مقاومة الشعوب… وحرب الشعب الثورية – ريحان علو
مقاومة الشعوب… وحرب الشعب الثورية
“انضمام النساء إلى ثورة الحرية بإرادة وإصرار
وعزم كبير منبثق من ارتباطهن بالقيم الوطنية.
فالتاريخ حافلٌ بتضحيات النساء اللواتي حاربن وناضلن
ضد الذهنية الرجعية والاستبدادية والظالمة
والسلطوية والمتحكمة بعنفها وشدتها”
ريحان علو
مرّ التاريخ الإنساني على مدى العصور الطويلة بالكثير من الانقلابات الحياتية والصراع الطويل بين الحرب والسلم وبين مختلف الشعوب بهدف ضمان وجودها، ولا سيما بعد الحروب العالمية التي جلبت معها الكثير من الويلات، فقد قضت على الشعوب وجردتها من كل شيء بالمقابل ظهرت دول وأنظمة أخرى اعتشت وبنت نفسها على حساب دماء وتضحيات شعوب أخرى.
في يومنا الحالي نحن بحاجة ماسة إلى ذهنية جديدة تقوي وتعزز دور الشعب في حماية وجوده ويتجسد بآلية الدفاع المشروع بسبل متعددة لتنظيم ذاته وحماية وجوده وهويته وثقافته وتاريخه على أساس حرب الشعب الثورية. إن الحرب تمثل حالة الصراع المستمر بين قوى مختلفة تهدف إلى تقوية نفوذها سواء بالسيطرة العسكرية والسياسية أو عن طريق الاحتلالات الجغرافية والثقافية. ففي الآونة الأخيرة انحطت هذه الصراعات إلى مستوى متدني جداً من الأخلاق لا تفرق بين طفل وامرأة ولا شيخ كبير في السن. فهي تقتل بدم بارد وتفتك بالطبيعة دون أن يرف لها جفن. فقد ابتعدت أساليب الحرب الحالية بشكل كلي عن مبادئ الأخلاق المجتمعية لذلك يتطلب إنشاء مجتمع مدرك لهذا الواقع ليحمي وجوده بتنظيم نفسه على أساس حرب الشعب الثورية التي تعتبر استراتيجية عسكرية تأخذ دعمها من انضمام الشعب إلى الثورة ودعمه لقواته العسكرية وانتهاج الثورة الشاملة بانضمام الشعب بكافة فئاته لمواجهة مختلف الظروف.
الشعب الكردي والإبادة
إننا ندرك تماما أن الشعب الكردي منذ بداية وجوده تعرض لشتى أنواع الصهر ومحاولات الإبادة من قبل الأنظمة الحاكمة، بالمقابل تاريخه حافل بالثورات والانتفاضات منذ انتفاضة كاوا الحداد ضد طاغية عصره والمقاومة مستمرة حتى يومنا هذا، ولم يقبل بالاستسلام بل ناضل بروح وطنية عالية مرتبطة بمبادئه ضد أعدائه، ولكن النضال الأبرز الذي خاضه الشعب الكردي وما يزال كان إثر اتباع نهج الأوجلانية والحركة التحررية الوطنية الكردستانية، التي بدأت منذ حوالي خمسين عاماً وأكثر بتنظيم الشعب من كافة النواحي وارتكز النضال على استراتيجية قوية متكاملة استطاعت أن تبني قوة شعبية كبيرة تهابها أقوى الأنظمة العالمية. فقد استندت أولاً: على تقوية مبدأ الدفاع الفكري وتنظيم الشعب من كافة الأعمار بين الرجال والنساء. فالشعب المنظم والمدرك والواعي لمعنى قضيته سيناضل بكل قوته وسيستمر حتى آخر نفس ورمق. فالقارئ للتاريخ وحقيقة الوجود الكردي في التاريخ يدرك أنه شعب أصيل وصاحب قضية وله تاريخ حافل بالمقاومة والنضال.
إن الركيزة الثانية: والتي اعتمدتها الحركة التحررية الوطنية الكردستانية هي تقوية آلية الدفاع السياسي الديمقراطي للشعب. فالقضية الكردية في الشرق الأوسط أيعنت بفضل المحاولات الحثيثة التي قام بها الشعب لنيل حقوقه المشروعة بأساليب الدبلوماسية والسياسية سواءً بالانتفاضات الشعبية وتطوير البنية التنظيمية الشعبية مقابل أنظمة الحكم التي تجاهلت وجود شعب عريق يناضل من أجل هويته وحريته.
والركيزة الثالثة: توجت الحركة التحررية الوطنية الكردستانية النضال الفكري والسياسي للشعب بالكفاح المسلح الذي أصبح ضرورة حتمية لاستمرار وجوده ولضمان حريته بإرادة الشعب المنظم على مبدأ الدفاع المشروع، والذي أسهب المفكر عبد الله أوجلان في شرحه ضمن مرافعته “الدفاع عن شعب” وخاصة وجود ذاك الكم الهائل من الهجومات الفكرية والسياسية والقمعية والإبادات الثقافية على الشعب الكردي.
هنا يتحتم على كل فرد وعائلة الانضمام لهذا الكفاح الطويل الأمد في سبيل التخلص من الاحتلال وضمانة حريته كمجتمع وحرية كل الشعوب المناضلة. اعتمدت الحركة التحررية الوطنية الكردستانية أسلوب الحرب المتحركة “حرب العصابات” والمجموعات الصغيرة وألحقت خسائر فادحة بالعدو. كما كانت هناك ثورات كثيرة للشعوب اعتمدت هذه الاستراتيجية وانتصرت، منها؛ حرب الشعب الفيتنامية ضد فرنسا وأمريكا وخاصة عندما أشركوا الطبيعة والأرض بهذه الثورة عبر حرب الأنفاق التي استنزفت قوة العدو، كذلك الحرب الشعبية الصينية ضد اليابان لمدة 6 سنوات وانتهت بنصر الصين وحرب الشعب النيبالية التي أطاحت بالحكم وقتها. كما أن انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل هي مثالاً لمبدأ مقاومة أطفال الحجارة وبالسلاح الأبيض في وجه الدبابات والأسلحة والتكنولوجيا المتطورة.
سياسة القمع والاضطهاد
كما الأمر في الأجزاء الأربعة من كردستان وخاصة في باكوري كردستان، رغم سياسة القمع والاضطهاد الممارس من قبل النظام الحاكم ما زالت شعلة الشعب الثورية المتمردة ضد الفرمانات ومحاولات الإبادة موجودة، والدور البارز في تقديم الكثير من التضحيات كانت للمرأة والأمهات بالذات. فكان انضمام النساء إلى ثورة الحرية بإرادة وإصرار وعزم كبير منبثق من ارتباطهن بالقيم الوطنية. فالتاريخ حافل بتضحيات النساء اللواتي حاربن وناضلن ضد الذهنية الرجعية والاستبدادية والظالمة والسطلوية والمتحكمة بعنفها وشدتها. فمنذ انضمام الشهيدة والرفيقة ساكينة جانسيز التي دونت الثورة لتكون ثورة فكرية عمادها المرأة لتغيير الذهنية السائدة والنضال ضد المجازر اليومية التي ترتكب بحق المرأة والمجتمع، بتقوية النضال على أساس الإرادة الحرة التي لا تقبل التبعية.
بعدها توالت انضمام الكثير من النساء والفتيات ومن كافة المكونات لصفوف الحركة، وحتى الأمهات وحتى وصلت الروح الوطنية إلى درجة أن ينضم كافة أفراد العائلة بكاملها. وتعتبر نضال الرفيقة بريڤان – بنفش آگال الأيزيدية في جزيرة بوتان مثال للروح الوطنية لدى المرأة المرتبطة بالأرض لأقصى حد، وقد أثرت بشكل كبير بالشعب و‘ثر استشهادها انتفض الشعب وبدأت الانتفاضات الشعبية العارمة ضد الظلم والاحتلال التركي. ومشاركة المرأة في ساحة الكفاح المسلح أخرجت قوتها الإدارية والعسكرية والقيادية، وشخصية الرفيقة والشهيدة الفدائية بريتان – گلناز كرا تاش التي ارتقت إلى مستوى العظمة وفضلت أن تقاوم وتقوم بالعملية الفدائية بدلاً من الاستسلام للخونة. من هنا فنهج الشهيدة بيريتان هو نهج المقاومة وعدم الاستسلام لأي قوة تتحكم بالمرأة والمبادئ. فالرفيقة بيريتان أسست حجر الزاوية لتشكيل الجيش الخاص بالمرأة. وإلى الآن ذكرى مقاومة الشهيدة بيريتان هو رمز لبدء كفاح المرأة في وجه الظلم والعبودية. ولا يمكننا ألا نلفت النظر إلى العملية الفدائية التي قامت بها الشهيدة زيلان – زينب كناجي ودبت الرعب في صفوف العدو متنكرة بزي امرأة حامل، وألحقت بهم خسائر فادحة وكانت جواباً ضد المؤامرات التي تحاك ضد القضية الكردية. وهنا يتمثل أمامنا أن الإيمان والعقيدة لدى الشعوب الحرة هي القوة التي لا تُهزم أبداً وستنتصر مقابل أقوى الجيوش، والتجارب التاريخية تؤكد ذلك.
الثوري والثورة
إن الثورة والنضال ليس منحصراً على الكوادر والقادة والنخب الثورية بل يتوجب على جميع فئات المجتمع التمتع بذهنية المقاومة ضمن أقسى الظروف والابتعاد عن الرفاهية، فالكل ملزم بحماية ذاته في سبيل كرامته وقد خاض الشعب في أربع أجزاء كردستان، هذه المقاومة بروح وطنية عالية وقفوا بوجه الدبابات وهناك الكثير من النساء وصلن إلى مراتب الشهادة وهن يتبعن نهج المقاومة وسيظللن أيقونات خالدات في مسيرة الثورة. ومنهن الأم “طيبت – تيبت” في باكور كردستان والمناضلات الثلاث في مقاومة جزيرة بوتان 2016 فاطمة وسيفي وپاكيزة اللواتي اسُتهدفن بسبب مزاولتهن النشاط السياسي والاجتماعي لمجتمعهن. قدمت مناطق روجآفا أمثلة حيّة لحرب الشعب الثورية والنضال ضد كل القوى الرجعية سواء جبهة النصرة وقوى داعش الظلامية، وفصائل الجيش الحر، وقوات النظام، وقوات الاحتلال التركي، ومن يدعمهم من قوات إرهابية، والتي تهدف إلى زيادة سيطرتها في المنطقة وحماية مصالحها والقضاء على بؤرة الثورة.
وبنفس الوقت استخدام الكثير من الأشكال المتعددة والتحالفات المبطنة ولكن كل هذه الهجمات تم مواجهتها بمقاومة قوية من قبل الشعب وكل المكونات، حيث حملوا السلاح وأخذوا على عاتقهم باقي الواجبات الثورية والوطنية. وهناك مقاومات حية لا يمكن للتاريخ أن ينكرها، منها؛ نضال الأم “گولى سلمو” في حي الشيخ مقصود التي وصلت إلى مرتبة الشهادة والمئات من النساء سرن على هذا المبدأ. وبالأحرى في مقاطعة عفرين شهد التاريخ مقاومة العصر للشعب في مواجهة هجومات الاحتلال التركي على حدود عفرين، وارتقاء الأم “فاطمة حاجي” إلى مرتبة الشهادة، وهي ترفض أن تتعرض مدينتها للاحتلال. تلك المدينة التي قاومت لمدة 58 يوماً برجالها ونساءها. والشيء المؤثر أيضاً هو التفاف كافة فئات الشعب من المناطق الأخرى في روجآفا دعماً لتلك المقاومة العصرية والتي لم تحدث في أي تاريخ للثورات.