الساحة الدبلوماسية تفتح آفاقاً أوسع للمرأة – روكن أحمد
الساحة الدبلوماسية تفتح آفاقاً أوسع للمرأة
نحو تشكيل الفيدراليات النسائية
“العمل الدبلوماسي للمرأة الكردية يمثل الجسر
الذي يربط ثورتها بالاتحادات النسائية، ويعرّف المجتمعات والشعوب الأخرى
بقضية نضالها من أجل الحرية والعدالة،
فالمرأة الكردية حولت ثورتها إلى ثورة نسائية عالمية تتخطى كافة الحدود”
روكن أحمد
عضو لجنة العلاقات والاتفاقيات السياسية الديمقراطية لمؤتمر ستار
مع التحليل العميق لدور المرأة الكردية عبر التاريخ، نجد أنها كانت رمزاً للمقاومة وحافظة للهوية الثقافية في منطقة موزوبوتاميا. لم تكن المرأة الكردية مجرد حارسة للغة والتراث الشعبي، بل تجلى دورها كقوة نضالية في وجه الأنظمة القمعية التي حاولت طمس الهوية الكردية. فقد زرعت في أبنائها حب اللغة والثقافة، مجسدةً حمايةً للذاكرة الجمعية وإرثاً للشعب الكردي. فمن خلال مشاركتها في النضال السياسي والاجتماعي برزت كقوة فاعلة للمقاومة رغم العنف المزدوج الذي تعرضت له من قِبل قوى الاحتلال ومن الأعراف التي كانت تسعى إلى تقييد دورها. هكذا أصبح دور المرأة الكردية أساساً في ثورة الشعب الكردي من أجل الحرية والكرامة، وعنواناً للصمود والمقاومة. في عام 2024، واصلت المرأة الكردية من خلال “كونكرا ستار” تأكيد دورها الدبلوماسي والسياسي في روجآفا وشمال وشرق سوريا بشكل عام، وذلك بفضل مكتسبات ثورة المرأة في روجآفا. فعلى الرغم من الصراعات الإقليمية المتفاقمة، بما فيها الحرب في غزة وأزمات العراق ولبنان والسودان، والهجمات التركية المتواصلة على مناطق شمال وشرق سوريا أثبتت المرأة الكردية قدرتها على الحفاظ على تماسك التنظيم الداخلي، والعمل على تنظيم حركات نسائية تسعى للتصدي لكل محاولات كسر إرادتها وإضعاف مكتسباتها. استندت دبلوماسية المرأة في “كونكرا ستار” على مفهوم المقاومة من جهة، وبناء جسور التعاون من جهة أخرى، فتوسعت التحالفات النسائية إقليمياً وعالمياً لتعزيز التضامن ونصرة نضال المرأة في المنطقة.
علاوة على ذلك، شهد هذا العام خطوات مهمة نحو الانفتاح على الخارج من خلال الزيارات الرسمية التي قام بها ممثلو كونكرا ستار إلى دول مثل لبنان والعراق ومصر والمغرب وسويسرا وأوروبا. ساهمت هذه الزيارات في حضور مؤتمرات إقليمية ودولية تهدف إلى التعريف بمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، وفضح الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها الدولة التركية المحتلة ضد الشعب الكردي، مع المطالبة بمحاسبة المجرمين. كما تم تقديم ملفات توثيقية أعدها مركز المعلومات لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، بهدف تعزيز التحالفات مع التنظيمات النسائية العالمية من أجل تبادل المعرفة والتضامن والمناصرة المشتركة للنضال النسائي على مستوى العالم. إن العمل الدبلوماسي للمرأة الكردية يمثل الجسر الذي يربط ثورتها بالصوت العالمي، ويعرّف المجتمعات والشعوب الأخرى بقضية نضالها من أجل الحرية والمساواة. وبدلاً من أن تبقى الثورة مجرد حركة محلية، أضحت من خلال الدبلوماسية قضية إنسانية عالمية تتخطى الحدود. ويأتي هذا الدور الدبلوماسي في وقت تزداد فيه التحديات والتهديدات على مكتسبات ثورة المرأة في شمال وشرق سوريا. فمن التهديدات الخارجية المتمثلة في الاعتداءات التركية المتكررة إلى الصراعات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، تُعزز هذه الظروف من أهمية وجود دبلوماسية نسائية قوية قادرة على تمثيل قضية ثورة المرأة وصمودها في الخارج.
الدبلوماسية النسائية
في الشرق الأوسط تبرز الحاجة الملحّة لتوحيد الجهود النسائية، وتشكيل جبهة قوية في مواجهة التيارات المتطرفة التي تستغل الدين لممارسة أفظع الانتهاكات بحق المرأة. فالصراعات الإقليمية غالباً ما تُلقي بظلالها الثقيلة على النساء، حيث يكنَّ الضحايا الأبرز للعنف والتشريد وفقدان الأمان. إن تفعيل دور الدبلوماسية النسائية وإفساح المجال أمام المرأة لتحتل مكانتها في السياسة بعيداً عن الذهنية الذكورية المهيمنة يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق السلام والأمان. فالمرأة بطبيعتها المتصالحة وقدرتها على التغيير تملك مفاتيح الديمقراطية والمجتمع العادل. ومن خلال تضامنها يمكن أن تشكل قوة رادعة تقف في وجه السياسات العدائية، وتدفع نحو مستقبل يضمن الحرية والمساواة.
كما وتواجه دبلوماسية المرأة في شمال وشرق سوريا تحديات كبيرة، لكنها في الوقت ذاته تنطوي على آفاق واسعة وفرص واعدة. تتجلى التحديات في البيئة السياسية غير المستقرة التي تحيط بالمنطقة، حيث تعرقل التوترات الإقليمية والصراعات المستمرة إمكانية التعاون الدولي الفعال، ما يجعل من الصعب تحقيق تأثير ملموس على الساحة الدولية. كذلك يشكل تصاعد السياسات القمعية تجاه المرأة عائقاً أمام تطور حركات التحرر، حيث تسعى العديد من الأنظمة إلى تقويض النشاط النسائي وتجريم الأصوات التي تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية. وتبرز أيضاً مشكلة ضعف الوعي العالمي بأهمية مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية كنهج ديمقراطي، مما يزيد من الحاجة إلى جهود توعوية مكثفة لكسب التضامن والدعم.
ورغم هذه التحديات هناك فرص كبيرة لبناء شبكة دعم عالمية واسعة، حيث يتزايد الاهتمام العالمي بقضايا حقوق الإنسان وحرية المرأة، مما يوفر أرضية خصبة لتطوير التحالفات والتعاون مع حركات وتنظيمات نسائية يشاركن القيم ذاتها. كذلك يُعد التطور السريع في الإعلام الرقمي فرصة يمكن من خلالها الوصول إلى جماهير جديدة والتأثير في الرأي العام على نطاق أوسع، ما يسهم في تعزيز رؤية النموذج الكردي للديمقراطية والمساواة. وهذا الالتزام بالعمل الدبلوماسي والسعي نحو التغيير مدعوماً بمزيج من المبادرات التوعوية والتعاون المتنامي يشكل نهجاً واعداً للتغلب على التحديات المحيطة، وبناء مستقبل يعزز من دور المرأة ويخدم قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة على المستوى الإقليمي والدولي.
تشكل الاستراتيجية الدبلوماسية لكونكرا ستار لعام 2025 محوراً مهماً لتعزيز نضال المرأة الكردية وتوسيع تأثيرها الإقليمي والدولي. وفي قلب هذه الاستراتيجية يأتي العمل المكثف من أجل تحقيق الحرية الجسدية للمفكر عبد الله أوجلان، حيث يعتبر تحريره رمزاً لتحرير المجتمع الكردي وإرساء مبادئ الحرية والمساواة التي يدعو إليها. ستتضمن الجهود الدبلوماسية التركيز على إقامة حملات متكاملة ترفع الوعي الدولي بالقضية، مما يتطلب تعاوناً واسعاً مع المنظمات النسائية والحقوقية والجهات الداعمة لحقوق الإنسان والمجتمعات المؤمنة بالحرية والديمقراطية، وذلك بهدف خلق ضغط سياسي مستمر لإطلاق سراحه. كما وتهدف العلاقات الدبلوماسية إلى حل القضية الكردية، وتوطيد الروابط الاستراتيجية مع الحركات النسائية العربية، لضمان ديمومة مكتسبات الثورة وحمايتها من الأخطار المحدقة بها. يُعد تحرير المناطق المحتلة وتنظيم الجهود ضد الاحتلال من أولويات العمل الدبلوماسي، ما يعكس الإصرار على مواجهة كل أشكال القمع والاحتلال.
من خلال هذه الاستراتيجية تُعزز كونكرا ستار من نشر نموذج المفكر عبد الله أوجلان الذي يعتمد على ثلاث ركائز أساسية؛
1 – الديمقراطية المبنية على مشاركة الجميع في اتخاذ القرارات
2 – والإيكولوجيا التي توازن بين الإنسان والطبيعة
3 – حرية المرأة التي تعد حجر الأساس في بناء مجتمع حر ومزدهر.
ولتحقيق هذا الهدف والسعي إلى تحقيق الكونفدرالية النسائية تم تنظيم ندوات ومؤتمرات دولية توضح مبادئ هذا النموذج الفلسفي. إضافةً إلى تقديم برامج توعوية إلكترونية للنساء في المجتمعات المختلفة، لتشجيعهم على تبني هذه المبادئ وتطبيقها. ستكون العلاقات الدبلوماسية وشبكات التضامن النسائية التي يتم بناؤها وتطويرها جزءاً رئيسياً من توسيع هذا النموذج، حيث نتطلع إلى توسيع العلاقات المتبادلة بين كافة النساء للوصول إلى الحرية والعدالة.
كما تحرص كونكرا ستار على توظيف الإعلام الجديد وإمكاناته الواسعة لنشر رسالة المرأة الكردية والنضال من أجل الحرية. ويعتمد هذا التوجه الإعلامي على استراتيجيات رقمية تهدف للوصول إلى جماهير عالمية متعددة اللغات والثقافات، عبر إنتاج محتوى بصري وأدبي يعكس واقع المرأة الكردية ونضالها من أجل التحرر.
نحن العاملات في لجنة العلاقات والاتفاقيات السياسية الديمقراطية لمؤتمر ستار سنكون منتظمات حسب روح المرحلة الجارية، حتى وإن كانت الصعوبات والتحديات قوية جداً فإن عزيمتنا وإرادتنا ستكون أقوى. فالاستراتيجيات التي وضعناها بالنسبة لطاولة أعمالنا الأساسية لعام 2025 ستكون أكثر نجاحاً ونضالاً. عام 2024 كان بالنسبة لنا عاماً مليئاً بالنشاطات المتنوعة والفعاليات التاريخية. فوجود المرأة في الساحة الدبلوماسية هو خطوة عظيمة لها أثر بارز في تفعيل دور المرأة في كافة المجالات السياسية.