دلفين أحمد عضوة قسم الدراسات والاستشارات الدبلوماسية لـ آفاق المرأة
دلفين أحمد عضوة قسم الدراسات والاستشارات الدبلوماسية لـ آفاق المرأة
“لا خيار للمرأة إلا بالاعتماد على ذاتها الحرة،
وإنشاء نظامها الدفاعي الذاتي والحماية الجوهرية،
والانخراط في كافة ساحات النضال،
والكفاح لأجل تكوين مجتمع أخلاقي وديمقراطي،
عادل ومتساوي في الحقوق والخصوصية”
إعداد: نرجس إسماعيل
1 – بعد الترحيب. محور حرب الشعب الثورية مهمةٌ للغاية. حبذا لو تحدثينا عن مراحل تطور “حرب الشعب الثورية” من خلال المراحل التاريخية؟
- بدايةً أريد أن أتقدم بجزيل الشكر لمجلة آفاق المرأة لأنها سمحت لنا هذه الفرصة، لندلي بآرائنا حول موضوع مهم للغاية ألا وهو “حرب الشعب الثورية” وأهميتها بالنسبة للمرأة والشعوب والمجتمعات في هذه المرحلة العصيبة التي تعيشها الإنسانية.
كما نعلم جميعاً ومن خلال قراءتنا ومراجعتنا للتاريخ، أن مفهوم الحرب الشعبية أو الحرب الشعبية الطويلة الأمد قد ظهرت في القرن العشرين في الصين. تم تعريفها على أنها حرب شعبية طويلة الأمد واستراتيجية عسكرية وضِعَت دعائمها الأساسية من قبل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، التي هي الدعم الشعبي للقوات الشعبية المسلحة والمنظمة وفق نظرية ثورية تعمل بموجبها، وتفسح المجال لكافة فئات وشرائح المجتمع للانخراط في المقاومة المسلحة، التي تخاض بالأصل لأجل المجتمع نفسه.
للحرب الشعبية الثورية ركائز عديدة ومن أهمها: تأمين الدعم الشعبي والحفاظ على استمرارية هذا الدعم إن كان لوجستي أو معلوماتي أو تزويد القوات المسلحة بالعناصر الجديدة، يعني الدعم المادي والمعنوي. اندماج القوات المسلحة بين القاعدة الجماهيرية والشعبية الداعمة والمؤيّدة للثورة وتنظيمها وتوسيعها، من خلال خوض حملات دعائية وتنظيمية واسعة. كما أن الحرب الشعبية هذه تعتمد على أساليب وطرق متعددة ومتغيرة حسب المقتضيات، منها حرب العصابات والحرب المتحركة وحرب الأنفاق وحرب الأزقة والشوارع، بحسب الظروف الجغرافية المتاحة والانتفاضات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية العارمة.
هنا علينا أن نشير إلى جانب مهم الذي هو واضح من التسمية أيضاً أنها حرب شعبية ثورية، أي أنها حرب الشعب بالذات لأجل حماية وجوده ولا يمكن توجيهها وتسييرها إلا من قبل الشعب نفسه. وهذا النوع من الحروب غير نظامية تخص الحركات الشعبية الثورية للدفاع عن هوياتها وكياناتها. حتى من الممكن أن نقول؛ بأنها حروب دفاعية اضطرارية تلجأ إليها الشعوب والمجتمعات للدفاع عن وجودها واستعادة حقوقها المسلوبة، أو التحرر من الاحتلال والاستعمار، أو التعصب القوموي والدينوي والمذهبي، أو تغيير الأنظمة المحلية الدكتاتورية. ومن هذا المنطلق وبما أنها دفاعية وتدخل في إطار حق الدفاع المشروع الذي هو حق كوني منحه الكون لكل كائن نستطيع القول؛ بأنها حروب مشروعة.
كما أننا نستطيع القول، بأن هذه الحروب بشكلها البدائي بدأت بعد ظهور الهرمية والطبقية والسلطوية على المجتمعات، بدأت مع نضال وكفاح الإلهة – الأم إينانا في مواجهة الآلهة الذكور مثل “أنكى” لأجل استعادة قوانينها المائة والأربع المسروقة والمسلوبة منها. منذ ذلك الحين نستطيع أن نرى وبكل وضوح أن أول من تعرض لسرقة المنجزات وسلب الحقوق هي المرأة، وأول من ناضل وكافح وحارب الظلم والنهب والسلب أيضاً هي المرأة نفسها. لأن المستهدف في شخص المرأة المؤسِّسة للمجتمع هو المجتمع بأسره. مع مرّ العصور وتطور الدولة وأطماعها وحروبها التوسعية تطور نضال وكفاح المجتمعات والشعوب أيضاً إلى أن وصل لمرحلة تسميتها بالحرب الشعبية الثورية في يومنا هذا.
وهنا؛ يأتينا أهمية هذا السؤال وعلينا أن نقدم الأجوبة الواقعية لها. نستطيع أن نذكر أمثلة عديدة لهذه الحروب التي لعبت دوراً تاريخياً بالنسبة للشعوب التي خاضها العالم أجمع. مثلاً الحرب الشعبية الطويلة الأمد الصينية (1927-1950)، التي بدأت في بادئ الأمر بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ والحزب الوطني الصيني (الكومينتانغ) نتيجة المجازر البشعة التي ارتكبها البرجوازيون القوميون بحق العمال الشيوعيين في شنغهاي.
والتي أدت بدورها إلى لجوء الشيوعيين للضواحي وابتداء الحركة الشيوعية بحرب العصابات ضد القوميين، ثم تحولت إلى حرب ضد الاجتياح الياباني للمقاطعات الصينية في الثلاثينيات. ثم عادت لتكون ضد القوميين الذين حصلوا على الدعم الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، التي توِّجت بإعلان جمهورية الصين الشعبية.
كذلك الحرب الشعبية في كوبا والحرب الشعبية النيبالية والحرب الشعبية الفليبينية والكمبودية والحرب الفيتنامية ضد الاحتلال الفرنسي وضد الولايات المتحدة الأمريكية التي كان للمرأة دور بارز فيها، سواءً في الانضمام إلى القوات المقاتلة مباشرة أو في تنظيم القاعدة الجماهيرية الداعمة للثورة والنضال وتأمين الدعم المادي والمعنوي والمعلوماتي للقوات المقاتلة في الجبهات.
2 – إذاً، وصلنا إلى السؤال الأهم؛ ما هي أهمية حرب الشعب الثورية بالنسبة للمرأة ولكافة الشعوب في المنطقة في الوقت الحالي؟
- بالطبع في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الإنسانية جمعاء والمرأة والشعوب المضطَّهدة بوجهٍ خاص والتي تم تسميتها بـ “الحرب العالمية الثالثة” بكل وضوح، بمقدورنا القول بأن هذه الحرب الدائرة بين القوى العالمية والإقليمية المتصارعة على فرض هيمنتها، هي لأجل تجاوز أزماتها الخانقة والفوضى العارمة من كافة الجوانب، وإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط الجديد وفقاً لمصالحها على حساب كيان الشعوب الموجودة، وإضعاف الحلقة الأساسية في المجتمع ألا وهي المرأة.
هذه الحرب متعددة الأوجه فهي حرب إنكار وإبادة وتطهير ونهب وتغيير ديمغرافي وتستهدف المرأة على وجهٍ خاص. لأن القوى التي تثير وتدير هذه الحرب على دراية تامة بأهمية دور المرأة في النهوض بالمجتمعات والشعوب وريادتها في مسيرة الحرية. بما أن المرأة هي بانية المجتمعات على مر العصور في التاريخ البشري، فإن اقتلاعها من جذورها وتهجيرها وإذلالها وتطهيرها عرقياً وثقافياً يعني الشيء نفسه بالنسبة للمجتمع الذي تنتمي إليه.
فمن هنا؛ يظهر لنا أهمية “حرب الشعب الثورية” لأنها تشكل الاستراتيجية الوحيدة والصائبة كـ حرب دفاعية بالنسبة للمرأة والمكونات والمجتمعات في مواجهة كافة أشكال الجشع والطمع والحروب القذرة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، الذي تمارسها وتفرضها القوى العالمية والإقليمية. وهي السبيل الوحيد الذي يمكن أن يحقق طموح المرأة والمجتمع في الوصول إلى حياة حرة كريمة ومسالمة بكل ما للكلمة من معنى ويصون وجودها وترسيخ الديمقراطية والحياة التشاركية. لأنها حرب متعددة ومتنوعة الأساليب والطرق فهي تستهدف استنزاف العدو وتكبده خسائر فادحة من خلال ضربات سريعة ومتحركة.
ومن أهم مقوماتها؛ أنها تعتمد بالدرجة الأولى على القوة الجوهرية المجتمعية والصمود والمقاومة والتشبث بالأرض وعدم تركها والدفاع عنها حتى آخر رمق. وذلك من خلال تنظيم القاعدة الجماهيرية بين صفوف المجتمع بتكثيف التدريبات والمجالات التوعوية والدعاية السياسية وتعليم كافة أفراد المجتمع على كيفية الدفاع الذاتي والحفاظ على هويته وكينونته.
3 – إذاً ما هي أساليب حرب الشعب الثورية التي يجب على المرأة التحلي بها، وما هي التحديات التي تواجهها؟
- قبل كل شيء يجب أن نؤكد بأن حرب الشعب الثورية التي نتحدث عنها ليست نفسها الحرب الشعبية الطويلة الأمد كما كانت في الحركات التحررية الوطنية السابقة. إن استراتيجية حرب الشعب الثورية التي لا تقتصر على تنظيم ووجود قوات عسكرية مقاتلة فقط، بل تعني أن يقوم الشعب والمجتمع بريادة المرأة والشبيبة الواعية والرافضة للخنوع والاستسلام وبإرادتها الحرة المنظمة ببناء وتنظيم الذهنية التشاركية المقاومة في كافة جوانب ومجالات الحياة.
ابتداءً من توعية المرأة والشبيبة وكافة شرائح وفئات المجتمع لأجل حقوقهم المشروعة وحماية مكتسباتهم وكيفية الدفاع عنها ومقاومة كافة أنواع الحروب الممارسة بحقهم. سواءً كانت حرب نفسية أو ثقافية أو جسدية …إلخ وصولاً إلى التنظيم والتدريب على شتى أنواع الدفاع الذاتي.
إن كان على شكل الانضمام المباشر والفعلي إلى القوات العسكرية المنظمة المقاتلة بهدف الدفاع أو تنظيم كافة فئات وشرائح المجتمع ومن كافة الأعمار وفي كل مكان على شكل قوات حماية جوهرية، لتكون مساندة ومتممة للقوات العسكرية المقاتلة في كافة المجالات أو تأمين الدعم اللوجستي والصحي وتنظيم الجبهات الخلفية للقوات المقاتلة وتنظيم المسيرات السلمية والتظاهرات الجماهيرية المؤيدة والموالية للمقاومة والثورة.
والجانب الأهم تطوير النضال الأيديولوجي والسياسي وبناء الاتحادات مع القوى الديمقراطية والمؤمنة بقضية حرية المرأة والمجتمع لمواجهة كافة حالات الاعتداء والانتهاكات التي قد تتعرض لها باختصار؛ أستطيع القول بأن حرب الشعب الثورية هي حرب شاملة أيديولوجية وسياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية وتشمل كافة شرائح وفئات ومكونات المجتمع ومن كافة الأعمار دون إقصاء، لأنها حرب الدفاع عن الوجود والعيش بحرية.
4 – ماذا سيحدث للمرأة في الوقت الذي تتعرض فيه لهجمات متواصلة من قبل الاحتلال، إذ لم تقم بتنظيم ذاتها والانخراط في المؤسسات الدفاعية الخاصة بالمرأة في كافة مجالات الحياة؟
- قبل كل شيء على المرأة أن تدرك مدى خطورة المرحلة الحالية التي تعيشها. كما ذكرنا سابقاً إننا نعيش مرحلة الحرب العالمية الثالثة المتعددة الأوجه التي تخوضها قوى الحداثة الرأسمالية وتستهدف المرأة أولاً، وكافة الشعوب ثانياً. وذلك من خلال ممارسة سياسة التمييز الجنسي بحقها وإبعادها عن حقيقتها وجذورها وتراثها الثقافي التاريخي العريق ودورها الريادي في المجتمع.
إن الحداثة الرأسمالية تفرض نفسها على الإنسانية، بأنها النظام الوحيد الذي لا شيء قبله ولا شيء بعده، بل هو القدر المحتوم الذي يجب على الكل تقبله وعيشه دون اعتراض. لذلك تقوم بمحي الذاكرة التاريخية للمرأة والمجتمعات وتستهدف كل الدلائل المادية المتوفرة التي تذكر الإنسانية بجذورها أيضاً. لأن من لا يتذكر ماضيه لا يعلم كيف يعيش حاضره وكيف يخطط لمستقبله. يحول الإنسان إلى قوة مستهلكة وخاصة المرأة ويتلاعب بمفهوم الحرية ويحصره في متابعة الموضة وعرض جسم المرأة وتحويله إلى سلعة مادية، وتحدد مبلغاً خاصاً لكل عضو من أعضاء جسمها ويحولها إلى أداة لخدمة مصالحه وتطبيق مخططاته.
كما أنه من خلال حروب الإبادة التي تفرضها على الشعوب والمجتمعات أيضاً، حيث يقطع كل صلة للمجتمع مع المرأة بمعنى (الأم) خاصةً بالأرض والتراث والتاريخ بسبب عمليات التهجير والترحيل والتغيير الديمغرافي التي تنتجها هذه الحروب. وتجعل المرأة والأطفال على وجه الخصوص عرضةً للاستغلال والاعتداء والاغتصاب الجنسي.
لذلك من الضروري جداً أن تقوم المرأة بتنظيم ذاتها من كافة النواحي بغض النظر عن انتماءاتها الأثنية والقومية والدينية والمذهبية والطائفية. وعليها القيام بتوعية بنات جنسها على معرفة تاريخ المرأة وحقيقتها وطاقتها الكومينالية ودورها الريادي للنهوض بمجتمعاتها والمخاطر التي تهدد وجودها وحريتها والانخراط بشكل فعلي وفعال في كافة المؤسسات. ومن أهم تلك المؤسسات هي المؤسسات الدفاعية. وإن كانت القوات النسائية العسكرية المقاتلة موجودة، فعليها الانخراط لتلك القوات والقيام بتدريب كافة النساء ومن كافة الأعمار على كل الآليات الدفاعية الذاتية والجوهرية. فمفهوم الحماية الاجتماعية مهمة للغالية، فالمرأة لها القدرة على حماية نفسها ومجتمعها من شتى أنواع الاعتداءات والانتهاكات وسياسات الاقصاء والتمييز.
وأبرز تجربة تاريخية وأستطيع القول عالمية، والتي مررنا بها خلال هذا العقد هي تجربة ثورة المرأة 19تموز – روجآفا وإقليم شمال وشرق سوريا، فهي مثال حي قائم على أهمية تنظيم المرأة لقواتها المقاتلة الخاصة بها وقوات حماية المجتمع وانخراطها في كافة المجالات وخاصة في السياسة للدفاع عن حقوقها وحماية مكتسباتها، فهي مثل يحتذى بها عالمياً.
فإن تشكيل جيش خاص بالمرأة لهي خطوة عظيمة وتاريخية لإرجاع مكانة المرأة ضمن المجتمع والحياة المجتمعية. فالمرأة الموجودة في وحدات حماية المرأة هي من كافة المكونات الموجودة ضمن المجتمع السوري. فتنظيمها لا يعتمد على الناحية أو الخبرة العسكرية فقط، وإنما تطوير الجانب الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي أيضاً. فالمرأة تحدد مصيرها بنفسها. هي صاحبة الرأي الأول والأخير. الثورة المتمثلة في شخصية المرأة المتحررة ستكون ناجحة رغم كافة الظروف العصيبة التي هي نتاج الحروب الموجودة.
5 – نحن نرى بأن ترسيخ مفهوم حرب الشعب الثورية محط اهتمام اتحاد المرأة الشابة في جميع المحافل في الوقت الحالي. إذاً، ما الدور الذي ينتظر المرأة الشابة لتطوير مفهوم الحرب الشعبية بين صفوف الشعب أكثر؟
- في الحقيقة إن جشع وفظاعة ممارسات الحداثة الرأسمالية وصلت إلى درجة لا تطاق. لأنها لا تقتصر على المجال العسكري فقط، بل وصلت إلى كافة مجالات الحياة وبأبشع الأشكال. فقد حول الشذوذ الجنسي والعاطفي والفكري إلى نظام للحياة باسم الحرية الفردية والديمقراطية.
نستطيع أن نقول بأن ما تشهده البشرية في مرحلة الحداثة الرأسمالية من الحروب لم تشهده في بقية مراحل التاريخ بالرغم من الحربين العالميتين الأولى والثانية. لقد أوصلت الحداثة الإنسان إلى مرحلة من الفظاعة بحيث يستطيع أن يذبح أبناء جنسه بدمٍ بارد، وأن يعتدي الأب على ابنته والأخ على أخته دون أن يشعر بأي عاطفةٍ أو ذنب تجاههم. بما أننا نعيش أبشع مراحل التاريخ بريادة الحداثة الرأسمالية، فلا خيار للنساء والمجتمعات والمرأة الشابة خصوصاً إلّا أن يناضلن ويكافحن بكل قواهن لترسيخ مفهوم حرب الشعب الثورية، لأنه السبيل الوحيد الذي يضمن لها ولمجتمعها حقوقهن الطبيعية في ظل الظروف القائمة.
وعليها أن تقوم بتوعية المجتمع بكافة مكوناته حول المرحلة وخطورتها وكيفية تنظيم نفسه من خلال تشكيل الكومينات والمجالس ابتداءً من القرى والحارات والبلدات والنواحي والمدن وصولاً إلى الأحياء في الأحياء والمقاطعات. ومن كافة النواحي والمجالات سواءً كان بالانخراط المباشر ضمن قواتها العسكرية المقاتلة وتأمين الحماية الذاتية للقرى والبلدات والأحياء وتنظيم وتقديم كل الخدمات الحياتية للمجتمع والقوات المقاتلة. كي تستطيع مجابهة هذه المرحلة العصيبة وتحافظ على قيمها الإنسانية النبيلة وتنال حريتها الحقيقية وتنشأ المجتمع الأخلاقي والسياسي والديمقراطي الذي تطمح لبنائه، فعليها أن تكافح وبكل طاقتها المجتمعية لأجل نيل الحياة المفعمة بالعدالة والمساواة.
6 – من خلال صياغتكم الواقعية هذه نريد أن نسأل هنا؛ كيف تقيمين دور المجالس الشعبية والكومينات الخاصة بالمرأة في تصعيد روح حرب الشعب الثورية؟
- طبعاً هذا السؤال أيضاً مهم جداً ومرة أخرى أؤكد إن نظام الكومينات والمجالس في الإدارة الذاتية الديمقراطية لـ روجآفا وإقليم شمال وشرق سوريا تجربة جديدة وناجحة من كافة النواحي (رغم وجود النواقص والأخطاء في الممارسة العملية)، لأجل حل القضايا المصيرية في سوريا والمنطقة كافة.
إنه من نتاج ثورة المرأة والشعوب بحيث يقوم المجتمع بإدارة نفسه بنفسه مع الحفاظ على خصوصية كل مكون وجنس من مكونات الإقليم. كما أن المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا تبني نظامها الخاص بشكلٍ موازي للنظام العام وتنظم النساء بكافة انتماءاتها الأثنية والقومية والدينية والمذهبية مع أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار في الكومينات والمجالس الخاصة بالمرأة.
لأن بناء نظام المرأة الخاص بها؛ هو السبيل الوحيد لتحافظ من خلاله على خصوصيتها وحريتها التي من غير الممكن أن تتركها لغيرها مهما كان الأمر، وخاصة في الظروف القائمة حالياً في المنطقة والعالم.
صحيح أنه هناك قوة عسكرية مقاتلة خاصة ومنظمة للمرأة YPJ في الإقليم، التي أثبتت جدارتها في تحرير المرأة وحمايتها وخاصة في مواجهة أبشع أشكال الحركات الإرهابية مثل جبهة النصرة وداعش، وكم هي ضرورة تاريخية ومهمة جداً للدفاع عن المرأة وحقوقها المجتمعية فالتنظيم وثم التنظيم وثم التنظيم من أكثر الضروريات الملحة والمرحلية.
حتى وإن لم تكن بذاك المستوى الكافي فيجب على المرأة تنظيم كافة النساء وبكافة الأعمار ضمن نظام الكومينات الخاصة بها في كافة مجالات الحياة الاجتماعية، وعلى كافة أساليب وطرق حرب الشعب الثورية. ابتداءً من كيفية حماية نفسها بشكل فردي في مواجهة أي اعتداءٍ ممكن لغاية كيفية حماية محيطها وبيئتها ومجتمعها. وذلك من خلال التدرب على كيفية تأمين كل متطلبات الحياة والحرب بشكل متداخل وتجهيز نفسها ومجتمعها لكل ظرف طارئ وبهذا الشكل تكون قوة منظمة ومتممة لقواتها العسكرية الخاصة بها والضامنة لحقوقها وحريتها.
وبما أنه هناك المثل الذي أثبت صحته على مر التاريخ والذي يقول: “الحقوق تأخذ ولا تمنح”، فمن غير الممكن أن تنتظر المرأة من النظام الذكوري والسلطوي والأبوي البطرياركي بامتياز أن يمنحها حقوقها المشروعة، والتي سرق منها ونهبها وقضى على نظامها الأمومي – ثقافة المرأة – الأم الإنساني والمجتمعي المتناغم مع الطبيعة واعتدى عليها واغتصبها منذ ما لا يقل عن خمسة آلاف سنة.
لا خيار للمرأة إلا الاعتماد على ذاتها وأن تثق بذاتها وإنشاء نظامها الدفاعي الذاتي والانخراط في كافة ساحات النضال والكفاح لأجل تكوين مجتمع عادل ومتساوي في الحقوق والخصوصية وديمقراطي أخلاقي. هي من كونت المجتمع البشري وباستعبادها استُعبدت البشرية كاملةً وهي القادرة على استعادة القيّم الإنسانية وتحريرها من خلال تحررها الفكري والسياسي والأخلاقي والثقافي والجسدي أيضاً.
فالشعوب والمجتمعات التي تخدع نفسها وتحت اسم الاستقلال والبقاء خارجة بقعة التغيير، ستكون أكثر عرضة للإبادة والصهر المجتمعي. الفوضى العارمة تخلق إما الشعوب المقاومة والعصرية، أو الشعوب المزولة والمنتهية. فالوجود مُلك للشعوب المقاومة.