسيداً لروح العدالة الاجتماعية والاقتصادية، إذ تضمن توزيع الثروات والفرص بالتساوي بين الجنسين. ومن خلال التزامها بمبدأ الرئاسة المشتركة، تسعى الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا إلى بناء مجتمع تمكن فيه المرأة ويحترم حقوقها المشروعة. فهي تعمل على إزالة العوائق التي منعت المرأة من المشاركة الكاملة والفاعلة في الحياة الاجتماعية، وتضمن لها فرص متساوية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية وكافة المجلات.
يعد تبني مبدأ الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا تحولاً نوعياً في النظرة الاجتماعية والثقافية تجاه دور المرأة في المجتمع. فهو يسمو من مكانة المرأة كعنصر أساسي في بناء المجتمع ويسعى إلى تحقيق التوازن المجتمعي.
إن إدراك أهمية المشاركة الفعالة للجنسين في صنع القرار وإدارة المجتمع يعد أمراً حيوياً لتحقيق المستوى الحضاري والثقافي والتوجه نحو تكوين الإنسان الحر الريادي ضمن المجتمع. وبفضل التزام الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بمبدأ الرئاسة المشتركة، يظهر المجتمع هناك بصورة متساوية ومنفتحة ومتقدمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة.
إنه مفهوم يعتمد على توزيع الإدارة بالتساوي واتخاذ القرارات بشكل مشترك بين مختلف الأعراق والأديان والثقافات، وكذلك المشاركة الفعّالة للمرأة، بهدف إدارة الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشكل عادل ومتوازن.
تأسست الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عام 2014، بعد اندلاع الثورة السورية العارمة، كإجراء استباقي لتنظيم الشؤون المحلية وتوفير الخدمات الضرورية للمدنيين في المناطق التي تم تحريرها من تنظيم داعش وقوات النظام السوري.
ومن بين المبادئ التي تم اتخاذها في الإدارة الذاتية الديمقراطية هو مبدأ الرئاسة المشتركة، الذي يهدف إلى تمثيل جميع الفئات السكانية وضمان حقوق الأقليات والتعايش السلمي بين جميع المكونات السورية.
تتألف الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية من مجلس يضم رئيسين مشتركين رجل وامرأة بالإضافة لممثلين عن جميع الأعراق والطوائف، حيث يتم اختيارهم كنواب ممثلين لكل مجموعة على حدا. ويتم اتخاذ القرارات الهامة بالتوافق بين جميع أعضاء المجلس، وتحترم الرئاسة المشتركة حقوق الأقليات وتضمن تمثيلها في كل المجالات.
يعتبر مبدأ الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية وسيلة فعالة لتجنب التمييز والإقصاء وضمان تمثيل الجميع في صنع القرارات، وهو يعمق مفهوم الديمقراطية المشاركة والحكمة السليمة. حيث يتيح هذا المبدأ للمواطنين المشاركة الفعالة في العملية السياسية وتقديم الأفكار والمقترحات والشكاوى بشكل مباشر، مما يثبت الثقة بين الإدارة والشعب ويضمن استجابة سريعة لاحتياجات المجتمع.
يعتبر التطبيق الناجح لمبدأ الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا نموذجاً يمكن الاستفادة منه في العديد من البلدان الأخرى التي تعاني من التمييز والإقصاء ونقص التمثيل السياسي. فهو يسهم في بناء مجتمع مدني قوي ومتماسك، ويوحد الوحدة الوطنية ويحافظ على تنوع الثقافات والتقاليد.
ومع ذلك، يواجه مبدأ الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية تحديات عدة، من بينها التوافق بين مختلف الفئات السكانية وتقديم الحلول للقضايا الملحة في المنطقة، بالإضافة إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المنطقة. لذا، يتطلب النجاح الدائم لمبدأ الرئاسة المشتركة العمل الدؤوب والتعاون بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المنظمات الدولية والمنظمات الغير الحكومية.
مبدأ الرئاسة المشتركة
يمكن القول إن مبدأ الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا يعتبر نموذجًا ناجحًا لتحقيق السلام والأمان والاستقرار في المنطقة. ويجب على المجتمع الدولي دعم هذه النماذج الناجحة وتبنيها في البلدان الأخرى، من أجل ضمان السلام والعدالة والتعاون بين الشعوب.
إذاً، يمكننا القول إن مبدأ الرئاسة المشتركة في إدارة المؤسسات يعد أحد الأسس الرئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. فهو يضمن تمثيل الجنسين بشكل عادل ومتساوي، ويطرح المشاركة الفعالة والشاملة للمرأة والرجل في جميع القطاعات والمجالات.
في منطقة إقليم شمال وشرق سوريا، تعتبر المرأة جزءًا أساسيًا وقويًا من المجتمع والحياة السياسية والاقتصادية، وذلك بفضل النهج الثوري الذي تم اتباعه في تلك المنطقة والذي يفتح المجال لمشاركة المرأة بكل ثقتها وإرادتها. تعد مبادئ الرئاسة المشتركة التي تنطلق من النهج الديمقراطي للتعددية الثقافية والسياسية هي السبب الرئيسي وراء تمكين المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا.
في الوقت الذي تعيش فيه العديد من المجتمعات في الشرق الأوسط تحت نظام أبوي يستبعد دور المرأة ويقيدها بمفاهيم تقليدية، حققت المرأة الكردية والعربية والسريانية والآشورية والتركمانية والشركسية والأرمنية والأيزيدية …الخ في شمال وشرق سوريا تقدمًا ملحوظًا في مجالات العمل، والسياسة، والمجتمع. يرجع هذا التقدم إلى اعتبار المرأة شريكًا حقيقيًا في صنع القرار وإدارة الشؤون، وذلك من خلال النظام الإداري الذي يعتمد على مبدأ الرئاسة المشتركة.
يتسم نظام الرئاسة المشتركة بأنه يوفر فرصًا متساوية لكل أعضاء المجتمع، وخصوصاً النساء، للمشاركة في صنع القرار والإدارة. وهذا يعني أنه لا يتم التمييز بين الرجال والنساء في تقديم الأفكار واتخاذ القرارات، بل يتم تشجيع النساء على تولي المناصب القيادية والاستفادة من خبراتهن ومهاراتهن في إدارة كافة الشؤون.
إحدى النتائج الرئيسية لتبني مبدأ الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا هي توسيع فرص المرأة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فبدلاً من أن يقتصر دور المرأة على الأنشطة التقليدية والمنزلية، تلعب النساء اليوم دورًا بارزًا في الشؤون العامة وتشغل مناصب قيادية في مختلف المجالات.
بفضل هذا النظام، استطاعت المرأة في شمال وشرق سوريا أن تثبت وجودها بقوة وأن تحصل على التقدير والاحترام الذي تستحقه كعضوة فاعلة في المجتمع. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هي العديد من النساء اللواتي شغلن مناصب رئاسية في مجالات متنوعة، بما في ذلك الإداريات في أقسام البلديات، والمشرفات في الكثير من المراكز، وأيضا القياديات على الفصيلة، المجموعة، الكتيبة، الطابور، التوغاي في وحدات حماية المرأة، والمسؤولات في التنظيمات السياسية والمدنية.
التحديات وقوة صنع القرار
بالنظر إلى تجارب النساء في شمال وشرق سوريا، نلاحظ أن مبدأ الرئاسة المشتركة لم يكن مجرد مفهوم نظري بل تحول إلى واقع عملي يؤثر بشكل إيجابي على حياة النساء ويسهم في تفعيل دورهن وقوتهن في المجتمع. وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه المرأة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، يظل تبني مبدأ الرئاسة المشتركة ضرورة أساسية لتحقيق التقدم والاستقرار الشامل.
يعد مبدأ الرئاسة المشتركة في شمال وشرق سوريا منظومة مبتكرة تقدم فرصًا حقيقية للمرأة للمشاركة بقوة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما يساعد على تحقيق تقدمها في مختلف المجالات. إن الاعتراف بالقيمة والإسهام المهم الذي تقدمه المرأة يعكس تطورًا إيجابيًا في المجتمع واستمرارية في مسيرة النهضة والتقدم نحو مستقبل أكثر عدالة وتكافلًا اجتماعيًا.
علاوة على ذلك، تظهر الدراسات العديدة أن الاقتصادات التي تعتمد على المساواة بين الجنسين تكون أكثر إيجابية، حيث يساهم تنوع الآراء والخبرات في اتخاذ قرارات أفضل وأكثر تأثيراً. وبالتالي، يعتبر تطبيق الرئاسة المشتركة في إدارة الهيئات والمؤسسات خطوة نحو بناء مجتمعات ديمقراطية.
وعليه، يجب على المجتمع الدولي بشكل عام دعم نظام الرئاسة المشتركة والمشاركة المتساوية للجنسين في الإدارة والقرارات. وعلى الحكومات والمنظمات المحلية العمل على إنشاء بيئة تشجيعية لتحقيق المساواة والتنوع في جميع القطاعات والمؤسسات.
علينا أن ندرك أن المساواة بين الجنسين والرئاسة المشتركة ليست مجرد قيمة إنسانية، بل هي هدف أساسي. ومن خلال الإيمان بهذه القيم والمبادئ، يمكننا بناء مجتمعات حيث يعيش كل فرد فيها بكرامة وحرية ومساواة تامة.
الرئاسة المشتركة هي مبدأ يعتمد على التقاسم الإداري الجماعي واتخاذ الآراء بين مختلف الفئات والأعراق والطوائف في إطار مظلة الرئاسة المشتركة. ويعتبر هذا المبدأ من الأسس الرئيسية للنظام الديمقراطي وهو وسيلة لضمان تمثيل ومشاركة جميع أطياف المجتمع في التعايش المجتمعي والسلمي والتعاوني.
تتضح أهمية الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية الديمقراطية من خلال العديد من الجوانب منها:
- تعزيز الديمقراطية: يعتبر مبدأ الرئاسة المشتركة وسيلة لتعزيز المشاركة السياسية والشمولية في عملية اتخاذ القرارات.
من خلال تقاسم القرار وتوزيعه بين مختلف الفئات، يتم تحقيق توازن في العلاقات السياسية وضمان حقوق الشعوب في تقرير مصيرهم.
- تعزيز الاستقرار الاجتماعي: تساهم الرئاسة المشتركة في خلق بيئة من الاستقرار الاجتماعي والتعايش السلمي بين مختلف أفراد المجتمع. فهي تعكس قيم المساواة والتعاون والاحترام المتبادل بين الأعضاء الذين يشاركون في إدارة الشؤون العامة.
- تعزيز النمو الاقتصادي:
من خلال تشجيع التنمية المستدامة والمشاريع الاقتصادية المشتركة، يمكن لمبدأ الرئاسة المشتركة أن يعزز الاقتصاد المحلي ويخدم مصالح جميع أفراد المجتمع.
- حماية حقوق الأقليات:
يعمل مبدأ الرئاسة المشتركة على حماية حقوق الأقليات وضمان تمثيلها في عملية صنع القرار، مما يسهم في الحفاظ على التنوع الثقافي والديني وتعزيز التعايش بين الثقافات.
من هنا والشيء الذ تم تأكيده هو أننا ومنذ ثورة 2011 مارسنا هذه التجربة الفريدة من نوعها، وقد وصل لتلك القناعة بانها الحل الأنسب للتحول من المجتمع الجنسوي إلى مجتمع مثقف ومتحضر وينعم بالتساوي بين حقوق المرأة والرجل.