المرأة الكردية والمسيرة الريادية – فيان مصطفى محمد

المرأة الكردية والمسيرة الريادية

المرأة الكردية في روجآفا وصلت إلى مستوى متطور

من المعرفة والخروج من القوالب والعادات والتقاليد

فمن خلال تنظيمها الخاص في حركة خاصة بها

ومن خلال الاستناد إلى المعرفة والوعي

اكتسبت هوية عالمية ونسوية ريادية”

 

فيان مصطفى محمد

 

إن جغرافية ميزوبوتاميا التي شهدت مهد الحضارات والثقافات الأصيلة إلا أن ذلك لم يخلو مما شاهدته من حروب وصراعات ونزاعات جمة. بعض هذه الحروب كانت وما تزال على الجغرافية لإخضاع كل ما تملكه بلاد ما بين النهرين من خيرات طبيعية تحت سيطرتهم وسرقتها ونهبها لصالحهم. وحتى المرحلة الراهنة هذه الحروب مستمرة ولكن بأساليب جديدة ومتنوعة ولكن الهدف نفس الهدف والاستراتيجيات نفس الاستراتيجية. ومعها قامت الكثير من التمردات الكردية والعصيانات لمواجهة تلك الحروب والدفاع عن حقوقهم المشروعة في الحرية والعيش في حياة آمنة وسلامة مستقرة.

من هنا علينا الإشارة بأن القوة والحركة الأكثر مقاومة حتى الآن هي الحركة التحررية الوطنية الكردستانية. بالرغم من قيام تلك الانتفاضات في التاريخ الكردي ولكنهم لم يكونوا بذاك التنظيم والأيديولوجية الكافية للاستمرارية. فالحركة المعتمدة على أيديولوجية تحرير الشعب ولأجلها القيام بالكفاح المسلح والعمل السياسي، هي التي أحرزت مقاومة طويلة الأمد.

وأكبر مثال يتجسد الآن في واقعنا الشعب الكردي الذي قام بنضال مستمر من أجل القدرة على العيش بحرية، حيث أنهم واجهوا جميع أنواع التشريد والإبادات والتعذيب ومنعوا حتى من التحدث بلغتهم. فظهور شخصية كالمفكر عبد الله أوجلان حيث أن القائد استمد الإيمان من قوة وإرادة الشعب الذي يتطلع للحرية، وبإرادة الشعوب تنهار وتهزم أقوى الإمبراطوريات وأعظمها، فتلك الانتصارات وصلت لقمة النجاحات.

وقدم القائد المعنويات والحماس من أجل تسيير النضال الدؤوب، حيث إن القائد استفاد من تجارب وانتصارات حرب الشعوب الثورية، وإن الطرق والأساليب التي استخدموها هي التي ساعدت في الكفاح ولكن هذه الأساليب تتطلب نضالاً مختلفاً حسب ظروف كل بلد، ولكن الاستراتيجية الأساسية هي الحرب الشعبية طويلة الأمد ولكن يتضمن تنفيذها وفق ظروف بلادنا ومناطقنا.

فإننا نرى إن جميع النضالات العظيمة لم تستطع إنقاذ نفسها والتخلص من مفهوم الدولة القومية، لذلك لم تتمكن الحركات التحررية الوطنية من فصل نفسها عن أيديولوجية الدولة القومية. فحزب العمال الكردستاني لم يكن مثل الحركات التحررية الوطنية الأخرى أبداً، حيث أنه كان دائماً مرتكزاً على تطبيق الاشتراكية ضمن مجتمع حر ومتساوٍ. لذلك عندما انهارت الاشتراكية المشيدة لم يتأثر الحزب بل على العكس تماماً، أصبح أقوى وأكبر حيث إن أمور النضال كانت لعدة سنوات على نفس الوتيرة ومسانده الشعب في خطوات الثورة والسير على خط الحزب.

وبسبب التأثير الذي حصل بين صفوف الشعب والمواقف السياسية، حيث قامت دولة الاحتلال التركي بالانقلاب العسكري في 12سبتمبر 1980والبدء بعمليات الهجوم والإبادة الجماعية ضد الحزب والشعب الكردي وفي ظل تلك الظروف والمرحلة العصيبة، كان من الصعب والمستحيل تطوير وتنفيذ حرب الشعب الثورية. حيث قام القائد والمفكر عبد الله أوجلان بتغيير استراتيجية النضال وتم تحديد استراتيجية حزب العمال الكردستاني في سياق واسع حيث أصبحت “الحرب الشعبية الثورية طويلة الأمد”.

حيث إن النضال بدأ بأيديولوجية بناء دولة (كردستان مستعمرة)، فكانت تلك الاستراتيجية تنفيذها صحيح في ذلك الوقت. فاستراتيجية الحرب التي عاشها الحزب والشعب خلال الفترة الأولى والثانية تحت تأثير الاشتراكية المشيدة، والتغيير في البراديغما وإنشاء براديغما نظام الأمة الديمقراطية الآن؛ هي الاستراتيجية الصحيحة والوحيدة التي سوف تؤدي إلى التغيير في سير المرحلة القادمة ومستقبل الشعوب. ومع مبدأ حرب الشعب الثورية وتحديثها وفق الوضع الراهن سيتم العمل على أساليب وتكتيكات تتناسب مع المرحلة والابتعاد عن الأساليب والتكتيكات القديمة، لأنه مع تغيير وتحديث تلك الأساليب والتكتيكات القتالية سوف يطور العدو من نفسه.

لذلك وبالطرق والتجارب التي حدثت منذ عدة سنوات أوضحت تجربة الكريلا وأسلوب قتالهم من حيث التنظيم واستخدام التكنولوجيا حققوا أفضل الانتصارات والتصدي للعدو الذي لديه أفضل وأحدث التقنيات والأسلحة. 

الاستراتيجيات الأساسية

ففي استراتيجية الفترة الثانية كان هناك ثلاث استراتيجيات: الأولى: وهي فترة الدفاع الاستراتيجي، والثانية: هي فترة التوازن الاستراتيجي، والثالثة: هي فترة الهجوم الاستراتيجي. ففي فترة الدفاعات الاستراتيجية كانت حركة نضال الشعب ضعيفة وغير منظمة ولا تمتلك القدرة على القيام بفعاليات ذو نشاطات قوية ضد العدو، أما في فترة التوازنات الاستراتيجية، حيث أصبح التنظيم النضالي للشعب أقوى وذو تأثير كبير وضرب قواعد العدو على الجانب العسكري وإضعاف نفوذه بين الشعب. حيث أصبح العدو غير قادر على حل المشاكل وبعيد عن قوة الحل حيث أنه في هذه المرحلة أصبح العدو يفقد السيطرة، وهذا ما أدى إلى خلق توازن لفترات طويلة في أغلب الأماكن، أما بالنسبة للهجمات الاستراتيجية التي توافقت الانتفاضة معها، حيث أن العدو قد دخل في وضع الدفاع وقوات الگريلا في حالة الهجوم وأثناء هذه الفترة كان للتنظيم الشعبي دوراً بارزاً وهائلاً وقوياً.

حيث إن 15 أب 1984 م كانت الخطوة الأولى والطلقة الأولى لشن حرب الشعب الثورية إلا أن القائد وصفها بـ “الخطوة المتأخرة”، وبالرغم من ذلك فإن تلك العملية كانت أسطورية وغيرت مجرى التاريخ، فمن هذه العملية أصبح النضال والمقاومة والتضحيات بأعلى مستوياته، وإثبات الوجود الكردي ونصرته من حيث أن الشعب شارك النضال بكافة فئاته وأطيافه وشرائحه، حيث أن المرأة الكردية كانت من أكثر الفئات التي انضمت وشاركت الثورة ولعبت دوراً كبيراً وخاضت نضالاً عميقاً وعظيماً ضد كافة أنواع الإبادات وصهر الثقافة واللغة.

نضال المرأة الكردية

لقد عانت المرأة الكردية الكثير والكثير من الآلام والويلات ولكنها أثبتت بقوة وإرادة المرأة وعزيمتها الانتصار على العدو وذلك من خلال مشاركتها النضالية والتمثيل في صفوف حزب العمال الكردستاني وتشكيل جيش خاص بالمرأة، واستمرت المرأة بالنضال والكفاح وتأسيس جيش المرأة على الصعيد العسكري وعلى الصعيد التنظيمي والسياسي.

طوّرت من نضالها والمسميات لم تعد تكفي الأعداد التي تساهم وتشارك في العملية النضالية والتنظيمية لتشكل من العمل التنظيمي نهج وأساس للمرأة الحرة. ففي عام 2011 م بدأت الاحتجاجات تتصاعد حيث أن تلك الاحتجاجات كانت تعبر عن مدى الضغط الممارس على الشعب ولم تتوقف وتيرة الاحتجاجات وكانت في تزايد مستمر وحملات القمع العنيفة مستمرة.

ففي مناطق روجآفا تصاعدت وتيرة الانتفاضة الشعبية التي تحولت فيما بعد إلى انتفاضة ثورية لتكون الجزء الأوسع من الحراك الثوري السوري. وفي عام 2012 م وبعد إعلان وحدات حماية المرأة وYPG jتم تحريرالمدن من المؤسسات البعثية. حيث استمرت قوات حماية الشعب الكردية في تقدمها إلى أن تم تحرير باقي المناطق.

وفي عام 2014 م ومن خلال العملية الانتخابية تأسست المجالس الشعبية وتمت مصادقة العقد الاجتماعي الذي اعتمد العيش المشترك بين المكونات كشرط أساسي في روجآفا. وإثر ذلك نظم السكان التجمعات المحلية، وأعادوا فتح المدارس وانشأوا المراكز المجتمعية، والتكاتف في مواجهة تنظيم داعش وتحرير المناطق التي سيطرت عليها وكان للمرأة الدور البارز في ذلك، للإطاحة بتلك الذهنية المظلمة التي كان يمليها هذا التنظيم “الذهنية الجنسوية” تجاه المرأة.

فهذه الثورة سميت بثورة المرأة استناداً على الأدوار النضالية العظيمة القيّمة والممارسات العملية والتضحيات التي قدمتها والميراث النضالي المستمد من فكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان. إن الوقفة التي تبديها المرأة من خلال مشاركتها في جميع ساحات الثورة كالساحة السياسية والتنظيمية والتدريبية والحياتية وحتى العسكرية، هي ميراث المرأة التي كان لها الدور الأهم في الثورة النيوليتية وخُلق اجتماعية المجتمع وتطوير الإنسان والطب والصناعة والزراعة وغيرها من مجالات الحياة.

وعلى الرغم من أن المرأة هي الأكثر تضرراً وقمعاً جراء الذهنية الذكورية خلال 5000 سنة وعلى وجه الخصوص المرأة الكردية، ولكنها بنفس الوقت رفضت واقع العبودية عليها وناضلت وقاومت من أجل وجودها فهي مستعدة للنضال والتضحية من أجل خلق حياة حرة.

فالذهنية البطرياركية عبر 5000 سنة هي التي دفعت بالمرأة بالابتعاد عن قيمها وجوهرها وهويتها، وخلق شكل وهيكل للمرأة تقبل بالعبودية وهذا النموذج من المرأة تم خلقه لاستخدامه ضد المرأة المناضلة والمقاومة. ولكن فكر وفلسفة القائد الذي يبرز ألوهية المرأة وقيمها، ساعد في توعية المرأة أكثر لذلك نستطيع القول إن توعية المرأة من أهم الأعمال التي يجب القيام بها لخلق المرأة المناضلة، كـ أمثال: الشهيدة ساكينة جانسيز التي كانت من أولى النساء اللواتي انضممن إلى صفوف الحركة التحررية الوطنية الكردستانية.

قد كانت من الشخصيات النسوية القويات والمصرات على نجاح مسيرة الحرية. حيث لعبت دوراً هاماً في جميع الساحات، بدءاً من المقاومة التي أظهرتها في السجون التركية ضد الفاشية وكذلك سعيها في توعية الشعب، وكانت في الطليعة الأولى لتمثيل الحرية من خلال التحلي بفكر وأيديولوجية المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان.

نستطيع القول؛ بأن الحركة التحررية الوطنية الكردستانية تمتلك الكثير من الأمثلة البارزة للعظيمات اللواتي تحولن إلى رمز للمرأة المناضلة والحرة وبقين مشاعل نور تنير درب المرأة المظلومة. وتاريخ المرأة حافل بتلك النساء العظيمات مثل: الرفيقة ساكينة جانسيز وشرفين وبيريفان وهفرين وليلى وبيريتان …الخ

إن المرأة الكردية نظّمت نفسها في روجآفا من خلال تنظيمها اتحاد ستار في بادئ الأمر ونتيجة توسع العمل النضالي وانضمام نساء من مكونات أخرى لها فكان من الضروري أن تكون لها مظلة تنظيمية تحوي أهدافها وطموحاتها نحو التحرر وتحولت بعدها إلى كونكرا ستار. حيث أن هذا النضال توسع أكثر تزامنا مع الثورة ولعبت دوراً هاماً في النضال العام للحركة المتمثلة في حركة المجتمع الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي وفي الوقت نفسه لعبت دوراً هاماً في توعية المرأة بصدد كيفية امتلاكها للإرادة وحماية قيمها وضمان حقوقها من خلال دورات تدريبية ضمن هذا المضمون حيث أن أهم الفعاليات التي قامت بها هي تطوير الوعي والفكر والمعرفة لدى المرأة.

فالمرأة الكردية في روجآفا وصلت إلى مستوى متطور من المعرفة والخروج من القوالب والعادات والتقاليد التي فرضها المجتمع الاقطاعي، والتي كانت تعيق قيام المرأة بدورها الفعال وتعيق تقدمها وتطورها فمن خلال تنظيمها لذاتها في حركة خاصة بها من خلال الاستناد إلى المعرفة والوعي الذين اكتسبتهما وفي الوقت نفسه دعم هذه الحركة الخاصة بالمرأة، وعدم حصرها على المرأة الكردية بل العمل على توعية وتطوير جميع نساء شعوب العالم العربية والشركسية والتركمانية والمسيحية والشركسية ورفع مستوى الوعي والإدراك والمعرفة فمن خلال التدريب والتوعية لأجل إيصالهن إلى سوية تمكنهن من صون حقوقهن في المجتمع، لا تزال تكافح وتناضل.