الشهيدة هفرين خلف ياسمينة السلام – إعداد: ليلى إبراهيم

الشهيدة هفرين خلف ياسمينة السلام

 

” تركت ميراثاً خالداً من المقاومة النضالية للأجيال القادمة،

 وأصبحت منارة، ورمزاً للمرأة الحرة،

 دوّنت اسمها بين أعظم نساء العالم، اللواتي غيّرن عالمنا،

وتركن أرشيفاً حياً من الأمل”

 

إعداد: ليلى إبراهيم

 

وطن برائحة الشهداء، ليست حكاية يرويها البشر، بل هي حقيقة يحفظها التاريخ، هي أسطورة امرأة كردية، استشهدت كي يعيش ويحيا الوطن. لذا ما كان أن يحذا في نفسي إلا أن أبوح بما يجول في خلجان مشاعري وأحاسيس، لعلني أوفي ديناً، أهلك عنقي لشدتي ثقلي الذي لا أنعته بالمجبري بقدر ما أسميه حباً وعشقاً لكِ.

لقد ودعتِ الدنيا وأنتِ ريادية، لن ننسى ابتسامتكِ وحنانكِ، وروحك الرفاقية، وإرادتكِ القوية ودعمكِ ومساندتكِ للجميع. لن ننسى روحاً فارقت الحياة، عطرت الثورة بعطر الياسمين، الذي عهدناه عطر السلام.

هفرين؛ حين أضع القلم بين أناملي لا أجد للكلمات أية معنى. الكلمات تبقى صغيرة أمام هيبة الشهداء. رغم حكاية الرحيل الذي رحلتي به، ولكن بقيت تلك القصص والحكاية التي سردتها على من حولكِ وصفحات التاريخ.

ياسمينة السلام، كانت الأنفة كلها، كانت رمز عنفوان المقاومة، هفرين ياسمينة سوريا المزهرة، اليافعة دائماً وأبداً في قلوبنا، هفرين فراشة السلام، الداعية لأخوة الشعوب، هفرين صاحبة الوجه الأنثوي الجميل، الذي يبعث على الأمن والسلام.

هفرين، الشخصية القوية والروح المرحة، والابتسامة الدائمة حتى في أصعب اللحظات، المتميزة بإرادتها القوية، وعزيمتها، وحكمتها الشديدة في مواجهة جميع المشاكل والصعوبات، زارعة الأمل والحياة في كل مكان تمر به.

ولدت هفرين خلف في إحدى أحياء مدينة ديركا حمكو، عام 1984 من أسرة وطنية مؤلفة من الأم سعاد، والأب حاجي، وأربعة أخوة وشقيقة واحدة الشهيدة زوزان. رضعت هفرين حليب الشجاعة والبطولة، والإرادة القوية، والعنفوان من أمها سعاد، التي كانت امرأة قوية ذات إرادة فولاذية، المستمدة من لقائها بالقائد عبد أوجلان في دمشق ولبنان، مما كان له الدور الكبير في التأثير على هذه العائلة الوطنية التي قدمت أثنى عشر شهيداً من أجل الحرية وكرامة الشعوب المضطهدة. فقد استشهدت شقيقة الشهيدة زوزان ضمن صفوف الحركة التحررية الوطنية الكردستانية وثلاثة من أبناء عمومتها في ثورة شمال وشرق سوريا.

هفرين التي كانت مدللة في العائلة، والتي جاءت على هذه الدنيا بعد أربعة أخوة شباب، لذلك كان لها معزة خاصة، وبالأخص عند والدتها سعاد، والتي شبهتها يوم ولادتها بـ “زهرة الياسمين” المعروفة برائحتها العطرة الفواحة، ومحبة الناس لهذه الزهرة. بدأت هفرين نضالها عندما كانت في الحادي عشر من عمرها، ومنذ نعومة أظافرها، وحتى شبابها إلى يوم شهادتها.

هفرين منذ صغرها كانت محبوبة لدى كل من تعرف عليها، لأنها كانت تتسم بخصالها الأخلاقية، وعلاقاتها الاجتماعية مع المحيط الذي عاشت فيه سواء في المدرسة أو الحارة، وحتى مكان عملها وإقامتها، وكبرت معها هذه الصفات حتى نيلها مرتبة الشهادة.

ولحسها القومي والوطني منذ صغرها، انضمت إلى فرقة نوروز المسرحية للأطفال في ديرك في عمر الحادي عشر، وكان حوار المسرحية عن مجزرة حلبجة، وهي أخذت دور حقوق الإنسان في المسرحية.

درست في مدرسة مأمون الابتدائية في بداية عام 1990، وعرفت بهدوئها وأخلاقها عند الكادر التدريسي، وكانت من المتفوقات في مدرستها. كما كانت أنيقة في ملبسها، وتم اختيارها للمشاركة في أولمبياد مادة الرياضيات على مستوى المحافظة، وكانت من الأوائل وأكملت المرحلة الإعدادية في مدرسة زهير في مدينة ديرك عام 1996، وانتقلت إلى المرحلة الثانوية العامة الفرع العلمي في ثانوية الطليعة للبنات.

وبعدها توجهت إلى الجامعة في مدينة حلب قسم الهندسة المدنية، ولكن كانت رغبتها كلية الطب الذي كان حلمها منذ الطفولة، تخرجت من كلية الهندسة المدنية في حلب عام2009 لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها، ومع بداية تخرجها، أصبحت الشهيدة هفرين تحت المراقبة من قبل الفروع الأمنية، لتحركها ونشاطها، كون الأسرة معروفة بوطنيتها، وتعلقها بفكر وفلسفة القائد، وتعلقها بعوائل الشهداء.

كانت تتعرض للتحقيق والمساءلة من قبل الفروع الأمنية في ديرك بشكل شبه يومي، ووضع أسمها على لائحة الأسماء الخطرة على أمن الدولة، وقد بذلت الأسرة جهودها من خلال دفع أموال طائلة آنذاك لتوظيفها في إحدى مؤسسات ديرك الخدمية لتحقيق هدفها، ثم بدأت هفرين حياتها كسائر البنات في روجآفا، لتلحق بركب الثورة التي انطلقت في روجآفا في 19 تموز عام2012، والتي شاركت فيها بفعالية ونشاط. حيث حملت على عاتقها تنظيم الفئة الشابة وتوعيتها، خلال انضمامها إلى مؤسسة نوري ديرسمي للفكر، ومن ثم تنظيم مؤسسات المجتمع المدني، وبعد فترة من العمل تم إعلان الإدارة الذاتية عام2014 وتشكيل الهيئات في إقليم الجزيرة، وأخذت هفرين منصب نائبة لهيئة الطاقة، وبعد سنة من العمل تم دمج بعض الهيئات ومن ثم انتخابها كرئيسة مشتركة لهيئة الاقتصاد في إقليم الجزيرة.

وعملت بجد ووضعت الدعائم الأساسية في تنظيم أمور الاقتصاد، وسعت إلى توفير احتياجات المواطنين الخدمية حتى عام 2018، وكانت مؤمنة بأن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً، لذلك توجهت إلى العمل السياسي، وعملت مع مجموعة من الوطنيين السوريين بكافة المكونات إلى تشكيل حزب جامع لكل السوريين، وبعد التحضيرات تم عقد مؤتمر تأسيسي لحزب سوريا المستقبل في مدينة الرقة، واختارت زهرة الياسمين لتكون رمز علم الحزب الذي أسسته، بحضور كتل سياسية عربية، وكردية، وسريانية، وشيوخ العشائر في الشمال السوري وأعضاء الحزب.

تم اختيار وانتخاب هفرين خلف كأمين عام لحزب سوريا المستقبل، لدورها النشط في تأسيس الحزب، ليرقى إلى طموح كل السوريين، ويناضل من أجل ضمان حقوق الجميع دون استثناء في عام 2018، وبعد تعينها أمين عام لحزب سوريا المستقبل، عملت في المناطق ذات الوجود العربي، في الرقة، والطبقة، عين عيسى وغيرها، حيث تركت بصمة لدى النساء العربيات في تلك المناطق، سرعان ما أدت إلى انضمامهم للعمل بعد تأثرهن بشخصية الشهيدة هفرين خلف.

اغتيلت في 12 تشرين الأول في كمين نصبته عناصر تابعة لفصيل أحرار الشرقية المدعومة من تركيا، أثناء سيطرتها على الطريق الدولي قرب قري الارتوازية جنوب تل أبيض، خلال المعارك العنيفة الدائرة هناك بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل السورية الموالية لتركيا، في إطار العملية العسكرية التي عرفت بنبع السلام.

هفرين خلف التي أدركت أن مفتاح السلام طويل الأمد، هو بناء هذا المجتمع الديمقراطي، والتعددي حيث يمكن للعرب والسريان والآشوريين والاكراد وجميع الطوائف الدينية والعرقية العيش والعمل جنباً إلى جنب مع بعضهما البعض ودعت إلى سوريا متعددة الهوية كما نبذت العنف.

لقد فقدنا ضوء ساطعاً عندما فقدنا هفرين خلف، وبجريمة مروعة أثناء الغزو التركي، في كل ياسمينة تزهر سوف تحيا روح هفرين. البعض يستذكر الأرواح في الوجوه، والبعض الآخر يستذكرها ربما في الأماكن، ولعل آخريين يستذكرونها بالأحداث والتواريخ، ربما اجتمعت كل هذه، والأدق أننا ما نسينا لنستذكر.

رحلت هفرين واحتضنتها تراب مقبرة الشهداء في ديركا حمكو في أقصى شمال وشرق سوريا، بين تشييع الناس بوقار وحزن جثمان هفرين وارى جسدها الثرى، راحلة بعمر 35 عاماً. لم تتزوج، ولكنها جسدت عبر مسيرتها السياسية، وتسلمها لمسؤولية القيادة في الحركة الكردية، كانت مثالاً للمرأة المتنورة والقيادية.

 هفرين تركت ميراثاً خالداً من المقاومة النضالية للأجيال القادمة، وأصبحت منارة، ورمزاً للمرأة الحرة، ودونت اسمها بين أعظم نساء العالم، اللواتي غيرن عالمنا، وتركن أرشيفاً حياً من الأمل.

هفرين التي قالت منذ نعومة أظافرها: “أستطيع أن أفعل وسأفعل “.

 إلى يوم استشهادها، ناضلت في سبيل سوريا ديمقراطية والعيش بسلام.

نتيجة لتنامي دور المرأة في كافة المجالات، ولا سيما في المجال السياسي، والذي تعتبره الكثير من الأنظمة السلطوية على أنه تجاوز للتشريع المجتمعي المتوارث، والذي يحفظ حقوق الذكور، ويجعلهم السلطة الأقوى والمتمكنة دائما. لذلك كانت هفرين خلف لها بصمتها في المجتمع كغيرها من القياديات اللواتي ضحين بأنفسهن في سبيل تحرير المرأة، وتفعيل دورها في المجتمع، لذلك كانت أسماءهم في قائمة اغتيالات الدولة التركية الفاشية.

لم يكن مصادفة مقتل هفرين، بل لأنها كانت صاحبة قضية وفكر حر ومبدأ أخوة الشعوب، والعمل من أجل هدف معين، هو إثبات وجود والدفاع عن حقوق المرأة في تحقيق العدالة والمساواة في مجتمع لا يعرف سواء الذهنية الذكورية السلطوية.

ولذلك كانت الدولة التركية تسعى دائماً إلى إسكات صوت الحق الذي تنادي به المرأة الكردية، وخوفها من المرأة المناضلة والثائرة، المرأة التي تقاوم، وتناضل وتساعد على وأد وتحجيم طموحاتهم في استغلال واستعباد الشعوب، والنيل من القياديات. لذا علينا نحن النساء المحاربات المناضلات في سبيل الحرية والمساواة، بناء حياة حرة، كما علينا أن نعلم بأن نضالنا ليس بنضال سهل، بل إنه نضال حافل بالكثير من المخاطر التي تواجه المرأة من قبل السلطات التعسفية، إلا أن الوعي، الإصرار، العزم، المقاومة الفدائية، الجرأة، هي التي ستأخذنا للنصر في نشر نهج كافة النساء المضحيات، وبهذا الشكل ستتحول كافة أيامنا إلى أزهار ياسمين، تزهر برونق المرأة، وطابعها الطبيعي الحر، وتأكيد النصر بالإرادة الحرة لكافة المجتمعات والشعوب المناضلة.

لذا على المرأة ألا تتردد بان تلعب دورها الريادي، والفعال في كافة الثورات المطالبة بحرية المرأة، وبحياة حرة لكافة الشعوب. فالموت لا يعني النهاية فأمثال الشهيدة هفرين خلف لا تموت، قد تختفي جسدياً ولكن حضورها دائم، طالما هناك صراع الخير والشر، وطالما هناك نساء شعارهم المقاومة والنصر وشعارهم “المرأة، الحياة، الحرية “

وكما قالت هفرين: “يوما ما حين تكون الامور بخير ستنظر إلى الخلف وتشعر بفخر لأنك لم تستسلم”