الرئاسة المشتركة دعامة السياسة الديمقراطية – ستيرك كلو

الرئاسة المشتركة دعامة السياسة الديمقراطية

الرئاسة المشتركة

شكل من أشكال تحقيق حياة نِدِيِّة مشتركة.

حيث تعتمد كافة المؤسسات الإدارية

على الرئاسة المشتركة في إدارة أمورها”

 

ستيرك كلو

 

كثير ما يتحدثون عن السياسة والديمقراطية، حيث أصبحت هذه القضية من أهم قضايا عصرنا. إذا ما تطلعنا إلى التاريخ سنجد بأن السياسة كمصطلح لم تتخطى حدود السلطة الحاكمة المتمثلة بذهنية الذكورة الحاكمة، التي وجدت نفسها كجوهر في تسيير الأحكام اعتماداً على المركزية السلطوية.

السياسة والمركزية في ظل الحكم الأبوي كانا توأمان منذ أن عرفت البشرية تاريخها الرسمي، فقد تم تقييم السياسة كمجال هام بالنسبة للرجل، ولا يمكن للمرأة الاقتراب من هذا الميدان كونه عمل الرجل ولا يمكن للمرأة النجاح فيه. حيث نسبت سياسة الحكم للرجل الحاكم، أما المرأة فهي مكملة لهذا المجال. فقد حلل القائد عبد الله أوجلان مصطلح السياسة كفن الإدارة، وإذا كان كذلك فهذا يعني بأن المرأة هي من استطاعت تطوير هذا الفن لإدارتها الأسرة وبالتالي المجتمع. أما بعد التمييز الجنسي الذي جاء كاستبدادية الرجل ضد المرأة خسرت المرأة هذا الدور الهام الذي يعتبر من أهم خصائص المجتمع الطبيعي والتي كانت ثقافة الآلهة القوة الرئيسية في تسييرها.

 الصراع القائم ما بين الرأسمالية والديمقراطية تمتد إلى تاريخ التمييز ما بين الجنسين، أو بالأحرى لدى فقدان ثقافة المرأة قوتها وتعرضها للإنكار والتصفية بجملة أخرى بعدما فقدت الإلهة – الأم دورها في إدارة المجتمع. المركزية، نظام تغذت على الذهنية الأبوية، لدى تكوين البنية الأساسية للنظام الدولتي اعتمدت في تكوينها على المركزية التي اتخذت من إنكار المرأة وتهميشها أساساً في سياستها.

ومن خلال تجارب قرون لهذه الإدارة المركزية التي أخذت السياسة المركزية أساساً في وجودها، بدت بأن ما تم تسييره ليس سوى فن الخداع والحيل ضد المجتمع الذي فقد توازنه في السير الطبيعي وتعرض للكثير من التشوهات تحت ظل هذه السيادة. اعتمدت سياسة الدولة في مركزيتها على سياسة النمط الواحد، أي المركزية، وبهذا المنطلق الهش اعتمدت على اللغة، والثقافة، والعلم، والقومية وحتى على الجنس الواحد.

إن الحكم المركزي والإدارة الديمقراطية تختلفان بكل معنى الكلمة، ولا يمكننا تنسيب هذا الحكم إلى المرأة لأنها تخالف طبيعتها كـ طبيعة كومينالية اجتماعية واشتراكية في طبيعتها. لا يمكن للمرأة الانضمام إلى هذه السياسة إلا بالعنف والإكراه، وقد تمكن النظام الدولتي من أخذ هذه القوة كقوة احتياط لسير عجلته نحو تأزيم القضايا وخلقها لتستطيع الاستمرار.

عندما نقرأ كتب التاريخ يصعب علينا مشاهدة أي دور للمرأة في صنع التاريخ والدفع به نحو التطور، سوى في بعض الأمثلة القليلة التي تم البحث فيه في تاريخ بعض الشعوب والمجتمعات. بالطبع هذا ليس بصدفة، لهذه الذهنية(الذكورية) تاريخ عميق مليء بالحروب والغزوات، حيث حولت جنس المرأة إلى آلة للإنجاب لا سواه، وقد فقدت المرأة جراء ذلك حق الكلمة والقرار والإدارة، ولم يكتفي النظام الأبوي بهذا القدر، بل أخذت المرأة بين مخالب الذهنية التي حولتها إلى سجينة حُكم عليها بالمؤبد، فأصبح وجودها عاراً ومركز جميع السيئات كعلبة باندورا.

فهوية الرأسمالية الحاكمة اعتمدت على إنكار المرأة كوجود وسُلبت منها كافة حرياتها. المرأة كجنس كانت أول عبدة فقدت حريتها على يد النظام الأبوي، وأول أمة استعمرها الرجل. إلى جانب ذلك لأمة المرأة تاريخ حافل بالمقاومة والكفاح وأولها كعبدة تكافح في سبيل تحقيق حريتها بدءاً من شكل وجوهر علاقاتها مع الرجل ضمن عائلة واحدة ومن ثم في كافة مجالات الحياة، وهذا الكفاح يسير بكافة أشكاله إلى اللحظة الحالية.

الصراع والمعادلة المضادة

ربما يسأل البعض أين موقع المرأة الآن من هذه المعادلة؟ في الحقيقة الصراع ما بين الجنسين قائم بكل قوته حتى من بعد خمسة آلاف عام أو بالأحرى بعد فقدان المجتمع توازنه لصالح الرجل ضد المرأة. ظهرت الكثير من الحركات النسوية وخاصة في القرن السابع عشر إلى العشرين، وذلك نظراً لوحشية السبل التي استخدمت ضد المرأة في الشرق الأوسط والعالم.

ففي المحاكم التفتيشية في أوربا أحرقت المرأة بتهمة الشعوذة، وعُلقت على أعواد المشانق لأنها طبيبة واغتصبت لأنها فقط “امرأة”. في الحقيقة لجميع نساء العالم قواسم مشتركة يصعب للمرء وضع خلاف بينهما، فما يتم ممارسته ضد المرأة في أي دولة مثيله موجود في دولة أخرى. في الحقيقة كلما هُمش دور المرأة، كلما تصاعد كفاحها بشكل أو بآخر. لذا نجدها فعالة ونشيطة في كافة مجالات الحياة، وحتى إن تم تهميشها ضمن حدود معينة، فللمرأة طاقة تستطيع من خلالها تنشيط فاعلية المجتمع نحو تحقيق الحرية والبناء الصحيح لنظامها المجتمعي.

وقد رأينا ذلك في تاريخ العديد من الشعوب والمجتمعات بغض النظر عن الهوية القومية، فالمرأة قوة إدارة المجتمع، ولدى فقدانها لهذا الدور توجه المجتمع نحو الكثير من القضايا المعقدة والشائكة التي لا يمكن حلها، وأهم هذه القضايا هي قضية الإدارة التي تختلف بكلياته عن الذهنية السلطوية. المرأة تُدير والرجل يحكم، هذا هو الفرق القائم فيما بين الجنسين.

أما بالنسبة لشكل حكم (الرجل الواحد) فهو يشبه حكم الدولة القومية الواحدة التي لا تعترف بحرية الآخرين بل يتطفل على وجودهم، وقد شهدت منطقتنا على هذه الذهنية التي أودت به إلى صراعات وحروب عقيمة لم يعد بمستطاعه الاستمرار بالحياة، وخاصة بالنسبة للمرأة الكردية التي فقدت هويتها كـ جنس وتم إنكارها كـ قومية.

بعد خمسين عاماً من مسيرة الثورة الكردستانية التي اتخذت من المرأة ضمانة لثورتها، غيرت من نظرية الأحادية للذهنية الذكورية بقيادة المفكر عبد الله أوجلان، الذي وضع نظرية المرأة الحرة كأساس لمجتمع أخلاقي وسياسي له. من دون المرأة لا يمكن ضمان نجاح الثورة الكردستانية، فالمرأة في حقيقتها ضمان لمجتمع ديمقراطي حر. هذا ليس نظرياً فحسب، فقد قدمت المرأة الكردستانية كفاحاً عسكرياً، واجتماعياً، وسياسياً، ودبلوماسياً لتحول به الثورة الكردستانية إلى مصدر قوة وتغيير في العالم وديناميكية نشطة نحو التطور والتغيير على عكس النمط الأحادي لمركزية الدولة. حيث اعتمدت إدارة المرأة على بناء مجتمع خارج إطار الدولة المركزية وبإرادة حرة، ويعتبر ذلك من أهم دعائم الديمقراطية ومبادئها.

اعتمد القائد عبد الله أوجلان في مفهوم الأمة الديمقراطية على مبدأ الحياة النِدِيِة الحرة أو التشاركية وهذا بدوره ضمان لحياة حرة ونظام ديمقراطي يعتمد على نهج المرأة الحرة. اتخذت المرأة مكانتها في كافة مجالات الثورة ولم تتردد في تنشيط هذا الدور، لأنها كانت على يقين بتحقيق حريتها عبر هذه الثورة. لذا فقد سمى القائد الثورة الكردستانية بثورة المرأة. حيث استطاعت المرأة أن تلعب دوراً رئيسياً في دفع عجلة الثورة نحو الأمام وحتى ضمان نجاحها.

لم يكن دور المرأة تقليدياً ولا شكلياً، بل استطاعت أن تحقق بقدراتها في كافة مجالات الحياة وأن تعكس النظرية القائمة على أن المرأة مكملة للرجل أو خُلقت من ضلع الرجل، وقد كانت ثورة روجآفا وشمال وشرق سوريا مثالاً بارزاً في ذلك. منذ أن بدأت ثورة 19 من تموز، اتخذت المرأة دوراً قيادياً وريادياً على الصعيد العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.

لقد كانت ثورة المرأة في حقيقتها، وضمت كافة النساء من المكونات الأخريات ليتخذن أدواراً حقيقية في تحقيق منجزات تاريخية، أصبحت للعالم مركز جذب وإلهام من حيث اعتمادها على نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية. إلى جانب ذلك، تم اتخاذ الرئاسة المشتركة كنمط إداري يعتمد على المساواة والعدالة. إن الرئاسة المشتركة شكل من أشكال تحقيق حياة نِدِيِة مشتركة. حيث تعتمد كافة المؤسسات الإدارية على الرئاسة المشتركة في إدارة أمورها، هذا النموذج يعتبر أول مثيل له ضمن النظام الإداري المعتمد عليه في المنطقة والعالم.

ثورة المرأة الذهنية

بدءاً من نظام الكومين الذي يمثل جوهر الإدارة الذاتية الديمقراطية وإلى المجالس والمقاطعات وكافة الأبعاد الذي يعتمد عليه المجتمع في أسسه الحياتية. الرئاسة المشتركة شرط أساسي وهام لنجاح الإدارة، فمشاركة المرأة والرجل وفق أسس العقد الاجتماعي الذي يتخذ من النظام الديمقراطي أساساً في إدارته. إن لم يكن هناك نظام إداري مشترك فلا يمكن القول بوجود سياسة ديمقراطية أيضاً.

السياسة الديمقراطية تتلقى صوابها في تنفيذ نظام إداري مشترك على عكس النظام الدولتي الذي يعتمد على إدارة الرجل في حكمه. إن مشاركة المرأة والرجل في نظام كهذا يضمن المساواة ما بين الجنسين في نفس الوقت، فلا يمكن الإقرار من دون إرادة المرأة. وهذا يمثل في حقيقته دور المرأة الفاعل في دفع المجتمع نحو تحقيق الديمقراطية والعدالة. إذا ما نظرنا إلى أشكال الحكم في ظل النظام الدولتي سنجد بأن النمط الأحادي أي نمط النظام الأبوي هو الحاكم في الحكم، أما في ظل الإدارة الذاتية نجد إدارة الرئاسة المشتركة تشكل النواة الأساسية في شكل الحكم.

هذا في جوهره يعتبر أسس السياسة الديمقراطية اعتماداً على النهج الثالث. وإن استطاعت ثورة روجآفا وشمال وشرق سوريا التصدي لكافة أشكال الهجمات سواء هجمات داعش الإرهابية أو من قبل الاحتلال التركي، فهذا يعود إلى الانضمام الطوعي القائم على الإرادة الحرة لهذا النظام والتشارك ما بين الرجل والمرأة.

في الحقيقة، لم يكن سهلاً تطبيق نظام كهذا، فقد كافحت المرأة بكل ما تملك كي تستطيع تجاوز الصعوبات التي واجهتها وخاصة من قبل الذهنية الأبوية التي اعتمدت في جوهره على إبعاد المرأة من ساحة الإدارة وتهميشها. لقد كانت جهود المرأة في هذا المجال أضعاف مضاعفة لتسيير وإدارة المجتمع على كافة الصعد. بعد نجاح هذه التجربة التي لا مثيل لها في التاريخ اكسبت المرأة الثقة بنفسها أكثر، واعتماداً عليه تسير كافة المؤسسات في روجآفا وشمال وشرق سوريا على أساس الرئاسة المشتركة، طبعاً لهذه الخطوة العظيمة مصاعبها وخاصة في كيفية نجاح هذه الخطوة والعمل المشترك وفق ذهنية حرة.

لا يمكن الاستهانة بهذه العملية كخطوة أولى ولكن الأهم في كيفية التخلص من مصاعبها وذلك عبر التنمية الذهنية وفق النهج الأيديولوجي لحرية المرأة والثقة به كنهج الخلاص والحرية. للمرأة دور بارز في تطبيق ونجاح الرئاسة المشتركة، فالعمل المشترك هو اساس حياة كومينالية قائمة على العدالة، والنظام الرئاسي المشترك نموذج ديمقراطي لإدارة هذا العمل. يجب اتخاذ الذهنية الديمقراطية الحرة أساساً للجنسيين وإلا سيبقى هذا النظام شكلياً، وكذلك اتخاذ حرية المرأة وقوانينها أساساً.

فالحياة النِدِيِة الحرة التشاركية تعتمد في جوهرها على حرية المرأة وشكل إدارتها الديمقراطية. يعتمد نجاح الرئاسة المشتركة على تطبيق العقد الاجتماعي من حيث المفهوم وكذلك المبادئ والأسس، لذا يتوجب أولاً، التخلص من المفهوم الجنسوي والعنصري والتحلي بذهنية حرة قادرة على التغيير وتمتين مكانة المرأة ودورها في المجتمع.

إن تجانس الرئاسة المشتركة تعني تطبيق سياسة ديمقراطية اعتماداً على حرية المرأة، وبهذا يمكن للمرأة أن تجد فرصة النجاح ضد الذهنية الذكورية التي أنهكت كاهل المرأة وهمشت دورها. ثورة روجآفا بقيادة المرأة فرصة تاريخية أمام كافة النساء لبناء مجتمع منظم قادر على إدارة نفسه بنفسه، وتبين ذلك في كافة مراحل ثورة 19 تموز، بأن المجتمع المنظم بقيادة المرأة مجتمع قادر على التصدي لكافة أشكال العنف والغصب والاحتلال.