مجلس المرأة لعوائل الشهداء قدوة فعّالة للمرأة المضحّية – جواهر إبراهيم عثمان
مجلس المرأة لعوائل الشهداء قدوة فعّالة للمرأة المضحّية
” العشرات من العوائل وخاصةً الأمهات قد استشهد لهن
اثنان أو ثلاثة من الأبناء والبنات ولا زلن في مقدمة الفعاليات.
حقيقةَ نبارك لأنفسنا كأمهات الشهداء وجميع النساء،
بأننا صاحبات فكر حر ونلتزم بعهدنا وقسمنا للشهداء والقائد”
جواهر إبراهيم عثمان
إدارية مجلس المرأة لعوائل الشهداء في إقليم شمال وشرق سوريا
الشهداء هم قادتنا المعنويون، وهم حماة الأرض وكرامة الإنسان وعظمة الشعوب. يقول المفكر عبد الله أوجلان عن الشهادة وعظمة الشهداء: “الشهداء هم من يصنعون التاريخ ويرسمون المستقبل”. وعن حقيقة الشهادة هي طريق للخلود الأبدي وشهداؤنا بشهادتهم يصنعون الحياة الحرة. ولأن المرأة مثلها مثل الرجل كانت في ساحة الدفاع ووصلت لمراتب الشهادة، وكانت رمزاً للفداء والتضحية التي هي أحد الصفات الأساسية التي تتميز بها المرأة المعطاءة، والمرأة التي قال فيها التاريخ أنها تنجب الأبطال وتصنع المعجزات، وتحتوي في جوهرها الأمانة والوفاء، تلك المرأة توجت عظمتها على صفحات ثورتنا العظيمة.
ولنا في تاريخ ثورتنا المئات من الشهيدات اللواتي سطرن أعظم ملاحم البطولة والفداء مثل؛ الشهيدة زيلان التي كتب وقيم شخصيتها القائد حيث قال: “إنها قائدتي وملهمتي”. والشهيدة القيادية بريتان التي هزمت جميع أساليب الخيانة ولم تستسلم للأعداء والخونة، هي من تلك النساء المقاومات والمضحيات إلى آخر رمق من دمها. والشهيدة ساكينة جانسيز التي رافقت القائد في كل مراحل الثورة، والشهيدة الأيزيدية بيريفان وزكية ألكان التي أضرمت جسدها نوراً لتنير دروبنا، ومثلها الشهيدة فيان صوران وبطلة مقاومة العصر آفستا خابور والشهيدة بارين وآرين ميركان والعشرات من اللواتي جسدن النضال والمقاومة التاريخية في وجه الأنظمة المستبدة والسلطوية والفكر الظلامي كداعش. وقبلهن بعقود كانت ذهنية الدولة التركية الفاشية المحتلة التي أرادت أن تقمع وتبيد ثقافتنا وإرثنا وتمحو تاريخنا، وقامت بمجازر ضد الشعب الكردي كمجازر ديرسم وغيرها.
أرادوا أن يكسروا إرادة المرأة في المجتمعات فكان انتقام شهيداتنا عبر العصور انتقاماً أجبر جميع المتآمرين على وجود المرأة والمجتمعات، بأن تعترف بوجود المرأة بأنها إرادة حرة، فتلك الشهيدات القياديات كن كفيلات بحمل شعلة الثورة وضمان استمراريتها إلى هذه اللحظات التي نعيشها بحرية وإرادة قوية. لذا، اعتمد القائد في طرحه على بناء مجتمع ديمقراطي حر، أنه يجب أن تفتح المرأة آفاق التقدم لنفسها وتناضل بكل قواها لتصل إلى أهدافها في التحرر، فكانت المرأة عند حسن ظن القائد بها لتحمي الثورة كما تحمي المبادئ. انضمت المرأة لصفوف الثورة منذ عقود من الزمن وناضلت في الساحات التنظيمية والإدارية وكانت متصدرة في الانتصارات، وفي ثورة روجآفاي كردستان وشمال وشرق سوريا، كان لها الدور الأساسي في إحياء الثورة من كل جوانبها فكرياً وعقائدياً واستطاعت أن ترسخ فكر القائد ونهج الأمة الديمقراطية، وهو المشروع الذي تعتمده شعوب شمال وشرق سوريا بكل أطيافه ومذاهبه وقومياته، لتتحد في بوتقة النضال التحرري فكرياً ولا زالت المرأة تأخذ الدور الريادي في نشر هذه الأفكار من خلال التدريب والتوعية وعلى جميع الأصعدة.
ودور المرأة في عوائل الشهداء وآلية تنظيم النساء يكون من خلال تشكيل مجالس في المدن وتفعيل الكومينات العائدة للعوائل، حيث تعتبر المرأة وفي شخص الأم هي أساس الارتباط والانتماء لخط الشهداء وفكر القائد عبد الله أوجلان. وهناك الآلاف من الشهداء والشهيدات اللواتي ضحين بأنفسهن لأجل إبقاء نار الثورة مشتعلة في قلوب كل تواق إلى الحرية. لذلك، نعتمد على تقدم المرأة تنظيمياً وإدارياً كأساس تقدم المجلس بلجانه وإداراته.
فقبل إنشاء مجلس المرأة في عوائل الشهداء كانت هناك لجان في المدن تتولى أمور العوائل، ولكن كانت بشكل عام. حيث يتم إعلان الشهداء وإقامة المراسيم والاهتمام بالعوائل وأبناء الشهداء، لقد ارتأينا كحركة المرأة وأثناء ثورة 19 تموز في روجآفاي كردستان ووصولاً إلى المناطق المحررة في شمال وشرق سوريا، أنه كان علينا أن نشكل مجالس خاصة بتنظيم النساء في عوائل الشهداء من خلال تشكيل لجان ومجالس للوصول إلى كل النساء إن كانت أم شهيد أو زوجة شهيد أو أخت شهيد أو ابنه شهيد. لأن المرأة في عوائل الشهداء هي من تحمل عبء الألم والمعاناة وإلى جانب ذلك تأخذ الصفوف الأولى للدفاع عن مبادئ الشهداء وتحمي المكتسبات التي جاءت بتضحياتهم. لأنها الراعية الأولى لذاك الميراث، حيث تربي وتهتم وتضحي لأجل أبناء الشهداء، ولأجل أن يتممن أهدافهم التي استشهدوا لأجلها ألا وهي الدفاع عن كرامه الإنسان، وعلى هذا المبدأ كان من الضروري أن نشكل مجلس يحتوي كل هذه الطاقات وينظمهن، من خلال لجان التدريب والتوعية والمتابعة لشؤونهن وحتى أبناء الشهداء الذين نعتبرهم مسؤوليتنا الأولى ونعطيهم الأولوية بكل الإمكانات المادية والمعنوية وجلّ اهتمامنا هم أبناء الشهداء والزوجات.
دور المرأة في عوائل الشهداء وأثناء الثورة ومنذ عقود كان ولا زال الدور البارز والأساسي في حمل راية الشهداء وعلى رأسهن الأمهات اللواتي كنّ في مقدمة استقبال وإعلان الشهداء، وفي مقدمة من أقسم أن يناضل لأجل نهج الشهداء، وحملن على عاتقهن ثقل ما خلفه الشهيد وما تركه من مسؤوليات. فنظمن أنفسهن ضمن المجالس وعملن بكل جد وبكل جديّة وتقدمن بخطوات عملية على الصعيد الفكري والاجتماعي والإداري والسياسي والثقافي وأخذن مكانتهن في الرئاسات المشتركة، وكناطقات لمجالس المرأة في المدن والكانتونات، وانضممن إلى الدورات التدريبية، وكان لهن دور مميز في متابعة أمور أبناء الشهداء والعائلة ككل، وأصبحن يمتلكن حق القرار في تحسين أوضاعهن ضمن العائلة وتحصيل حقوقهن من الميراث وحق الحضانة، وما إلى ذلك من استقلالية، وحتى أخذ قرارات حاسمة ضد العادات والتقاليد البالية في المجتمع، فامتلكن قوة في تقرير مصيرهن ومصير أولادهن.
تأسيس مجلس المرأة لعوائل الشهداء
منذ تأسيس المجلس في عام 2018وحتى 2024، كان هناك تقدم تنظيمي ملحوظ عند النساء في العوائل حيث الالتزام بالاجتماعات الشهرية وبشكل دوري، ابتداءً من الكومينات ووصولاً إلى المجالس في المدن والكانتونات، حتى مستوى شمال وشرق سوريا. حيث أن مجلس المرأة لعوائل الشهداء يتكون من الناطقات والرئاسات المشتركة في الكانتونات السبعة وعددهن 21 عضوة مع الإدارية العامة للمجلس وتسمى المنسقية الضيقة للمجالس، مع اثنتين من المستشارات، ولدينا نظام داخلي نحافظ من خلاله على حقوق المرأة والأبناء في العوائل. وشروط العضوية هي: كل من يؤمن بفكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان ونهج الشهداء والثورة، ويتضمن أحكام تلزم جميع الأطراف بالتقيد بها. ويعقد الكونفرانس كل سنتين والنظام الداخلي قابل للتعديل حسب مقتضيات المصلحة وخصوصية النساء في المجلس والكونفراس مفوض بالخروج بتوصيات وقرارات وتغييرات إدارية لصالح المجلس.
وأيضا قمنا بفعاليات في عام 2024، لجان خاصة “لأمهات السلام” في الكانتونات المحررة وهن أمهات الشهداء اللواتي يأخذن مواقف جدية من ممارسات الدولة التركية المحتلة والهجوم السافر على مناطقنا واستهداف القياديات والقياديين في الحركة. وتأخذ النساء في المجالس دوراً كبيراً في إطلاق البيانات المنددة بهذه الممارسات واستذكار الشهداء والشهيدات القياديات منذ انطلاق ثورة الحرية، والقيام بفعاليات لأجل تحرير القائد جسدياً والمشاركة في الفعاليات العامة والخاصة والمشاركة بأعداد كبيرة في المدن والنواحي، حيث ينزلن الساحات ويتقدمن في رأس المسيرات المناهضة للعنف ضد النساء والمناسبات الوطنية.
دائماً أمهات الشهداء يثبتن دورهن الفعال في كل المجالات للدفاع عن حقوق النساء والرفع من سوية المطالبات حتى أنهن يشاركن في الندوات والحوارات الدولية للتعريف عن مدى وصول المرأة في الثورة إلى التضحيات التي بذلتها لإنجاح الثورة والوصول بالنساء إلى أهدافهن بالتحرر وإيصال أصواتهن إلى المنظمات الحقوقية والعالمية. وإن شرحنا الصعوبات التي تواجه المرأة وخاصة الزوجات فإنها كثيرة ومعقدة إلى حد ما، وخلال عام كامل من التحديات حقيقة كان هناك عدد كبير من الشهادات وكلما أعلنا شهيداً تزداد مسؤولياتنا بانضمام عائلة شهيد للمجلس من زوجة أو أم أو بنات وأبناء، فتكون هناك صعوبات نواجهها كمجلس وهذه الصعوبات هي كيف نحافظ على إرث الشهيد ونهتم بشؤونهم وخاصة الزوجة والأولاد حيث تتعرض الزوجة الشابة لضغط الزواج وترك الأولاد، وهذه إحدى سلبيات العادات والتقاليد. وهنا تبدأ المواجهة بيننا وبين عائلة الزوجة وعائلة الشهيد فيضطر المجلس هنا إلى أن يأخذ قرارات حاسمة للحفاظ على زوجة الشهيد، حيث تربي الأولاد في كنفها ولكن للأسف ما زالت الكثير من الزوجات تنصاع لقرارات العائلة بترك الأولاد والزواج بأخ الشهيد أو برجل آخر، ويصبح أولاد الشهيد ضحية هذه النزاعات العائلية وهذه العادات، وهنا تُحرم من حضانة الأولاد وبعض الأحيان تُحرم من حقوقها المشروعة.
وهناك بعض العوائق تبطئ آلية العمل التنظيمي للمجلس وتعيق نسبة الانضمام لحلقات التدريب كعدم التنسيق بين العوائل والمجالس في حل هذه المشاكل أو حتى تجاهل قرارات المجلس علماً أن أغلب الوقت يذهب لصالح حلها، كالميراث وشرعية امتلاكه من قبل الزوجة والأولاد والأمور القانونية التي لم نجد لها الحلول في المجلس مع الجهات الحقوقية كالمحاكم وغيرها من الجهات المؤسساتية. ورغم هذه الصعوبات والعوائق فإن المجلس بإداراته ولجانه المختصة كالإصلاح والمتابعة يحاول بكل الوسائل أن يصل إلى كل النساء في العوائل. وعن علاقاتنا مع المجالس وحركة المرأة فإننا نقوم بالتنسيق المستمر وذلك لترسيخ آلية العمل من الناحية التنظيمية وخاصة المبادئ المنصوص عليها في حماية المرأة وحقوقها، حيث نأخذ القوانين والقرارات الخاصة بالمرأة بعين الاعتبار ونؤكد عليها. ونعمل حسب الحقوق الممنوحة للنساء، وكفاحنا ونضالنا يكون في ذاك الإطار، والبرنامج والهدف لا ينفصل عن ذلك.
أما العلاقات التي نعمل عليها هي على مستوى كافة المكونات، لأنها جميعاً مشاركة في مشروع الأمة الديمقراطية الذي ترسخ بتضحية بنات وأبناء ذاك الموزاييك، ونتواصل مع الممثلية لهذه المكونات وعوائلهم، مثل مجلس عوائل الشهداء السريان، الذي يملك خصوصيته الدينية على سبيل المثال. ولنا برامج مع حركات نسائية ومجالس المرأة في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية، ومجلس تجمع نساء زنوبيا، وأيضاً مجلس المرأة في حزب الاتحاد الديمقراطي، ومجلس المرأة في حزب سورية المستقبل، ومنظمة سارة الحقوقية، ومنظمات حقوقية أخرى، ومحاكم الشعب للسعي وراء تضمين حقوق النساء وأبناء الشهداء.
ونعمل جاهدين للتواصل مع عوائل الشهداء في الأجزاء الأربعة في كردستان، وحتى عوائل جرحى الحرب، ونعترف بأن كل امرأة قُتلت على يد أي نظام طاغي أو أي رجل فهي شهيدة وأينما كانت. وأننا نساند ونؤيد أي حركة نسائية في سوريا وكردستان والعالم، وسنكون داعمين لهن ونأخذ على عاتقنا مناهضة العنف الممارس ضد النساء أينما كانت وسنحارب بكل قوتنا ذهنية قتل النساء من قبل الرجال بذريعة الشرف وعادات المجتمع البالية وسنناضل لرفع المعاناة عن المرأة. ونحن مؤمنات بأن هذا المجلس الذي يسعى للحفاظ على مكتسبات الشهداء وصون كرامة عوائل الشهداء، سيكون دائماً جواباً شافياً لكل النساء اللواتي فقدن فلذات أكبادهن وقلوبهن مليئة بالإصرار والإرادة. والزوجات اللواتي فقدن أزواجهن الآلاف منهن يحملن أمانة غالية، ويحافظن عليها حتى أخوات الشهداء وبناتهن لم يكن أقل جرأة لأخذ أماكنهن في صفوف النضال الثوري.
وهناك العشرات من العوائل وخاصة الأمهات قد استشهد لهن اثنان أو ثلاثة من الأبناء والبنات ولا زلن في مقدمة الفعاليات. حقيقةَ نبارك لأنفسنا كأمهات الشهداء وجميع النساء، بأننا صاحبات فكر حر ونلتزم بعهدنا وقسمنا للشهداء والقائد، وأننا سنستمر في نضالنا حتى تحرير القائد عبد الله أوجلان جسدياً وبفلسفة المرأة، الحياة، الحرية سنضمن حقوقنا بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم.