بتكاتف النساء سنبني سوريا ديمقراطية – فوزة يوسف – عضوة الهيئة الرئاسية في حزب الاتحاد الديمقراطي
بتكاتف النساء سنبني سوريا ديمقراطية
“إنّ الأحداث التي تجري في سوريا لن تؤثر على المرأة السورية فقط،
بل ستؤثر على جميع نساء العالم،
وعلينا أن نحلل الأوضاع بهذا الوعي ونتخذ التدابير اللازمة،
نحن بحاجة لنقل ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا إلى كافة المناطق السورية،
يجب أن نحمي النتائج المحققة في شمال وشرق سوريا،
يجب أن نناضل بكافة السبل، من الناحية الأيديولوجية والتنظيمية والسياسية”
فوزة يوسف
عضوة الهيئة الرئاسية في حزب الاتحاد الديمقراطي
كان عام 2024 عاماً مهماً جداً بالنسبة لقضية المرأة ومصير الشعوب. فالحرب العالمية الثالثة تواصلت بأعلى وتيرة وكان لذلك تأثير مباشر على وضع المرأة والشعوب. الحداثة الرأسمالية التي بدأت بهذه الحرب، تهدف إلى نشر قواها في العالم بشكل أوسع وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط. هذه الحرب تطورت ودخلت إلى مرحلة جديدة خلال عام 2024. خاصة وأن الحرب في كل من غزة وكردستان وأوكرانيا قد أوضحت أنّ النظام الرأسمالي وبدلاً من حلّ الأزمات وإنهاء الصراعات يعمل على تجذير الأزمات ونشرها على نطاق أوسع. يمكننا أن نرى ذلك بوضوح من خلال الوضع القائم في كل من غزة وسوريا اليوم. بمعنى آخر، إن هذه القوى المشاركة في هذه الحرب، ورغم إنكارها، لا تختلف عن بعضها البعض أيديولوجياً.
في الواقع تتصارع العنصرية والدينوية في منطقتنا اليوم، ويمكن القول بأنّ كلاهما أدخلا شعوب المنطقة في حرب طاحنة، يتم من خلالها الحطّ من شأن المرأة والشعوب عبر هذه الأيديولوجيات. يمكن رؤية هذه الحقيقة بوضوح شديد من خلال النهج الذي تتبعه حركة حماس لحل قضية فلسطين، وكذلك في نهج إسرائيل لحل هذا الوضع، لأن الطرفين لم يتحررا من هذه الازدواجية والعنصرية والدينية، لذلك نجد أنه يوماً بعد يوم تزداد شدة الصراعات. هناك بالفعل صراعٌ شاملٌ في منطقتنا. جميع القوى تريد السيطرة عليها. هذه الحرب هي حرب بين إسرائيل وتركيا، وبين تركيا وإيران، هناك صراع كبير، والقوى الدولية تستفيد من هذا الصراع، كونها تهدف للهيمنة على المنطقة، ولكي تعزز قواها في المنطقة فإنها لا تريد إيقاف هذه الصراعات ووضع الحلول للأزمة.
هذه القوى الدولية تعمل جاهدة على تعميق هذه الأزمات والصراعات. وفي كل مرة يدعمون قوة ما ضد قوة أخرى لمواصلة هذه الحرب. وإلى حد ما، دعم الأتراك ضد الشعب الكردي، ودعم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك دعم تركيا لحماس، ودعم إسرائيل ضد لبنان. والهدف الأساسي هو سيادة هيمنتها في المنطقة. ومن المؤسف حقاً أنّ ضحايا هذه الحرب هم أبناء المنطقة من النساء والأطفال. نلاحظ ذلك جيداً من خلال حالة غزة، فعندما هاجمت حماس على إسرائيل كان الأطفال والنساء هم الأكثر ضرراً من تلك الحادثة، ففي الهجوم الأول تم استهداف أطفال اليهود، وبعدها إسرائيل تنتقم من الشعب الفلسطيني، هذه الحرب لا تقتصر على حماس فحسب، بل إنّ الآلاف من الأطفال والنساء وقعوا ضحايا لهذه الحرب.
الحالة نفسها نراها في كردستان أيضاً، فالحرب التي تشنها تركيا اليوم ضد الشعب الكردي أدت إلى فقدان العديد من الأطفال والنساء لحياتهن وأصبحن ضحايا للحرب. كما نتجت عن هذه الحرب تأثيرات كبيرة من النواحي الاقتصادية والنفسية والاجتماعية. لأنّ أكثر المتضررين من هذه الحروب هم النساء والأطفال، فهما الفئتان اللتان لا تمتلكان سبل الحماية، وتتحملان عواقب الحرب الوخيمة بما في ذلك المجاعة. ولهذا السبب؛ مئات الآلاف من الأطفال انقطعوا عن الدراسة، وهذا يدل على أنّ هذه الحروب تستهدف النساء والأطفال بالدرجة الأولى.
بطبيعة الحال؛ فإنّ النضال والدفاع المشروع الذي نخوضه ليس دون مقابل، ففي عام 2024، تمّ استهداف العديد من النساء الثوريات القياديات، وبرزت نساء طامحات للحرية، وأيضاً في نهاية عام 2024، ومع الهجمات على سوريا ووصول هيئة تحرير الشام واستلائها على السلطة، والهجمات التي حدثت على مناطق الشهباء ومنبج، وكذلك الوضع الذي خلق الفوضى والصراعات الداخلية، كان لكل ذلك عواقب مزرية على المنطقة.
ففي الشهباء قُتلت نساء وقُطعت رؤوسهن، وفي منبج اختُطفت نساء وتعرّضن للاغتصاب. كما قُتلت نساء عالِمات في دمشق، وفي حمص حُرمت العديد من النساء اللواتي كن قاضيات من وظائفهن في المحاكم القضائية. أي أنّه إذا نظرنا إلى الإحصائيات النهائية لعام 2024، يتضح مدى تعرض المرأة لهجمات عديدة. هذه القوى الاستبدادية والعنصرية والدينوية تنتقم من المرأة أكثر من غيرها، لأنهم ينظرون إلى المرأة نظرة دونية ويعتبرون حريتها كفراً، ولهذا السبب فإنهم يتعاملون معها بأساليب لا وجدانية ولا أخلاقية. هذه الحقيقة تتوضح أكثر من خلال الأحداث الأخيرة وطريقة تعاملهم مع المرأة الكردية، والمرأة في تجمع نساء زنوبيا، وعضوات قوى الأمن الداخلي، ومع المقاتلات في وحدات حماية المرأة YPJ، وكذلك الحديث الذي دار بينهم وبين الأسيرات، والتنكيل بأجساد الشهيدات.
هنا ندرك تماماً أنّ هذا الفكر المتطرف والهمجي لا يتقبل أبداً مفهوم حرية المرأة، وهذا ما تم الكشف عنه خلال عام 2024. هذا النظام يستهدف المرأة بكافة الأوجه، نفسياً وفيزيولوجياً وفكرياً. من هنا؛ نحن كحركات نسائية فلنستعد لهذا الوضع، وعلينا عدم نسيان أننا سنقدم تضحيات جسيمة في مسيرتنا النضالية. فالحرية لا تأتي مجاناً، فلا حرية بدون كفاح. وقد تكون بدائل هذا النضال ثمينة للغاية ولكن لا ينبغي لنا أن نتراجع خطوة واحدة للوراء. إنّ أيّ خطوة إلى الوراء تقودنا للموت حتماً، فالاستشهاد في مسيرة الحرية خيرٌ لنا من أن نكمل حياتنا كلها تحت ظل نظام عبودي وقمعي.
إننا نرى أنّ العديد من النساء ينتحرن، وما يدفعهنَّ للانتحار سببه هذا النظام الظالم. لماذا سننتحر؟ بل على العكس من ذلك من المفترض أن نقاوم. وحتى وإذا استشهدنا ضمن نضال الحرية يجب ألا نتردد في السير قدماً. لن نتمكن من بلوغ الحرية بالبكاء والشكوى، كلما كانت إرادتنا قوية، ووسّعنا انتفاضتنا، ورفعنا من وتيرة تمردنا وانتقامنا، كلما زادت قدرتنا على حماية حقوقنا المشروعة، فلا أحد سيمنحنا حقوقنا، كما أنّه لا أحد سينظر إلى دموع عيوننا.
على هذا الأساس؛ نحن نواجه عملية تغيير ومرحلة جديدة، هذه العملية تتطلب منا أن نكون قويات وصامدات، أي أننا كنساء نحتاج إلى تعزيز نهجنا التحرري، نحتاج حقاً للتصعيد من إيماننا بالحرية. علينا كنساء أن نتحلى بإرادة قادرة على خوض العملية بعزم، للوقوف في وجه هذا الخطر وحماية مكتسبات ثورتنا (ثورة المرأة). لذلك، من المهم جداً أن نعزز نظام الحماية والدفاع المشروع. أي الحماية من كل جوانب الحياة؛ الحماية الجسدية، الحماية القانونية، الحماية الثقافية، الحماية الاجتماعية، والحماية الفكرية. علينا أن نتسلح من كل الجوانب. إنّ “نظرية الوردة” نحتاجها أكثر من أي وقت مضى، فبالرغم من جمال الوردة لكن لديها أيضاً أشواك تحمي بها نفسها. وهذا يعني أنّه يجب أن نطبق هذه النظرية من الجانب العملي، وأن نفهمها جيداً، وأن نوعي أنفسنا على هذا المبدأ.
مع دخولنا عام 2025، واجبنا الأول كنساء سوريات هو الجلوس معاً والتشاور على هذا الوضع الراهن. يجب أن نضع خطة مشتركة، فلنضع تقييماً للوضع الراهن، ونناقش كيفية تسيير نضالنا معاً من الآن فصاعداً. لأنّه قبل ذلك لم نستطع أن نجتمع معاً بسبب وجود النظام البعثي الذي كان يمنع ذلك، والآن الوضع معقد والحجارة لم توضع في مكانها المناسب بعد. ولهذا السبب نحتاج إلى تشكيل تنظيمنا اليوم، لربما سيكون صعباً تشكيله في الغد. نحن بحاجة إلى إقامة منصات نسائية لمناقشة الوضع الراهن، وبالأخص المنصات الفكرية ونكثر من منصات التواصل فيما بيننا.
كنساء، يجب علينا التكاتف وتوحيد الأهداف، كما يجب أيضاً تأكيد سبل النضال في هذا الوقت. يجب أن نعرف أكثر من أي وقت مضى أن تنظيمنا هو خلاصنا، فبقدر ما نكون منظمين، بقدرها سنعزز كفاحنا وجهودنا المرحلية. يجب أن نكون في خضم الانتفاضة الآن. إن لم نظهر إرادتنا الموحدة فلن نتمكن من ضمان حقوقنا في دستور سوريا الجديدة والديمقراطية والمستقبلية، وإن لم نظهر مواقف حازمة، فإن هذه القوى الأبوية ستُحكم ذهنيتها علينا وتخنقنا. ولمنع حدوث ذلك، من الضروري أن نكون على دراية تامة وعلمية، وأن نرفض كل الممارسات المجحفة بحق المرأة.
من المهم جداً أن نكون فعالات، وأن نكون نشيطات في المجال السياسي ضد كل ما يُرتَكبُ بحق النساء، علينا إبراز مواقف حازمة في نفس اللحظة وألا نبقى صامتين. لا ينبغي أن تنحصر احتجاجاتنا في مدينة واحدة، بل يجب أن تشمل كل المدن، حتى لا نسمح لهذا النظام الأبوي بالسيطرة وفصل بعض النساء عن النساء الأخريات. على الرغم من أنّ هذه الحرب لها أبعاد كثيرة ومنها البعد العالمي، ولكن مرة أخرى نجد أن هذه الحرب تتمركز في الشرق الأوسط وكردستان بالذات. إنّ هذه الحرب التي تجري في منطقتنا لها تأثير كبير على سوريا وإيران والعراق وتركيا والدول المجاورة. ولأنّ القضية الكردية لم يتم حلها فإن أكثر من يتأثر بهذه الحرب هي المرأة الكردية والشعب الكردي، كما وتتأثر أيضاً النساء العربيات والفارسيات والتركمانيات والمكونات الأخرى، ولكن لأنّ النساء الكرديات لديهن قضية الهوية الوطنية، وقضية الحرية، لذا فإنهن يواجهن عواقب أكثر خطورة وبأضعاف.
وكما تابعنا جميعاً المجريات السابقة؛ إسرائيل عملت على إضعاف إيران في الشرق الأوسط ولهذا قامت بشن هجمات مكثفة على لبنان، أدى هذا الهجوم إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات، وتُركوا في مواجهة مشقة مأساة النزوح بلا مأوى. كانت هذه صدمة كبيرة للعديد من النساء، مثل النساء اللبنانيات والنساء الكرديات اللاتي يعشن هناك. مع استمرار هذه الحرب وفي نهاية عام 2024، هاجمت الدولة التركية ومرتزقتها مناطقنا. تفاوتت هذه الهجمات بطرق وأساليب مختلفة، ولكن في نهاية العام يمكن القول بأنّ الهجوم على الشهباء وتل رفعت على وجه الخصوص تسبب في تهجير 8000 شخص معظمهم من النساء والأطفال واجهوا حالة النزوح للمرة الثانية. وحتى الآن يضطر آلاف الأشخاص للإقامة في المدارس في شمال وشرق سوريا. هذا الوضع يحرم آلاف الأطفال أيضاً من العملية التعليمية.
لماذا نركز على هذه القضايا كثيراً؟ لأنّ هذه الأحداث والقضايا ستفتح جروحاً كبيرة في المجتمع مستقبلاً، كما ستفتح فجوات عميقة أمام العديد من الأزمات الكبيرة. اليوم لا تقتصر هذه الحرب على منطقة محددة بل ستتوسع رقعتها. وهذا أيضاً أمر هام يحتاج إلى التقييم والمعالجة.
بالإضافة إلى ذلك، وكما هو معروف، في نهاية عام 2024، سيطرت هيئة تحرير الشام على سوريا وسقطت حكومة الأسد. هذا الحدث كان الأكثر تأثيراً في نهاية العام سواء بالنسبة لسوريا أو للمنطقة ككل. كان مثل البرق، كان مثل الزلزال، هزّ العديد من الأطراف، وانقلبت العديد من الموازين. اليوم في سوريا هناك خطر وخوف كبير من تشكيل دولة دينية تعصبية وفق مفاهيم الشريعة المتشددة. وعلى هذا الأساس فإنّ الحقوق التي اكتسبتها المرأة والتقدم الذي تم إحرازه بات في خطر كبير. هذا الوضع له العديد من العواقب الخطيرة. نستطيع أن نقول بكل بوضوح؛ أنّ ثورة المرأة القائمة منذ سنوات لاتزال مستمرة واتخذت العديد من الخطوات الملموسة من أجل حرية المرأة في شمال وشرق سوريا، ولا تزال تواجه العديد من المخاطر. هناك خطر حقيقي لإفشال هذه الثورة، ومن المهم جداً تحليل هذه الحقيقة وكيف بوسعنا كنساء أن نقف ضد ذلك ونحمي ثورتنا.
ما يجري في سوريا سيؤثر على كافة النساء في المنطقة. بمعنى آخر، أثرت ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا على منطقة الشرق الأوسط برمتها، كما استفادت التنظيمات النسائية في المنطقة من تجارب ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا، وعلى هذه الأرضية قاموا بتطوير نضالهم في بلدانهم، لأنّ تقدّم المرأة في أي منطقة من العالم سيؤثر وبشكل إيجابي على النساء الأخريات وسيستفدن منه.
نحن كنساء شمال وشرق سوريا خطونا العديد من الخطوات، سواء في نظام الرئاسة المشتركة، أو في كوتا المرأة المحققة بنسبة 50%، وكذلك إحدى الخطوات التاريخية لعام 2024 هو كتابتنا للعقد الاجتماعي الخاص بالمرأة، رغم أنّ كتابته لم تنته بعد إلاّ أنّها خطوة تاريخية بحد ذاتها، هذه الخطوة سيتم استكمالها، لكن يمكن القول بأنّ هذه التطورات التي حصلت في سوريا نهاية العام جاءت أيضاً كحركة مضادة لثورة المرأة وثورة الشعوب. أي أننا اليوم نرى أنّ ما تريده حكومة دمشق الجديدة هو القضاء على مكتسبات المرأة في السنوات الأخيرة وفرض نظام أبوي متحيز جنسياً لا يشمل إرادة المرأة، وحتى لا يشمل وجودها في كافة المناطق السورية. منذ الأيام الأولى رفضت المرأة هذا الوضع وأبدت مواقف رافضة تجاهه. هذه المواقف مهمة جداً ولها معاني عظيمة، لأننا كنساء إذا لم نحلل هذا الوضع الحالي بشكل جيد، وندرك هذه المخاطر وننظم أنفسنا ونوحد قوانا فسنواجه بالفعل عواقب وخيمة.
علينا أن ندرك تماماً أنّ هذه القوى المهيمنة لا تعطي أي أهمية لحرية المرأة ولا للديمقراطية، المهم بالنسبة لها هو فرض سيطرتها، وتعزيز قوتها العسكرية، والربح اقتصادياً. فهذه القوى قادرة على أن تضحي بكل النساء من أجل تحقيق مكاسبها.
إنّ ما حصل في أفغانستان مثال مؤلم بالنسبة لنا. أعادت هذه القوى المهيمنة حركة طالبان من جديد وسمحت لجرائم قتل النساء بالحدوث يومياً في أفغانستان. وهنا أعني أنّ كل نساء أفغانستان يعشن في السجون فهنّ مسجونات في بيوتهن، مسجونات تحت ملابسهن، لا يُسمح لهنّ برؤية أي شيء، لقد مُنِعنَ من الرؤية، وأُقفِلَتْ أفواههن، ولا يسمح لهن بالدراسة ولا العمل. وبعبارة أخرى النساء تباد في أفغانستان، وقد نواجه الإبادة نفسها في سوريا إذا لم نقيم كنساء هذا الخطر والتهديد ولم نبين موقفنا وننهي هذه التهديدات.
ولذلك نقول؛ شهد عام 2024 وخاصة بالنسبة للمرأة السورية العديد من الخطوات التاريخية وواجهت العديد من التهديدات وهذا سيؤثر بطبيعة الحال على عام 2025. باستطاعتنا القول بأنّ شمال وشرق سوريا ستلعب دوراً حاسماً في مستقبل سوريا أكثر من السابق. إذا قمنا بحماية نظام المرأة والشعوب والأمة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وضمنّا ذلك في الدستور السوري المستقبلي سنكون قادرين على وقف سياسات هيئة تحرير الشام، لكن إذا لم نستطع أن نحمي نظامنا فلن نستطيع حماية ثورتنا أيضاً. إننا كحركات نسائية اليوم أمامنا مهام تاريخية. إمّا أن نحمي وجودنا وثورتنا أو نستسلم ونقبل حياة العبودية، حياة القهر، حياة بلا إرادة، وهذا يعني الموت بذاته.
وعلى أساس الأحداث الواقعة يمكن القول؛ بأنّ العبء الأكبر يقع على عاتق نساء شمال وشرق سوريا للقيام بدورهم على مستوى سوريا. كنساء هذه الأرض دعونا نفهم أنّ فشل ثورتنا هنا يعني أنّ المرأة ستعود مائة عام إلى الوراء، ستبقى في الخلف وستعود إلى الواقع الذي كانت تعيشه المرأة سابقاً، بل والأسوأ منه هو أنّ هذا الوضع سيؤثر بشكل كبير على المرأة والعالم أجمع. لأنه في الحقيقة، الثورة أبدت خطوة كبيرة لحرية المرأة على مستوى العالم كله، كما يطلق عليها تأثير الفراشة، في نفس الوقت أي نتائج سلبية ستؤثر بنفس القدر. دعونا نتخيل إذا مررنا بوضع مثل أفغانستان!! إلى أي مدى ستتمكن المرأة في تركيا من حماية حقوقها؟ كيف ستحمي نفسها في العراق؟ في لبنان والأردن؟ ستكون هذه بمثابة موجة لكنها موجة العبودية والانتكاسة لجميع النساء، وموجة الشرق الأوسط بالتالي ستؤثر على جميع نساء العالم.
ولهذا نقول: إنّ الأحداث التي تجري في سوريا لن تؤثر على المرأة السورية فقط، بل ستؤثر على جميع نساء العالم. وعلينا أن نحلل الأوضاع بهذا الوعي ونتخذ التدابير اللازمة. برأينا؛ نحن بحاجة لنقل ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا إلى كافة المناطق السورية، ويجب أن نحمي النتائج المحققة في شمال وشرق سوريا، كما يجب أن نناضل بكافة السبل، من الناحية العمليّة والأيديولوجيّة والتنظيمية والسياسية، والعمل على نشر الفكر التحرري.
نحن كنساء سوريات بحاجة إلى وضع استراتيجية مشتركة. فلنتعاون معاً ونوضح للنساء أولاً أنّ حقيقة الأمر هي مسألة الوجود أو اللاوجود. أي أننا إذا لم نتخذ تدابيرنا الآن، ولم ننتفض ونناضل، فلن نتمكن من حماية حقوقنا غداً. البداية مهمة جداً، البداية تحدد النهاية أيضاً. إذا كان لدينا موقف منذ البداية وعملنا معاً وقمنا بتعزيز تنظيمنا فسنكون بالتأكيد قادرين على إيصال صوتنا لكافة النساء والقوى الديمقراطية، وسنحدد وجودنا في الساحة السياسية السورية وننهي كافة التهديدات.
وفي هذا الصدد فإنّ الدور الريادي يقع على عاتق نساء شمال وشرق سوريا بكافة مكوناتها (المرأة السريانية، والآشورية، والأرمنية، والتركمانية، والعربية، والدرزية … الخ). لأننا كنساء عشنا تجربة ناجحة هنا، لقد خطونا خطوات كبيرة من أجل الحرية. قمنا ببناء نظام للنساء باستطاعتهن إيجاد حريتهن فيه وعلى قدم المساواة. نحن بحاجة إلى مشاركة هذه التجربة الفريدة مع كافة النساء السوريات.
فلننقل هذه المكتسبات من شمال وشرق سوريا إلى كافة المناطق السورية، حتى لا تختنق ثورتنا. فمفاهيم التطرف الدينوي والقوموي والتمييز الجنسوي كلها تكمل بعضها البعض، ولا يمكن فصلها. أي أنّ هذا النظام الأبوي يرتكز على هذه الركائز الثلاث. فإذا لم يتم الاستفادة من هذه العناصر الثلاثة فلن يتمكن هذا النظام من الاستمرارية.
حتى لا تنجح هذه الأنظمة وتتموضع، من المهم جداً أن نقف نحن النساء ضدها كالعاصفة. يجب ألا نتسامح مع العنصرية، فالعنصرية تشكل تهديداً كبيراً لمنطقتناً، العنصرية ستفرقنا وتضعف قوانا، ولن تسمح لنا بأن نرى تنوعنا واختلافات مجتمعاتنا. يجب أن نبرز جمالية هذا التنوع الاجتماعي. التعصب الدينوي يستعبد المرأة أكثر من غيرها، فالواقع المتواجد فيه مفهوم التعصب الدينوي يُستحال الحديث هناك عن حرية المرأة. أينما وجد التعصب الدينوي، يتواجد هناك مفهوم العنصرية أيضاً.
اليوم هناك ديانات كثيرة في منطقتنا، هناك العديد من المعتقدات، هذه الديانات بحاجة ملحة أن تعبر عن ذاتها في مسيرة الحرية. وكما أنّ التعصب الدينوي والقوموي ينتجان معاً التعصب الجنسوي، فأينما وطأ التعصب الدينوي والقوموي لا يمكننا الحديث عن حرية المرأة هناك. لأنّ النساء متجزئات هناك، ضعيفات بلا حقوق، تمارس بحقها الفاشية. لذلك؛ فإن الأمة الديمقراطية هي نظام حرية المرأة والمعتقدات، وأساس الحياة النِدِيِّةِ الحرة، فلنعمل على ترسيخها معاً.
الآن، للأسف هناك بعض النساء الداعمات لهذا النظام الرجعي. هؤلاء النساء اللواتي حُجبَ فِكرُهنَ وعُصبت أعيُنهن، وقُفلت أفواههن، وسُلبت إرادتهن منهن، علينا أن نكسب هؤلاء النساء أيضاً. لأنه يتم استغلالهن ضد ثورة المرأة. الرجال يضربون المرأة بالمرأة. المرأة التي لم تعِ بعدُ حريتها، ولم تنفصل بعد عن العبودية، فإن الرجال يستغلونها ضد ثورة المرأة. يجب أن نكون حذرين في هذا الاتجاه، ويجب أن نحاول مراراً كسب هؤلاء النساء وألا نسمح لهذا النظام الأبوي بتفريقنا.
علينا أن نكون حذرين جداً بشأن هذا الأمر، إذ يبدو أنهم سيقومون بالعديد من المساعي في هذا الاتجاه. فما حدث في حلب خير مثال على ذلك، فقد قاموا بفصل النساء عن بعضهن البعض، النساء اللاتي تدربن على الفكر التطرفي وغسلوا أدمغتهن تم استخدامهن ضد النساء الطامحات للحرية. علينا أن ندرك هذا الخطر ونتخذ التدابير اللازمة. يجب الانتهاء من وضع “عقدنا الاجتماعي”. عقد المرأة الخاص بها، لا ينبغي أن ينحصر في شمال وشرق سوريا فقط، بل يجب أن يشمل كل النساء السوريات على مستوى البلاد وعلى كافة النساء السوريات حماية هذا العقد. لذا، هناك حاجة إلى عقد العديد من الأعمال الخاصة في هذا الشأن، أي عقد الملتقيات والمؤتمرات الشاملة. يتطلب منا اليوم لم شمل كل النساء السوريات في العقد الاجتماعي الخاص وهذا عمل مهم نود التركيز عليه.
أعتقد أنه من الضروري جداً أن ينتشر علم الجنولوجيا في كافة المناطق السورية، فهذه فرصة لنا للنظر إلى القضايا برؤى الجنولوجيا، ونحلل الأحداث بوجهة نظر الجنولوجيا، وكلما نشرنا مفهوم علم الجنولوجيا، كلما استلهمت المرأة منه سبل حماية ذاتها وحقوقها بأساليب علمية.
باستطاعتي القول وبشكل عام؛ أمامنا عام صعب للغاية، عام 2025. أمامنا عام من النضال، علينا أن نقود هذا النضال العظيم بعزيمة وإصرار كبيرين. كما يتطلب توسيع نضالنا بين كل النساء والتواصل مع نساء الشرق الأوسط والعالم، وأن نتحرك على أرضية نضال مشترك. لأننا بحاجة ماسة لتكاتف كافة نساء العالم. وينبغي عقد منصات مشتركة معهن. كما يتوجب على النساء في كافة أنحاء العالم التضامن مع ثورة المرأة. أظهروا دعمكم وتعاونكم معنا لأنّ الخطر اليوم ليس علينا فقط، بل على حقوق جميع النساء.
إنّ شمال وشرق سوريا بات اليوم قلعة لثورة المرأة، حصناً لحرية المرأة. لكي تحمي هذه القلعة نفسها وتصبح أساس حرية جميع النساء السوريات، من المهم جداً أن يحظى بدعم كافة النساء في العالم. لذا نقول؛ نؤمن أنّ عام 2025 سيكون عاماً جديداً لنضال المرأة من أجل الحرية، بوحدتنا وإرادتنا سنتغلب على كل هذه التهديدات. إنّ قوة المرأة هي قوة عظيمة جداً. وكما أن ثورة “المرأة، الحياة، الحرية” هزت النظام الأبوي في 2023 -2024، فإننا نؤمن بأنّه في عام 2025 سنواصل نحن النساء نضالنا وفق هذا المفهوم لضمان حقوقنا.
ولهذا؛ يتطلب من المرأة أن تدافع عن نظام الأمة الديمقراطية. إنّ أطروحة الأمة الديمقراطية ضمانة لحرية المرأة. حيث تتقبل الشعوب بعضها البعض، ويثقون ببعضهم البعض، توجد الديمقراطية، وأينما وجدت الديمقراطية، تبرز حرية المرأة هناك.
“نحن أمام امتحان كبير، وعلينا كنساء أن نتأهب وننظم أنفسنا جيداً، حتى ننجح في هذا الامتحان”