حرب الشعب الثورية اصطلاحاً ونظرياً واستراتيجياً – روهلات عارف

حرب الشعب الثورية اصطلاحاً ونظرياً واستراتيجياً

“أسس حرب الشعب الثورية تعتمد على ركائز متعددة

أهمها الحفاظ على الدعم الشعبي لقواتها العسكرية

واندماجها بين الفئات الشعبية المساندة لها

واستقطاب مقاومين جدد،

وتعتمد على أساليب متنوعة كـ الحرب المتحركة

وحرب العصابات، وحرب الأنفاق”

 

 

روهلات عارف

 

استخدمت الإنسانية أساليب عدة لأجل الاستمرار في الحياة ومنها مصطلح “حرب الشعب الثورية” منذ بداية الحياة على جميع الأصعدة (أنطولوجيا وأبستمولوجيا ومتودولوجيا – منهجياً).

مصطلح حرب الشعب الثورية تعرف بالحرب طويلة الأمد أو الحرب الشعبية الطويلة الأمد وهي استراتيجية عسكرية وحماية جوهرية، وضع أسسها ودعائمها الأساسية زعيم الثورة الصينية “ماو تسي تونغ” كتوجه عسكري للانتقال إلى الاشتراكية وترسيخ الشيوعية.

المفهوم الأساسي لتسمية الحرب الشعبية على إنشاء دعم شعبي للمجموعات المسلحة بنظرية ثورية في الغالب شيوعية، وقد تطورت إلى أن أصبحت استراتيجية خاصة بالشيوعيين الماويين في العالم، ولكن بحسب نظرتي للتاريخ والحياة أرى بأن الدفاع الشعبي المشروع، يظهر مع بداية الحياة وفي كل مفاصلها، سواء كانت في الطبيعة عند كل الأحياء أو عند الإنسان بشكل خاص في كل مراحل التاريخ لأنه لن يتم الاستمرار بالعيش إلا بالدفاع عن النفس وحمايتها من كل النواحي.

لذلك عندما نبحث في التاريخ عن أي مجتمع نرى أنه استخدام نمط الحماية الذاتية الجوهرية من أحد أهم الوسائل التي أدارت بها الشعوب نفسها بنفسها، أي بمعنى آخر عندما تتعرض لأي هجوم أو احتلال واستغلال وحتى إنكار وجود واغتصاب الثقافات تلجأ إلى الحرب الشعبية الثورية وخير مثال على ذلك تجارب الشعوب كـ الصيني والكوبي والإفريقي والفلسطيني، وأحدثهم الشعب الكردي الذي مازال يعيش مرحلة حرب الشعب الثورية تجاه الاحتلالات الكثيرة الجوانب لأجل الوصول إلى هويته ووجوده كشعب بشكل عام، واتخاذ المرأة دورها الكامل في الانضمام لكافة الساحات.

أسس حرب الشعب الثورية

فأسس حرب الشعب الثورية تعتمد على ركائز متعددة أهمها الحفاظ على الدعم الشعبي لقواتها العسكرية واندماجها بين الفئات الشعبية المساندة لها واستقطاب مقاومين جدد، وتعتمد على أساليب متنوعة مثل الحرب المتحركة وحرب العصابات، وحرب الأنفاق …الخ وقد تم استخدام هذه المبادئ لأول مرة في الحرب الأهلية في الصين بين القوميين والشيوعيين واستخدم هذا المصطلح من قبل “الماويين” في وصف استراتيجيتهم العسكرية في المناطق التي يخوضون فيها نزاعاً مسلحاً مع السلطات المحلية مثل الهند والنيبال والبيرو والفلبين… وغيرهم.

وأكثر الحروب الشعبية المشهورة هي: الحرب الشعبية الشيوعية ضد الاحتلال الياباني للصين، والحرب الأهلية بين الشيوعيين الصينيين والقوميين التي أدت إلى انتصار الشيوعيين وقيام جمهورية الشعب الصيني. والحرب الفيتنامية ضد فرنسا، أيضاً الحرب الفيتنامية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، الحرب الكورية ضد الاحتلال الياباني، ونهج حرب العصابات الذي أجراه الشعب الكوبي، أيضاً الحرب بين الماويين والحكومة الهندية وبين الماويين الفلبينيين والحكومة، حتى الحرب الشعبية النيبالية التي أطاحت بالملكية في النيبال، والحرب الشعبية في البيرو التي انحصرت تأثيرها باعتقال قياداتها السياسية وبعض القيادات العسكرية، وأيضاً حرب الريف التي خاضها الثائر عبد الكريم الخطابي شمال المغرب ضد الاحتلال الإسباني في عشرينيات القرن الماضي. وبما أن التاريخ المكتوب تم بذهنية السلطة الذكورية التي بدأت بظهور مفهوم الدولة السومرية وهي حلقات متتالية تتبع للبعض عند الكثير من الشعوب، فإن أنظمة بعض التيارات تشكلت على هذه الذهنية.

تشي جيفارا

نتذكر أقوال تشي جيفارا عندما قال:

“إن اللحظة التي يرى فيها الشعب نفسه تحت قهر واستبداد السلطات، تلك هي لحظة إعلان الثورة، الثورة أمر يعيش بداخلنا والموت رخيص لأجلها، إنه ليس شيئاً يقال ولا تحيا على ظهرها”.

وكتب في إحدى رسائله: “لقد أرادوا دفننا، ولكنهم لم يعرفوا أننا بذور”

بأقوال نيلسون منديلا حدث انتصار كبير في العالم، حيث كانت العنصرية التي حدثت ضد السود عبر التاريخ بمثابة ضربة كبيرة، فبدأ مانديلا الثورة من مبدأ المساواة العرقية والعدالة الاجتماعية وبها تم كسر بعض القوانين الصارمة المطبقة على مجتمعهم.

وكما قال عمر بن المختار: “أنا أومن بالحق في الحرية والحق في الحياة في بلدي، هذا الإيمان أقوى من أي سلاح”    

“كن حراً ولا تحني رأسك أبداً مهما كان الأمر صعباً وقاسياً، فقد لا تكون هناك فرصة لرفع رأسك مرة أخرى”.

أيضاً أهتم ماو بثلاثة أشياء أساسية في الحرب الشعبية الثورية؛ “الزمان – المكان – الإرادة”، فاستخدم المكان لتوفير الوقت والاستفادة من الوقت لصنع الإرادة. لذا يجب أن ندرك معنى الحياة الثورية، لأنه ليس مجرد حرب وقتل، بل إنه مفهوم للمحبين للحرية، وإنه رفض للنظام الذي يتعارض مع حرية الشعب. وهذا معني لكل المجتمعات التي تريد الصعود والوصول إلى الحرية.

هناك نساء عظيمات سواء في الشرق الأوسط أو في العالم وكمثال على ذلك “الملكة زنوبيا” التي تقدّرها شعوب المنطقة سائرة لمواقفها السامية تلك، ترمز أساساً إلى تعلق المرأة بالأرض وارتباطها بالإنسان، وتشير بكل جلاء إلى طبائع المرأة المكافحة والمناضلة لأجل المجتمع، والتي تحيا في سبيله، وتخلو من أية خاصية منفعية والتي أثبتت حقيقة وطرق الحرب الشعبية الثورية بمقاومتها وإصرارها على خلاص شعبها من الاحتلال.

أما الملكة “كليوباترا” ملكة مصر، فيتجلى لديها حب الوطن بكل سطوع. إذ طالما ضحت بالكثير مما لديها في سبيل الدفاع عن حرية وطنها والحفاظ عليه، مستفيدة بذلك من النواحي الجذابة والمؤثرة لدى المرأة بأفضل الأشكال تجاه أعدائها. كما أنها سخرت القوة التي استمدتها من الجوانب المتشكلة حديثاً لدى المرأة ضمن التكوينة العقائدية المتعددة الآلهة، لخدمة طموحاتها وآمالها. وبالتالي فإن “كليوباترا” تعتبر في الحقيقة شخصية جسدت في ذاتها سمات البنية الاجتماعية لمصر من جهة ومكانة المرأة المرموقة من جهة ثانية وأيضاً تكوين طريقة حربها تجاه السلطات الحاكمة.

المجتمع الديمقراطي

لا يمكن انتصار المجتمع الديمقراطي نهائياً إلا مع المرأة الواعية والمثقفة وصاحبة الإرادة الحرة. منذ العهد النيوليتيي، تقوم الشعوب والمرأة المتسمِّرة والمراوحة في مكانها تجاه المجتمع الطبقي بأخذ الثأر لذاتها من التاريخ من جهة، واحتلال مكانتها ضمن الحضارة الديمقراطية المتصاعدة لتؤلف بذلك الأطروحة المضادة اللازمة من جهة ثانية، وتشكل الدعامة الاجتماعية الأمتن والأقوى في التوجه قُدماً نحو مجتمع حر ومتساوٍ حقيقي من جهة ثالثة.

ذلك أنها تعتبر نفسها الصاحب الحقيقي للحملة الديمقراطية، وخير مثال على ذلك والتي رأيناها في كثير من بلدان العالم والمنطقة التي كانت وتكون المرأة هي الحلقة الأساسية في كل الحروب والسلام من حيث لعب دورها في جميع المجالات كمناضلة ومقاتلة وطبيبة ومنظمة بين الشعب لوضع الحلول الجذرية للمشاكل التي توجد.  وتكون سياسية ودبلوماسية على الصعيد الداخلي والخارجي لرجوع المياه لمجاريها وخلق حياة عادلة ومتساوية مرة أخرى خاصة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، ونرى المرأة الفلسطينية المقاومة والمضحية والمناضلة في الوقت الحاضر هي من أكثر النساء اللواتي تتعرضن لشتى أنواع الظلم والاضطهاد والاستغلال.

 المهام الأساسية التي اضطلعت بها في حدود عادات البلاد وتقاليدها الخاصة، فقد حددت وثيقة “مؤتمر الصومام” للثورة الجزائرية (20 أغسطس/آب 1956) أنه يمكن للمرأة أن تقوم بمؤازرة المحاربين والمقاومين مؤازرة أدبية، إضافة إلى تقديم الأخبار والمشاركة في الاتصالات والتمويل وتهيئة الملاجئ، مع مساعدة عائلات وأبناء المجاهدين والأسرى المعتقلين.

ويصنف المؤرخون عمل المرأة الجزائرية في الكفاح المسلح إلى ثلاثة أصناف؛ أولهن: المجندات ثانيهن: المتعلمات المجندات وغير المتعلمات وثالثهن: المناضلات في جيش التحرير الوطني،  ولكن دور المرأة الجزائرية التي رافقت شقيقها الرجل في رحلة الكفاح، يبقى متخفياً في مساحات الظل، برأي مختصين، مع أن الكثيرات لمعت أسماؤهن في سماء القضية الوطنية منذ دخول الاحتلال الفرنسي، مثل المقاومات لالة فاطمة نسومر ولالة زينب القاسمي، والشهيدات حسيبة بن بوعلي ومليكة قايد وفضيلة سعدان، والمجاهدات الجميلات الثلاث كما يطلق عليهن: جميلة بوحيرد، وجميلة بوعزة، وجميلة بوباشا.

نضال وكفاح المرأة الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي اللواتي ضحين بكل شيء وكانو الطليعيات في تسيير أمور الثورة من كل الجوانب ففي الحرب  منذ بواكير حروب الدولة الإسلامية لم تتأخر المرأة عن الجهاد، فكان لها دورٌ لا يغفل، فقد كانت تحمل السلاح وتقاتل كما يفعل الرجال، وكانت تقوم بالأعمال المساندة؛ كالتمريض، وعلاج الجرحى، ونقل الماء والسلاح، وإعداد الطعام للجيش، وحراسة الأسرى  وحتى تأمين احتياجات الشعب من مأكل ومشرب وحمايتهم بكل تأكيد بأن دور المرأة هي التي كانت الضمان للوصول إلى الحرية والاستقلال في الجزائر.

والمرأة في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية هن النساء اللاتي ولدن أو يعشن أو ينتمين إلى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في منطقة الصحراء الغربية أو مخيمات اللاجئين الصحراويين. في المجتمع الصحراوي، تتقاسم المرأة المسؤوليات على كافة مستويات مجتمعها وتنظيمها الاجتماعي. ويضمن الفصل 41 من دستور الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أن تسعى الدولة إلى “النهوض بالمرأة ومشاركتها السياسية، والاهتمام بالمجال الاجتماعي والثقافي وفي بناء المجتمع وتنمية البلاد”.

راوية عطية

راوية عطية، سياسية مصرية مشهورة كانت أول امرأة عربية تكسب عضوية البرلمان في بلادها. حازت على ماجستير في الصحافة والدراسات الإسلامية. وكانت راوية عطية أول امرأة تعمل كضابطة في الجيش المصري وكان ذلك بعدما حصل العدوان الثلاثي على مصر. دربت راوية 4000 امرأة على الإسعافات الأولية والتمريض لجرحى الحرب التي عملت لخدمة بلدها بروح الحرب الشعبية الثورية وغيرها الكثير من النساء المصريات اللواتي لعبن دورهن في ساحات الحرب وجميع مفاصل الحياة.

شاهد تاريخ تونس القديم أن تسطّر بداياته امرأة فكانت عليه تلك المحاربة القادمة من بلاد الأرز لبنان والتي أسست حضارة تونس واستوت على عرش المملكة القرطاجية. فالمرأة التونسيّة قيمة منحوتة على مدى عصور وضربت حولها هالة مزجت بين قوة الشخصية والإرادة. لذلك، فلا غرابة في أن تلد أرض تونس نساء مؤثرات في كل الميادين، نعم المرأة التونسية الطليعية حتى في عصرنا الحديث ومع اندلاع الثورة كانت في المقدمة والقيادية في ثورة ربيع الشعوب.

 عروسة الجنوب سناء يوسف محيدلي

ولا ننسى عروسة الجنوب في لبنان سناء يوسف محيدلي عندما قالت: “أحبائي إن الحياة وقفة عز فقط”.

وكذلك حميدة طاهر: ابنة مدينة الرقة التي تقع في شمال وشرق سوريا امرأة سورية وهي التي أثبتت تكتيكات الحرب الشعبية الثورية ونفّذت عملية انتحارية في جنوب لبنان أسفرت عن مقتل أكثر من 50 عنصراً من قوات الجيش الإسرائيلي.

كلما بحثنا وسألنا في عمق التاريخ المخفي والمكتوب نرى الكثير أو كل النساء أينما كانوا وفي أي زمان ومكان قد أثبتت لنا بأنها هي الأم والحاضنة الأساسية لحفظ السلام والعدالة والأمان في المجتمعات. إن طلبت الحرب فهي المحاربة وإن طلبت السلام عملت بكل جهدها للوصول إليه وخلق الاستقرار بدبلوماسيتها بين المتنازعين. لذا هناك الكثير من المجتمعات يمكن البحث عنهم مثل: المرأة الأمازيغية والتونسية والأفغانية والمصرية والسورية والعراقية والسعودية والهندية والأرتيرية والكردستانية، وحتى الإسرائيلية وغيرهن كثيرات من بلدان الشرق الأوسط والعالم اللواتي جربن عدة طرق وتكتيكات للحرب الشعبية الثورية في خدمة أوطانهم.

مسيرة حرب الشعب الثورية في الحركة التحررية الوطنية الكردستانية

حرب الشعب الثورية في الحركة التحررية الوطنية الكردستانية، كانت منذ بزوغها والتي قال عنها المفكر عبد الله أوجلان عن وضع الشعب الكردي بأنه:

“كانت الرعشةُ التي دَبَّت في عقلي وفؤادي، وحالةُ الإغشاءِ التي تلَتها حصيلةَ ذِكرِ مصطلحِ “كردستان مستعمَرة”، حدثً أمرُّ به لأولِ وآخِرِ مرة. وبالفعلِ كنتُ قد نظرتُ إليه بعينِ من الريبة، وكانت المتغيراتُ اللاحقةُ ستُظهِرُ دوافعَ تأثيرِ مصطلحٍ ما إلى هذه الدرجة. لكنّ التأثرَ به في البداياتِ لا يبرحُ أمراً يستعصي عليَّ إيضاحُه. إنّ الإقرارَ بالانبعاثِ الاصطلاحيِّ في أنقرة، بل ولوحدي في ظلِّ أجواءٍ أُصدِرَ فيها فرمانُ الموتِ بحقِّ كردستان والكردايتية، فطغى عليهما ظلامٌ دامس؛ يقتضي تحليلاً جاداً إلى درجةٍ تؤهِّلُه ليَكُونَ موضوعَ رواية”.

حين قراءة كتاب الرفيقة والشهيدة ساكينا جانسيز وعندما قالت “حياتي كلها صراع” سنرى فيها قصة لكل رفيقة وحقيقة لكل امرأة مناضلة، التي ورثت من بسى أنوش وظريفة وشيلان باقي وهفرين خلف وكولي سلمو وهند وسعدة، ولا ننسى المرأة هناء الشقر المقاومة في دير زور التي قاومت الدواعش عندما حاولوا قتل أولادها في منطقة الجزرات، فأردوها مقتولة هي وأولادها.

وكما قيّم المفكر عبد الله أوجلان وقائد الكونفدرالية الديمقراطية: “إذا لم يكن هناك حلٌ ضمن إطار السياسة الديمقراطية، حينها يتطلب اختيار استراتيجية حرب الشعب الثورية ويجب تطبيقها كأداة رئيسية للنضال وتهدف للحرية والوصول للحقوق المشروعة. ولأجل أن تتمكنوا من ضرب العدو أكثر من ذلك يجب كسب شخصيات المقاتلين الذين بإمكانهم القتال حسب حقيقة الحرب الشعبية الثورية طويلة الأمد”.

بما أن المجتمع دائماً هو المستهدف للإبادات وتهميش إرادتهم ودورهم، فتريد القوى المهيمنة أن تجعل من المجتمعات رهينة قرارها وتخضع لشتى الأساليب السياسية في تعاضده ووحدته ووجوده وثقافته ولكسر دفاعه وحمايته عن ذاته.

بلدان الشرق الأوسط

فمرافعة رفيق المرأة والمفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان خير مثال على توضيح وضع بلدان الشرق الأوسط “مانفيستو الحضارة الديمقراطية – المجلد الرابع – أزمة المدنية وحل الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، والتي تم إصدراها في أبريل 2011 حيث قدم الكثير من التقييمات التاريخية والتحليلية المهمة وأحب أن اطرحها كما هي:

“ومن الممكن القيام بتحليل بلدان الشرق الأوسط والعالم، وبما أن الشرق الأوسط ومنذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا قد اشتهر كمركز للمجتمعية والتحضر الإنساني، يحق له التعرق على كيفية الحاجة الماسة للممارسة حرب الشعب الثورية. ففصوله الأربعة الرتيبة، وغاباته الكثيفة الصالحة للاستثمار، وسهوله الواسعة وطبيعة جباله القابلة للحماية والالتجاء بها، وأراضيه الخصبة المعطاءة التي تحتوي على منابع الأنهار والتي تمر من وديانه السحيقة؛ كل ذلك جعل من الشرق الأوسط مركزاً للاستيطان والسكن المثالي، ليلعب دوراً مولِّداً في تطور الإنسانية خلال خمسة عشر ألف سنة على وجه التقريب.

يتأتى اليأس والمأساة التي لا تطاق في الحياة ضمن الشرق الأوسط من حرارته المرتفعة أو البطالة المتفشية أو التناقضات الخاوية من المعاني أو من الجهالة السائدة فيه فحسب؛ بل وتتأتى بالأغلب من انتقام الماضي الذي لا يغفر ولا يعفو، والمدنس بالخيانة هي أكثر المناطق التي تحتاج إلى حرب شعبية ثورية وبشكل متكاتف بين شعوب المنطقة للخلاص من الذهنية السلطوية على المجتمع والمرأة لأنه نادراً ما يكون الفؤاد مسكناً للآلام المريرة والمودة العظيمة، للبطولة والخيانة، للّعنة والقداسة معاً؛ إلا أن أراضي الشرق الأوسط التي اشتهرت بقداسة الآلهة على الأرجح، قد تجزأت إلى أوطان ملعونة مجدبة من خلال حكايات الخيانة المتعددة والمتكدسة فوق بعضها، وعبر قصصها الكاذبة، وأقنعتها الإلهية الجوفاء، وتقزمها المؤدي إلى السخرية منها كل شيء فيها أصبح مصطنعاً ومستهتراً وخائناً بحق أحاديثه وأقواله ومغترباً عن الحقائق لدرجة كأنه لم يبقَ فيها أي قيمة نبيلة إلا وبيعت بأزهد الأثمان وأبخسها في سبيل مصلحة شخصية أو عائلية. أي أن السلطة قد انحطت لهذه الدرجة في الوطن، بحيث لم يعد ثمة حاجة لوجود جهنم أخرى فأعتى أنواع السعير المذكور في الكتب المقدسة إنما يعاش في الواقع. ويكفينا هنا التذكير بالصراع بين إسرائيل وفلسطين كأبسط مثال وكيف تحول فيما بعد إلى سلسلة متتالية ومريعة من الحروب على الأراضي المقدسة لنتعرف على كيفية انتقام التاريخ اللعين وتحويله تلك الأراضي إلى صحاري قاحلة لا يطاق العيش فيها. لكن من ينتقم لذاته هنا هو – في الحقيقة – القيم الحضارية اللامحدودة، والتي لم تلقَ ما تليق به من تقدير وعبر قصصها الكاذبة، وأقنعتها الإلهية الجوفاء، وتقزمها المؤدي إلى السخرية منها.

  لكن، ما الذي يمكن إنقاذه بذلك؟ مُتْ واقتلْ، بماذا ينفع ذلك سوى زيادة المقابر؟ التذرع بدوافع لا تملأ حبة تين، من قبيل التناحرات الدينية والعائلية والصراعات باسم الشرف والنزاعات على الإرث والمُلك في الشرق الأوسط؛ تسببت في هدر دماء الالاف من الأبرياء حتى باتت سيولاً من الدماء لتروي هذه الجغرافية المقدسة. قومي بدور الأمومة على مدى خمسة عشر ألف عاماً، واخلقي كل ما تحتاج إليه البشرية، ثم أسقطي في وضع عبد بائس! كوني موطن أولى الإلهات الإناث، وأبدعْي وأنجبْي كل ما هو ضروري للبشرية، ومن ثم اغْذُي كقطعة قماش مستعمَلة ليرمي بك في زاوية مهملة! أخلقي كل الآلهة والعظمة، ثم صيرْي عبداً يائساً للجميع! اخترعي كل الحِرَف لإشباع الإنسانية سائرة، ومن ثم ابقي جائعاً! اجعلْي كل الأطراف كالملجأ، لتفتقري إلى وطن يأويكي! كوني شمعة تنير الجميع، لتتخبطي أنت في الظلام الدامس! كوني صوتاً للجميع، واخترعي الموسيقا والأشعار، وابقي فيما بعد غاصة في الجهالة والعقم! ابنِي القصور والسرايا للكل، ثم صْيري محتاجةً لشبر من الأرض تقطني عليه! أجل، إن حضارة الشرق الأوسط هي اسم لهذا التناقض الكبير والدرامي للغاية، والذي تتوارى فيه أسباب احتراق قصص العشق وتحولها إلى رماد. تعاظمَ واكبرْ بكل هذا القدر من المقدسات، ثم تحولْ إلى قزم! لا يمكن لحقيقة كهذه أن تزول إلا بتطهيرها بالاحتراق. كنْ أول من يسمو إلى مرتبة الإله – الإلهة، ثم صرْ رجلاً وامرأة متهاويين إلى درجة شحاذ سافل! لا يمكن تطهير ذلك إلا بالاحتراق والتعميد والخ”.

هكذا نصل إلى هذه النتيجة ألا وهي: أن لكل حضارة عنواناً أتت من جهد وكدح شعبها المقاوم، وفي شمال وشرق سوريا عنوانها “ثورة المرأة” والمجتمع الذي كان جنباً إلى جنب بقواتهم العسكرية سواء في ميادين القتال أو تنظيم الشعب في الكومينات والحماية الجوهرية وتأمين مستلزمات الجبهة من حيث المأكل والمشرب والذخيرة وحراسة قراهم ومناطقهم وعقد اجتماعات مع الشعب ومعالجة الجرحى وتشييع الشهداء وخير مثال على الحرب الشعبية التي جرت أحداثها في مقاومة كوباني والجزيرة وعفرين وسري كانية رأس العين وتل أبيض والرقة والطبقة ومنبج ودير الزور، وفي كل مناطق شمال وشرق سوريا.

وكتبت عنوان ثورتها بثورة 19 تموز هي من أبرز الثورات التي قامت حسب استراتيجية حرب الشعب الثورية في عصرنا بقوة وطليعة المرأة وحتى قبل الثورة في روجآفا كان الشعب يقوم بفعالياته الطوعية بأعداد كبيرة خاصة في أعوام التسعينات وذلك لأجل تأمين متطلبات الثورة.

وكما يقوم بالتنظيم والتدريب الذاتي بالإضافة لتنظيمه للانتفاضات والمسيرات الاحتجاجية معبراً ارتباطه بقيامه بواجباته الوطنية والإنسانية واستنكاره لسياسة القمع والإبادة التي يواجها من أعداء حرية الشعوب المحتلين لأرضه وهكذا يعبر عن دفاعه عن قضاياه الأساسية. فأسست المرأة قوات حمايتها العسكرية بالإضافة لتأسيس مؤسساتها كدور المرأة ومراكز حماية النساء المعنفات ومجالس العدالة النسائية وهكذا بجهودها استطاعت أخذ مكانها مناصفة مع الرجل في العقد الاجتماعي، وفي كل المؤسسات والمجالس العامة أيضاً وبذلك أصبحت قاعدة أساسية لإدارة وتسيير أمورها في خدمة ثورة 19 تموز التي أصبحت النواة ورسمت ملاحم النصر.