حماية مكتسبات الشعوب لهي مسؤولية مرحلية حاسمة – إلهام أحمد

حماية مكتسبات الشعوب لهي مسؤولية مرحلية حاسمة

“نحن مع ثورة الشعب السوري في عملية التغيير

ونحن من ضمنها نرى أنفسنا ضمن عملية التغيير،

حاملين على أكتافنا مسؤولية عملية التغيير

ونسعى لبناء سوريا جديدة الذي يختار ويوافق شعبها على شعارها وعلمها

وبالتالي حقيقةً أن مبادئ الثورة الديمقراطية

والثقافية والاقتصادية وعدة ثورات أخرى هي من اهدافنا”

 

 

إلهام أحمد

الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية

 

منذ تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية وحتى الآن استطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة بالنسبة للبلد سوريا بشكل عام، وسكان إقليم شمال وشرق سوريا بشكل خاص. من أهم الإنجازات أنها استطاعت أن تعطي تصوراً للسوريين وللرأي العام العالمي؛ بأنه هناك بدائل خاصة بأن النظام المركزي لم يعد قادراً على حل الأزمة السورية الموجودة، وقادرة على حل الوضع في ظل المستجدات التي تحدث في الشرق الأوسط بأكمله.

 هذا النموذج من النظام المركزي يزيد من تعميق الأزمات ويؤدي إلى حملات جديدة من النزوح وإضافة إلى ذلك يؤدي إلى العديد من الاختناقات ومنها زيادة المعارضين والصراعات والنزاعات الداخلية. بالمقابل توجد وسائل الحل التي ممكن أن تؤدي إلى تسوية عامة وطرح الحلول الجذرية، ألا وهو نموذج يختاره الشعب بإرادته ونظام يمثلهم بكل تنوعاته واختلافاته وخاصة ضمن إطار نظام يتمحور حول حقوق الإنسان وحرية المرأة وتعدد الثقافات.

في الحقيقة إن الإدارة الذاتية الديمقراطية أعطت هذا النموذج والتصور وأصبح هناك بالرغم من وجود النواقص والتحديات واقعاً معاشاً في شمال وشرق سوريا، ولكن أستطيع القول بأن هذا التصور بات موجوداً سواءً أكان على مستوى المحلي والإقليمي السوري أو إن كان على المستوى الدولي.

ومن هنا، موضوع البحث عن حلول مؤقتة ضمن إطار التوافقات الإقليمية لن يكون لصالح الشعب السوري، هناك إطار للاتفاق بأن يتم الاتفاق على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية. بالتأكيد سيكون له نتائج إيجابية، خاصة أن ذلك يفتح المجال أمام السوريين حتى يقرروا مصيرهم، وممكن أن تخلق الفرصة أمام السوريين حتى يتجهوا ويركزوا على الحل بشكل أكثر.

الأطراف والقوى المتنازعة

ولكن نحن نعلم بأن الطرف الروسي يبذل جهوداً كبيرةً ويُمارس ضغوطات على الطرفين (الإدارة الذاتية الديمقراطية وحكومة دمشق)، بحيث أن يتم الوصول إلى الاتفاقات. سمعنا بأنه يتم الحديث عن اتفاقات “أضنة الأمني” ومحادثات حول الوضع الاقتصادي على اعتبار أن الطرفان سواء كان السوري أو التركي يعانيان من أزمة اقتصادية واضحة، فضمن هذا الإطار هناك ضغوطات. لكن بكل أحوال التفاهمات الأمنية أو الاتفاقات الأمنية هي بالكامل ضد مصلحة الشعب السوري، لذلك يمكننا القول؛ بأن موضوع الحديث عن التفاهمات بين الطرفين إن كان لابد أن يحدث فلا بد أن يكون هناك الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب السوري بحقوقه وحريته واللاجئين في تركيا وموضوع المياه، والعديد من القضايا التي تهم الطرفين وتهم الشعب السوري أيضاً.

وخلال هذه الأعوام التي مضت ولمدة طويلة كان للطرف الروسي محاولات لإيجاد نوع من الحوار بين الإدارة الذاتية الديمقراطية وبين حكومة دمشق، ولكن ومع الأسف حتى الآن لم تثمر تلك الجهود، باعتبار أن الطرف الروسي وخلال فترة محددة، معلوم توجه الطرف الروسي بأنه ليس محايد بشكل كامل، إنما هو طرف داعم لحكومة دمشق وهو حليف له. بالتالي أي جهود وساطة بين الطرفين السوريين بالتأكيد يجب أن يكون محايداً وضمن هذا الإطار. حقيقةً رأينا في الأعوام الماضية بذل جهود كبيرة ولكن في إطار التفاهم والتوافق لم يتجاوز حدود بسيطة من الحقوق، بالتالي عندما يكون طرف حكومة دمشق غير مهيئ لخوض هكذا حوارات بالتأكيد لن تأتي بنتيجة.

ومعروف أن جامعة دول العربية قمة ومهمة بالنسبة للدول العربية في الشرق الأوسط، فهي القمة التي تجتمع فيها الدول العربية وتناقش قضايا تخص هذه الدول وتخص شعوبها. لكن حقيقة نرى بأن دور “قمة الدول العربية” تراجعت بشكل كبير في ظل ظهور قمم أخرى دولية، بالتالي الدول العربية باتت لا تملك قرارها من ناحية ضعف تمثيل قضايا شعوبها والبحث عن حلول فيما بين بعضها البعض، وهذا الجانب بشكل عام موجود في الدول العربية، وتعاني من الاستقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية.

لذلك فقمة الدول العربية بالتأكيد كنا نأمل بأن يكون لها دوراً إيجابياً جداً بما يخص الملف السوري، ولكن في غالب الأحيان رأينا لها بيانات تخص الشعب السوري والملف السوري لكن دورها لم يتجاوز حدود إصدار بيان فقط، لذلك بقي دورها محدود وكنا نأمل بأن يكون لها دور حقيقي وجاد في موضوع مواجهة التدخلات الخارجية بالملف السوري، ومنها المحاولات الاحتلالية التي حدثت على الجغرافية والأراضي السورية.

ونحن من نرى أنفسنا كأصحاب مسؤولية تجاه الثورة حتى قبل الأحداث أو الاحتجاجات في عام 2011، وبالتالي تبني شعار “الثورة والتغيير” هي من صلب مبادئنا ولكن أيَّ ثورة؟ أيَّ عملية تغيير؟ بالتأكيد هذا يحتاج لتوضيح بعض المبادئ التي نحن تبنيناها ولا زلنا نتبناها.

عملية التغيير المرحلية

نحن مع ثورة الشعب السوري في عملية التغيير، ونحن من ضمنها نرى أنفسنا ضمن عملية التغيير، حاملين على أكتافنا تلك المسؤولية ونسعى لبناء سوريا جديدة الذي يختار ويوافق شعبها على شعارها وعلمها. وبالتالي حقيقةً إن مبادئ الثورة الديمقراطية والثقافية والاقتصادية وعدة ثورات أخرى هي من أهدافنا.

وما حدث في السويداء هي عملية مهمة، خاصة أن أهلنا وأخوتنا الدروز هم أيضاً يسعون لتحصيل حقوقهم المشروعة، في غالب الأحيان عندما يتم الحديث عن الحقوق مباشرة، يأتي إلى أذهان البعض خاصةً من هم على رأس السلطة، بأن هناك محاولات بالاتجاه نحو التقسيم – الانفصال وهناك من يحرض على هذه الفكرة، وهناك من هو صاحب هذه الفكرة علماً أن تبني التغيير وغياب التنوع، بالتأكيد يؤدي إلى تماسك المجتمع السوري ووحدة الشعب السوري ضمن إطار سوريا موحدة.

 وإن كان هناك انتماء طوعي للسوريين إلى هذه الهوية في سوريا ديمقراطية لامركزية تعددية بحيث تحافظ سوريا وتحمي كرامة هذا المواطن وهذه المكونات المتنوعة، لذلك ما يحدث في السويداء أيضاً نعتبرها ثورة كرامة وننظر إليها بهذه الشكل، ونحن داعمين لهكذا خطوات سواء إن كان في السويداء أو أي منطقة سورية أخرى. بالتالي التصحيح من المسار أو الأفكار مهم جداً، بأن تنظر الأطراف السورية الأخرى إلى ما يحدث في السويداء على أنها مطالبة بعملية التغيير وليس توجه بمناحي أخرى.

إن العملية السياسية حتى الآن لم تظهر لها نتائج نهائية وهي مجمدة بالكامل هذا هو تصور الموجود عملياً، ممكن القول بأن العملية السياسية منتهية، لكن يوجد حديث حول التمسك بقرار 2254 ونحن أيضاً متمسكين به. وأي عملية تغيير إن كانت في الهياكل الإدارية أو في العملية السياسية قد تحدث أو عمليات انتخابية، بالتأكيد ستكون ضمن إطار قرار 2254، لكن هناك عدم وضوح في آلية تنفيذ هذا القرار، كيف؟ متى؟ بـ أي آلية؟ هناك عدم وضوح، تم إصدار القرار لكن السير بخطوات سديدة للتنفيذ بقيت محدودة جداً، وحُصرَ في موضوع ألا وهو “سلة اللجنة الدستورية” وحتى تشكيل هذه اللجنة أيضاً لم تكن بحسب المطلوب، إنما الأطراف هي التي بقيت مؤثرة في تشكيلها. بمعنى أن أطراف الصراع عكست على العمل في اللجنة بصورة سلبية بالتالي لم تأتي بنتيجة وهي أيضاً تجمدت، بالتالي يعني بالنتيجة بإمكاننا القول بأنه مع الأسف بالرغم من عدم تشكيل سواءً إن كان هيئة تفاوض أو لجنة دستورية لكل الأطراف السورية. هناك جزء مهم لا زال خارج إطار هذه العملية، بالتالي أي تقدم بخطوة في هذا الاتجاه لن تكون عملية سليمة ولن تكون واقعية ولن تأتي بنتائج لطالما هناك عملية إقصاء.

والجارة لسوريا هي العراق ويهمنا أيضاً الأمن في الساحة العراقية باعتبار أي حدث يحدث في الساحة العراقية بالتأكيد يؤثر على الوضع في مناطقنا أيضاً. وحتى الآن الحكومة العراقية لحد معين هي أيضاً ضمن إطار تفاهمات بين تركيا وحكومة دمشق، فبهذا الإطار ممكن أن أقول بأن الحكومة العراقية كان بإمكانها لعب دور أكثر إيجابية، لأن العراق هو أيضاً مجتمع متعدد الثقافات والأديان والعقائد، وهو مجتمع موزاييك تاريخي قديم بالتالي هو صاحب إرث حضاري كان من الممكن أن يكون له دور إيجابي أكثر في هذا الخصوص، خاصة في موضوع تشجيع النظام على موضوع التفاهم وتقبل هذه الثقافات والاعتراف بها والعمل على إحداث تعديلات في الدستور السوري.

بالطبع هم أصحاب تجربة بقدر ما يمكن القول بأنه ليست تجربة ناجحة جداً لكن على الأٌقل ممكن أن تكون تجربة بخصوص لا بد له توجه إلى الحلول الجذرية بالقضايا الأساسية في المجتمع السوري لكن دوره بقي محصوراً وضمن إطار الحلول المؤقتة والأطروحات المؤقتة ليست لها نتائج ايجابية.

الاستهدافات والاستراتيجيات المشتركة

وهناك موضوع أخر يمثل حساسية المرحلة جداً وهي؛ الاستهدافات التي تحدث هي بالتأكيد ضمن إطار الحرب الشاملة ولا يمكننا أن نعتبرها مجرد استهدافات بسيطة إنما هي عمليات استنزاف تقوم بها العديد من الأطراف والقوة المعادية لما للمكتسبات في إقليم شمال وشرق سوريا لمكتسبات الثورة وهي ليست لمرحلة قصيرة، إنما هذه الاستهدافات لها أبعاد استراتيجية وتسعى من خلالها إلى ترهيب السكان وتحريضهم على الهجرة إضافة إلى خلق النعرات والصراعات الداخلية بين مكونات المنطقة وبالتالي غير أخذين بالحسبان أن أي توتر في المنطقة يؤدي بشكل سلبي على أمن دول الجوار أيضاً.

الحالة الموجودة حالياً في المنطقة حالة الاستقرار موجودة تلعب دور إيجابي جداً وبتأثير إيجابي جداً على الوضع الداخلي في دول الجوار سواءً إن كان في تركيا أو في العراق وحتى في سوريا أيضاً في ساحات سيطرة حكومة دمشق فهذا الاستقرار يلعب دور إيجابي باعتبار أن الحدود تحت السيطرة والمجموعات لا يمكنها أن تعبر الحدود بكل رياحة أو موضوع التجارة بالأسلحة وبالمخدرات وبتجارة البشر وإلى ما هنالك.

ولو إنها تحدث لكن هي بالتأكيد يتم مراقبتها وإغلاقها من قبل جهات معنية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لذلك أي ضرب للاستقرار الموجود تؤثر سلباً على وضع مناطق الجوار أيضاً، وحتى حكومة دمشق أيضاً يجب أن تعلم ذلك. الاستهدافات التي حدثت في مدينة دير الزور ليست بسيطة وحقيقةً لها أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية وثقافية واجتماعية واقتصادية بالتالي من الضروري أن يتم أخذ هذه الأمور بعين الاعتبار واعتبار هذا المشروع حقيقةً ممكن أن يكون مفتاح الحل في سوريا.

أن كانت العراق تسعى إلى الاستقرار في سوريا لا بد أن تنظر إلى هذا المشروع بنظرة إيجابية وأن كانت حقيقةً تركيا تسعى لتفاهمات مع حكومة دمشق لا بد أن تنظر إلى هذا المشروع بنظرة إيجابية وحكومة دمشق هي تعتبر مفتاح الحل في سوريا وبالتالي ودعمها والحفاظ على كياناتها ووجودها مهم جداً للوصول إلى تفاهمات مستقبلية تخص الشعب السوري بشكل كامل.

على هذا الأساس أنا أرى المرحلة الموجودة والمقبلة حساسة ومصيرية بالنسبة لكافة شعوب المنطقة. الحماية قبل كل شيء، وثم الحماية. الشعوب المتنظمة هي الشعوب المنتصرة في هذه المرحلة. الحداثة الرأسمالية والقوى المعادية لهويات الشعوب والمجتمعات لن تتوقف عن الحروب وخلق النزاعات لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية.

تهيئة كافة المكونات على مسألة الحماية لواجب مرحلي وبالتأكيد الشعوب لها المسؤولية المجتمعية. نتطلع للوصل إلى مرحلة سلام وأمان لكافة المجتمعات، ولكن إن تطلب الأمر على تلك الشعوب التهيئة للدفاع الذاتي والحماية الجوهرية والمحافظة على تنظيمها وهويتها ووجودها من خلال الاصرار على المقاومة الشعبية.