الرئاسة المشتركة في الثقافة الأمازيغية – أماني الوشاحي

الرئاسة المشتركة في الثقافة الأمازيغية

” المجتمع الأمازيغي يرى المرأة مخلوق مساوي للرجل،

لذلك كان ولازال المعيار الوحيد للرئاسة

 ھو “الكفاءة” فإذا كانت المرأة لديھا الكفاءة

لتولي القيادة أكثر من نظراتها من الرجال فإنها ستتولى القيادة بكفاءتها

وبموافقة نظرائها من الرجال ومباركة المجتمع”

 

أماني الوشاحي

 ممثلة أمازيغ مصر بمنظمة الكونجريس العالمي الأمازيغي

 

يؤكد لنا علم “التاريخ” استنادا للآثار والكتابات والمنقوشات، أن القيادة الإنسانية بدأت نسوية، ذلك لأن المجتمعات البشرية في عصور ما قبل اختراع “الدولة” كانت مجتمعات أمومية، القيادة فيها للمرأة (القيادة الأصلية) وكانت الآلهة مؤنثة، بل شعب إن شعب “المايا” السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية، كانوا يعبدون “المهبل” باعتباره رمزاً للحياة.. وبعد تحول المجمعات البدائية البسيطة إلى دول صارت القيادة ذكورية بحتة (القيادة البديلة) وصار كل شيء في المجتمع يمجد الرجل باعتباره أرقى من المرأة، حتى الآلهة صارت ذكورا.

ولم ينجو من هذا التحول الذكوري إلا عدد قليل جدا من المجتمعات، على راسهم المصريون والأمازيغ، حيث لم يحل الرجل محل المرأة في القيادة وإنما شاركها القيادة (القيادة المشتركة) وإن كان التاريخ المصري – على سبيل المثال – يذكر أن إيزيس جلست على عرش مصر إلى جانب زوجها أوزويس، فإن المنطق يؤكد أن أوزوريس هو الذي جلس على عرش مصر إلى جانب زوجته إيزيس.

لقد عانت غالبية الشعوب – عبر العصور القديمة والوسطى والحديثة – من مساوئ القيادة الذكورية، التي كانت سلبياتها أكثر من إيجابيتها، مما نتج عنه ظهور حركات نسوية – في العصور الحديثة – تدعو للمساوة بين الرجل والمرأة في كافة جوانب الحياة ومنها بالطبع “القيادة” بعض هذه الحركات النسوية شهدت نجاحات، مثل شعوب أوروبا وأمريكا الشمالية، وبعضها لم يحقق النجاح المرجو مثل شعوب الشرقين الأوسط والأقصى.

وباعتباري امرأة أنتمي إلى ثقافة ناجية من التحول الذكوري المجتمعي، وأعيش القيادة المشركة بالفعل كما عاشتها جداتي، أقول: إن المجتمع الأمازيغي منذ نشأت الأولى وهو يؤمن بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق والواجبات، فالمجتمع الأمازيغي يرى المرأة مخلوق مساوي للرجل، لذلك كان ولازال المعيار الوحيد للقيادة هو “الكفاءة” فإذا كانت المرأة لديها الكفاءة لتولي القيادة أكثر من نظراتها من الرجال فأنها ستتولى القيادة بكفاءتها وبموافقة نظرائها من الرجال ومباركة المجتمع.

إن المجتمعات التي نجت من التحول الذكوري المجتمعي، ومنھا المجتمع الأمازيغي، لم تتعرض فيھا المرأة للقھر مثل باقي المجتمعات ذات القيادة الذكورية التي عانت فيھا المرأة القھر والظلم بكافة أشكاله، لدرجة أن المجتمعات بالشرق الأوسط كانت تدفن الفتيات الرضيعات وھن أحياء (الوأد) بل على العكس تماما فالمجمع الأمازيغي ذو القيادة المشتركة تمتعت فيه المرأة بالحرية والحق في التعليم والعمل واتخاذ القرار بل والوصول إلى سدة الحكم وقيادة الجيش.

ويذكر التاريخ “الملكة تيھيا” حاكه الأوراس، والذي أطلق عليھا العرب الغزاة لقب “الكاھنة” لأنھم عندما ھاجموا بلادنا – شمال أفريقيا – حدثت لھم صدمة حضارية، لقد وجدوا امرأة تحكم وتقود الجيش وكلمتھا مطاعة من شعبھا، ووفقا لثقافتھم الذكورية اعتقدوا أنھا تسيطر على شعبھا بالسحر، لھذا اعتقدوا أنھا كاھنة، والحقيقة أن الملكة تيھيا كانت تسيطر على شعبھا بالديمقراطية وليس بالسحر، ھذا المصطلح الذي لم يعرفھ العرب وقتھا.

من غير الممكن تشويه التاريخ وحقيقة قوة المرأة في ريادة المجتمع وإدارة كافة القضايا. المرأة تملك تلك الثقافة في لم شمل المجتمع تحت مظلة الحياة المسالمة والعادلة والمتوافقة معاً. فأعطاء القيمة المجتمعية للمرأة هي اعطاء القيمة للإنسانية.