مقاومة الشيخ مقصود ملحمة لم تُكتب بعد – الجزء الثاني – سعاد حنيف كرو
مقاومة الشيخ مقصود ملحمة لم تُكتب بعد
(الجزء الثاني)
“أتذكر الدكتور الشهيد شاهد وهو كان الطبيب الجراح الوحيد في المنطقة،
مثله مثل أي شخص نزح من عدة أماكن،
وأخيراً استقر في حي الشيخ مقصود وقد ساعد الكثير من الجرحى والمصابين
وأنقذهم من الموت. وفي يوم من الأيام وبعد أن انتهت مناوبته في المشفى
وقام بأخذ زوجته وأرسلها إلى بيت أهلها من أجل زيارتهم ومن ثم ذهب إلى عيادته الموجودة
بجانب السوق الغربي وعندما سمع صوت صاروخ على الحي خرج مسرعاً من عيادته
ليصل إلى المشفى ولكن وفي طريقه وبسبب القذيفة
التي أصابت أحد المباني أصيب بشظية في طرفه الأيمن
وهو طرف الكبد وقد حاولنا كثيراً إسعافه ولكن بدون جدوى”
سعاد محمد حنيف كرو
/ممرضة عاشت لحظات الحرب والمقاومة لحي الشيخ مقصود لعام 2013/
كتبت هذه المذكرات وهي تُحيي تلك اللحظات في ذاكرتها مرة أخرى/
مع الأسف الشديد وقفنا عاجزين ومكتوفي الأيدي؛ لأن هذه الإصابة تعتبر إصابة خطيرة وهي تحتاج إلى نقله لغرفة العمليات وبشكل طارئ، والمدة الزمنية للعملية هي عشرة دقائق. بما أننا كنا لا نملك غرفة عمليات أو أطباء لإجراء ما يلزم وكنا محاصرين من جميع الجهات وبحزن كبير كنا نتأمله وجسده ينزف حتى الموت أمامنا. كان حزناً كبيراً لأننا لم نستطع مساعدته بأي شكل من الأشكال.
ليست بتلك السهولة أن تتأمل أي شخص حتى وإن كان غريباً ليس من الأهالي أو الأقارب. لحظات صعبة والأصعب بأنك/كي تسألين نفسكِ من هذا الشخص؟ بماذا كان يحلم؟ وماذا كانت طموحاته؟ وأين عائلته؟ والكثير من الأسئلة تراود خيالك وفكرك. مع الأسف لا تجد أي أجوبة، فقط تتأمل كيف أن هذا الإنسان يودعك ثانية وراء ثانية وأنت لا تستطيع أن تصرخ أو حتى أن تبكي.
كنتُ أرتجف وأرى أمام عيني قذارة الحرب وقبحه وكيف أن الحرب تأخذ أعز الناس من بيننا. بالطبع ودّعنا هذا الإنسان والدم الأحمر ينزف من جسده، فالشعور الذي كان ينتابني بأنني أردتُ أن أصرخ من جوارح قلبي كي تسمعني كافة محيطات العالم.
في يوم من الأيام وبينما كنا جالسين في الاستراحة، فجأةً دخل شخص وهو يحمل طفلاً كان عمره تقريباً تسع سنوات، كان الطفل الصغير جالساً في البيت وحينها سقطت عبوة ناسفة دخلت شظاياها إلى منزلهم وأصابت الطفل من قدمه. لا أستطيع نسيان تلك الأحداث والمواقف المرعبة القذرة للحرب، فالأطفال كانوا محرومين من ممارسة طفولتهم بحرية والذهاب للمدرسة والعيش بسعادة.
أتذكر ولأول مرة عندما رأيت قدم الإنسان في كتاب العلوم فالقدم كان متوازياً مع الجسم والآن أمام عيني هذا الطفل الذي أصيب في قدمه بشظية، ورغم أننا حاولنا كثيراً مساعدته ولكن هيهات. ففي اليوم الثاني أصبحت قدمه سوداء لأنها أصيبت بالغرغرينا وقمنا ببتره. حتى الآن لا أستطيع أن أنسى هذه الحادثة المؤلمة.
وأتذكر طفلاً آخر كان وحيداً لوالديه؛ وهو أيضاً قد أصيب بطلقة قناص من فمه، وانكسرت أسنانه وعظام فكه كله. وهذا الطفل لم يستطع أن يتحدث وكان فمه مفتوحاً دائماً فقمنا بخيط الجروح على وجهه، وكانت والدته تبكي وتقول:
- ما هو ذنب ابني! وما الذنب الذي ارتكبه هذا الطفل الصغير؟
نظرتُ إليها وعيناي ممتلئتان بالدموع، ولكن ورغم ذلك لم أستطع الرد على سؤالها! لأن هذه الأم قالت الحقيقة المرة، التي يعاني منها أهالي المنطقة. وسألتُ في خُلدي، هل ما يحدث لنا هنا في الشيخ مقصود لأننا من أبناء هذا الحي؟ أم لأنهم واجهوا هؤلاء المرتزقة، ولم يخنعوا للذل والإهانة؟
وبعد مرور عامين ومرة أخرى، في عام 2016 هاجموا على المنطقة، ولكن بهجومات أكبر من السابقة وكما فعلوا من قبل. قاموا بالهجوم على الحارات برمي القذائف والصواريخ “الفيل – الصناعة المحلية” لكي يقوموا بتخويفنا لنهاجر من بلدنا وأرضنا. إلا أن هذه المرة لم يستطيعوا الوصول إلى غايتهم.
إن أبناء هذا الحي أصبحوا أقوى وأوعى أكثر من قبل وبيد واحدة ومتماسكة أكثر. وبما أنهم بدوء في رمي حقدهم علينا، إلا أننا لم نخدع لهم. كانت الساعة السادسة صباحاً، جميعنا كنا نائمين وأنا في ذلك الوقت قد قمتُ بإجراء عملية جراحية، وكنتُ أتألم كثيراً، لهذا السبب بقيتُ مستيقظة في تلك الليلة، وحوالي الساعة السابعة اتصل زوجي وقال لي:
- هناك الكثير من الجرحى في المشفى.
وبالرغم من ألمي إلا إنني قاومت آلامي لأن ضميري كان يؤنبني وقلتُ لنفسي “إذا لم أذهب فمن سيساعد هؤلاء الجرحى”
وفي طريقي للذهاب إلى المشفى كان هناك الكثير من الناس واقفين وقاموا بطرح أسألتهم علي وقالوا:
- إلى أين ستذهبين؟
قلت لهم:
- ادخلوا إلى بيوتكم أما أنا إذا جلستُ في المنزل فمن الذي سيساعد الجرحى؟
كان عددنا قليلاً فكنا 16 شخص في المشفى، جاءت زميلاتي أيضاً وكانت كل واحدة منهن تسأل كيف يمكننا الوصول إلى المشفى!! فمن إحدى الممرضات، الممرضة لافا كانت تسكن في شرق المدينة والمسافة من منزلها إلى المشفى بعيدة كثيراً وفي ذلك الطريق هناك الكثير من طلقات القناص والقذائف ولكنها قاومت حتى وصلت إلى المشفى.
وممرضتين آخرتين اسمهن غزال وليلى عند إطلاق القذائف على الحي وهم في طريقهم إلى المشفى قد تم رمي قذيفة على طريقهم، وعندها قامت ليلى باحتضان رفيقتها لحمايتها، حتى وصلوا إلى المشفى. وبعد وقت قصير سمعنا أصوات السيارات وهي تنقل المصابين إلى المشفى.
في اليوم الأول من تلك الهجمات، كان كل شبر من تراب هذا الحي قد امتلئ بدماء الشهداء. وبالرغم من العدد الكبير للمصابين وعدد الأطباء والممرضين قليلة، إلا أننا قاومنا وصمدنا بالرغم من التعب والإرهاق الشديد. وأحياناً يسيطر علينا الحزن والأسى الذي كنا نمر به إلا إن الله قد أعطانا قوة الثبات والإيمان والعزيمة، لكي نقوم بالمواساة ونداوي جرح هؤلاء المصابين.
وكنا مؤمنين بأننا أصحاب الحق وقد وضعنا أمام أعيننا المساعدة وعلاج الجرحى وإنقاذهم من الموت، والحمد لله رغم قلة الإمكانيات والأدوية والكوادر الطبية والمواد اللازمة إلا إننا استطعنا مساعدة الناس.
بسبب الحصار الذي فرض علينا لم نكن نملك أي إبرّ إسعافية من مسكنات وموسعات قصبية أو مُضادات تشنج أو لآلام المعدة أو إبرّ مضاد التحسس. كان الرفاق يكلفونني بالكثير من المهمات فكنت ألبي الطلبات، كنت أذهب إلى معبر “بستان القصر”، حتى وإن هذا المعبر كان خطراً وتشن فيها الاشتباكات ولكن لكي نجلب المواد الطبية كنت أذهب عن طريق هذا المعبر بدون خوف أو يأس لأنني كنت أعتبر إذا جلبت هذه المواد أو الإبر سوف أنقذ حياة الناس من الموت وكنت أعتبره واجب مفروض علي.
وقد كان هذا المعبر مستهدفاً من قبل القناص الذي كان متمركزاً فوق القصر البلدي، وأحياناً كانت تحصل اشتباكات بين قوات النظام والجبهة الشامية التي كانت تسيطر على المعبر من طرف بستان القصر ومن الطرف الآخر كانت توجد كتائب النظام كانوا يسيطرون على معبر الفيض. إلا أنني لم أشعر بالخوف بالرغم من كل هذه المصاعب. واستطعنا أن ننقذ عدد كبير من مصابي الحرب.
بعد فترة زمنية قصيرة أخبرني أحد الأشخاص ألا أستهين في عملي لأنه في خلال أسبوع قمنا بإنقاذ ما يقل عن 800 جريح. في أثناء عملنا حصلت الكثير من المواقف المحزنة والمضحكة في آنٍ واحد، فمثلاً من المواقف المضحكة في ذات يوم: أتت مجموعة من الشبان والشابات لكي يقوموا بمساعدتنا، كان هناك جريح في غرفة الإسعاف وكنا نقوم بخيط جرحه، وأثناء العملية سقطت قذيفة أمام المشفى فوقعت شظاياها في حديقة المشفى، أنا وصديقتي لم نخرج من غرفة الإسعاف أما هؤلاء لقد هربوا إلى خارج المشفى وانبطحوا أرضاً فضحكنا كثيراً… وتعالت أصوات قهقهاتنا.. لأول مرة وبعد الكثير من الأحداث وأخيراً ضحكنا….
قالوا لنا:
- كيف تحملتم كل هذه السنوات؟
فقلنا لهم:
- بأننا قادرين لأننا نحب عملنا ونعمل بكل حب وضمير ووجدان وبدون خوف، لأننا نقوى بدعاء هؤلاء الذين أنقذناهم من الموت.
أحياناً وعندما كانت أصوات الطلقات تتوقف ويعم الهدوء في الحارة، كنا نعتبرها “هدوء ما قبل العاصفة – سيقومون بتجميع وترتيب أسلحتهم وتنظيم مرتزقتهم من جديد ليعيدوا الكرةّ على الحي مرة أخرى”.
هذه المرة أقوى من قبل، في الوقت الذي لم نستطع نسيان تلك اللحظات وفي هذه المرة شاهدنا حالات أشد قسوة من الحالات الأولى. ومن هذه الإصابات، أتى شخص كان مصابٌ من أصابع يديه، فوقتها قمت بخيط جرحه وتضميدها وبعد أقل من ساعة عاد إلينا مرة أخرى ولكن في هذه المرة جثة هامدة، من كثرة الجروح على وجهه لم أعرفه ولكن بعد رؤيتي لضماد أصابع يده عرفت بأنه هو! هو! ذلك الشخص الذي كان هنا قبل ساعة، واستشهد وهو يدافع عن الحي.
وفي موقف ثانٍ تم إسعاف طفلان، أحدهم كان عمره 11 والآخر 13 عام وهما مستلقيان في السيارة من الخلف وعندما ذهبنا لكي نقوم بفحصهم وجدناهم جثتان هامدتان، أحدهم كان إصابته من بطنه وكانت كل أحشائه خارج بطنه والثاني مصاب من صدره وكان قلبه ورئتاه خارج قفص صدره، وقد كانوا مصابين بقذيفة هاون.
وبعد مرور عدة ساعات وقفت سيارة أخرى كانت تحمل طفلاً عمره خمسة أعوام، وكان جسمه مقطوع لقسمين ولكن القسم العلوي مفقود لا أحد يعلم أين الطرف الآخر من جسد الطفل وبعد مرور ساعة جاء شخص ويقول لنا:
- أين ابني؟
قلتُ له:
- إنه ليس هنا!!
كان خائفاً ويرتجف ويقول أين ابني… أين ابني؟
- لا تكذبوا عليّ فأنا أعلم إن ابني قد استشهد وأنا أتيتُ بقطعة من جسده إلى المستشفى، فأنا أريد أن أدفن جثته كاملة.
يا له من موقف لا يُحسد عليه ويا له من إنسان جبار وقوي الإرادة!! واستشهدت امرأة أيضاً وكانت لديها طفلة عمرها سنة ورأينا كيف أن الطفلة تبكي بشدة، عندما شاهدتُ الطفلة تزحف إلى جثة أمها لكي ترضع من ثديّها، شعرتُ بألم كبير في صدري ولكنني لم أستطع أن أحقق آمال تلك الطفلة الصغيرة كي تنام بأمان في حضن والدتها التي ذهبت وتركتها وحيدة.
كنتُ أسأل في خلدي مرة أخرى؛ كيف للإنسان أن يتحمل كل هذا الألم والحسرة والحزن؟ هناك أيضاً بعض الأسماء بقيت عالقة في ذاكرتي، لأن هؤلاء الأشخاص سطروا أفضل ملاحم البطولة والتضحية بالدفاع عن الحي. فمثلاً كانت هناك امرأة اسمها بارين وكانت أم ولديها طفلان ولكنها تركتهم عند أقاربها وحملت السلاح ودافعت عن الحي. عندما لم يستطيعوا أن يقتلوها وجهاً لوجه فقاموا باستهدافها بطلقة قناص في صدرها فاستشهدت.
وامرأة أخرى كانت اسمها “آدار” قاموا باستهدافها عن طريق قذيفة مدفع جهنم. وأيضاً روكن وكاني والكثير من أمثالهن اللواتي أجبروا على حمل السلاح من أجل الدفاع عن الشرف والكرامة وأرض هذا الحي، واللواتي ضحيّن بأغلى ما لديهن لأجل وطنهم.
وأيضاً كان هناك شخص اسمه “إسماعيل رشي” ضحى بنفسه لأجل شعبه، وأثناء أحد الهجمات أصيب من رأسه بشظايا الصاروخ وكان دماغه كلها خارج الجمجمة فقمنا بلف رأسه ووضع دماغه داخل كيس ولفها وتم إسعافه. ولكن البطولة في سرد قصته حيث تمكن من المقاومة وحارب الموت وبقي لمدة ثلاثة أشهر في حالة غيبوبة والجميع توقع موته بأي لحظة ولكنه استيقظ من غيبوبته وقاوم الموت وهو الآن لا يزال حياً.
وكانت توجد فتاة اسمها آزادي وهي من إحدى النساء القويات، ففي أثناء الهجوم قامت وحملت السلاح وذهبت إلى الجبهات من أجل الدفاع عن الحي. وأنا كنت واحدة من اللواتي أحب قوتها وإصرارها وكنت أرى كل ذلك في عيناها اللتان كانت مليئتان بالإصرار والثبات والعزيمة.
وفي يوم من الأيام عندما قامت طيارة باستهداف نقاط هؤلاء المرتزقة كانت هي قريبة من الهدف ومن شدة وقوة صوت القذائف لقد أغمي عليها لفترة قصيرة وبعدها استيقظت وحملت سلاحها وعادت إلى الجبهة وبعد فترة وبسبب الإصابة التي كانت في رأسها دائماً كانت تعاني من ألم في رأسها وارتفاع درجة حرارتها وألم في ظهرها ونوبات اختلاج كهربائي، وهي الآن تصارع الموت وأصبحت بحاجة إلى من يساعدها كي تقوم بأبسط أمور الحياة.
ومن إحدى المشاهد المؤثرة الأخرى حيث وقفت سيارة أمام باب المشفى تحمل أحد المصابين، عندما ذهبنا لفحصه وجدناه متوفي وقد تم استهدافه بطلقة سلاح البيكيسي، وعندما أردنا أن نقوم بتصويره كنا نريد أن يكون وجهه مثل وجه أي شخص ولكن عندما أردنا أن نعالج عينه فكان جلد وجهه لا يساعد.
وأيضاً في يوم من الأيام جاءت امرأة وهي تحمل طفلها بين أحضانها وهي تبكي بشدة وذهبتُ إليها لكي أسألها عن سبب بكائها فقالت:
- ابنتي… ابنتي…جلدها .. جلدها… يتساقط …
فاستغربت منها وسألتها عدة أسئلة فقالت:
- لا … ولكن يوجد بيت مجاور لبيتنا كانت ابنتي هناك … وأمسكت بقذيفة وأخذت تلعب بها.. وبعد أسبوع تقريباً أصبحت بهذه الحالة… لم تنفجر القذيفة… يا ترى هل تأثر جلدها بالبارود!! أو من الصدأ؟
وفي إحدى الليالي من شهر رمضان عند آذان الفجر وبما أننا كنا لا نذهب إلى بيوتنا وننام في المشفى حتى نكون جاهزين في أي وقت، في وقتها سمعنا صوت انفجار قذائف الهاون ومدافع جهنم، استيقظنا على هذه الأصوات قمنا بالتجهيزات اللازمة استعداداً لأي إصابة أو جرحى.
وبعد وقت قصير وقفت سيارة أمام باب المشفى وهي تحمل المصابين، كل ما حصل كانت عبارة عن مجزرة بكل معنى الكلمة، لأن هؤلاء المرتزقة كانوا قد قاموا باستهداف الفرن الوحيد الموجود في منطقتنا. عندما وقفت السيارة شاهدنا فيها تقريباً ثمانية أشخاص من بينهم أطفال ونساء، حتى السيارة التي كانت تحمل المصابين قاموا باستهدافها واستشهد السائق. أين الرحمة والمودة والأخلاق التي تربينا عليها؟
في إحدى الأيام أصيب شاب من الذين يدافعون عن حارتهم بجرح بليغ تحت إبطه ووصل إلى المشفى وهو في حالة حرجة، فقمتُ بخياطة الجرح وكان بحاجة إلى أن يبقى تحت المراقبة في المشفى، ولكن لم يسمع منا وقال:
- إن بقيتُ مستلقياً هنا! من سيحمي المنطقة؟
لبس لباس الشرف والبطولة وذهب إلى الجبهة وبالرغم من إصابته البليغة، وبعدها تم تحرير الحي من أيادي وبراثن المغتصبين بشكل كامل. وهناك من لبس لباس الشهادة وأيضاً هناك قصص كثيرة عن الأبطال سُطرت أحلامهم بدمائهم. مثل الشباب: عارف ونشأت ونوري وآزاد تم إسعافهم إلى المشفى في حالة لا يرثى لها وقد كانت إصابتهم بليغة وطلبنا منهم البقاء في المشفى ولكنهم رفضوا وأجابوا بكل قوة وقالوا:
- إن بقينا في المشفى من سيقوم بحماية الحي؟
وفي ذلك الوقت تأكدتُ إذا كان هناك مثل هؤلاء الأشخاص يدافعون عنا فلا خوف علينا وعلى أهالي المنطقة وبالتأكيد النصر حليفنا. وإن شاء الله هؤلاء الهمجيين لن يحصلوا على ما يتمنوه. وهناك أيضاً بطلاً من أبطال الحي الشهيد خالد فجر والشهيد والدكتور شاهد والممرض علي والشهيد خالد هم كانوا أقوياء وأصحاب القلب القوي.
منذ بداية الهجمات، الشهيد خالد عاهد نفسه ألا يترك سلاحه حتى آخر قطرة من دمه، كان وكيل في تأمين حاجات المشفى وهو إنسان محب وعطوف وكان أب لأربعة أطفال وزوجته في ذلك الوقت كانت حاملة، إلا أنه ترك كل شيء خلفه واختار أن يكون من بين الشباب الذين يدافعون عن الحي وهو فخور بنفسه.
وفي يوم من الأيام تم حصاره هو وأصدقائه من قبل هؤلاء الوحشيين، وبعد أن أنقذ العديد من رفاقه عاد إلى المبنى لكي ينقذ أحد الجرحى وقام قناص باستهدافه وأراد أن يقتله وهو مبتسماً، وعندما استشهد قام أصدقائه بالقسم على دمه وروحه ألا يذهب دم الشهيد خالد هدراً.
وأيضاً الدكتور شاهد وهو كان الطبيب الجراح الوحيد في المنطقة، مثله مثل أي شخص نزح من عدة أماكن، وأخيراً أستقر في حي الشيخ مقصود وقد ساعد الكثير من الجرحى والمصابين وأنقذهم من الموت. وفي يوم من الأيام وبعد أن انتهت مناوبته في المشفى وقام بأخذ زوجته وأرسلها إلى بيت أهلها من أجل زيارتهم ومن ثم ذهب إلى عيادته الموجودة بجانب السوق الغربي. وعندما سمع صوت صاروخ على الحي خرج مسرعاً من عيادته ليصل إلى المشفى ولكن وفي طريقه وبسبب القذيفة التي أصابت أحد المباني أصيب بشظية في طرفه الأيمن وهو طرف الكبد وقد حاولنا كثيراً إسعافه ولكن بدون جدوى.
في الكثير من الأحيان تمنيت ان اكون ولو إبرة أو سيروم أو حتى أوكسجين كي أساعد الأهالي من الموت ولكن الحرب وما أدرى الذين لم يمروا بالحرب، أقذر ما يكون موجود في هذه الحياة. لم أكن أستطيع نسيان الدكتور شاهد وكيف كان مهتماً بكل جريح وأم وعجوزة أو أي طفل يصرح من شدة الألم. ومواقفه الإنسانية وشجاعته في مهنته الطبية.
ورفعتُ رأسي مخاطبة أولئك المرتزقة؛ أيها الأوغاد أنتم لا تخافون من الله وليس لديكم أخلاق وإيمان وديانة لأنه لا يوجد في أي دين ما تفعلونه بالمدنيين…. يتبع