سوريا والحاجة للدفاع المشروع ضد الاحتلال – داليا حنان

سوريا والحاجة للدفاع المشروع ضد الاحتلال

“لا بدّ على السوريين ككل والمرأة بشكل خاص

تطوير وتعزيز مفهوم الحماية الذاتية والدفاع المشروع والتعاون معاً،

 كما فعلوا في الثورات السورية التي أدت إلى التخلص من الاحتلال العثماني

 والاستعمار الفرنسي، من أجل الحفاظ على قيمهم

 وضمان حقوقهم والوصول إلى الحرية والديمقراطية التي ينشدونها”

 

داليا حنان

 

شهدت الجغرافيا التي تتواجد عليها سوريا الآن، على مرّ العصور، سلسلة من الغزوات والاحتلالات، ابتداءً من الرومان ومروراً بالمغول والصليبيين والعثمانيين والمستعمرين الأوربيين، ولذلك استخدم شعبها على الدوام الدفاع المشروع أساساً لهم في النضال ضد المستعمرين وما زال هذا النضال مستمراً حتى يومنا هذا.

المرأة حجر الأساس في المجتمع الطبيعي

إن المجتمع البشري الذي نراه اليوم، مرّ بالعديد من المراحل، بدأ بانفصال الوجود الإنساني عن فصيلة الثدييات الرئيسية البدائية، مشكلاً المجتمع الطبيعي، حيث تشكلت في هذه المرحلة التنظيمات الاجتماعية في صورة أولية على شكل “كلان” والتي كان يجتمع فيها “مجموعة” تصل أعدادهم إلى نحو 20 شخصاً، فالغاية الأساسية من تشكيل هذه الكلانات كان استمرار الجنس البشري بوجه مخاطر الطبيعة والحيوانات المفترسة، وكذلك لتأمين الغذاء. واعتمدت الكلانات بشكل خاص على قوة المرأة وحنكتها في الإدارة.

ومع تطور الكلانات بدأت مرحلة تَشَكُّلَ ملامح الإطار النظري لنظام المجتمع الطبيعي الذي سادت فيه القيم الأخلاقية بعيداً عن التسَلُّط والحاكمية، وغابت عنه الأنظمة الهرمية القائمة على العبودية، وأضحت مصطلحات المساواة والحرية تشكّل أسمى القيم.

في هذه المرحلة شغلت المرأة حجر الزاوية، كما ترصده الميثولوجيا، بما يؤكد اضطلاعها بدور مركزي في تطوير النظام الأهلي الذي ساد طوال هذه المرحلة، فكانت المرأة مسؤولة عن تأمين الطعام ومراقبة المحيط، وصولاً إلى بلوغها غاية الحكمة والقوة مع الزمن، فتطورت خلال هذه المرحلة مصطلحات الوعي والعقيدة، ثم العائلة، الأم، الأخوة والمساواة، والحرية، والتعاضد وغيرها كقيم سامية.

سوريا والإله الأنثى

وفي بلاد الشام، التي تُعتبر سوريا قلبها، بلغت المرأة مكانة “المرأة القديرة”، حتى وصلت إلى مكانة “الإله الأنثى” قبل اكتشاف الزراعة، حيث سادت الآلهة المحلية قبل مجيء الكنعانيين، حيث تشير النقوش التي عُثر عليها في المنطقة والتي تعود إلى العصر الحجري الوسيط “النيوليتي” بين أعوام 4000 – 8000 قبل الميلاد، أن سكان سوريا الأصليون كانوا يعبدونها، وأظهرت اللُّقى الأثرية كيف أن المرأة كانت رمزاً للخصوبة والإبداع، وفي منطقة تل الرمد بسوريا، ظهرت صورة مركبة تحتوي على الأنثى والحيوان، والأفعى، وهذا دليل على أن المجتمع الطبيعي تشكّل على محيط المرأة.

الشامانية وظهور الأنظمة العسكرية القائمة على الحرب

غير أنه مع الانتقال لمرحلة الصيد، طرأت الحاجة إلى القوة القتالية التي اضطلع بها الرجل، وبذلك ظهرت ثقافة القتال القائمة على الهيمنة الذكورية في مواجهة المجتمع الطبيعي “الأخلاقي”، وقد تعززت هذه الثقافة من جانب الكهنة الرجال في إطار ما يُعرَف بـ “الديانة الشامانية” Shamanism.

وبذلك، ظهرت الأنظمة العسكرية القائمة على الحرب، والتي جسدت ظهيراً لتشكّل السلطة الهرمية بعيداً عن الثقافة التي تمحورت حول “المرأة الأم – الحكيمة” في ظل النظام الطبيعي، الذي قام سلفاً على عمليات التعاون في جمع الثمار وإنتاجه، وبذلك بدأت تنشأ ثقافة الحرب، ومعها تَشَكَّل أيضاً المجتمع الطبقي القائم على السلطة الأبوية ابتداءً من سومر أي حوالي بداية الألف الرابع قبل الميلاد، وهكذا طوّرت كل إمبراطورية ودولة تشكّلت لاحقاً من أساليب وطرق الحرب والإبادة ونهب الثروات والخيرات، تحت مسميات الفتح تحت اسم الدين، والانتداب بحجة نقل الحضارة، والتحرير لنهب الخيرات وما إلى هنالك من تسميات رنانة، وما تزال التسميات تتغير والفحوى واحد هو “الاحتلال” حتى وصلنا إلى يومنا الراهن.

سوريا من أقدم المناطق المأهولة بالسكان

تُعتبر سوريا واحدة من أقدم المناطق المأهولة بالسكان حول العالم، ففيها اكتُشفت آثار يعود تاريخها إلى أول اكتشافات الوجود البشري في العالم، حيث عثر علماء الآثار في كهف الدودرية الواقع بالقرب من قرية برج عبدالو في جبل ليلون بمنطقة عفرين عام 1993 على هيكل عظمي لطفل نياندرتالي عمره عامان ويعود تاريخه إلى حوالي 100 ألف سنة، كما أظهرت حفريات أثرية وجود تجمعات بشرية فيها تعود إلى 6000 عام وتحديداً في منطقة تل براك في الجزيرة، وهذا يفنّد الادعاء بأن “التاريخ يبدأ من سومر”.

سوريا والعصر الحديث

في سنة 1516 سقطت سوريا في أيدي الأتراك العثمانيين بعد معركة “مرج دابق” شمال حلب بين العثمانيين والمماليك، وبذلك أضحت جزءاً من الدولة العثمانية التي استمرت سيطرتها على البلاد مدة أربع قرون، شهدت خلالها سوريا تخلّفاً كبيراً في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بعدما كانت مهداً للحضارات.

وفي عام 1916 استغل العرب بزعامة الشريف حسين الحرب العالمية الأولى ليعلنوا ثورتهم الكبرى ضد الحكم العثماني. وفي سوريا أيضاً بدأ السوريون الذين يتميزون بأنهم خليط عرقي من العرب والكرد والسريان، الآشور، الكلدان، الأرمن، الشركس وغيرهم والتنوع الديني من سنة وعلويين، دروز ومسيحيين، بالنضال ضد العثمانيين، ولكن هؤلاء السفاحين قمعوهم بوحشية، ففي 6 أيار/مايو 1916 علق العثمانيون المشانق في دمشق وبيروت للعشرات من الزعماء الوطنيين السوريين الذين اتّهموا بالعمل على استقلال البلاد العربية واعتُبر هذا التاريخ فيما بعد عيداً للشهداء. وبحلول عام 1918 انتهى الحكم العثماني على سوريا.

وفي نفس العام، أعلن السوريون استقلالهم إلا أن بريطانيا وفرنسا، المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى، كانت تخططان لاقتسام المناطق التي حررت من السيطرة العثمانية فيما بينهما. ووفقاً لاتفاقية سايكس- بيكو السرّية 1916، اتفقت الدولتان على تقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية، واتفق على أن تكون سوريا في منطقة النفوذ الفرنسية. وبعد عدة معارك مع الجيش السوري المتأخر عدة وعديداً، ومع الثوار الذين تصدوا للفرنسيين في عدة مناطق من البلاد أهمها معركة “ميسلون” بقيادة يوسف العظمة 24 تموز/يوليو 1920، دخل الفرنسيون دمشق.

ثورات مستمرة

رغم ذلك، لم تتوقف ثورات السوريين، مثل ثورة حسن الخراط والأشمر في غوطة دمشق، ثورة إبراهيم هنانو في جبل الزاوية بإدلب وجسر الشغور. ولكن هذه الثورة تعرضت للخيانة من العثمانيين التي اتفقت مع فرنسا على منحها منطقة كيليكيا (لواء اسكندرون) مقابل عدم إرسال السلاح والذخيرة للثوار السوريين.

وفي جبل العرب جنوبي سوريا، حيث وعورة الجبل وقسوة المناخ، أعلن سلطان باشا الأطرش الثورة رسمياً ضد الفرنسيين في كامل الأراضي السورية بتاريخ 23 آب/أغسطس 1925 واستمرت حتى حزيران/ يونيو 1927، حيث انضمت جميع المناطق السورية من دمشق مروراً بحمص وحماة وحلب، وصولاً إلى دير الزور وقامشلو التي شهدت عدة معارك لا يأتي التاريخ على ذكرها مثل معركة بياندور لإقصاء دور الكرد والعرب في هذه المنطقة من فصول المقاومة في سوريا ولعدم الحديث عن الأخوة الكردية العربية وتكاتفهم معاً في مقاومة الاحتلال، خدمةً لسياسات “حزب البعث” الذي عمل منذ وصوله إلى السلطة في ستينيات القرن الماضي على خلق الفتن بين الكرد والعرب لضرب التلاحم فيما بينهم ليسهّل من سيطرته على المنطقة.

دوافع المقاومة

إن السوريين رجالاً ونساءً، قاوموا الاستعمار الفرنسي، انطلاقاً من رغبتهم في تحقيق الاستقلال الوطني، فالسوريون كانوا يرغبون بشدة استعادة سيادتهم واستقلال بلادهم بعد فترة من الاستعمار العثماني ثم الفرنسي، بالإضافة إلى رغبتهم الملحّة في التخلص من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي كانوا يعيشونها نتيجة السياسات التي مارسها الاستعمار الفرنسي والتي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان بما في ذلك فرض الضرائب والقيود كما أن الظلم والاضطهاد الممنهج واستخدام الفرنسيين للقوة والعنف لقمع أي معارضة، أثار مشاعر الغضب والتمرد لدى السكان، فضلاً عن رغبتهم في التخلص من التهديدات التي تتعرض لها الهوية الوطنية والتنوع الثقافي عبر توحيد الجهود وتعزيز الشعور بالهوية الوطنية والتمسك بالثقافة والتراث السوري المتنوع.

ومن جانب آخر تأثر السوريون بالأحداث الدولية والإقليمية لأن ما كان يحدث في المناطق الأخرى من العالم مثل نجاح الحركات الاستقلالية، ألهمهم لمواصلة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي.

أساليب النضال

قبل التطور التكنولوجي الذي نشهده في وقتنا الحاضر، كانت استراتيجية النضال والمقاومة لدى الشعوب المضطَهدة بوجه الاحتلالات والاستغلال حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تنحصر باستراتيجيتين أساسيتين؛ الأولى هي انتفاضات الشعوب والثانية هي الكفاح المسلح.

وفي مواجهة الاستعمار الفرنسي، كانت الاستراتيجيتان تُستخدمان في سوريا، ولكن بشكل غير منظم ومنسق، فمثلاً في الوقت الذي كانت تشهد فيه بعض المناطق استراتيجية الكفاح المسلح، كان الأفراد والجماعات ومن كافة المكونات في مناطق أخرى يركزون بشكل أساسي على استراتيجية التظاهرات الشعبية لعدم قدرتهم على تأمين السلاح والذخيرة، علماً أنه عندما كانت تتوفر لديهم الأسلحة كانوا يقاومون عسكرياً وخير مثال على ذلك، معركة بياندور في ريف قامشلو.

إن تلاحم المكونات الاجتماعية أثناء مقاومة الاستعمار الفرنسي كان أحد العوامل الرئيسية في نجاح الثورة وتوحيد الجهود الوطنية، حيث شهدت فترة المقاومة تفاعلاً وتعاوناً بين مختلف المكونات الاجتماعية والطائفية، مما عزز قوة الحركة الوطنية.

من أبرز صور هذا التلاحم؛ تعاون مختلف المكونات الدينية والعرقية معاً في مواجهة الاحتلال، فمثلاً قاد سلطان باشا الأطرش وهو درزي، حركة المقاومة في جبل الدروز، بينما شارك العديد من القادة الوطنيين من خلفيات طائفية أخرى في الثورة. كما كان هناك تكامل وتعاون على الأرض بين الفصائل المسلحة المختلفة والجماعات السياسية، رغم وجود اختلافات سياسية وفكرية، وكل ذلك من أجل تحقيق الهدف المشترك بالحرية، إلى جانب ذلك، كان هناك دور محوري للمثقفين والنخبة السورية في توحيد الجهود من خلال التأليف والتعبئة وتنظيم الفعاليات السياسية التي ضمت كافة أطياف المجتمع.

لقد كانت المقاومة السورية متكاملة نتيجة روح التضامن بين فئات المجتمع، فالدعم كان متبادلاً بين الريف والمدن، ويقدم كل طرف الدعم اللوجستي والمادي للطرف الآخر. ولعب الشباب دوراً هاماً في المقاومة، حيث ساهموا في تعبئة الجماهير وتوفير الدعم الضروري للثوار، مما أضاف بعداً جديداً للتلاحم المجتمعي.

هذا التلاحم بين المكونات المختلفة كان أساسياً في تعزيز وحدة الصف الوطني ضد الاستعمار، وأدى إلى تعزيز الهوية الوطنية السورية وتوحيد الجهود نحو تحقيق الاستقلال.

المرأة والمقاومة

لعبت المرأة السورية دوراً حيوياً ومؤثراً في المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا، رغم الظروف الصعبة التي واجهتها.

وشملت مشاركتها جوانب متعددة، إذ قامت النساء بتنظيم الشعب وتوفير التمويل من خلال جمع الأموال وتوفير الدعم اللوجستي للمقاتلين، وكنّ جزءاً من الشبكات السرّية التي ساعدت في تنظيم المقاومة ونقل المعلومات والمواد.

كما قدمت النساء الرعاية الطبية للجرحى والمصابين، وأنشأت العديد من النساء مستشفيات ميدانية وشاركن في معالجة الجرحى وتقديم الإسعافات الأولية.

إلى جانب ذلك، عملت المرأة في المجال السياسي والتعبوي، حيث شاركت النساء في تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، وساهمت في رفع الوعي الوطني وتحفيز الناس على المشاركة في الثورة، وعملت بعضهن كناشطات سياسيات، وأعربن عن مطالبهن بالاستقلال من خلال البيانات والمقالات والخطب كما كتبت بعض النساء المقالات والخطب التي تحث على المقاومة والاستقلال، وساهمن في نشر الأفكار الوطنية ومواجهة الدعاية الاستعمارية بالإضافة إلى المشاركة المباشرة حيث شاركت بعض النساء بشكل مباشر في القتال، رغم المخاطر الكبيرة.

وعلى الرغم من أن مشاركة المرأة في المجال العسكري لم تكن شائعة مثل الرجال، لكن ساهمن في الأعمال الحربية من خلال تقديم الدعم للمقاتلين عبر نقل الإمدادات وتوفير المعلومات التي كانت حاسمة في كثير من الأحيان.

وساهمت جهود النساء في تعزيز الروح الوطنية وتقوية المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، مما كان له تأثير كبير في تعزيز الهوية الوطنية السورية وتأكيد الحاجة إلى الاستقلال.

وبرزت أسماء عدة شخصيات نسوية في المقاومة الشعبية، نتيجة الدور الذي لعبته في النضال الوطني، ومن أبرز تلك النساء:

فاطمة النبوية: وهي واحدة من أبرز الشخصيات النسوية في المقاومة السورية، حيث قدمت دعماً لوجستياً ونقلت عبر التهريب المعلومات والمواد للثوار، وكان لها دورٌ كبير في دعم المقاتلين ومعالجة الجرحى.

سلوى السعيد: كانت ناشطة سياسية واجتماعية بارزة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي، شاركت في تنظيم الفعاليات السياسية وجمع التبرعات للثوار، وكانت صوتاً قوياً في رفع الوعي حول القضايا الوطنية.

أمينة السعيد: وعرفت بدورها كناشطة في الحركات الوطنية والمطالبة بالاستقلال، وشاركت في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات ضد الاستعمار الفرنسي وساهمت في تعزيز الحراك السياسي.

بديعة مصابني: قدمت دعماً كبيراً للثوار من خلال جمع التبرعات وتنظيم الفعاليات الداعمة لهم، وعرفت بشجاعتها وإصرارها على تحقيق الأهداف الوطنية.

زهرة اليوسف: كانت ناشطة نسوية في مقاومة الاستعمار الفرنسي، ساهمت في التظاهرات والاحتجاجات، والأنشطة الداعمة للقضية الوطنية وتعبئة النساء في هذا السياق.

هؤلاء النسوة إلى جانب الكثير من غيرهن من النساء، قدمن مساهمات هامة في المقاومة الشعبية، وكن جزءاً أساسياً من الجهود الوطنية لتحقيق الاستقلال.

ماذا حققت المقاومة الشعبية؟

إن المقاومة الشعبية السورية ضد الاستعمار الفرنسي حققت عدة إنجازات هامة، منها الضغط على الفرنسيين وذلك من خلال العمليات العسكرية والأعمال الثورية، فتمكنت المقاومة من إضعاف السيطرة الفرنسية على سوريا، وساهمت هذه الأنشطة في زيادة التكاليف الأساسية والعسكرية بالنسبة لفرنسا ورغم التفاوت في القوة العسكرية، إن هذه المقاومة أثبتت قدرتها على إحداث تأثير كبير على الاستعمار الفرنسي، مما ساهم في تسريع عملية إنهاء الاستعمار.

كما أن المقاومة الشعبية حفزت المجتمع السوري على النضال الوطني، فساهمت المقاومة في تعزيز الوعي الوطني وتعميق الروح الوطنية بين السوريين، مما دفعهم إلى دعم قضية الاستقلال وإبداء مقاومتهم للاستعمار.

بالإضافة إلى إحداث تغييرات سياسية هامة حيث ساهمت المقاومة في تطوير الحركة الوطنية السورية وتنظيمها بشكل أفضل، ونجحت المقاومة أيضاً في جذب الانتباه الدولي لقضية الاستقلال السوري، مما شكل ضغطاً على فرنسا لتسريع المفاوضات والاعتراف بالاستقلال.

إلى جانب تسليطها الضوء على معاناة الشعب السوري من خلال عرض هذه المعاناة للعالم، مما ساهم في تعزيز الدعم الدولي لقضيتهم.

هذه الإنجازات كانت جزءً من جهود كبيرة أدت في النهاية إلى تحقيق استقلال سوريا عام 1946.

لقد كانت فترة الانتداب الفرنسي على سوريا فترة حاسمة في تاريخ البلاد، حيث شكلت تأثيرات طويلة الأمد على بنيتها السياسية والاجتماعية، ورغم التحديات التي واجهها السوريون خلال هذه الفترة فإن مقاومتهم وصمودهم أديا في النهاية إلى تحقيق الاستقلال والحرية.

سوريا.. الأزمة والاحتلالات

إن ثورات الربيع العربي التي انطلقت في تونس ومصر وليبيا ضد الظلم والقمع، سرعان ما انطلقت في سوريا أيضاً من الجنوب وتحديداً درعا في 15 آذار/ مارس عام 2011. إلا أن هذه الثورة لم تدم طويلاً بسبب توجهها نحو العسكرة بفعل التدخلات الخارجية وإرسال العناصر الإرهابية والسلاح والذخيرة مستغلة الاحتجاجات المتصاعدة ضد السلطة، فتم تحريف السعي لنيل الحقوق المشروعة إلى صراع على الحكم بين حزب البعث وأطراف سمّت نفسها بالمعارضة وارتهنت للقوى الخارجية وعملت على تنفيذ أجنداتها.

ومع تعمّق الصراع، تدخلت قوى خارجية إقليمية ودولية دعماً للطرفين، فمن جهة تدخلت إيران وروسيا وكذلك حزب الله اللبناني إلى جانب الحكومة في دمشق وبطلب منها لقتال المسلحين الذين ركبوا على الدبابات التركية وساعدوها في مهاجمة الشعب الكردي بالشمال السوري وأتاحوا الفرصة لتركيا لاحتلال أجزاء من أراضي البلاد وتشريد الكرد ونهب ممتلكاتهم وتغيير ديمغرافية مناطقهم، كما تدخلت الولايات المتحدة الأميركية للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي تلقى دعماً لا محدود من تركيا وشكل خطراً كبيراً على العالم أجمع.

اليوم في ظل الأزمة السورية نرى بأن الشعب السوري يعاني مرة أخرى من النظام الاستبدادي السلطوي الذي يرفض التنوع القومي والديني للمجتمع السوري، وكذلك من سياسات الحرب الخاصة التي تسعى من خلالها القوى المعادية إلى ضرب النسيج السوري وخلق الفتن بين المكونات من جهة والمخاطر الخارجية من جهة أخرى سواء عبر دعم التنظيمات الإرهابية أو عبر فرض الاحتلالات مباشرة من قبل الدولة التركية التي تنتهك كافة القوانين الدولية والقيم الإنسانية والأخلاقية من خلال ممارسة أبشع أنواع الانتهاكات بحق الشعب السوري وثقافته وهويته الوطنية وذلك بهدف القضاء على إرادتهم وسد الطريق أمام تحقيق الاستقرار في  المنطقة وبناء نظام ديمقراطي.

وبالمقابل من ذلك، نرى هناك إصرار وعزيمة كبيرة لدى الشعب السوري وخاصة في مقاومة الاحتلال التركي ومشروعه العثماني إلى جانب تطور الوعي والروح الوطنية ومساعيهم في حماية وطنهم أرضاً وشعباً ضد كل السياسات التي تستهدف وجودهم وهويتهم الوطنية.

وفي هذا السياق، فإنه لا يخفى على أحد الدور الريادي الذي لعبته المرأة منذ اندلاع الثورة السورية من خلال مشاركتها في الاحتجاجات والمظاهرات والمطالبة بتغيير النظام الحاكم وضمان حقوقها عبر ممارسة النشاطات الخاصة بها، إلى جانب مشاركة الرجل في كافة مجالات الحياة وعلى كافة المستويات، وخير مثال على ذلك تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والمكتسبات التي حققتها المرأة في هذه البقعة الجغرافية من سوريا والتي تردد صداها في كل أنحاء العالم مما جعل المرأة في هذا الجزء مثالاً للنساء حول العالم.

ولكن رغم كل ذلك يبقى من الضروري العمل على توسيع دور المرأة لتشمل كافة الجغرافيا السورية من أجل توحيد جهود المرأة وحشد قواها لمقاومة كافة أشكال العنف والانتهاكات التي تتعرض لها نتيجة الذهنية الرجعية التي تسعى جاهدةً للقضاء على دور المرأة، وكذلك الوقوف بوجه التحديات التي تواجهها في ظل ظروف الهجرة والنزوح ناهيك عن الحياة الصعبة التي تعيشها في المخيمات وكذلك الضغوطات التي تتعرض لها في المناطق المحتلة.

ومع وجود هذه الاحتلالات وخصوصاً الاحتلال التركي الساعي لإعادة أمجاد إمبراطورية بائدة، والوصول إلى حدود ما يسميه “الميثاق الملّي” الذي يرى الشمال السوري جزءً من الأراضي التركية ومع استمرار تعمّق الأزمة وانسداد أفق الحل والتهديد الوجودي لسوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، فإنه لا بدّ على السوريين ككل والمرأة بشكل خاص تطوير وتعزيز مفهوم الحماية الذاتية والدفاع المشروع والتعاون معاً كما فعلوا في الثورات السورية التي أدت إلى التخلص من الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي، من أجل الحفاظ على قيمهم وضمان حقوقهم والوصول إلى الحرية والديمقراطية التي ينشدونها.